التنظيم الذاتي والحزب الطليعي في تصور تروتسكي
بقلم، إرنست ماندل
تمثل علاقة التنظيم الذاتي للطبقة العاملة بتنظيم الطليعة إحدى أعقد مشاكل الماركسية. و لم يجر لحد الساعة تناول هذا المشكل على نحو ممنهج، لا على ضوء النظرية، ولا على ضوء معطيات النضال العمالي التجريبية المراكمة منذ مائة وخمسين سنة. و ينطبق هذا أيضا على مؤسسي الاشتراكية العلمية، مع أن انجلز (وكذا ماركس بدرجة أقل) تطرق لهذا المشكل في رسائل ومقالات عديدة [36].
عند استعراض أشهر الأعمال المخصصة لهذا المشكل- ما العمل؟، مؤلف روزا لوكسمبورغ عن المشاكل التنظيمية للاشتراكية-الديمقراطية الروسية، نصوص كاوتسكي ضد برينشتاين، روزا لوكسمبورغ والبلاشفة، مرض الشيوعية الطفولي للينين، الحزب اللاشرعي لأوتو باور، يتبين أنها كلها ذات طبيعة سجالية، وبالتالي ذات طابع مجزأ وظرفي. وتبلغ كتابات شباب جورح لوكاش، التاريخ والوعي الطبيق ولينين، مستوى تجريد عال يتعذر معه أن تتضمن تناولا ممنهجا للموضوع. وتقترب كتابات غرامشي في مطلع سنوات العشرين من المشكل. لكن الأمر يتعلق هنا أساسا بمقالات صحفية متباينة، لا بعرض ممنهج [37].
لكن النظر إلى العمل الإجمالي لبعض الماركسيين الكلاسيكيين يعطي انطباعا آخر. طيلة أكثر من ربع قرن، تناول لينين وروزا لوكسمبورغ هذا المشكل ذي المكانة المركزية بالنظرية والممارسة الماركسيتين. طبعا لا تعكس كتاباتهما المتوالية وجهة نظر ثابتة، بل تقدم صورة سيرورة نضج تتغذى من التجربة. ذلك بالذات سبب إمكان بناء نظرية متكاملة بالانطلاق من عملهما، رغم أن معرفة ما إن كان الكاتبان المذكوران- الذين لم يقوما نفسيهما بهذا التأليف- قد يتبنيان هكذا محاولة، تظل مسألة مفتوحة.
يتميز عنهما تروتسكي بكونه تمكن، بفعل أنه عاش أطول من لينين وروزا، من تناول مشكل الطبقة/ الحزب و التنظيم الذاتي / الحزب الطليعي خلال أربعين سنة استنادا على تجربة للحركة العمالية أكثر تمايزا وغنى في جملة كاملة من البلدان. استوعب الظواهر الجديدة المتمثلة في الفاشية والستالينية والمشاكل المترتبة عن النضال ضدهما.
وفي الآن ذاته، وربما بسبب ذلك بالذات، تتسم إسهاماته المتوالية حول موضوع الطبقة/ الحزب، التنظيم الذاتي/ التنظيم الطليعي، بتباين أكثر مما لدى لينين وروزا لوكسمبورغ. وقد غير تروتسكي موقفه الأساسي بصدد هذه الاشكالية خمس مرات بالأقل، رغم أنه لاشك في وجود “خيط أحمر” مشترك عبر هذه المواقف المتوالية. بينما يمكن وضع رسم أولي تركيبي لتصورات لينين وروزا، يجب بالأحرى في حالة تروتسكي محاولة استخلاص حصيلة تطوره. يفضي هذا إلى رسم أولي للإجابة على الإشكالية المطروحة، والتي اقترحها في نهاية حياته.
مخاطر حزب طليعي ممركز في حالة غياب تنظيم ذاتي للطبقة (1902-1905)
كما هو معلوم، كان تروتسكي إلى جانب لينين وبليخانوف ومارتوف على نحو تام في نضالهم ضد “الاقتصاديين” زمن ايسكرا الأولى. وكان لينين يثمن عاليا إسهامه ويسميه “ريشتنا”. وكان لينين من دفع بقبوله بما هو أصغر أعضاء هيئة تحرير ايسكرا.
