أضاليل بلاغ وزارة التّربية الوطنيّة: تطبيق بُنود مشروع “قّانون الإضرابْ” وتنزيلٌ فعليّ لـ”النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين”
أصْدرت وزارة التّربية الوطنيّة بلاغاً يوم الإثنين 24 فبراير 2020، تُعلن فيه ذرائع إلغاء جولة حوار كانت إحدى خلاصات جولة 12 فبراير مع تنسيقية المفروض عليهنّ-هم التعاقد والنقابات السّت الأكثر تَمثيلية.
تضمّن البلاغُ المَعُهودَ في بيانات وزارة الداخلية ضدّ حركات الاحتجاج العمّالي والشّعبي: أضاليل وأكاذيب لتغليط الرأي العام، وعيدٌ بالاستمرار في تنزيل الهجوم، وتهديدٌ بالتدابير القمعية في حق من يُصر على الاستمرار في الاحتجاج.
أما عن الأضاليلْ:
1- يقول البلاغ بأن الوزارة استجابت لـ”مجموع المطالب التي تقدم بها ممثلو الأساتذة أطر الأكاديميات؛ ذات الطابع التدبيري والإداري، وذلك بهدف ضمان الاستقرار المهني والأسري لهذه الفئة”:
لم تستجب الوزارة لأي مطلب من المطالب الجزئية التي تقدمت بها تنسيقية المفروض عليهن-هم التعاقد، وعلى رأسها “إلغاء الإجراءات الزجرية” و”حركة انتقالية وطنية”:
+ التزمت الوزارة منذ حوار 10 ماي 2019 بإصدار مذكرة وزارية تلغي بموجبها الإجراءات الزجرية والعقابية في حق المضربين- ات، ومنذ ذاك التاريخ والوزارة ترفض تنفيذ التزامها، بكل بساطة لأنها تريد استعمال تلك الإجراءات كسيف ديموقليس معلق على عنق من ستصدر في حقهم مُستقبلا.
+ اقترحت الوزارة “التبادل الآلي” وهي صيغة تضييق على حق الانتقال وطنيا، نظرا لشروطها الصعبة إن لم تكن مستحيلة.
+ كيف يمكن الحديث عن استقرار مهني لـ”فئة” لا تدري إن كان عقدها سيُجدد أم لا؟ وإن كانت أجورها ستصرف في وقتها أم لا، في ظل ميزانية جهوية غير قارة؟ إن مطلب التنسيقية واضح: الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية ضمن نظام أساسي يضمن العمل القار، هذا فقط ما يستطيع أن يضمن استقرارا مهنيا لـ”هذه الفئة”، ما دونه أضاليل وأكاذيب.
+ أما بقية المطالب التي ادعت الوزارة الاستجابة لها (صرف الأجور في أجلها!!) فهي حقوق أولية، لا تستحق التفاوض حولها، فبالأحرى أن تكون مطلبا استجابت له الوزارة.
2- “التزام جميع الأطراف بعقد اجتماع ثان يوم الاثنين 24 فبراير 2020 لمواصلة الحوار من أجل ضمان مماثلة مطلقة لوضعية الأساتذة أطر الأكاديميات مع باقي موظفي القطاع في الجوانب ذات الصلة بالمسار المهني بدءً من التوظيف وصولا إلى الإحالة على التقاعد”:
+ ضمَّنَت الوزارة هذه الفقرة غاياتها من عقد “الحوار” جاعلة منها “التزاما جماعيا”، وهذا غير صحيح. فالتنسيقية الوطنية تطالب منذ تأسيسها بمطلبين رئيسين هما “إسقاط مخطط التعاقد” و”الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية ضمن النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية” إضافة إلى الانخراط في الصندوق المغربي للتقاعد بدل الصندوق المغربي لمنح رواتب التقاعد.
+ في حين أن الوزارة تسعى لـ”إصلاح”، أو بالأحرى، التخلي عن النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية الخاضع للنظام الأساسي للوظيفة العمومية (1958)، وهي تستعد منذ سنة 2015 إلى تمرير نظام أساسي جديد تحت مسمى “النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين”.
