قمع الأساتذة-ات المفروض عليهم-هن التعاقد: لنجعلها شرارة نضال كل شغيلة التعليم دفاعا عن مكاسبنا التاريخية
بقلم: محمود جديد
بداية، لابد من الإشادة بالإصرار النضالي الذي أبان عنه الأساتذة/ات المفروض عليهم/ن التعاقد الذين حجوا بأفواج كبيرة إلى الرباط يومي 16 و17 مارس 2021 متحدين أجواء الرعب والترهيب السائدة لإسكات كل صوت ناقد. فالدولة استغلت جائحة كورونا لتضييق شديد على الحريات، حيث زجت بعدد من الصحافيين في السجن، وتقمع أشكال الاحتجاج العمالي والشعبي بالشارع.
تصدت لهم الدولة بصنوف من رجال القمع، منهم بزي مدني. فكان الضرب والرفس والركل وإسالة دماء. ما أثار موجة استياء عامة في الوسط التعليمي (مدرسون، تلاميذ، أسر) وخارجه، رصدتها الدولة في وسائل التواصل الاجتماعي، فسارعت خشية اتساع بقعة الزيت إلى إعلان “فتح تحقيق”. وخرج التلاميذ أيضا الى الشوارع للتضامن مع أساتذتهم والتنديد بإهانة كرامتهم. وكان ما خشيته الدولة: انطلاق موجة نضال مؤهلة للاتساع وإخراج البلد من ركود نضالي فاقمه كوفيد-19.
لا تقمع الدولة بقصد مواصلة سياستها العدوانية إزاء قاعدة المجتمع العريضة بالنحو الذي تأكد في ميزانية العام 2021 وحسب، بل تفعل ذلك تحضيرا لتصعيد هجومها متعدد الجبهات في المقبل من سنوات: مزيد من الخصخصة تحت عنوان إعادة هيكلة المؤسسات العمومية، مشروع لاغ لحق الإضراب، تكريس تدمير خدمات الصحة والتعليم العمومية لإتاحة غزو رأس المال لها، استئناف الهجوم على مكاسب أنظمة التقاعد… هذا فضلا عن سعي إلى تهدئة الساحة الاجتماعية بالقوة تحضيرا للانتخابات المرتقبة هذا العام.
بهذا المعنى يكون الأساتذة المفروض عليهم التعاقد قد أربكوا بكفاحيتهم، وإقدامهم الذي لا يلين، حسابات الدولة، وباتوا يهددون باستنهاض سائر ضحايا سياساتها. تخشى الدولة أن يكون التنازل للأساتذة بإلغاء التعاقد بابا ينفذ منه مظلومون كُثر.
هذا الاستنهاض لا ينقصه غير مشاركة أكثر فعالية من جانب الحركة النقابية. وهي مشاركة ستعود بالنفع العميم على هذه الحركة ذاتها، فهي وحدها الكفيلة بإبطال مفاعيل الهزائم المتراكمة في السنوات الأخيرة. وتمثل اللحظة الراهنة، التي صنعها الأساتذة المتعاقدون قسرا، فرصة سانحة للشروع في مسلسل نضالي يعيد للحركة النقابية عافيتها.
هل تفوت الفرصة من جديد؟
سبق لنضالات موحدة بقطاع التعليم أن بثت شحنة حماس واستعداد نضاليين لدى القاعدة النقابية، غير أن الأجهزة النقابية لم تواكب تلك الشحنة. ها نحن اليوم في وضع مناسب لإطلاق دينامية نضالية حقيقية بقطاع التعليم، وقد تمتد إلى سائر قطاعات العمل. لحد الآن هبت مختلف الأجهزة النقابية في قطاع التعليم للدعوة إلى أشكال نضال، من إضرابات من يوم 22 مارس الجاري إلى 6 ابريل، منها من اقتصر على يوم واحد، وبعض آخر يومين وثالث خمسة أيام ، فضلا عن الوقفات ووضع شارة الغضب.
هذا لأنها محرجة، ومجبرة على اتخاذ موقف، حيث سيؤدي تفرجها إلى الإجهاز التام على ما تبقى لديها من مصداقية ضئيلة، وقد يكون ثمة من تحركه حسابات السياق الانتخابي لهذا العام..
ما في هذا القول أدنى تحامل على قيادات نقابات التعليم، فالمطلوب أصلا، كي تفي بعلة وجودها، أن تنخرط في برنامج نضال موحد مع تنسيقية الأساتذة المفروض عليهم التعاقد لإلغاء هذا الشكل المجحف والمهين من أشكال علاقة الشغل. وما زالت فرصة تجسيد الوحدة النقابية بقطاع التعليم متاحة، لأن القاعدة العريضة من المدرسين مستاءة، وتصرف استياءها في مطالبات فئوية. كما أن خطط الدولة لا تنتظر سوى السياق الملائم لتنزل كالصاعقة، فما يسمى بهتانا بـ”إصلاح أنظمة التقاعد” ورش تدمير مفتوح لم تطبق منه الدولة غير ما أسمته “إصلاحات مقياسية”، لما رفعت سن التقاعد، وزادت نسبة الاقتطاع، وغيرت طريقة حساب المعاش، وكلها “إصلاحات” مضرة بحق من قضى القسط الأعظم من العمر كادحا لم يراكم ثروة.