لما حدث، بالمؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي الاشتراكي-الديمقراطي الروسي، انفصال وانشقاق مؤقت [38] بين أغلبية المؤتمر ( البلاشفة) والأقلية ( المناشفة)، انضم تروتسكي إلى الأقلية. و أفضى سجاله ضد لينين إلى كراسة مهامنا السياسية (1904)، المعروفة بوجه خاص بسبب المقطع الذي حصل على طابع مأساوي وتنبؤي على ضوء التطور اللاحق للحزب الشيوعي الروسي وتاريخ الاتحاد السوفييتي، حيث يقول: “في السياسة الداخلية للحزب، تقود هذه الطرائق، كما سنرى لاحقا، منظمة الحزب للحلول محل الحزب، واللجنة المركزية للحلول محل منظمة الحزب، وأخيرا الديكتاتور للحلول محل اللجنة المركزية، وتقود علاوة على ذلك إلى قيام اللجان بوضع “التوجيهات” وإلغائها بينما “يظل الشعب أبكما” [39].
يستنتج خصوم كثر للينين، وكذا مؤرخون، على قاعدة مجرى الأحداث أن التاريخ حكم بصدد هذا المشكل لصالح تروتسكي وضد لينين [40]. ويؤاخذون تروتسكي على مراجعته موقفه بدءا من 1917 و اعتباره لموقفه خلال مؤتمر الحزب الثاني وبعده خاطئا [41].
في الواقع يجب ملاحظة أن تروتسكي، وكذا المناشفة وروزا لوكسمبورغ، كانوا يشوهون لينين إلى حد كبير. كانوا ينزعون أطروحات ما العمل؟ من سياقها الملموس- والمحدود في الزمان، لإضفاء طابع شمولي عليها [42].
كان المقصود، لدى لينين، توضيح المهام الآنية للحزب اللاشرعي بقصد إعداد حركة جماهيرية سياسية واسعة ومستقلة للطبقة العاملة. لم يكن لكراسة ما العمل؟ هدف آخر. ولا شك أنها لم تستهدف بلورة نظرية عامة حول علاقة الطبقة / الحزب، تقضي بوجوب خضوع الأولى للثاني في الأمد الطويل ووضعها تحت تحكمه الأبوي.
كتب لينين في الكراسة ذاتها هذه الأسطر ذات الرنين اللوكسمبورغي- التروتسكي الجلي: “لا معنى لمنظمة الثوريين سوى بعلاقة بالطبقة الثورية حقا التي تخوض المعركة عفويا(…) نحسب أن الجميع يوافقون على أن مفهوم “المبدأ الديموقراطي الواسع” ينطوي على الشرطين الضروريين التاليين: أولا، العلنية التامة، ثانيا، الانتخاب إلى جميع الوظائف. (…). نحن نصف الحزب الاشتراكي الألماني بأنه منظمة ديموقراطية، لأن جميع أعماله تجري علنا بما في ذلك جلسات مؤتمر الحزب” [43].
بعد تجربة ثورة 1905، عزز أكثر هذا التوضيح في شكل نقد ذاتي جزئي فيما يتعلق بالسجال حول “لي القضيب على نحو زائد في اتجاه”: طبعا تكمن أول أسباب هذا النجاح في كون الطبقة العاملة، التي شكلت أفضل عناصرها الحركة الاشتراكية-الديمقراطية، تتميز بفعل أسباب اقتصادية موضوعية عن باقي طبقات المجتمع الرأسمالي بقدرة اكبر على التنظيم. لولا هذا الشرط لكالت منظمة الثوريين لعبة، ومغامرة، وواجهة بلا شيء خلفها.”
ويضيف لينين بنفس المكان: “من 1903 إلى 1907، أعطت الاشتراكية الديمقراطية للجمهور، رغم الانشقاق، أوسع المعلومات عن وضعها الداخلي (محاضر جلسات المؤتمر الثاني المشترك، والمؤتمر الثالث البلشفي، والمؤتمر الرابع أو مؤتمر ستوكهولم المشترك). رغم هذا الانشقاق، تمكن الحزب الاشتراكي-الديمقراطي، قبل كل الأحزاب الأخرى، من الإفادة من فترة الحرية العابرة لتحقيق منظمة شرعية ذات نظام ديمقراطي مثالي، ونظام انتخابي وتمثيل بالمؤتمر حسب عدد أعضاء الحزب المنظمين. [44] “
كان البديل المنشفي يبخس قدر إكراهات السرية، وما يهدد استمرار النشاط الطبقي، والمركزة الضرورية لكن الصعبة لتجربة النضالات المجزأة، وبوجه خاص الأهمية الحيوية للنضال من أجل الاستقلال السياسي، ولا حقا من أجل هيمنة الطبقة العاملة في الثورة. كان الانشقاق بالمؤتمر الثاني يضم على نحو كامن بذور التمايز السياسي المركزي اللاحق بين البلاشفة والمناشفة فيما يتعلق بدور البرجوازية الروسية في الثورة الوشيكة.
