أزمةُ الأصالة والمُعاصرة دليلٌ تحطّم خُطط النّظام
بقلم، أنور أحمد أكتوبر 2019
يغرق حزب الأصالة والمعاصرة بعد أحد عشر سنة على تأسيسه في أزمة تنظيمية عميقة. انقسام طال كل مفاصله التنظيمية بدءا من المكتب السياسي مرورا المكاتب الجهوية وانتهاء بالتنظيمات الموازية. ما تمظهرات الأزمة الحالية، ما درجة حدتها؟ ما الأسباب الجوهرية المفجرة لها؟ وما نتائجها المحتملة؟
انفجار الأصالة والمعاصرة
نظم الحزب مؤتمره الثالث في يناير2016 وتولى إلياس العماري أمانته العامة أشهُرَ قبيل انتخابات أكتوبر 2016. بدأت انتقادات ضد العماري تصدر عن قياديين أفرادَ دون أن يصل الأمر درجة اهتزاز تماسك الحزب ولا بروز تكتل معارض للأمين العام.
بصورة مفاجئة أعلن إلياس العماري عزمه تقديم استقالته كأمين عام يوم 07 غشت 2017 في اجتماع للمكتب السياسي بدافع تحمله لمسؤولية الفشل، ما دفعه لدعوة كل قادة الأحزاب السياسية للمغادرة، بعد الرجة التي أحدثها الغضب الشعبي بالريف، ما يتعارض وما ترسخ من تقليد لدى أغلب الأحزاب المغربية حيث لا تغادر قيادة الحزب موقعها الا مكرهة، بل المألوف التمسك الجنوني بمقود يدر مكاسب مادية ومعنوية في ظل بحر الفساد الآسن الذي غرسه النظام ورعاه عبر عقود مديدة.
تولى حكيم بنشماس بتاريخ 26 ماي 2018 الأمانة العامة بحصوله على أغلبية عالية من أصوات أعضاء المجلس الوطني، لكن سرعان ما تدحرج الحزب نحو أزمة تنظيمية وصراعات حادة بلغت درجة لم يستطع بسببها عقد اجتماعات مجلسه الوطني ومكتبه السياسي، كما فشلت كل محاولات الصلح لوضع حد للأزمة المتفجرة.
تقدم حكيم بنشماس بمبادرة لتخفيف الاحتقان التنظيمي بتفويض عضوين من معارضيه لشغل مهمتين؛ نائب للأمين العام ورئيس للمكتب الفدرالي، كتسوية لتجاوز الشلل التام، بسبب الثمر المر لاشتداد الصراع. انعقد المجلس الوطني وقرر الدعوة إلى المؤتمر الوطني الرابع، كان تشكيل اللجنة التحضيرية نقطة انفجار الصراع بقوة أشد. فانتخاب سمير كودار منسقا للجنة التحضيرية قوبل برفض قاطع من حكيم بنشماس بمبرر الطعون القانونية التي شابت عملية التصويت، فبدأت عملية تكسير العظام، وبات الانقسام التنظيمي أمراً واقعا. أشهر الأمين العام سلسلة قرارات تنظيمية وقانونية بوجه معارضيه : أصدر قراراً بتجميد عضوية كل من منسق اللجنة التحضيرية ورئيس المكتب الفيدرالي، وكذا نائب الأمين العام بالنيابة، اللذين عينهما سابقاً في إطار مبادرة اتفاق تفاهم في 05 يناير 2019 ،كما جرد تسعة من أصل أحد عشرة منسقا جهويا من مهامهم بمبرر انتهاء مدة انتدابهم، وشكل لجنة تحضيرية بديلة للمؤتمر الرابع يترأسها أحمد التهامي، ورفع دعوة قضائية أمام القضاء الاستعجالي بأكادير للحيلولة دون عقد اللجنة التحضيرية ،التي يرأسها سمير كودار، لاجتماعها بذات المدينة في ظل مشاحنات كادت تؤدي إلى تبادل للعنف بين الأطراف المتصارعة، التي تمكنت، في الأخير، من عقد اجتماعها بانتخاب خمس لجان وحددت لها منسقا ومقرراً، وقررت عقد المؤتمر الرابع ببوزنيقة أيام 27/28/29/شتنير2019 وهو ما أبطله حكم قضائي بمحكمة الرباط بناء على دعوة رفعها بنشماس للطعن في أهليتها القانونية للدعوة لمؤتمر الحزب.
