معركة معلمي-آت الأردن، دروس مستفادة…. ومكاسب للذود عنها
احتل إضراب المعلمين- ات جزءا كبير من النقاش العام في الأردن شهر شتنبر وبداية أكتوبر والذي يتزامن مع الدخول المدرسي الجديد. نجح اعتصامهم- هن الأول الذي أُغلقت شوارع عمان لمنع إقامته قرب الدوار الرابع، حتى الليلة الطويلة، التي تصادف اليوم العالمي للمدرس 5 اكتوبر، في فرض إعلان اتفاق بين نقابة التعليم والحكومة، الذي نص على بنود كثيرة أهمها رفع العلاوة على الراتب الأساسي من 100% إلى نسب تتراوح بين % 135 و%175.
جاءت الدينامية النضالية الأخيرة نتيجة لما شهدته مقاطعات الأردن ومحافظاته منذ سنة 2014، حيث أحيى المعلمون- ات النقابة في خضم السيرورة الثورية والنضالية التي شهدتها المنطقة سنة 2011، وانتزعوا اعتراف الدولة بقانونيتها. وتطورت الدينامية مع احتجاجات في ربيع 2019 ضد إجراءات الحكومة التقشفية قصد حل أزمتها الاقتصادية وذلك بصياغة مشروع قانون ضريبة الدخل المعدل.
لماذا اعتصم معلمو ومعلمات الأردن؟
احتجت نقابة التعليم مُطالبةً بالزيادة في الأجور بنسبة %50، التي سُميت علاوة الطبشورة. وذلك بناء على اتفاق غير رسمي توصلت إليه الحكومة مع النقابة عام 2014، علقت النقابة على أساسه إضرابًا كانت تخوضه.
قبل عام 2018، كانت الزيادة في الاجور أو ترقية المعلمين خاضعة لتعليمات صادرة بموجب نظام الخدمة المدنية، حددت العلاوة الإضافية للمعلم- ة في وزارة التربية والتعليم لعام 2012 بـ %85 من الراتب الأساسي، على أن تُرفع إلى %100 من بداية عام 2013. وفي غشت 2014، قبيل بداية السنة الدراسية لعام 2014/2015، نفذت النقابة إضرابًا دام 13 يومًا، طالبت فيه بتعديل نظام الخدمة المدنية وإقرار زيادة علاوة المهنة [وهي العلاوة الأساسية] من 100% إلى 150%، وسن تشريعات لحماية المعلم- ة، ونظام المؤسسات التعليمية الخاصة، وتحسين خدمات التأمين الصحي، وإحالة صندوق ضمان التربية إلى مكافحة الفساد». وقبل ساعات من اليوم الأول للدوام المدرسي، علقت النقابة الإضراب، بناء على اتفاق بينها وبين الحكومة بشأن هذه المطالب.
بطء الترقية بالمسار المهني
أُعِدّت مسودةُ نظام مزاولة المهن التعليمية لسنة 2018 الذي حل مكان نظام الخدمة المدنية للمعلمين فيما يتعلق بالعلاوات، على أن يُعمل به من بداية العام الدراسي 2018/2019. يهدف هذا النظام هو إلى تحديد مسار وظيفي خاص بالمعلمين (..) يتضمن معايير لتقييم الأداء والحوافز والعلاوات (الترقية) ويسهم في تنميتهم مهنيًا، ويراعي خصوصيتهم. في حين أن نظام مزاولة المهنة يختلف تمامًا عن المنحنى الطبيعي المتبع في ديوان الخدمة المدنية المخصص لتقييم أداء موظفي المؤسسات والوزارات الحكومية. ويطابق هذا تماما ما تسعى الدولة بالمغرب تمريره تحت مسمى «إصلاح الوظيفة العمومية» و»مشروع أساسي لمهن التربية والتكوين»، حيث تريد ربط المسار المهني لموظفي التعليم بمعايير فردية تقوم على المردودية والكفاءة، وهي مفاهيم تخفي وراء لغتها التقنية سعيٌ إلى تكثيف استغلال شغيلة التعليم مقابل أجور وحقوق أقل.
يميز نظام مزاولة المهن التعليمية بين أربعة أنواع من العلاوات. أولها علاوة معلم متدرب، وتُستحق عند التعيين، وقدرها 50% من الراتب الأساسي. وحين يحصل المعلم أو المعلمة على رخصة مزاولة المهنة، يتلقى العلاوة الأساسية، ومقدارها 100% من الراتب الأساسي، وتسمى أيضًا علاوة المهنة.
النوع الثالث هو العلاوة الفنية، التي تسمى أيضًا علاوة المسار المهني، والمرتبطة بالمستوى الذي يصله المعلم بحسب النظام. الترقي في هذا المسار يمر بفئات لها متطلبات مهنية وتتراوح مدة كل منها في الغالب بين 3 و5 سنوات. وبحسب النظام، تتدرج هذه العلاوة من 25% من الراتب الأساسي للمستوى الثاني، و%50 للمستوى الثالث، و%100 للمستوى الرابع. بالتالي، فإن الحد الأقصى لهذه العلاوة لمن يصل الفئة الأخيرة من المستوى الرابع عند جمعها مع العلاوتين الأولى والثانية يصل إلى %250 من الراتب الأساسي. إلا انها لم تخرج الى حيز الوجود بسب تملص الحكومية وتبنيها سياسة تقشفية مملاة من المتحكمين الرأسماليين.