جلي أن هذا لا يصح بالنسبة لروزا لوكسمبورغ، وبكل يقين بالنسبة لتروتسكي، الذي لم يكن يقف، بصدد استقلال البروليتاريا السياسي في الثورة الروسية، موقفا منشفيا بل موقفا على يسار البلاشفة. وهذا الموقف ملخص في صيغة “الثورة الدائمة” [45]. وقد أكدتها كليا مسار ثورة 1917. وقد جرى تطويرها على نحو مماثل عمليا من طرف لينين في موضوعات ابريل على الأرجح دون قراءة نصي تروتسكي المعنيين في 1904-1906 [46].
لكن، صحيح أنه إن كان لينين نجح في التخلص من كل ميل إلى “الاستبدالية” خلال مختلف أطوار صعود نشاط الجماهير، فلم تكن تلك حالة أغلبية “البلاشفة القدامى” إلا على نحو أقل بكثير. هذا ما يفسر سبب موقفهم الانتظاري، إن لم نقل النقدي صراحة إزاء تشكل سوفييت بتروغراد عام 1905، وسبب تأخر انضمامهم إليه ومساندته كليا.
لا شك أن الفضل يعود إلى تروتسكي في سبق التعرف في السوفييت على أوسع شكل للتنظيم الذاتي الطبقي، ناتج التاريخ ذاته، وكذا شكل السلطة العمالية المقبلة. وهذا ما عبر عنه لينين، على نحو كلاسيكي، في الدولة والثورة، وما أعطاه غرامشي، ولا حقا الأممية الشيوعية، أساسا اجتماعيا- نظريا [47]، وهو ما استبقه تروتسكي عام 1906 في كراسته نتائج وتوقعات [48].
المجالس العمالية هيئات الثورة البروليتارية. ولن تتمكن من مواصلة وجودها خلال مراحل غير ثورية. وقد دحضت التجربة التاريخية المحاولات في هذا الاتجاه سواء من قبل شيوعيي اليسار الهولنديين غورتر وبانكوك، أو حزب العمال الشيوعي الالماني KAPD. يمكن للنقابات الجماهيرية أن تتسع وتزدهر في ظروف استقرار الرأسمالية المؤقت، لكن ليست تلك حال المجالس. هذا علاوة على أن تراجعا للنشاط الذاتي للطبقة، بعد ظفر الطبقة العاملة بسلطة الدولة، قد يحد، أو حتى يلغي، وظيفة المجالس بما هي أدوات ممارسة البروليتاريا للسلطة مباشرة .
مخاطر نشاط جماهيري أقل في غياب منظمة طليعية مستقلة (1907-1914)
تنتج عن ذلك ضرورة تفاعل ديالكتيكي بين تنظيم الطبقة الذاتي- المعرض لتقلبات بالغة – وحزب طليعي دائم، يظل أيضا حجم تأثيره الجماهيري عرضة لحركات صعود وهبوط الظرفية، لكنه مع ذلك أكثر ثباتا، وبمستطاعه العمل باستمرار، وبالتالي أقدر على مقاومة ضغوط ميزان القوى غير المواتي. وقد تؤدي تصفية هذا المكسب، المتمثل في المنظمة وكوادرها المنغرسة في الطبقة، إلى عرقلة استئناف لاحق للنضال الجماهيري.