+ إن “المماثلة المطلقة” وفق ما تُعده الوزارة هي مُماثلة أوضاع شغيلة التعليم المُرسمة مع تلك الخاصة بشغيلة التعاقد المفروض “في الجوانب ذات الصلة بالمسار المهني من التوظيف وصولا إلى الإحالة على التعاقد”.
+ ولأن الوزارة/ الدولة تعتبر “التعاقد” و”التوظيف الجهوي” خيارين استراتيجيين (لم يصدر ما ينفي ذلك لحدود الآن) فإن “المماثلة المطلقة” التي ستقوم بها الوزارة ستتم نزولا: جمع المرسمين-ات والمفروض عليهن- هم التعاقد في ظل نظام أساسي جديد يدمر كل شروط الشغل القار الضامن للحقوق الاجتماعية السابقة.
+ لذلك فإن حديث بلاغ الوزارة عن “التزام الجميع” محض بهتان، ما دامت الوزارة تشرق (نظام أساسي جديد يلحق المرسمين- ات بالمفروض عليهن- هم التعاقد) والتنسيقية تغرب (الإدماج في نفس النظام الأساسي القائم إلى جانب موظفي- ات القطاع).
طبعا، غاية هذه الأضاليل واضحة: تجييش الرأي العام (الأسر خاصة) ضد التنسيقية وتصويرها رافضةً للحلول “المتوافق حولها في جولات الحوار”، والمرور إلى الخطوات الأخرى من الهجوم، أي تنزيل فعلي للنظام الأساسي الجديد وتجريم الحق في الإضراب.
تنزيلٌ فعليّ لـ”النّظام الأساسيْ الجَديد”
أنهت الوزارة بلاغها بجملة: “تؤكد الوزارة على احترامها بتنفيذ وأجرأة ما تم الاتفاق عليه”. وهذا استمرار في التضليل، لأن التنسيقية لم تتفق مع الوزارة حول “أجرأة نظام أساسي جديد”.
ما يجب الانتباه إليه هو أن “النظام الأساسي الجديد” ليس محض مشروع، بل هو تجميع لإجراءات جرى تمريرها سابقا عبر مذكرات وزارية ومراسيم، وبالتالي إن جزءً مهما من “مشروع النظام الأساسي” هذا جرى تنزيله سلفا: تفويض تدبير “الموارد البشرية” للأكاديميات ونقل ممتلكات الوزارة إليها، إلغاء الترقية بالشهادة، تعديل معايير التقييم بمرسوم منذ سنة 2006، مرسوم حكومي يقضي بالتوظيف بموجب عقود، أنظمة أساسية خاصة بـ”أطر الأكاديميات”، مذكرة الأستاذ الرئيس/ المصاحب، وإجراءات في مجال التوجيه والتفتيش… إلخ.
إنّ الوزارة الآن في الشوط الأخير من الهُجوم: تجميع هذه الإجراءات من أجل إصدارها في قانون أساسي/ نظام أساسي مُلزم، تماماً كما فعلت مع “القانون الإطار” الذي صادق عليه البرلمان في صيف السنة الماضية. وهذا الشوط الأخير من الهجوم تقف تنسيقية المفروض عليهن- هم التقاعد “وحيدة” في وجهه لحد الآن، ومن هنا شراسة الإجراءات الزجرية في حقها واستمرار الاقتطاع والإصرار على تطبيق مقتضيات مشروع القانون المكبل لحق الإضراب في حقها.
إلغاءُ الحوارْ استعداداً للهُجوم على حقّ الإضْراب
ألغت الوزارة الحوار المقرر يوم 24 فبراير 2020، بذريعتين:
– تفاجئها بـ”الدعوة إلى التوقف الجماعي عن العمل، لأيام خلال شهر مارس القادم 2020، وهو ما يتعارض مع مبادئ التفاوض ومسار الحوار”
– “عدم التزام الأطراف المعنية بمخرجات لقاء 12 فبراير 2020 الذي أكد على الاستعداد المشترك لإيجاد حلول عملية متوافق عليها”.
+ بالنسبة للذريعة الثانية فمردود عليها، فسوابق الدولة في التنصل من تعهداتها في جولات ما يطلق عليه “الحوار الاجتماعي” معروفة للقاصي والداني، وآخرها اتفاق 26 بريل 2011 واتفاق 25 أبريل 2019. كما أن الوزارة تملصت من تنفيذ تعهداتها في جولتي “حوار” 13 أبريل و10 ماي 2019، كما استمرت في اقتطاع الأجور عن أيام الإضراب.