أصدر خمس أمناء عامون سابقون للحزب، الشيخ بيد الله، بنعدي، بنحمو، بلحاج والباكوري، ما سموه «نداء المسؤولية» في خطوة لإخراج حزب الأصالة والمعاصرة من أزمته وتوحيد صفوفه ليؤدي المهمة التي أسس من أجلها. كان ذلك صيحة في واد. شكل معارضو بنشماس ما سموه «تيار المستقبل» يجمع أغلبية كاسحة من قيادة الحزب، وأجلوا موعد المؤتمر إلى بداية يناير 2020 على أبعد تقدير، بهدف فسح المجال لبنشماس ومن معه للالتحاق بمسارهم والذهاب الي مؤتمر موحد، من جانبه أعلن بنشماس ما سماه «الفرصة الأخيرة» لإنقاذ الحزب «من مخاطر الانهيار، وما يترتب عن ذلك من تقويض وتفكيك لمشروع السياسي للحزب» عبر تنظيم مائدة مستديرة للحوار الداخلي، وهي لن تلقى قبولا من معارضيه، الذين يدركون رجحان كفتهم ولن يتركوا له إلا بابا ضيقا ليغادر منه مستسلما.
يأمل الطرفان تفادي الانقسام التنظيمي لإدراكهم أن استمرار الوضع على ما هو عليه، بمثابة هدية على طبق من ذهب لحزب العدالة والتنمية حسب أبي القاسم، عضو المكتب السياسي، لكنهم منساقون إلى صراع شرس، ويأملون تدخل مُنشِئِهم من العدم لرأب الصدع، والإبقاء على الحزب قائما لخوض الانتخابات القادمة والحيلولة دون أن يصب التصدع في صالح حزب العدالة والتنمية.
الأسباب الجوهرية للأزمة
تأسس حزب الأصالة والمعاصرة من قبل صديق الملك ومستشاره الحالي سنة 2008 بتجميعه لعناصر من خلفيات متنافرة وتنظيمات حزبية عديدة، يجمعها الاستعداد لتكون أداة تحقيق أهدافَ سياسية حددتها الدولة. لم يكن الحزب تجمعا لأشخاص ذوي نفس القناعات السياسية انطلاقا من اتفاق مشترك على تحليل للوضع العام وما يتطلبه من مهام ينعكس في برنامج الحزب.
أعلن فؤاد عالي الهمة، المؤسس الفعلي لحزب الأصالة والمعاصرة أن الهدف من تأسيس «حركة كل الديمقراطيين» نواة الحزب؛ التصدي لصعود حزب العدالة والتنمية وتحصين المكاسب التي كرسها “العهد الجديد”.
جاء انفجار السيرورة الثورية لـ 2011 ليجبر الدولة على اللجوء لحزب العدالة والتنمية وضع هدف إضعافه في الدرج الي حين، فتولى الأخير رئاسة الحكومة بعد احتلاله الرتبة الأولي في انتخابات 2011.
الانتخابات الجماعية والجهوية لـ سنة 2015 دخلها «الأصالة والمعاصرة» بهدف إلحاق الهزيمة بالعدالة والتنمية، لكنه مني بالفشل رغم تدخل أجهزة الدولة بقوة لترجيح كفته، فلجأ الي تجنيد كبار الرأسماليين والأعيان القرويين، لكن ذلك لم يؤد إلى انتصار ساحق للحزب، ولا إلى إضعاف ل «العدالة والتنمية» بل اكتفى بقضم أصوات القاعدة الانتخابية لأحزاب أخرى.
بعدها نظمت الانتخابات البرلمانية في 07 أكتوبر2016 أكدت مرة أخرى فشل «الأصالة والمعاصرة» في كبح «العدالة والتنمية» الذي احتل الرتبة الأولى وفق عدد المقاعد التي فاز بها، ما يجعل منطقيا من أمينه العام وزيراً أولَ، أمر رفضته الدولة بوضوح. وبعد امتناع عن تعيين بن كيران رئيسا للحكومة لشهور عدة بطرق ملتوية عبر نسف كل محاولاته لجمع أغلبية داعمة، أخيرا قرر الملك تعيين سعد الدين العثماني الذي شكل الحكومة بيسر مصحوب بتشقق داخلي في صفوف حزب العدالة والتنمية نتائجه مؤجلة إلى حين.
جاءت نضالات الريف أواخر2016 لتحشر الدولة في مأزق حقيقي، نضال شعبي واسع يحظى بتعاطف وطني، ويخاض بمنطقة متميزة بخصوصية تاريخية. انتهت كل محاولات الدولة لفش النضال الشعبي ذاك إلى فشل ذريع.
مأزق الدولة تمثل في إدراكها أن استجابة شاملة لمطالب النضال الشعبي بالريف عبر مفاوضات مركزية ستفتح الباب أمام الشعب المغربي كافة، لـيحذو حذو نضالات الريف المخاضة احتجاجا على أوضاعَ يكتوي بنارها كل كادحي البلد. والخيار الآخر، تنازلات جزئية مقرونة بقمع واسع يستهدف العناصر النشطة، وضرب حصار شامل على الحسيمة والمراكز المجاورة والتضحية بالجهود التي بذلتها الملكية ما بعد الحسن الثاني لطي صفحة ما ظل راسخا من قمع في ذاكرة الريفيين منذ ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي، وجددته أحداث دموية لاحقة، ففضلت الخيار الثاني.