و بالعكس، ُيسهل وجود منظمة طليعية هذا الاستئناف [49]. لم يدرك تروتسكي هذا الخطر بعد مؤتمر حزب العمال الاشتراكي- الديمقراطي في ستوكهولم. إن نقص تقديره لخطر الموقف التصفوي، وكتلته اللامبدئية مع المناشفة، رغم الخلافات السياسية العميقة التي تفصله عنهم، وموقفه التوفيقي الذي يفصل المسألة التنظيمية والعملية عن كل مضمون سياسي- بتأثير جزئي من “الوسطية” الألمانية، أي كاوتسكي، مع أنه كان يقدر بصواب حدود هذا الأخير السياسية أكثر من لينين، كلها عناصر تجعل أخطاءه في فترة 1907-1914 أفدح من أخطاء الانشقاق الأول. بالإضافة إلى أنها مارست تأثيرا ضارا على نحو خاص على التطور التاريخي اللاحق للحزب الشيوعي السوفييتي، لأنها كانت قاعدة الحذر العميق لدى “البلاشفة القدامى” إزاء تروتسكي.
1917- 1919: تركيب سلطة المجالس والمنظمة الطليعية
فور انفجار ثورة فبراير 1917، اتخذ لينين وتروتسكي موقفا مماثلا إزاء مهام البروليتاريا. موقف تعبر عنه صيغة: “كل السلطة لمجالس العمال”. وتمثل موضوعات ابريل للينين بهذا الصدد انعطافا أدى في البدء إلى مقاومة من جانب “البلاشفة القدامى” [50]. ومما له بالغ الدلالة أن “البلاشفة العمال”، أي الكوادر البروليتارية، الطليعة العمالية، حتى من ليسوا أعضاء بالحزب، هم من ساند لينين على طول الخط، وأتاحوا له هزم كوادر الحزب بسرعة. وفي الآن ذاته، صحح تروتسكي تصوره الخاطئ عن الحزب البلشفي بما هو “عصبة معزولة”. واعترف كليا بالدور الطليعي الذي اضطلع به الذين تلقوا تربية الحزب خلال ثورة فبراير [51].
قاده ذلك إلى التخلي عن كل موقف توفيقي على صعيد الوحدة مع المناشفة، لا سيما أن مشكل الخلافات الإستراتيجية حول التوجه اللاحق للثورة يمثل لدى لينين وتروتسكي مسألة حياة أو موت، نصر أو هزيمة، وليس مشكلا ثانويا.
ومن المفارقة أن بعضا من “البلاشفة القدامى”، مثل كامنيف وستالين ومولوتوف، هم من يدافع حاليا عن موقف توفيقي حيال المناشفة [52]. على هذا النحو جرى انصهار سريع بين أنصار منظمة ما بين المقاطعات interrayontsi ، التي يلهمها تروتسكي، والبلاشفة. وقد عبر لينين بهذا الصدد عن تقديره النهائي، ولن يغيره أبدا حتى وفاته: فهم تروتسكي استحالة الوحدة مع المناشفة، ومنذ تلك اللحظة ليس ثمة من بلشفي أفضل من تروتسكي [53]”.
إن تروتسكي ، بصفته رئيس مجلس عمال (سوفييت) بتروغراد، وبصفته محرضا جماهيريا لا يتعب، وبصفته قائدا للجنة العسكرية الثورية للسوفييات، التي أحرزت نصر انتفاضة أكتوبر بوسائل التحريض السياسي قبل غيرها، بقدر ما أقنعت تكنة بتروغراد بالخضوع للسوفييت وليس لهيئة الأركان البرجوازية، قد حل عمليا مشكلة التنظيم الذاتي/ الحزب الطليعي قبل التمكن منها نظريا.
ويجد هذا الحل تعبيره المركز في تزامن الانتفاضة المسلحة ومؤتمر المجالس العمالية في أكتوبر 1917. لم تكن الانتفاضة عملية تآمرية ولا انقلاب أقلية. كانت تعبيرا عن قرار ديمقراطي لأغلبية الطبقة العاملة الروسية والفلاحين الفقراء بإقامة سلطة المجالس العمالية، “دولة العمال والفلاحين
[54]”. و لم يمكن عمليا كسب أغلبية الطبقة العاملة لشعار “كل السلطة للمجالس” سوى بالتزام دائم ومذهل من جانب الحزب البلشفي. وذلك ما أثبته بلا تحفظ حتى الشهود غير البلاشفة [55]. بلغت الوحدة الديالكتيكية بين تنظيم الطبقة الذاتي والحزب الطليعي نضجها الكلاسيكي هنا. كانا،عوض أن يتعارضا بأي طريقة ما، يتبادلان الحفز.