لذلك فإن عدم “التزام الأطراف المعنية بمخرجات الحوار” هو تقليد رسخته الوزارة والدولة، وليس لها الحق في محاسبة “الأطراف الأخرى” لأنهم أتوا نفس فعلها.
+ أما بالنسبة للذريعة الأولى فهي متهافتة وتافهة، لأنها تريد تنزيلا فعليا لمشروع قانون الإضراب وبالتالي الإتيان بسابقة واقعية، يسهل بعد ذلك تحويلها إلى نص قانوني: لا قانونية الإضراب ما دامت مسطرة التفاوض/ “الحوار” و”الصلح” قائمة، وهي آلية لإفراغ الإضراب من قوته وبالتالي سهولة منعه.
+ إن الإضراب هو الحق الحصري للشغيلة، سلاحها الأمضى للدفاع عن شرط عيشها في وجه تعديات أرباب العمل ودولتهم، وكل تقييد لهذا الحق مرفوض بأي مبرر كان، ولو كان هذا المبرر قيام تفاوض بين الطرفين المتصارعين (الشغيلة من جهة، وأرباب العمل والدولة من جهة أخرى).
+ الحديث عن استعداد الوزارة لاستئناف “الحوار” حين “تتوفر الشروط الموضوعية والرصينة… الكفيلة وحدها بإيجاد أرضية مشتركة للحوار الهادف والإيجابي حول الملف”، ادعاء زائف وباطل فاقع. فالأرضية المشتركة الوحيدة التي تؤمن بها الوزارة هي ما تعتبره خيارات استراتيجية ترفض التنازل عنها قيد أنملة: “التوظيف بموجب عقود”، “التوظيف الجهوي”، “مراجعة شاملة للنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية” واستبداله بنظام جديد هو “النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين”.
+ وبالتالي فإن الوزارة لا تريد “حوارا” بل تريد استسلاما ناجزا من طرف التنسيقية، وهو ما ترفضه هذه الأخيرة. والوزارة تعتبر رفض الاستسلام ورفض التخلي عن مطلبي “إسقاط التعاقد والإدماج” غيابا “لإرادة الحوار” لدى التنسيقية.
+ ليس “الحوار” بالنسبة للدولة آلية للوصول إلى “حلول متوافق عليها”، بل آلية لامتصاص الغضب وربح الوقت وترويج صورة الدولة المعتمدة على “المقاربة التشاركية”. والمشكل أن قيادات النقابات وحتى بيانات التنسيقية ساهمت في زرع هذا الوهم في وعي الشغيلة.
+ تعتبر الدولة “جولات الحوار” ساحة للمساومة، حيث تتقدم بفتات مقابل تمرير الجوهري من هجماتها، وهذا ما ألفته مع البيروقراطيات النقابية منذ زمان، هو ما يؤكد عليه تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول الوظيفة العمومية (2017) حيث يصر المجلس على ضرورة اغتنام الحكومة فرصة “هذه المفاوضات لكي تفرض مقابل زيادات الأجور أهدافا ترتبط بأداء الموظفين المستفيدين وبجودة خدمات المرفق العمومي”.
+ لذلك فالحديث عن “عجز الوزارة عن تقديم حل فعلي للملف” كما ورد في البيان التوضيحي الأخير الصادر عن التنسيقية ليس في محله. فالوزارة ليست عاجزة، بل تملك مخططا مغايرا ومناقضا لمطلب التنسيقية وهي تسعى بكل ما في جعبتها من خبرة وترسانة قمعية لتمريره.
تهديدٌ ووعيدٌ في حقّ المُضربين- ات
هدد بلاغ الوزارة بـ”اتخاذ الإجراءات القانونية والمسطرية الجاري بها العمل في حالة الإخلال بالواجبات المهنية”، وهو وعيد صريح بتكرار ما قامت به الموسم السابق في مواجهة الإضراب المديد لشهر مارس وأبريل 2019.
