التعليم عن بعد، إغراءات كاذبة بقلم جان سيباستيان فيليبارت – 21 آذار/مارس 2020، ترجمة فريق الترجمة بجريدة المناضل-ة الموقوفة
إن الاعتقاد بفعالية التعليم الإلكتروني يجر المدرس إلى ممارسة وظيفة المنظم الظريف لمسارات التعلم، وهذا يعني في الواقع؛ وظيفة أخرى غير وظيفة التدريس. إن الانتقال العاطفي ، ليس دون قيمة، فهو يغذي، سياسة تفكيك الطابع الاجتماعي اللازمة لقوى توسع السوق.
في أزمة كهذه قائمة على الخوف من العدوى ظهرت على نحو شبه مكيانيكي مقترحات لاستبدال الاتصال الحسي والعاطفي، بدت أمورا بديهية: (العمل عن بعد، التطبيب عن بُعد، التعلم الإلكتروني، التداول بالفيديو، إلخ). هذا لأنها تستجيب لوهم سائد، حيث التكنلوجيا الرقمية أفضل وسيلة اتصال. كما من المرجح جدا أن يبدو ما يسمى بالحلول «المؤقتة» للعمل عن بعد، هنا وهناك، بمثابة تجارب-اختبارات تضمن إمكانية استمرارها كقاعدة. في مفهوم الأنا الأعلى النيوليبراليية، من غير المسؤول عدم استغلال «الأزمة» لتحقيق مكاسب في مجال المرونة.
على هذا النحو، وفيما يتعلق بالتعليم، فإن المدافعين عن نزعة الاستمرار في التحرك والتطور، الذين يرون أن الابتكارات التكنولوجية تؤدي تلقائيا إلى إحراز تقدم في التعليم، لا يترددون في بيعنا أكثر من المعتاد إلى حد ما، فوائد التعلم الإلكتروني .
_عرض المعجزة التكنولوجية (يبدو أن السحر في الموعد):
تفاعل مضمون مع الشاشات، أثناء إلقاء «الدرس»، يُمكّن الجميع من حرية إبداء ملاحظات عبر إعادة النسخ أو النقل، وبالتالي، التبادل بصمت مع جميع الأفراد الآخرين. وتُمكّن الشاشات أيضا من الوصول إلى الموارد اللامتناهية التي على «المدرس» الالتزام باختيارها: مواقع الكترونية ومدونات وبرامج تعليمية وأرشيف وفيديوهات… بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون لكل فرد، مساحة تعلم تتطور حسب النتائج المحققة من جانبه، يمارس «المدرس» مراقبة مستمرة على كل مسلك تعليمي في منطقة افتراضية، فإن «المتعلم» الذي يرتكب أخطاء، وعليه ارتكابها لتحسين مستواه، لا يفقد اعتباره بتاتا، وبالتالي يشكل ذلك عرضا ملائما ومحكما تماما نابعا من الحاجة إلى التمايز.
لكن هذا ليس كل شيء. يتضمن تنوع العرض عبر الإنترنت إمكانية استفادة «المتعلم» من «دروس» يقدمها «مدرسون» آخرون (غير مُدرّسيه)، الذين قد يرغبون في مشاركة طريقتهم على منصة رقمية. وبعبارة أخرى، تتمثل الفكرة البيداغوجية أو الديداكتيكية الجيدة التي يمكن أن تنتشر بسرعة عالية خارج الجدران، وبالتالي فإن «المدرس» المسجون تقليديا في إطار وضعية تحرمه من الترقي في المسار المهني، يجد أمامه فرصة التطور عبر بناء سمعة مشهورة للغاية على الإنترنت.
خلف الكواليس
يقوم وَهْمُ التعلم الإلكتروني في المقام الأول على إنكار الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ويفترض على نحو مجرد أن كل «متعلم» بالذات، لديه مساحة ووقت وبنية تحتية كافية، وبالتالي فإنه يستبعد في الواقع الفئات الشعبية والهشة.
ويستخدم هذا الوهم الزائف أيضا تبريرا من قبل سياسات عدم استثمار الأماكن العامة –التي جرت صياغتها دوما بتعابير «فاضلة» قائمة على «التحكم في النفقات»- لصالح الزمكان (الزمان-المكان) الخاص، متناغمة مع التعبير الذي لا يقل فضيلة عن «مساءلة» الفاعلين.