يلخص توتسكي ذلك في كتابه تاريخ الثورة الروسية بإيجاز: “إن دينامية الأحداث الثورية محددة مباشرة بتحولات نفسية حادة و متقدة لدى الطبقات المتشكلة قبل الثورة (…) لا تثور الجماهير بخطة تغيير اجتماعي ناجزة، بل تحس الشعور العنيف بعدم القدرة على تحمل النظام القديم لأمد أطول. وحده الوسط القائد لطبقتها يملك برنامجا سياسيا، بحاجة مع ذلك إلى التحقق منه بالأحداث والى قبول الجماهير له. إن السيرورة السياسية الأساسية لثورة تكمن بوجه الدقة في كون الجماهير تعي المشاكل التي تطرحها الأزمة الاجتماعية، وكون الجماهير تتوجه بنشاط وفق طريقة المقاربات المتتابعة (…) إن دراسة السيرورات السياسية للجماهير هي التي تتيح، دون سواها، إدراك دور الأحزاب والزعماء الذي نحن ابعد عن كل ميل إلى تجاهله. انهما يمثلان عنصرا من السيرورة غير مستقل، لكنه بالغ الأهمية. بدون منظمة قائدة، تتبخر طاقة الجماهير مثل بخار غير محبوس في اسطوانة مكبس. لكن الحركة لا تأتي من الاسطوانة ولا من المكبس، بل من البخار.” [56]
ستمتد هذه الوحدة الدياليكتية والإخصاب المتبادل بين التنظيم الذاتي للطبقة ونشاط الحزب الطليعي، المميزة لـ 1917، خلال بناء الدولة السوفييتية الفتية والجيش الأحمر. و بعكس أسطورة متزايدة الانتشار بالاتحاد السوفييتي أيضا، كانت سنوات 1918 و 1919 ذرى في النشاط الذاتي المستقل للطبقة العاملة الروسية، بنفس قدر 1917، لا بل أكثر. وثمة بهذا الصدد مصادر لا تحصى في مجال الوثائق، والاستطلاعات الصحفية والأدب [57]. بل ثمة شهادة لا إرادية قدمها الكاتب الرجعي سولجنيتسين، الذي يناصب اليوم ثورة أكتوبر عداء شديدا. كتب انه بعد حكم المحكمة الثورية حكما ظالما بالإعدام على جندي متمرد، ناصر سوفييت حراس السجن المتهم وانتزع مراجعة الحكم [58]. أين شوهدت في تاريخ البلدان الحديثة هكذا ديمقراطية قاعدية. وفي أي بلد رأسمالي توجد اليوم؟
حُدد “الدور القائد للحزب”، في مقطع تروتسكي الآنف، بكيفية ماركسية كلاسيكية. بدون هذا الدور القائد تظل طاقة حركة الجماهير الهائلة مهددة بالتبخر. لكن ليس هذا الدور القائد “حق بكورية” حسب صيغة بليخانوف الخاطئة بالمؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي- الديمقراطي الروسي. فهذا الدور يستدعي الظفر به وإعادة كسبه باستمرار سياسيا، أي ديمقراطيا. يجب أن تعطي غالبية الجماهير موافقتها عليه. لا يتأسس إلا في النضال من اجل الظفر بالأغلبية. وليست اقتناعات الحزب، ولا حتى برنامجه، معصومة من الخطأ ولا هي ثابتة.
عند تجريد صيغة “الدور القائد للحزب” من هذه التحديدات الثلاث، تصبح في أفضل الأحوال مسخا عصبويا و دوغمائيا، وفي أسوئها، كما في ظل الديكتاتورية الستالينية وبعد الستالينية، وسيلة لتكميم الجماهير وتجنيدها وخنق نشاطها الذاتي، حتى بالقمع الممنهج.
“السنوات المظلمة” 1920-1921: تروتسكي ذاته ينزلق إلى “الاستبدالية”
إن قيام تفاعل بين التنظيم الذاتي للطبقة والنشاط السياسي القائد لحزب طليعي ثوري، يستلزم وجود طبقة عاملة نشيطة، أو بالأقل طليعة عمالية واسعة نشيطة. لكن، كما سبق القول، ليس الأمر غير مضمون في ظل الرأسمالية وحسب، بل مستحيل عمليا بما هو ظاهرة دائمة. وقد برهنت تجربة الثورة الروسية، وكل الثورات الظافرة اللاحقة، أن هذا النشاط الذاتي الدائم ليس معطى على نحو آلي حتى في المجتمعات بعد الرأسمالية. انه معرض هنا أيضا لحركات صعود وهبوط ظرفية. ويبلغ ذروته في فترة أقصى صعود ثوري (يكاد هذا يكون تحصيل حاصل) وينخفض لحظة تجاوز السيرورة الثورية ذروتها. حدث هكذا انعطاف في روسيا في نهاية الحرب الأهلية في 1920-1921.
