سنة بعد فاجعة قتل 28 عاملة وعامل بطنجة، ظُروف العمل في ترد مقصود. لا مُنقذ غير المقاومة العمالية
البيان بصيغة pdf
حلت يوم 8 فبراير 2022 الذكرى السنوية الأولى لقتل 28 من أبناء الطبقة العاملة وبناتها في مصنع في قبو غمرته المياه في طنجة. كانت هذه الجريمة تذكيرا بأن ظروف استغلال قوة العمل بالمغرب بلغت مستوى كارثيا من استباحة صحة العمال واسترخاص حياتهم.
ليست فاجعة طنجة استثناء معزولا، بل حالة قصوى تدق ناقوس اشتداد الخطر المحدق بشغيلة المغرب بعد 13 سنة من جريمة محرقة روزامور بالدار البيضاء، حيث قُتل 56 عامل وعاملة وجرح 17 بعد إغلاق رب العمل المصنع على العمال والعاملات.
أوليس انصرام13 سنة وتجدد الفواجع على غرار طنجة دليلا أن لا شيء تغير في مراقبة ظروف العمل في أماكن الكدح سوى نحو الأسوأ، وأن سياسة الدولة منصرفة إلى خدمة أرباب العمل وتراكم أرباحهم على حساب صحة الأجراء/ات وحياتهم؟ أليس تغاضي الدولة عن جرائم أرباب العمل ترخيصا لهم لمواصلة تقشفهم في نفقات السلامة والصحة في العمل وحتى الغاءها كليا؟
وما يؤكد هذا اقتصار سياسة الدولة على تزويق الواجهة . ولنا في المعهد الوطني لظروف الحياة المهنية INCVT-،المستحدث بعد محرقة روزامور، ضمن ما أُدُّعـِــــيَ انه سياسة لاتقاء كوارث العمل وتحسين ظروفه، مثال عن ذلك . وكذلك شأن اتفاقية منظمة العمل الدولية الخاصة بالصحة والسلامة التي صادقت عليها الدولة المغربية [اتفاقية الاطار الترويجي للسلامة والصحة المهنيتين [رقم 187] دون سعي لتطبيق مقتضياتها، فضلا عن عدم مصادقة المغرب على اتفاقيتين لمنظمة العمل الدولية [اتفاقية خدمات الصحة المهنية -رقم 161 ، واتفاقية السلامة والصحة المهنيتين وبيئة العمل- رقم 155].
كما تقوم سياسة الدولة التزويقية على إصدار قوانين دون العمل على تطبيقها [مرسوم استعمال المواد والمستحضرات الضارة بصحة الأجراء وسلامتهم، ومرسوم استعمال الاجهزة والآلات المضرة بصحة الاجراء وسلامتهم، قرار تدابير تطبيق مواد المدونة الخاصة بظروف العمل(181 إلى 191)، ]، وذلك بانعدام شروط التطبيق التقنية ، وبترك جهاز تفتيش الشغل في حالة شبه تامة من العجز بفعل نقص مهول في عدد المفتشين والمفتشات، وخصاص لا يقل هولا في الامكانات المرصودة له. هذا فيما يجري التساهل مع أرباب العمل المجرمين بضعف العقوبات الزجرية في مدونة الشغل، ما يعني في الواقع إفلاتا من العقاب.
و يتجلى أيضا مدى اهتمام الدولة بتقتيل العاملات و العمال بأماكن العمل، وفي الطريق إليها، في امتناعها حتى على إتاحة احصاءات مضبوطة للضحايا، مع أن اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الصحة و السلامة في المناجم (الصادرة بالجريدة الرسمية للمملكة المغربية) تنص على ذلك في ما يخص هذا القطاع.
وإن كان من شأن مقاومة الشغيلة لتردي ظروف الصحة والسلامة المهنية عبر التنظيم النقابي أن تضمن لهم وقاية نسبية، نجد أرباب العمل ودولتهم في حرب ضروس على النقابة العمالية باضطهاد المناضلين/أت وطردهم وسجنهم بالفصل 288 من القانون الجنائي. و لا شك أن من غايات مشروع قانون الاضراب نزع سلاح الأجراء/ات لفرض ظروف القهر في العمل، ومنها انعدام شروط الصحة والسلامة المهنيتين.
لقد جعلت الدولة البرجوازية من ظروف العمل السيئة والقاتلة، وضعف القوانين الاجتماعية وعدم تطبيقها، امتيازا إضافيا لصالح الرأسماليين، المحليين والأجانب؛ وأكدت التجربة أن انفضاح واقع الصحة والسلامة بأماكن العمل بمصائب من قبيل فاجعة طنجة، وروزامور، لا يَثني الدولة عن مواصلة سياستها بهذا الصدد.