تستبع الرقمنة في نهاية المطاف زيادة حدة أعباء الأداء و الإنتاج، عبر زرع منافسة واسعة النطاق بين المعنيين. لأن العدة التعليمية تنتج في حد ذاتها مقاييس تقييم النتائج، التي تساهم هي نفسها في القيام بالتصنيفات وزرع المنافسة.
هكذا، ينتهي المنطق بالانغلاق على نفسه: سواء من جانب «المدرس» أو «المتعلم»، حيت يتم البحث عن النتائج بناءً على مؤشرات الأداء، وبذل أقصى مجهود لتحقيق المزيد من النتائج، عبر تطبيق البروتوكولات المختارة، أي الأكثر ربحية تحت الضغط، عادة ما سيحصل أصحاب الأداء الجيد الخاضعين لتقييم مستمر، على مكافآت.
إنكار الظروف التعليمية
إن وهم التعليم الالكتروني(التعليم عن بعد) القائم على انعدام المساواة وعلى النزعة الانتاجية لا يمكن أن يحقق ذلك، وإن ذان ذلك، فإنه لن يكون إلا نتائج فارغة من كل معنى تعليمي.
في الواقع وبغض النظر عن تصور أي عدة تعليمية نريدها، فإن حضور المدرس شرط أساسي للوضعية التعليمية.
قبل أي تحفيز واهتمام، فإن القوة الدافعة وراء الوضعية التعليمية هي الانتباه. والحال أن انتباه التلميذ لا يمكن إثارته إلا عبر انتباه المدرس الذي يحمله إليه على مقربة منه، في هذه الحالة، بعيدًا عن الشاشات المتفاعلة. المدرس الذي له حضور كما نقول، هو شخص حاضر جسديا ودما وقادرا بهذه الحساسية على أن يشعر بإثارة اهتمام الآخر (التلميذ) وأن يلمسه بلباقة، ما يثير انتباها انعكاسيا لدى هذا الآخر.
إن الحرص على الانتباه أقل ميكانيكية بقدر ما يتطلب باستمرار تجديدا حيا، أمام قسم من التلاميذ لا يمثل بأي وجه معطى معينا، ولكنه شيء من اللازم خلقه.
الميكانيكا النيوليبرالية
في عهده، أكد بيار بورديو [2] على الطبيعة الوهمية للنيوليبرالية، مع عواقبها الملموسة جدا.
سعيا إلى توسيع السوق إلى مدى غير محدود، يظل اهتمام التجريد النيوليبرالي هو المساحة الأرضية المحدودة بالفعل. وتتوقف الطريقة الوحيدة لمضاعفة عدد منافذ السوق على تجزئة المساحة إلى مدى غير محدود، وبالتالي إنتاج قطع جديدة من السوق. تشكل القطعة أو الجزء ضمان استمالتها والتحكم بها.
ومع ذلك وبدعم من التكنولوجيات الجديدة القادرة على الخصخصة والتحكم غير المحدودين تقريبا، تحظى النيوليبرالية بامتلاك وسائل، تبرير نظري وممارسة فعلية على حد سواء لبرنامجها، «برنامج تدمير منهجي لجميع أشكال الالتقاء والتجمع.» [3]
وبعبارة أخرى، نحن الذين نعمل في مجال التعليم، -وهو واحد من آخر مساحات التنشئة الاجتماعية (اضفاء الطابع الاجتماعي) التي بدأ السوق في تجزئتها ، علينا أن نحذر من فخ قائم يتمثل في السعي إلى إحلال هذا الوهم الزائف محل العمل غير المؤكد انجازه دوما، لأنه إحياء أو تجسيد، لظروفنا كمدرسين. لا يعني الاستسلام للإغراء سوى إنكار هذه الظروف المذكورة.
1. انظر كليمانس بوير ، ” لماذا لم تفي MOOCs بكل وعودها ؟ »، في Les Échos.fr ، 18 مايو 2018 ، متاح على : https://start.lesechos.fr/apprendre/mooc-formations/pourquoi-les-mooc-n-ont-ils-pas-tenu-toutes-leurs -وعد -11892.php ↑
2. انظر بيير بورديو ، ” جوهر النيوليبرالية ” ، في لوموند ديبلوماتيك ، مارس 1998. ↑
3. المرجع السابق . ↑
بقلم جان سيباستيان فيليبارت – 21 آذار/مارس 2020، ترجمة فريق الترجمة بجريدة المناضل-ة الموقوفة
اقرأ أيضا