ومن المثير للاهتمام تفحص الأصول السياسية- النفسية لهكذا انعطاف. ليس بمستطاع الناس ان يعيشوا طيلة سنوات في وضع توتر ونشاط مفرطين. تكاد الحاجة القاسرة إلى الراحة بين فينة وأخرى تكون فيزيزلوجية. لكن الأهم من هذه الملاحظة، التي ليست سوى فكرة مبتذلة، ثمة ضغط شروط الحياة المادية والاجتماعية الملموسة، التي تحدد تراجع النشاط الجماهيري السياسي.
انها، في حالة روسيا سنوات 1920-1921، معروفة بشكل واسع و مستشهد بها بكثرة: تراجع وزن البروليتاريا العددي بفعل انحطاط قوى الإنتاج والصناعة من جراء الحرب الأهلية، وتراجع نوعي للبروليتاريا لا يقل أهمية جرى بانتقال كثيف لأفضل قواها إلى الجيش الأحمر والى جهاز الدولة السوفييتية الفتي، وتبدل تدريجي لحافز العمال نحو تأمين الوجود الآني، و البحث عن القوت، الخ، تحت ضغط البؤس والجوع، وخيبة أمل متنامية في تحسن سريع لشروط الحياة بانتصارات ثورية بالخارج، سيما بألمانيا، وصعوبة معاظمة بوجه ممارسة العمال، الذين لازالوا بمستوى ثقافي ناقص، للسلطة في السوفييتات ممارسة مباشرة.
تُلخص جملة الأسباب هذه في صيغتين: إن طابع البلد المتخلف، وعزلة الثورة في عالم رأسمالي مناوئ، يحدان على الأمد القصير نطاق النشاط الذاتي للطبقة العاملة الروسية وبالتالي سلطة الدولة الممارسة فعلا من قبل الطبقة. أصبح الحزب، عوض قيادة الطبقة في ممارسة هذه السلطة، يحكم أكثر فأكثر بدلا عنها.
كان هذا الانتقال على الأرجح حتميا خلال الأشهر الحاسمة لهذا الانعطاف. تقلصت الطبقة العاملة إلى حدود 35% من حجمها عام 1917. و حتى قائد المعارضة العمالية، العامل البلشفي القديم شليابنيكوف، صرخ في وجه لينين، بنبرة نصفها سخرية ونصفها جد: “أهنئك أيها الرفيق لينين على ممارسة ديكتاتورية البروليتاريا باسم بروليتاريا غير موجودة” .
لكن حين ننظر اليوم إلى خلف، نستطيع ان نفهم على نحو أوضح من آنذاك أن الأمر كان ظاهرة ظرفية وليس هيكليا. كانت الصناعة و الطبقة العاملة قد بدأتا تنموان من جديد فور بداية النيب (السياسة الاقتصادية الجديدة). لم يكن ثمة تقهقر طبقي مستديم للطبقة العاملة الروسية. و يجزم التاريخ الرسمي أن الوزن العددي للطبقة العاملة بلغ عام 1926 مستوى 1917 وتجاوزه. وترى المعارضة أن ذلك حاصل في تاريخ سابق لهذا العام. لكن مهما يكن التاريخ بدقة، المهم ان الميل الرئيسي يشير إلى إعادة تشكل وتوسع للطبقة.
هكذا ينطرح سؤال ما إن كانت إجراءات القادة البلاشفة السياسية الملموسة واستراتيجيتهم على المدى المتوسط والطويل، الخاصة ممارسة السلطة، قد شجعت أو عرقلت، على ضوء القوة الكمية والنوعية المتنامية للطبقة العاملة الروسية منذ 1922، ازدهار نشاط الطبقة الذاتي. يبدو الجواب اليوم جليا: لقد عرقلوا ذلك النشاط ولم يشجعوه منذ 1920-1921 . والأسوأ أن تسويغ “استبدال” سلطة الطبقة بسلطة الحزب خلال “السنوات المظلمة” (1920-1921) وتعميمه النظري عززا بقوة ذلك الكبح. و ينطبق هذا بوجه خاص على الإجراءات العملية: منع كل الأحزاب السوفييتية ما عدا الحزب الشيوعي الروسي، منع التكتلات داخل الحزب الشيوعي الروسي.
