بعد بيان نقابتي التعليم CDT وfne التوجه الديمقراطي بمناسبة إضراب المفروض عليهم التعاقد؛ لننقذ نقاباتنا من القاع الذي تهوي بها إليه البيروقراطيات
تحول التنسيق النقابي الخماسي إلى تنسيق ثنائي بين النقابة الوطنية للتعليم-كدش والجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي، مُصدرا بيانا لدعم معركة جارية تخوضها تنسيقية المفروض عليهم التعاقد.
طبعا ستعمل قيادة النقابتين على تصوير الأمر شيئا يميزهما عن النقابات الأخرى، بينما لا يمثل الأمر إلا إيمانا ضعيفا-وليس أضعف الإيمان كما في القول المأثور. اضطرت النقابتان إلى خطوة، غايتها الرئيسة هي رفع الحرج، وليس القطع مع نفس المنظور النقابي الذي تظلان تتشاركانه مع بيروقراطيات النقابات الثلاث الأخرى.
طيلة الموسم السابق، حين تنامت قتالية شغيلة التعليم وفي مقدمتها شغيلة التعاقد المفروض، التزمت قيادة النقابتين-ضمن التنسيق الخماسي-بخط نقابي قائم على مرافقة المعركة بالدعم الكلامي والدعوة إلى إضرابات دون القيام باللازم لإنجاحها، ثم في الأخير جر التنسيقية من خلال آليتي الوساطة/الحوار إلى فخ أطفأ أكبر معركة شهدتها الوظيفة العمومية في العقود الأخيرة.
منذ خمود معركة التنسيقية ظل التنسيق النقابي الخماسي، يستجدي الحوار من الوزارة: يركض في كل دعوة إليه ويتباكى إذا جرى إلغاء جولاته.
تتميز نقابتا كدش والتوجه الديمقراطي بسيطرة بيروقراطيات موالية لأحزاب “معارضة” لآلية تدبير النظام السياسية، ما يدفع إليها تدفقات من شبيبة الشغيلة التعليمية تبحث عن عمل نقابي ذي مصداقية، ما يمارس عليها ضغطا كبيرا يدفعها إلى التميز-قولا وليس فعلا-عن بيروقراطيات النقابات الثلاث الأخرى، التابعة صراحة للدولة أو الأحزاب، تتواطؤ مع هجومها على ما بقي من مكاسب الشغيلة.
هذا الواقع هو ما أجبر ن. و. ت-كدش وجامعة التوجه الديمقراطي على إصدار بيان داعم لمعركة تنسيقية تُصارع هجوم الدولة في شروط غير ملائمة، ويعد سلوك بيروقراطيات التنسيق النقابي الخماسي أحد عوامل هذه الشروط.
أعلنت تنسيقية المفروض عليهم التعاقد برنامجها النضالي في مجلسها الوطني المنعقد نهايةَ شهر ديسمبر2019، وطيلة تلك الفترة تمسك التنسيق النقابي الخماسي-بكل أطرافه-بالركض وراء استجداء الحوار من الوزارة. في حين يحتم الواجب النضالي أن تهب قيادات النقابات التعليمية إلى حفز منخرطيها وأجهزتها لتعبئة قواعد شغيلة التعليم، والاتصال بنقابات قطاعات الوظيفة العمومية المستهدَفة بنفس الهجوم، كي تنخرط في المعركة. لكن ملاحقة سراب الحوار أعمى تلك القيادات الحريصة على “السلم الاجتماعي” وجعلَها بعيدة عن علة وجودها وواجبها النضالي.
اكتفى البيان بدعم المعركة، وكأن الأمر يتعلق بطرف آخر، وليس بقسم واسع من شغيلة التعليم. إذا كانت النقابة أداة نضال الشغيلة، فكيف يصح أن تتضامن الأداة مع الجسم؟ واجب النقابة هو تنظيم النضال وحفز أقسام الشغيلة المستكينة كي تلتحق بميدان المعركة. ولكن ممارسة التنسيق النقابي الخماسي-وضمنه النقابتين-سارت في الاتجاه المعاكس: مطالبة الدولة بجعلها “شريكا اجتماعيا” من خلال آلية الحوار.
لا زالت قيادة النقابتين متمسكة بنفس المنظور المدمر للنضال العمالي، فالبيان الأخير الداعم لإضراب ومسيرة التنسيقية الوطنية يكرر ذات الممارسة النقابية التي أطفأت تلك الجذوة القتالية التي اشتعلت طيلة الموسم السابق.