فنظام الاستغلال الرأسمالي لا يرى في العمال/ات سوى آلات يتعين رفع إنتاجيتها الى الاقصى بتشديد وتائر العمل وتطويل مدته. وتنظيم العمل سلطةٌ مطلقةٌ بيد أرباب العمل ناتجةٌ عن ملكية وسائل الانتاج (من يملكُ يقررُ)، يستعملونها لتدمير إمكانات مقاومة العمال الجماعية. فثمة اللجوء الكثيف الى المقاولة من باطن، وشتى صنوف إضفاء هشاشة على أوضاع الأجراء/ات، والتدبير بمنهجية الأهداف لاعتصار أقصى ربح، ما يجعل الشغيلة ضحية عنف جماعي ممنهج يؤدي إلى معاناة بدنية ونفسية رهيبة وإلى تكاثر قتلى أماكن العمل. لا بل حتى الموت في الطريق الى العمل بات ظاهرة في تصاعد، لاسيما عاملات الزراعة وعمالها المنقولين في شروط مُهينة وخطيرة.
إن ما تعده دولة البرجوازية للشغيلة في أماكن العمل واضح في التماطل منذ 11 سنة في إصدار القانون الإطار للصحة و السلامة في العمل بالقطاعين الخاص والعام، وفي انعدام خطة وطنية فعلية مناسبة لمستوى تردي ظروف العمل، ورفض جعل جهاز تفتيش أداة فعالة لإجبار أرباب العمل على تطبيق ما في القوانين من وقاية من الأخطار، وفي الامعان في إهمال طب الشغل عدةً وعددا، وفي ترك التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية مجالَ أرباح لشركات الـتأمين على حساب الضحايا، وفي اقتصار على خرافة الوقاية من مادة أميانت المسرطنة بمرسوم مضت عليه 20 سنة فيما العالم سائر إلى المنع الكلي لهذه المادة [فعلت ذلك الكويت منذ 1995، مصر في 2005 و الجزائر في 2009…]، وفوق هذا وذاك بسياسة لا تشغيل تديم البطالة الجماهيرية أداةَ ضغط على العاملين لقبول المخاطرة بحياتهم من أجل لقمة عيش، وهلمجرا.
لن تتأتى الوقاية من الأخطار المهنية بتنبيه الدولة وإسداء النصح لها (لا تطبق حتى توصيات مجلسها الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي بهذا الصدد)، بل بنضال الأجراء و الأجيرات، ما يضع بالمقدمة المسؤولية الأساسية للحركة النقابية. فأوضاع أماكن العمل المحفوفة بالأخطار لا تقل أهمية عن مسائل الأجور والحريات، إذ هي جزء لا يتجزأ من علة وجود المنظمات العمالية.
إن ملحاحية تعبئة جماعية لتحسين فوري لظروف العمل المهددة يوميا للصحة العمالية البدنية و النفسية وجه من أوجه خط نضال طبقي يقطع مع انسياق القيادات النقابية الجاري مع مساعي الدولة البرجوازية إلى تحويل منظمات الشغيلة إلى ملحقات مساعدة على تدبير المسألة الاجتماعية لصالح رأس المال.
ومن الواجب ان تتمفصل التعبئة ضد الأخطار المهنية مع نضال سياسي يخرج المسألة من أماكن العمل لجعلها نقاشا سياسيا اجماليا للإجابة على الأسئلة الاساسية : ما الذي يجب انتاجه؟ ولأجل من؟ وكيف ؟وفي اي ظروف؟ وباي كيفيات ملموسة ؟ ومن يجب ان يملك السلطة في العمل وفي المقاولات وفي المجتمع؟
رهان هذا النضال توحيد الشغيلة لاستعادة الثقة في الذات الجماعية ومواجهة سلطة ارباب العمل وتحرير العمل من سطوة راس المال كشرط لطرح مكانة العمل في تنظيم الحياة الاجتماعية.
فلتتضافر جهود كافة مناضلي الطبقة العاملة ومناضلاتها للنهوض بمهام التوعية والتنظيم في مجال الصحة و السلامة بأماكن العمل، وفي الطريق اليها، وفيما يخص نظام الصحة الكفيل بتلبية حاجات الشغيلة وعامة المقهورين.
تيار المناضل-ة
16 فبراير 2022
اقرأ أيضا