قتل 28 عاملا وعاملة غرقا بمعمل للنسيج بطنجة جريمة دولة، لن يردع المجرمين غير التنظيم و النضال العماليين
مرة أخرى تحدث الطامة العظمى بموت 28 عاملة وعاملا غرقا، في معمل بقبو في طنجة يوم 8 فبراير 2021، كي يظهر على السطح التقتيل اليومي للعمال في أماكن العمل.
يجري الموت بسبب ظروف العمل السيئة ببلدنا في صمت بنسب هي الأكبر في منطقتنا، في ظل تعتيم مقصود من الدولة. تعتيم لا يبدده سوى الفواجع الكبرى التي تسقط العدد المهول من القتلى والمعطوبين، لكنه سرعان ما يسود عن قصد، غايته تكريس فرط الاستغلال لحد القتل. أما ضحايا الأمراض المهنية فيموتون بالمئات في صمت مطلق، فمعروف أن زهاء 85 % من العمال الذين يموتون عالميا بسبب العمل يموتون بأمراض مهنية وليس بحوادث.
وإن كانت جريمة طنجة يوم 8 فبراير 2021 تعيد إلى الأذهان محرقة روزامور في حي ليساسفة بالدار البيضاء ، حيث مات 56 عاملا وعاملة في ابريل العام 2008، فإنها تؤكد أن دولة الاستغلال والاستبداد ماضية في استعمال ظروف العمل السيئة، إلى جانب أجور البؤس، عنصر تنافسية لـ”الاقتصاد الوطني، و”المقاولة المغربية”.
إن تقتيل العمال والعاملات في أماكن العمل، وفي الطرق إليها، من أجل أرباح الرأسماليين، جريمة مع سبق الإصرار. فكل ما قامت به الدولة، طيلة 13 سنة الفاصلة عن جريمة روزامور هو:
• إصدار قوانين متعلقة بظروف العمل [أهمها قرار وزيري في نوفمبر 2008 بشأن تطبيق المواد 281 الى 291 من مدونة الشغل المتعلقة بالصحة والسلامة في العمل، ومرسومي 25 نوفمبر2013 بشان الأجهزة والآلات والمستحضرات والمواد المحتمل إضرارها بصحة العمال…] ، وكلها تظل حبرا على ورق في غياب جهاز تفتيش شغل فعال؛ ورفض الدولة تلبية المطالب بهذا الشأن سواء من نقابات العمال، او هيئات مفتشي الشغل أنفسهم.
• المصادقة على اتفاقات لمنظمة العمل الدولية ذات صلة [ اتفاقية الصحة والسلامة في المناجم صدرت بالجريدة الرسمية في فبراير 2015 ، واتفاقية 187 مصادق عليها في 2019]، ودون أي التزام فعلي بهما على غرار غيرهما؛
• إحداث المعهد الوطني لظروف الحياة المهنية الذي لا يزال قوقعة فارغة بعد 10 سنوات من وجوده. وكذلك تعثر اصدار القانون الإطار الخاص بالسلامة والصحة في العمل منذ 10 سنوات.
إن هذا كله في غياب جهاز تفتيش شغل فعال، وعقوبات زجرية حقيقية لأرباب العمل المجرمين، شبيه بالجمل الديمقراطية المزوق بها دستور الاستبداد، ولا يصلح سوى لتدبيج التقارير إلى الهيئات الدولية، وتضليل الرأي العام المحلي.
في هذه الفترة ( 13 سنة منذ فاجعة روزامور) يكون قد مات، بحسب أرقام الدولة المشكوك فيها [انظر رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول الصحة والسلامة في العمل]، زهاء 10400 عامل وعاملة بحوادث الشغل، وربما- بتطبيق المعدل العالمي- نحو 100 ألف بسبب أمراض مهنية.
