تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد ومعضلة السقف الزجاجي
– السقف الزجاجي هو استعارة تستخدم من أجل تمثيل حاجز غير مرئي يوحي بالاستمرار في التقدم والارتفاع، لکنه يشکل حاجزا حقيقيا (وإن کان غير مرئي) أمام الوصول إلي الأهداف المسطرة.
– تم استعارة هذا المصطلح المجازي لأوّل مرّة من قبل النسويّات في إشارة منهنّ إلى الحواجز الموجودة في طريق وصولهنّ إلى وظائف النساء عالية التحصيل. في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، يمتد هذا المفهوم في بعض الأحيان من أجل الإشارة إلى العقبات التي تعيق تقدّم نساء الأقليّات، وكذلك رجال الأقليّات. غالباً ما تجد نساء الأقليّات صعوبة أكثر في “كسر السقف الزجاجي” لأنّها تكمن في تقاطع مجموعتين مهمشتين تاريخياً: النساء والأشخاص الملوّنين. [ويکيبيديا].
– لحرکات النضال بدورها سقفها الزجاجي، الذي يوحي ويوهم بالتقدم في مسيرة الاحتجاج، في حين أنها تراوح المکان وتتقلص قاعدتها الجماهيرية وتستنفد طاقتها النضالية مع مرور الوقت، إن لم يجر الانتباه إلى ذلك ومعالجته.
– کانت معرکة “إسقاط ملحقات العقود” وإضراب شهري مارس وأبريل، ذروة ما يمكن أن تصل إليها قتالية وكفاحية التنسيقية، اعتمادا على قواها الخاصة. وبعد تکسر تلک الموجة النضالية الضخمة على أسوار رفض الدولة وإجراءاتها العقابية، تحولت إلى مويجات صغيرة مرتکزة على مطالب جزئية (الحرکة الوطنية، تعويضات المناطق المسترجعة، الاقتطاعات، الانتقال بين السلكين، التراجع عن الإجراءات العقابية، المطالبة بالحوار… إلخ)، مويجات لم يتيسر لها بعد من القوة ما يحولها إلى تسونامي شبيه بالذي عشناه في الموسم السابق.
– لا يمكن أن يكون للنضال التراجعي (المعارک الدفاعية ومن أجل مطالب جزئية) نفس الزخم الذي نشاهده في المعارک الهجومية ومن أجل مطالب أعم. لذلک فالحديث عن عدم مشارکة البعض في الإضراب ليس تفسيرا للتراجع النضالي، بل أحد مظاهره الذي يستوجب بدوره تفسيرا.
– تجد ظاهرة المترددين والممتنعين عن تجسيد الإضراب تفسيرها في تبدل السياق النضالي مقارنة بالموسم السابق. فهؤلاء هم من يرفعون نسب الإضراب عاليا، لأنهم بکل بساطة تشربوا تلک الفکرة التي روجها الکل وعلى نطاق واسع: “الإدماج على مرمى حجر، ويكفي تمديد الإضراب لندفع الوزارة للاستجابة للمطلب”.
– هل وقع هذا؟ طبعا لا، والدليل استمرار العمل بالعقدة والاستعداد لاعتماد صيغة التوظيف الجهوي. ولا يمكن إذن- بل ومن المستحيل تماما- الاستمرار في نفس الزخم، وإلا علينا تلقي دروس دعم في علم نفس الجماهير وعلم النفس الاجتماعي.
– منذ تعليق الإضراب المديد نهاية شهر أبريل وبداية شهر ماي 2019، دخلت التنسيقية الوطنية في دوامة برامج نضالية شبه شهرية (يسطر البرنامج النضالي في کل مجلس وطني)، ولا يبدو أن هناک خطة نضال متوسطة أو بعيدة الأمد، تأخذ بالاعتبار تبدل السياق ونتيجة المعرکة السابقة وميزان القوى المائل لصالح الدولة.
– يسطر برنامج نضالي وينفد، ويسطر برماج نضالي آخر، لا علاقة له بسابقه. وغالبا ما تکون هذه البرامج ردود فعل على إجراءات الدولة الهجومية أو ضد تملص الدولة من التزامها، أو إعدادا لجولة حوار. لا استمرارية بين البرامج النضالية (شکلا ومطلبا)، وتفقد بذلک القدرة على المراکمة والبناء.
