الثورة الروسية وتحرر النساء
بقلم زووي شافيه
تحرر المرأة جزء لا يتجزأ من نضال الحركة العمالية الشيوعية. نفخت الثورة الروسية، التي مثلت أول استيلاء للطبقة العاملة على السلطة على نطاق واسع، ريح تحرر على النساء العاملات والقرويات، على الرغم من الصعوبات الرهيبة المرتبطة بالتخلف، وبعزلتها في بلد واحد، وبتخريب الأوساط البرجوازية والأرستقراطية، وبعدوان القوى الإمبريالية المتحالفة.
إن الخطوات التي تحققت في اتجاه تحرر النساء، والطريقة التي تمت بها، قياس لما تتيح ثورة اجتماعية عميقة من انقلابات. وفي ظرف لاحق فقط، أعادت البيروقراطية الستالينية ، فور استقرارها في السلطة، وجهة نظر محافظة لدور المرأة كأم للعائلة وكبحت أوجه التقدم المنجزة في البداية.
في اثناء الحرب العالمية الأولى، ولجت النساء المصانع الروسية بكثافة مكان الرجال الذين غادروا إلى الجبهة، حتى شكلن 43٪ من اليد العاملة. وظل وضعهن مطبوعا بالخضوع لرب الأسرة، وبالعنف الأسري، وبعبء الدين والتقاليد، وبالأمية، وبأجور أقل من نصف ما يتقاضى الرجال، وبالتزام الحامل بالعمل حتى الوضع واستئناف العمل في اليوم الموالي.
بدأت الثورة الروسية بمظاهرة لعاملات النسيج في فبراير 1917 في بتروغراد. وأفضت في أكتوبر، بقيادة الحزب البلشفي، إلى سلطة جديدة قائمة على تعبئة العمال والعاملات أنفسهم وتنظيمهم. وكان مجلس مفوضي الشعب أيضًا أول حكومة في العالم شاركت فيها امرأة ، ألكسندرا كولونتاي.
وسرعان ما حققت السلطة الجديدة، على صعيد التغييرات التشريعية، ما كانت النسويات يناضلن من أجله في ما يسمى بالدول الديمقراطية في أوروبا والولايات المتحدة، أي حق التصويت والترشح، وإنهاء سلطة رب الأسرة، والزواج المدني، وتبسيط الطلاق، والمساواة في الحقوق بين الأطفال المولودين في إطار الزواج أو خارجه، وحظر عمل المرأة ليلا، والأجر المتساوي، وإجازة الأمومة لمدة 16 أسبوعا للعاملات و 12 أسبوعا للموظفات، والإجهاض المجاني (في 1920).
كما قال لينين في نهاية العام 1918: ” لم تشهد المساواة والحرية للمرأة العاملة بأي مكان في العالم مثل هذا التحقق التام […]. لأول مرة في التاريخ، قضى قانوننا على كل ما جعل المرأة بلا حقوق. ومضى يقول: “بالطبع القوانين ليست كافية. “لأن هناك مسافة بين المساواة على الورق والمساواة الحقيقية في الحياة اليومية …
لاحظ لينين في عام 1919: “لا تزال المرأة أَمَة البيت، على الرغم من كل القوانين المحررة، لأن الاقتصاد المنزلي الصغير يضطهدها، ويخنقها، ويُخبلها، ويهينها بربطها بالمطبخ و بغرفة الأطفال، وبإجبارها على إنهاك قواها في مهام غير منتجة بشكل رهيب، تافهة ومزعجة ومرهقة ومحبطة. أوضحت إينيسا أرماند بهذا الصدد: “للاستعاضة عن آلاف وملايين الوحدات الاقتصادية الفردية الصغيرة، والمطابخ المتخلفة وغير الصحية وضعيفة التجهيز وحوض الغسيل غير المريح، يجب علينا إنشاء هياكل جماعية نموذجية، ومطابخ جماعية، ومقاصف جماعية ومغاسل جماعية”.
الجديد هو أن الدولة العمالية كانت أداة في أيدي العمال تعمل بفضل مبادراتهم، ولا سيما الخاصة بالنساء العاملات. على الرغم من فقر البلد، شرع كثيرون/ات في تغيير نمط الحياة: بإنشاء مساكن مجتمعية، ومقاصف، ودور حضانة، ورياض أطفال، ودور للأمهات تستقبل النساء قبل الولادات وبعدها.