ولاشك أن أعظم المصائب المحدقة بالمدرسين/ات، على غرار باقي الموظفين وعامة الأجراء، ما تسميه الدولة “قانونا تنظيميا للإضراب”، وما هو غير تقييد لدرجة المنع الفعلي.
وهنا لا بد من التأكيد على أن مطلب إلغاء التعاقد، المحرك الأول لكفاحات الأساتذة المظلومين بهشاشة التشغيل ليس إلا رجلا واحدة. فالرجل الثاني التي لن يستوي المسير بدونها فهي إلغاء ما يسمى “القانون التنظيمي الإضراب”. فإذا سارت الأمور كالمعهود، وقبلت قيادات النقابات ذلك المشروع الجهنمي، ولو بتنقيح، وبمساومة ما، ستكون تنسيقية الأساتذة المتعاقدين قسرا في وضع استحالة الدعوة إلى الإضراب، حيث لا صفة لها لذلك لما تصير لذلك المشروع قوة القانون.
فضلا عن هذا كله، أبانت أزمة كوفيد-19 ، المستمرة منذ أكثر من العام، أن الدولة البرجوازية مصرة على مواصلة سياستها النيوليبرالية المدمرة للمكاسب الاجتماعية والملقية مزيدا من قاعدة المجتمع إلى مهاوي البؤس والمستقبل المظلم. ما يعني أن هجمات قيد التحضير على كل جبهات العدوان المعهودة.
إن وعي هذا الوضع المنذر بالسوء هو المفترض أن يدفع الأجهزة النقابية إلى استنفار قوى الطبقة العاملة في جبهة نضال موحدة لصيانة ما تبقى من مكاسب، ورد التعدي، بمقدمته فيما يخص التعليم وضع حد نهائي لما يسمى التعاقد في الوظيفة العمومية بإلغائه، و دمج ضحاياه طبقا لنظام وظيفة عمومية صائن للمكاسب التاريخية ومطور لها، بما يؤمن لأجراء الدولة عملا وحياة لائقين.
تقصير و ليس قصورا
لا يخفى على كل منشغل بالهم العمالي أن معظم القيادات النقابية لا تتحرك إلا تحت ضغط الإحراج كالذي سببه البطش الهمجي بالأساتذة المتعاقدين قسرا. فهل كان ضروريا انتظار أن يُضرب رفاق في الكدح و يهانوا كي يُسارع قادة الحركة النقابية في قطاع التعليم إلى تقرير تحركات نضالية كالتي ذكرت أعلاه.
الواقع أن معظم تلك القيادات متعاونة مع الدولة في تمرير مخططاتها منذ مصادقته على ما يسمى “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” الذي فتح باب جهنم على التعليم العمومي وعلى مكاسب شغيلته وحقوقهم. ولا يتسع المجال هنا لسرد أوجه التعاون ذاك، علما أن الموقف الفعلي، العملي لا الكلامي، لتلك القيادات من مشروع قانون الإضراب ينذر بتواطؤ خطير قد يعصف بما بقي من ذلك الحق التاريخي.
إن الهبة الجارية في قطاع التعليم، حيث انخرط الجميع و إن بكيفيات ونوايا مختلفة، دليل على أن قوى شغيلة التعليم عرضة للتجميد المقصود، ولو استمرت التعبئة ببرنامج موحد ، وأشكال ديمقراطية، لنهض جسم الشغيلة برمته، ومعه باقي أقسام أجراء الدولة، وفي أمد ما حتى القطاع الخاص الذي بلغ فيه القهر مستويات غير مسبوقة بفعل استغلال أرباب العمل جائحة كورونا لدهس المكاسب والحقوق العمالية بكل غطرسة. لا بل قد يتطور الحماس للنضال ليهز فئات شعبية أكثر عرضة للقهر، وهذا ما يدل عليه موقف الآباء وتضامن التلاميذ مع الاساتذة.
التعبئة الجارية دليل أن ليس ثمة قصور في قوى النضال، وفي استعداد القواعد النقابية، بقدر ما ثمة تقصير من القيادات النقابية، وامتناع واع عن خوض نضال موحد وفعال ضد الدولة الظالمة.
فكي لا تكون التعبئة الجارية مجرد امتصاص نقمة، وفش لغل سببه الركل والرفس بالعاصمة، يجب أن نعمل بصفتنا نقابيين نذود فعلا عن مصلحة طبقتنا، لتنفيذ الإضراب بروح وحدوية وطرق ديمقراطية قوامها الحضور في المؤسسات لنقاش الوضع وما يستوجب من مهام، وآفاق المعركة الجارية، وسبل استنهاض قوى نضال إضافية، وبوجه خاص كيفية دعم فعال، لا مجرد تضامن رمزي، مع رفاق الكدح والكفاح، الأساتذة الفروض عليهم التعاقد.
الساعة ساعة حزم ، ومسؤولية إزاء المصير المهول الذي تدفع اليه الطبقة السائدة سواد الشعب الأعظم، وأجسم المسؤوليات تقع على القسم المنظم من المقهورين، أي الحركة النقابية.
محمود جديد
اقرأ أيضا