يغيب المنطق النضالي عن بيان النقابتين، فلا زالت قيادتهما تؤمنان بأن “حوارا جادا ومسؤولا حول ملف التعاقد مع النقابات التعليمية وبحضور ومشاركة لجنة الحوار الممثلة للتنسيقية” سيستجيب “لمطالب الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”.
إن منطق الدولة واضح: تدمير كلي ونهائي لعلاقات الشغل القار واستبداله بأشكال العمل الهش وعلى رأسها التوظيف بموجب عقود. لا تخفي الدولة غاية هجومها وشعارها الرئيس هو “التعاقد خيار استراتيجي”، فكيف لحوار بين دولة تعمل على فرض التعاقد وتنسيقية تريد إسقاطه إن يؤدي إلى الاستجابة لمطالب المفروض عليهم التعاقد. هذا إسهام في خداع الجماهير المناضلة وتكبيل أيديها وإيهامها أن المطلب سيتحقق دون نضال.
واجهت الدولة نضال شغيلة التعليم بالقمع، وإحدى أوجهه هي الإجراءات الزجرية والاقتطاعات وإعداد الشروط لتمرير “مشروع قانون الإضراب”. بالنسبة للدولة إطفاء الدينامية النضالية الجارية في القطاع شرط ضروري لإنجاح مخطط تفكيك الوظيفة العمومية. هذا هو التعامل الجدي الوحيد المنتظر من الدولة، لذلك فمن السذاجة أن يطالب بيان النقابتين الدولة بـ “التعامل بجدية… بإلغاء كل الإجراءات الزجرية والتعسفية والشططية…”. إن الجدية المطلوبة الوحيدة هي الجدية في الانخراط في معركة إسقاط التعاقد، أما الدولة فهي جدية أكثر من اللازم.
تهدد هذه الممارسة النقابةَ بفقدانٍ نهائي لمصداقيتها، وهو ما تظهر نُذُرُهُ منذ الآن، فقواعد تنسيقيات شغيلة التعليم ترفض منطق الدعم والتضامن وتنتظر انخراطا فعليا في معركتها، وإذ تصر القيادات البيروقراطية على الاستمرار في نفس الممارسة فهي تدفع القواعد لاستعادة خطابات التهجم على النقابات ونعتها بـ “النفايات” وتحميلها مسؤولية التواطؤ في الهجوم.
كما أفقدت ممارسةُ التنسيق النقابي الخماسي المصداقيةَ لكل أشكال النضال سواء تعلق الأمر بالتضامن (بحصره في الكلام) والإضراب (بالاستنكاف عن إنجاحه) والتنسيق (بجعله فوقيا خاضعا لحسابات غير نضالية)، والتفاوض (بجعله سعيا وراء حلول متوافق عليها).
لكن… النقابة في آخر المطاف أداة لا غنى عنها لتنظيم نضال الشغيلة. ويهدد واقع تراجع العمل النقابي-الذي تُفَاقِمُهُ ممارسة البيروقراطيات-بتعبيد الطريق أمام هجمات أشد.
إن مهمة عظيمة تقع على النقابيين الديمقراطيين والرافضين لسيطرة البيروقراطيات على النقابات. مهمة تخليص النقابة من الكابح البيروقراطي واستعادة علة وجودها الأصلية: حفز النضال العمالي وتوحيده وتنظيمه في مواجهة هجوم الدولة وأرباب العمل.
يقف الخلط بين النقابة [أداة نضال الشغيلة] وبين البيروقراطية [المسيطرة على تلك الأداة] عقبة كأداء أمام هذه المهمة. فبهذا الخلط، تُحَمِّلُ قواعدُ التنسيقيات المسؤولية للنقابات وليس للبيروقراطية، وهو ما يدفعها لرفض كلا الطرفين. لذلك علينا تصحيح هذه النظرة كي يكون نضال التنسيقيات إسهاما في استعادة النقابات من البيروقراطيات وفي تخصيب قواعد النقابات بالتقاليد الكفاحية التي اجترحتها التنسيقيات منذ سنين.
دون هذا ستنعزل التنسيقيات في نضال فئوي ينتهي بهزيمة ساحقة، وهذا ما نعمل لتفاديه بكل ما نملك من قوة إلى جانب كل الحريصين على وفاء النقابة بواجبها الأصلي.
بقلم، أنور مهدي
اقرأ أيضا