تتأكد مسؤولية الدولة المغربية في الجريمة بالحرب المشنة على العمل النقابي بمباركة إقدام أرباب العمل على طرد النقابيين والنقابيات لإقناع عموم الشغيلة بالخضوع لأشد استغلال همجية، وتنكيل الدولة نفسها بأجرائها المناضلين. فمحاربة العمل النقابي تجريد للعمال من إمكان الدفاع عن النفس ضد حوادث الشغل وأمراضه.
كما تتأكد مسؤولية الدولة بمستويات البطالة وهشاشة التشغيل المرتفعة والتي تجبر الأجراء على المخاطرة بحياتهم بالارتماء في ظروف عمل كارثية هربا من أهوال انعدام دخل.
و مع هذا كله، يسعي أرباب العمل إلى الإجهاز على ما في القانون، حيث يطالبون بإسقاط مادة مدونة الشغل الملزمة بمصلحة طبية للشغل في كل مقاولة تشغل أكثر من 50 عاملا.
وتسعى منظمة أرباب المناجم إلى إلغاء مندوب السلامة في ظهير 24 ديسمبر 1960، وتعويضه بلجنة السلامة في مدونة الشغل التي لا دور فعلي لها غير التضليل.
وتتأكد مسؤولية الدولة في التغاضي عن همجية الاستغلال في ما يسمى المصانع السرية. فهذه تشغل آلاف العمال والعاملات تحت أنظار وتواطؤ أجهزة الدولة التي تحصى أنفاس الشعب وتهب بسرعة فائقة لقمع أبسط التحركات النضالية المطالبة بتوفير ابسط الحقوق العمالي والشعبية. وما يؤكد سخرية ادعاء المعامل السرية أن تفتيش الشغل لا يطال معظم المصانع حتى كبرياتها وأشهرها.
ستلجأ الدولة لنفس أساليبها المعهودة: بلاغ بفتح تحقيق يطويه النسيان، وتعزية ومواساة وتكلف بمصاريف الدفن وإغلاق الملف في انتظار ضحايا جدد. بينما المطلوب محاكمة المسؤولين المباشرين عن الجريمة، من مشغل ومسؤولين بأجهزة السلطة، وسن سياسة حقيقية لصحة الأجراء وسلامتهم، ورقابة صارمة على اوضاع العمل بجهاز تفتيش حقيقي، وإتاحة الفعل النقابي بأماكن العمل، وما إلى ذلك من عناصر رؤية تضع صحة البشر فوق أرباح الرأسمال.
لن يكون هذا المطلوب لحفظ صحة أبناء طبقتنا وبناتها رأفة من الطبقة البرجوازية ودولتها، بل ثمرة نضالنا. لذا يتعين علينا توحيد جهود كل المنتسبين إلى نضال البروليتاريا وتطويرها من أجل بناء منظمات كفاح بأماكن العمل، من نقابات وجمعيات تثقيف وتنسيقيات ولجان لمراقبة حالة ظروف العمل. ولأن صحة الشغيلة وسلامتهم بأماكن العمل مسألة سياسية في آخر المطاف، بوجه دولة ترعى تراكم الأرباح وتضع له السياسات، لابد للعمال من منظمة سياسية تقود النضال من أجل تحسين أوضاع العمل والحياة عامة، ومن أجل إطاحة النظام الرأسمالي، إذا لا صحة للشغيلة ولا سلامة سوى بالتحرر النهائي من العمل المأجور.
بقصد تطوير هذا النضال اليومي من أجل المطالب الآنية، بما هي حلبة لإنماء المقدرة الكفاحية لطبقتنا، ومن أجل بناء حزب الشغيلة الاشتراكي، يمد مناضلو تيار المناضل-ة ومناضلاته ايدي التعاون و التآزر لكافة النقابيين والنقابيات، وكل أنصار مكافحة الظلم الاجتماعي الذي يطال عموم مفقري بلدنا، بالمدن والقرى.
فنرفع عاليا راية الكفاح البروليتاري، فلا منقذ غير التنظيم والنضال العماليين، في تآلف مع سائر المضطهدين والمضطهدات.
تيار المناضل-ة
9 فبراير 2021
شارك المقالة
اقرأ أيضا