موقف الحكومة، ما الجديد؟
بعد يوم الخميس الشهير الذي استخدمت فيه الحكومة جهاز الأمن العام بالطريقة التي باتت معروفة والتي أسهمت في تفاقم الأزمة، وزودت المعلمين من حيث لم يحتسبوا بقدر كبير من التحفيز والتحشيد، تحوّلت الحكومة إلى استخدام أدوات أخرى، إدارية في الغالب، وغير قمعية عمومًا، مع استعانة واسعة بالأجهزة الإعلامية المختلفة. وقد اعترفت ضمنيًا ولكن بشكل فوري، بفشل هذه الأساليب.
بالتالي فقد تصدرت الحكومة المشهد في معظم أيام الإضراب، فساومت وضغطت وتنازلت بنسبة قليلة ثم زادت حجم التنازلات، وقدمت الاعتذار الذي تمنعت في البداية عن التعليق عليه. ثم توصلت إلى الاتفاق عبر التفاوض المرير والمتواصل مع طرف نقابي يمثل قطاعًا هامًا ويتصل نشاطه بغالبية الفئات الشعبية، لم ينتهي الملف إلا بتوجيهات ملكية عليا، كما هو معتاد، تعمل في العادة على وقف النقاش، وإن ينال رضى وقبول الأطراف المختلفة.
المكاسب بعد أسابيع
أعلنت الحكومة الأردنية، السبت 5 أكتوبر، التوصل إلى اتفاق بشأن الرواتب والترقيات مع نقابة المعلمين- ات لوقف الإضراب، شريطة العودة إلى اقسامهم- ن في اليوم التالي .
بعد استمرار التصعيد بين الشغيلة التعليمية والدولة، بدأت المفاوضات بين وفد حكومي (وزير الدولة للشؤون القانونية، ووزير الصناعة والتجارة) من جهة ونائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة وممثلين عن النقابة التعليمية من جهة أخرى. فبعد لقاءين استمرا لأكثر من 10 ساعات، وُقِّعَ اتفاق بين الحكومة والنقابة نص على علاوات تراوحت بين %35 و%65 حسب الرتب، كما استُحدثت رتبة جديدة للمعلم القائد وصلت علاوتها إلى %75.
كما جرى التوصل الى اتفاق حول قضايا تهم الشغيلة التعليمية، ويتمثل في عدد من التسهيلات في مجالات الصحة، والقروض السكنية، والإسكانات الحكومية، إضافة إلى تسهيلات لمصلحة النقابة لتأسيس شركة تمويل للمعلمين، ضمن القوانين والأنظمة المعمول بها، واقتراح تعديل نظام صندوق ضمان التربية بالتوافق مع نقابة المعلمين، ومشاركة هذه الأخيرة في إدارة الصندوق من خلال أعضاء تسميهم، وإيجاد آلية منتظمة لمنح قروض ميسرة للتعليم والسكن من مختلف الفئات.
وقد تم التوصل كذلك الى ضرورة اعتماد وانشاء أكاديمية او مركز للتدريب تابعة لنقابة المعلمين، واعتماد شهادات التدريب الصادرة عنه-ها ومعادلتها كباقي الشهادات الصادرة عن المصالح الحكومية، ما دامت تتوفر فيها الشروط المنصوص عليها في قانون وزارة التعليم الاردنية.
دروس معركة معلمي- ات الأردن
لقد بينت معركة معلمي ومعلمات الأردن، أن التنسيق والوحدة العمالية كفيلة بهزم مخططات الدولة البرجوازية التابعة، وعدم الرضوخ لأوامر عن مؤسسات الرأسمال العالمي، وكذا عدم التهافت على الفتات الذي ترمي به الدولة للحركات الاحتجاجية، بل يجب الإيمان أن القوة العمالية ترعب الدولة وتجعل فرائسها ترتجف. وعلمتنا كذلك كما التجارب العمالية عبر التاريخ أن القرار يصنع من القاعدة و ليس القمة، وهذا ما يمنع منظمات العمال من التبقرط، ويفرض الديمقراطية العمالية.
مهام النقابيين-ات الكفاحيين- ات
إن المهام الملقاة علينا في جميع أماكن تواجد العمال هو تحفيز وإذكاء العمل الوحدوي النابع من القاعدة العمالية، لقطع الطريق أمام الانتهازيين والوصولين، ومنع ظهور نزعة بيروقراطية تكبح منظمات العمال. واجبنا نصرة المعارك العمالية والدعوة إلى إضرابات عمالية وشعبية موحدة، تجمع بين المتضررين- ات من سياسات الدولة الموجهة نحوهم لسحق ما تبقى من مكاسب شعبية، لذلك يجب إعداد العدة لرد تعديات الدولة بمزيد من التنظيم.
بقلم، ن،ل
اقرأ أيضا