إن أول من يخل بواجباته “التعاقدية” هي الوزارة ذاتها: عدم إصدار المذكرة الوزارية القاضية بإلغاء العقوبات الزجرية التي التزمت بها في حوار 10 ماي 2019، التأخر في صرف أجور الأستاذة- ات…
لذلك فإن الإضراب هو “رد فعل” في وجه هذا الإخلال بتلك الواجبات، والإضراب في نفس الوقت فعل نضال في وجه رفض الوزارة/ الدولة الاستجابة لمطلب التنسيقية المتعلق بالإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية يضمن “الاستقرار المهني والاجتماعي” لعشرات الآلاف من شغيلة التعليم.
الدولة تضحي بكل الالتزامات والواجبات تجاه الشعب، وتقمعه وتسجنه عندما يهبّ للاحتجاج، لكنها تصرعلى التنفيذ الحرفي لالتزاماتها تجاه مؤسسات الرأسمال العالمي (بنك عالمي، وصندوق نقد دولي…) هذه الالتزامات التي تفقر ملايين الشغيلة والكادحين مقابل استمرار خدمة الديون وتنمية القطاع الخاص المحلي والأجنبي.
من أجل مُواجهة جدّية لتَهديداتْ الوزارة
علينا ألا نكرر- “مرة أخرى”- خطأ الاستهزاء والتقليل من شأن تهديدات الوزارة، بل أن نعد العدة لمواجهة جدية لهذه التهديدات الوعيد.
استطاعت الوزارة/ الدولة أن تبلبل جزءً من قاعدة شغيلة التعليم، خاصة بواسطة المهاترات التي أوقعت فيها قيادات النقابات مؤخرا، وقد يساعدها ذلك في إعادة سيناريو السنة السابقة: تعويض المضربين- ات، تغيير البنية، إسناد الأقسام الإشهادية لغير المضربين- ات والرسميين- ات، إجراءات عزل، تطبيق مسطرة الانقطاع عن العمل…
تنشط الدولة/ الوزارة إعلاميا لتصوير تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد رافضةً لأي حلول تقترحها الوزارة، وبالتالي غير مكترثة بـ”مستقبل التلميذ- ة”. وهو ما علينا مواجهته منذ الآن بحملة دعاوية مكثفة تجاه أسر التلاميذ- ات بكافة الوسائل: الاتصال بجمعيات الآباء والأمهات، توزيع كثيف للمناشير حول دواعي الإضراب وأضاليل الوزارة، حملات إعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي…
لكن الجبهة الأساسية لمواجهة تهديدات الوزارة تتمثل في العلاقة بالمرسمين- ات من شغيلة التعليم. يستهدف الطور الأخير من الهجوم (المماثلة المطلقة نزولا) كل جسم الشغيلة (مرسمة ومفروضا عليها التعاقد) ما يوفر أرضية خصبة لاستنهاض وحفز الاستعداد النضالي لدى الشغيلة المرسمة، والالتحاق بمعركة تحصين المكاسب السابقة.
علينا استهداف المرسمين- ات بتعبئة وحملات إعلامية مكثفة لشرح فحوى اقتراح الوزارة الذي يقضي بمماثلة وضعيتهم- هن مع وضعية المفروض عليهن- هم التعاقد: النقاش في أماكن العمل، توزيع مناشير ومقالات، تنظيم ندوات، استدعاؤهم- هن إلى الجموع العامة للتنسيقية… الخ.
كما يقع جزء مهم من واجب مجابهة تهديدات الدولة على الفروع النقابية، إذ علينا في هذه الفروع المشاركة في التعبئة لبرنامج مارس النضالي، وإصدار بيانات داعية له، والمشاركة في الحملات الإعلامية الموجهة لكسب الرأي العام.
أما القيادات النقابية (سواء التنسيق الثلاثي أو الثنائي) فهذه فرصتها لإثبات مناصرتها لتنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد، وتحويل التضامن الكلامي والرفض اللفظي لمخطط التعاقد ومسعى الوزارة فرض “النظام الأساسي الجديد”، لتحويل كل هذا الكلام إلى نضال فعلي: إعلان إضراب عام وطني يشمل كل قطاع التعليم في نفس تاريخ إضراب التنسيقية.
إنها فرصة تاريخية إن فوتناها، سنكون جيلا يفتح باب الجحيم على الأجيال المقبلة، فلنتحد لنمنع الدولة من وصم جبيننا بهذا العار.
بقلم: شادية الشريف
اقرأ أيضا