خاض الحزب البلشفي كفاحًا ضاريا لإشراك النساء بشكل أوسع في العمل السياسي. شدد لينين على صعوبات بناء مجتمع اشتراكي: “إنها بداية ثورة أشد صعوبة، وجوهرية بنحو أعمق، وأكثر جذرية، و أشد حسمًا، من إطاحة البرجوازية، لأنها انتصار على رتابتنا، وكسلنا [… ]، وعلى تلك العادات التي أورثتها الرأسمالية للعامل وللفلاح”. خلف الماضي للعمال والفلاحين المسبقات الدينية، ونقص التعليم والوعي السياسي، وانعدام الثقة بالنفس.
وبقصد مكافحة هذا الإرث، جمعت القياديات البلشفيات، ألكسندرا كولونتاي وإنيسا أرماند وكونكورديا سامويلوفا، في خريف العام 1918 ، أكثر من 1100 امرأة في مؤتمر عموم روسيا للعاملات والفلاحات. و أستحدثن في العام 1919، على الرغم من معارضة بعض المناضلين، شعبة في لجنة الحزب البلشفي المركزية مكلفة بالنضال بين العاملاتJenotdel)) استمرت حتى العام 1930: كانت مندوبات منتخبات من طرف العاملات والقرويات لمدة ثلاثة اشهر إلى ستة تجمعن العاملات للاستماع إلى مشاكلهن، وتشاركن في الاجتماعات، وفي حملات الدعاية ضد إدمان الكحول، وضد العنف المنزلي، وضد الأوبئة، وما إلى ذلك، وتعلمن إدارة المؤسسات الجماعية (رياض الأطفال، ودور الحضانة والمقاصف). قدرت ناديجدا كروبسكايا أن 10 ملايين امرأة تم انتدابهن بهذه الطريقة في وقت أو آخر.
قامت صحف بلشفية (العاملة، الشيوعية) بدور في التثقيف السياسي، وكانت مرآة لمشاكل المرأة العاملة وانشغالاتها. وأتاح النضال من أجل محو الأمية لملايين النساء التمكن من القراءة لأول مرة، خاصة في الريف حيث عارضه باباوات الكنيسة الأرثوذكسية وكبار السن، معتبرينه من تأثير المسيح الدجال!
ومنعت سلطة العمال/ات في جمهوريات الشرق السوفيتية تعدد الزوجات، وممارسة المهر، وسعت إلى الاعتماد على تعبئات النساء لإطاحة المجموعات الدينية المغلقة الإقطاعية والبالية. وفي العام 1921، أعلن مؤتمر للمرأة الشيوعية الشرقية: “كنا نولد إماء، ونموت إماء […] ، و بدا أن هذا مصيرا أبديا […]. لكن ها هو نجم بزغ، في أكتوبر 1917، لم يسبقه مثيل، وهكذا انضمت العاملات والقرويات إلى الثورة وغير ذلك حياتهن.” كان الطريق لا يزال طويلا، ففي أوزبكستان عام 1928، قُتلت أكثر من 200 امرأة على يد أسرهن لمحاولتهن ممارسة حقوقهن أو لحضور اجتماع لجنة النساء العاملات الحزبية.
في القرى، كانت المناضلات المتناولات مواضيع وسائل منع الحمل، والمشاركة في حياة السوفييت، والقراءة ، يصطدمن بالتقاليد الأبوية: منها تعرض هذه الفتاة أو تلك للطرد من نادي الكتاب في قريتها، من قبل حماة تجرها من شعرها إلى بيت الزوجية. ومنها ما كتبت إحدى القارئات لصحيفة اشتراكية عن زوجها الذي يشبعها شتائم وضربا: “لا يريدني أن أعمل، يريدني أن أظل عند الموقد، […] لكني أنا أريد أن أكون عاملة في ثورة أكتوبر الكبرى. لقد سئمت من كوني امرأة جيدة، أريد أن أكون إنسانًا “.
عبّرت سلطة السوفييت، بإنجازاتها القانونية والمادية، عن إرادة التغيير المنبثقة من ملايين النساء العاملات والقرويات والعديد من رفقائهن، وهزت التقاليد المنيخة بثقلها على حياة النساء طيلة قرون.
زووي شافيه Zoé Chavet
جريدة النضال العمالي /Lutte Ouvrière n°2774
ترجمة المناضل-ة
اقرأ أيضا