كانت جهة الشمال مركز القوة الانتخابية لحزب الأصالة والمعاصرة، وجزء من قيادته ينحدر من تلك المنطقة، لكنه فشل كلية في القيام بأي دور لمساعدة الدولة على تمرير خطتها بوجه النضال الشعبي الصاعد. لقد تكشفت حقيقة الحزب بما هو شبكة أعيان يجندون زبناءَ انتخابات منتفعين يستطلون بحزب الدولة لقضاء مآربهم الخاصة.
لقد اضطرت الدولة للتدخل بصورة سافرة لإزاحة بن كيران من رئاسة الحكومة وتنصيب نائبه في مسعي لشق حزبه، بعد أن عجز «الأصالة والمعاصرة» عن كبحه انتخابيا، ها هي مجددا تضطر لمواجهة النضال الشعبي بالريف مباشرة بعد فشل «الأصالة والمعاصرة» في تهدئة الغضب الشعبي في قلعته الانتخابية. ما دفعها إلى الاقتناع بأن الحزب فشل في تحقيق ما خلق من أجله، فقررت تركه ليتدبر أمره، وهو الذي خلق وشَبَّ على تنفيذ أمر خالقه، فهوى إلى دوامة الصراع. قد تعود الدولة لانتشال الحزب من الفوضى الحالية وعقد تسويات في إطار تحضيرها للانتخابات القادمة بهدف إضعاف حزب العدالة والتنمية، لكن الأكيد أن حزب الأصالة والعاصرة طويت صفحته وسيكون اسما يذكره التاريخ كما يذكر «جبهة الدفاع عن المؤسسات» والحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي أسسه صديق الحسن الثاني ومستشاره رضى أكديرة في صراعه مع المعارضة البرجوازية في بداية الستينيات.
على ماذا يتصارعون؟
«الصراع الحالي مرتبط بالانتخابات والتزكيات وأموال الحزب» هذا ما صرح به جمال الشبشاوي عضو المجلس الوطني للحزب. وقال عضو المكتب الفدرالي أعميار» من نافل القول التأكيد على أن الصراع الدائر داخل حزب الأصالة والمعاصرة لا يقوم على أساس فكري أو سياسي» وجاء في رسالة داخلية وجهها عبد اللطيف وهبي بتاريخ 25 اكتوبر2018 أن حكيم بنشماس حول الحزب « لمجرد وسيلة لمقتني الفرص..»
تأكد للدولة عجز حزب الأصالة والمعاصرة، بقوة الوقائع، على تحقيق أهدافها التي أسس لأجلها فرفعت يدها عنه كانت أصابعها مصدر كل قرارات الحزب وتحركاته، كما في لعبة خيال الظل، فشب حريق الفوضى في بيت الحزب بصراع أقطابَ ومجموعات مصالح تخوض حربا ضروسا لتملك قيادة الحزب لا لخدمة مبدأ ولا لتحقيق برنامج سياسي، بل قناة لقطف المنافع الحزبية. (*)
ليس حزب الأصالة والمعاصرة وحيدا في درجة انحطاط الأحزاب السياسية المغربية التي تحول أغلبها إلى مجرد هياكل -بلا حياة داخلية ولا قاعدة حزبية- لا تقدم فكرة ولا تقف على مبدأ. إن الملكية، الحاكم الفعلي للبلد، استطاعت جرف الحياة السياسية الحزبية وإفقادها كل اعتبار.
حزب الأصالة والمعاصرة أصبح من الماضي وسحبت عنه مزية حزب الدولة المدلل، فترك ليواجه مصيره، ولا شك أن عقده سينفرط ما أن يتأكد أن الدولة لم تعد تراه حزبها المقرب.
ستضع الدولة استراتيجيتها الانتخابية لـ 2021 ولن تتخلى عن هدف إنهاء ترأس العدالة والتنمية للحكومة (لا لكونه يمثل بديلا متعارضا مع مشروع سياسة التبعية والنيوليبرالية المضاد للديمقراطية الحقيقية) وستجد لنفسها أدوات بديلة قد يكون لحزب الأصالة والمعاصرة دورٌ ثانويٌ مساعدٌ.
لم تفقد معركة الشعب المغربي لأجل تقرير مصيره أي شيء جراء ما حل ب «الأصالة والمعاصرة» وليس لها ما تكسبه منه إن قدر له الخروج منها بسلام. إنه أداة بين أدوات عديدة للنظام يغيرها كيفما شاء ومتي شاء وهي جزء من كيانه. ما يحتاجه عمال وكادحو بلدنا منذ زمان هو الحزب العمالي الاشتراكي المعبر عن مصالحهم، طليعة نضالهم ضد نظام الرأسمالية التابعة، بالغة الاستبداد والفساد.
——————–
(*) – حزب الأصالة والمعاصرة؛ ما طبيعته وما برنامجه السياسي؟ أنور أحمد موقع المناضل-ة.
اقرأ أيضا