– ستستمر بهذا المنحى التنسيقية الوطنية في استنفاد نفسها في خطوات تتراوح بين تصعيد ومراحل خفوت، حتى تنتهي قوقعةً لا فائدة منها. وتكون النتيجة هي ما يتخوف منه الكل حاليا: القبول المبدئي بالتعاقد كصيغة عادية للتوظيف.
– بتعليق إضراب مارس وأبريل، انتهت المرحلة البطولية الأولى من تاريخ تنسيقيتنا، تلك التي كانت مرحلة العمل الفرح والمشهدي والاعتقاد الساذج بسهولة تحقيق المطلب بخطوة تصعيدية غير مسبوقة. وعلينا الآن البدء في العمل الشاق والصبور، لإعادة البناء من جديد، والصراع مع ما هو أشد من قمع الدولة ومناوراتها: سلبية القواعد واتكاليتها، إضافة إلى ما طبع به السياق السياسي نضالات التنسيقية من روح فئوية وعزلة قطاعية.
– إن ما يشكل سقف التنسيقية الزجاجي هو تلک الفئوية الراسخة، والتي تجعل برامج نضالها لا تتعد الفئة المعنية: المفروض عليهن-هم التعاقد. والاستمرار والعناد في الاعتماد على جسم التنسيقية وحده (وإن کان كثير العددِ زَائِدَهُ) هو ذاک الحاجز غير المرئي الذي يمنع نضال التنسيقية من الخروج من مأزقه الحالي.
– نسبة كبيرة من مناضلي-ات التنسيقية يردون البرودة النضالية لهذا الموسم إلى غياب التصعيد وتخاذل غير المضربين. ولکن ما الذي يفسر هذا؟ التفسير بسيط: التنسيقية جربت التصعيد ولم يؤت أکله بل انتهى بخديعة الوساطة والحوار، تلک الخديعة التي ردتنا إلى أقسامنا وبحمل ثقيل من الإجراءات العقابية، أقساها الاقتطاعات.
– ليس التصعيد عاملا في حد ذاته، ولکن التصعيد بشکل منفرد هو ما أدى لتراجع المعرکة السابقة، ما يفسر بالتالي برودة هذا الموسم.
– سنظل ننادي بالتصعيد وننتقد غير المضربين-ات، أجلا طويلا دون القدرة على التقدم. فقط کسر سقفنا الزجاجي، والانعتاق من قيود الفئوية وجعل رافدنا النضالي يصب في السيل الجبار لنضال الشغيلة هو ما سيفتح آفاق تطور نوعية.
– کانت التنسيقية الوطنية ونضالها الخاص، بمثابة الشرنقة التي نمت وسطها فراشة نضالنا، وعلينا الخروج من تلک الشرنقة لمعانقة الحياة، أي للالتحام بباقي فراشات النضال من تنسيقيات فئوية ونقابات الشغيلة. دون هذا لا يعني إلا الاستمرار في العيش داخل الشرنقة والنفوق في آخر المطاف، وهو المصير الذي نسعى صادقين تجنيبه لتنسيقيتنا وباقي إطارات نضال الشغيلة.
– بدأت خطوة نوعية جدا، مقارنة بالموسم السابق، وهي التحاق قسم من المفروض عليهن-هم التعاقد بالنقابات وتحمل مسؤوليات تنظيمية داخل هياكلها. وواجب هذا الجسم هو حفز انخراط الفروع التي يتواجد فيها للدفع بمبادرات وحدوية إقليمية وجهوية، تكون نموذجا لما يجب أن يكون عليه الأمر على المستوى الوطني. وهذا أبسط واجب نضالي تجاه تنسيقيتنا، وإلا سيتحول هؤلاء المنخرطون-ات من التعاقد داخل النقابات إلى محض قنوات لاستدرار أصوات المفروض عليهن-هم في انتخابات لجان الأطر المقبلة.
بقلم، شادية الشريف
اقرأ أيضا