الجماهير في واد النضال تتدفق… والقيادات في مستنقع “الحوار” تغرق
مسيرات بالآلاف منطلقة من الجامعات مقتحمةً الشارع، تحركات تلاميذية محدودة ومرجحة للتطور، تظاهرات في الشارع وتأسيس تنسيقيات محلية من طرف المعطلين- ات حملة الشهادات. الخلاصة: الشارع يغلي ومرشح لمزيد من الغليان رغم، أو بالأحرى بسبب، محدودية المطلب وآنيته. كل هذا الفوران يقع خارج اهتمام قيادات تنظيمات نضال الشغيلة، وبالدرجة الأولى نقابات شغيلة التعليم العمومي.
إنها فرصة تاريخية نادرة. فكسر الامتثالية والاستكانة هو المدخل الابتدائي لنضال الجماهير. ودور تنظيمات النضال هو تنظيم الدفق الجماهيري وإكسابه البعد الوطني ومركزته، بدل التفرج عليه وهو يتبدد في مناوشات معزولة محليا.
لكن. في الوقت الذي تستميت فيه جماهير الطلاب والمعطلين- ات والتلاميذ- ات في ساحات الجامعات والشوارع، فضلت قيادات نقابات شغيلة التعليم الاجتماعات الباردة داخل القاعات المكيفة لوزارة التربية الوطنية. والأنكى من ذلك أن هذه القيادات النقابية قبلت أن تقوم بدور “البرَّاح” الذي يبلغ للجماهير المناضلة ما تقترحه/ تفرضه الوزارة.
لا تختلف بلاغات القيادات النقابية عن بلاغات وزارة التربية الوطنية: حديث عن مجريات اللقاء ومقترحات تمديد جلسات “الحوار القطاعي”. لا تعبئة ولا تحريض، ولا تعبير عن النيران المشتعلة في أفئدة المعطلين- ات والطلاب المكتوية بجحيم قرارات الوزارة المتعجرفة.
قبل لقاء 23 نوفمبر عبر قادة نقابات التعليم عن رفض تام لإجراءات الإقصاء من اجتياز مباريات التوظيف الجهوي مع أكاديميات التعليم، وهددوا بأنهم سيطرحون الأمر في “الحوار المرتقب”. وبعد انعقاد هذا الأخير، وبلغة باردة جدا، اكتفت بلاغات تلك النقابات بنقل إصرار شكيب بنموسى على تلك الإجراءات! لا نداء للإضراب… لا إعلان للتضامن مع النضالات الجارية.
بدل الالتحاق بالجماهير في الميدان، ارتضت تلك القيادات النقابية الاستجابة لتحذير رب العمل عزيز أخنوش الذي يرأس حكومة الواجهة التي تقود أشرس عدوان في تاريخ المغرب ضد الشغيلة وعموم المفقرين- ات. ذلك التهديد الذي كان بالحرف: “هذا ليس وقت الإضراب. هذا وقت العمل. ولنبدأ أول بالتحاور”.
لا يقع اللوم على تلك القيادات لوحدها، فهي منسجمة مع الدور الذي ارتضته لنفسها من زمن: “الوساطة”، “المقاربة التشاركية”، “مأسسة الحوار الاجتماعي”. جزء مهم من اللوم يقع على كاهلنا في الفروع والقواعد المناضلة في النقابات. فإن امتنعت القيادات المركزية وأمسكت بلجام الجهاز النقابين مانعة إياه من الوفاء بعلة وجوده (تنظيم نضال الشغيلة بقسمها العامل والمعطَّل)، فما الذي يمنعنا في الفروع المحلية والقواعد المناضلة من الوفاء بذلك الدور.
أين هي بيانات الدعوة إلى إضرابات محلية والمشاركة في الأشكال الاحتجاجية التي تخوضها جموع المعطلين- ات والطلاب؟ إن الذي يوجد في موقع المسؤولية التاريخية ليس القيادات المركزية لوحدها، بل كل الجسم النقابي من الفرع مرورا بالاتحادات الجهوية انتهاء بالهياكل المركزية. إما أن يفي هذا الجسم بعلة الوجود (تنظيم النضال وإذكائه)، وإما فقدان تام للمصداقية في عيون أفواج الشغيلة الجديدة وجماهير المعطلين- ات والطلاب. وهو فقدان قد بدأ منذ زمن بعيد مع تأسيس تنسيقيات فئوية ترفض تدخل النقابات في ملفاتها، وسيتعمق هذا الفقدان أكثر مع سلوك القيادات النقابية إزاء الدينامية الجارية حاليا.
واجبنا الآني في الفروع النقابية المكافحة، والقواعد النقابية المناضلة الالتحام بهذه الدينامية وتبني مطلبها. وبديهي أن الأمر ليس سهلا، فعقود من التربية النقابية القائمة على جعل النقابة أشبه بمحامٍ يتوسط بين المنخرطين- ات وبين المشغِّل (دولة كان أو أرباب عمل خواص)، زرع تقاليد الاتكالية والاستكانة في صفوف الشغيلة. لكن صعوبة المهمة لا تلغيها، بل تفرض بذل المزيد من الجهود لتنفيذها.
إذا ما هُزِمت هذه الدينامية النضالية الجارية، ستفتح أبواب جهنم في وجه كل شغيلة البلد وطلابه ومعطليه وجماهير مفقَّريه. وستتحمل القيادات النقابية جزءا مهما من وزر تلك الهزيمة وذلك الهجوم. وبعد تلك الهزيمة ستنفض الدولة يديها من فتات الاستماع بأذنين، إحداها من طين وأخرى من عجين، للقيادات النقابية التي تصر على تسمية ذلك الاستماع الأصم “حوارا”. وبعد أن تنحسر مياه الفيضان الجماهيري الحالي ستغلق الدولة “باب الحوار” وتعود تلك القيادات إلى معهود التباكي.
ستقع شغيلة التعليم بدورها في وجه مدفعية الوزارة إن تمكنت الدولة من تمرير إجراءات الانتقاء. ومن موقع المنتصر على دينامية نضالية ستمرر دكاكة فرط الاستغلال على الشغيلة سواء المفروض عليها التوظيف مع الوزارة أو المفروض عليها التعاقد مع الأكاديميات الجهوية. هذا ما يجعل من معركة المعطلين- ات والطلبة معركة حاسمة لتلك الشغيلة؛ فإما الالتحاق بالجماهير في ميادين النضال أو الحكم بفرط الاستغلال في أماكن العمل وخارجها.
كل النصر للجماهير المنتفضة في الميادين.
يا مناضلي ويا مناضلات النقابات هيا نهب لنصرة جزء من طبقتنا.
واجبنا الانتفاض ضد تعاون قيادات نقاباتنا مع الوزارة.
إنها لحظة مفصلية… إما النضال والنصر… وإما الاستكانة وهزيمة تاريخية أخرى تنضاف إلى سجل الهزائم المتراكمة.
لنقتحم الميادين
بقلم: وائل المراكشي
اقرأ أيضا