قام تروتسكي بهذا الصدد، آخر سنوات حياته، بنقد ذاتي صريح: “أدى منع أحزاب المعارضة إلى منع التكتلات. وأفضى منع التكتلات إلى منع التفكير بطريقة مغايرة للقائد المعصوم”. وجلبت مونوليتية الحزب، التي أُنشئت بطريقة بوليسية، إلى إفلات البيروقراطية من العقاب، إفلات أصبح مصدر التعسف اللامحدود والفساد [59].
كان تروتسكي لحظة اتخاذ هذه الإجراءات، ومعه قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي برمتها، موافقين عليها ودافعوا عنها طوال سنوات. وقد كانت غير ملائمة بقدر ما اتخذت بعد نهاية الحرب الأهلية.
سيكون للتسويغ النظري “للاستبدالية” عواقب كارثية على نحو اكبر على المدى الطويل، رغم ان تروتسكي صاغ هذه الموضوعة بطريقة اقل جذرية من لينين، ولم يتحدث عن تقهقر طبقي وعجز دائم على ممارسة السلطة بصدد الطبقة العاملة. كتب: “أمامنا اليوم اقتراح من الحكومة البولونية لعقد السلم. من سيقرر بشأنه؟ لدينا مجلس مفوضي الشعب، لكنه ذاته بحاجة إلى رقابة ما. من يراقبه؟
رقابة الطبقة العاملة برمتها، بما هي كتلة بلا شكل و سديمية؟ جرى استدعاء لجنة الحزب المركزية لمناقشة هذا الاقتراح وكيفية الرد عليه. إلى أي صوب نتجه عندما يتوجب علينا خوض الحرب، وإنشاء وحدات جديدة، وإيجاد أفضل العناصر لتجهيزها؟ نتجه صوب الحزب، صوب اللجنة المركزية. وُتبعث توجيهات إلى لجان الحزب المحلية متعلقة بدعوة الشيوعيين إلى الجبهة. ينطبق نفس الأمر على الزراعة، والتوزيع وباقي المشاكل الأخرى.” [60]
هنا دُفع استبدال الطبقة بالحزب والحزب بقيادته (تحدث لينين حتى عن “اوليغارشية”) إلى منطقه النهائي، دون اعتبار عواقبه السياسية والاجتماعية بوجه خاص [61]. لم يبق مجال ثمة لوظيفة مستقلة للسوفييتات ولا لفصل الحزب عن الدولة.
ديمقراطية الحزب الداخلية، الجسر إلى ديمقراطية المجالس
منذ 1923 بدأ تروتسكي ، الذي سوغ نظريا حتى 1921 سيرورة التبقرط الناشئة، الاعتراف بمخاطر تلك السيرورة. كان ذلك على نحو متأخر عن لينين، لكنه شرع في محاربتها على الجبهة التي تعطي لهذه المعركة بنظره فرصة النجاح الوحيدة: داخل الحزب ذاته.
كانت المعركة من اجل ديمقراطية الحزب الداخلية، بالنسبة للمعارضة اليسارية، الجسر نحو إعادة الظفر بديمقراطية السوفييتات. كان تروتسكي وأنصاره يترددون في التوجه نحو العمال خارج الحزب. لا شك أنهم كانوا يترددون في التوجه إلى هؤلاء من فوق رِؤوس قيادة الحزب، ولن يفعلوا ذلك إلا لاحقا.
لم يكن ذلك التردد مبنيا على نقص حزم “وسطي”. كان ينجم عن تقييم متشائم كليا لدرجة نشاط الطبقة العاملة الروسية الذاتي. كان ينجم عن اعتقاد ان الثورة الروسية سائرة في سيرورة تراجع تاريخية [62]. وجب في هذه الشروط أن يصدر حفز انبعاث الديمقراطية العمالية (الديمقراطية المجالسية) عن الحزب ذاته. وحده الحزب كان قادرا على خلق شروط انبعاث تدريجي لديمقراطية المجالس.
كان هجوم تروتسكي بهذا الصدد، الذي بدأ بمعركة “السنة والأربعون”، أول معارضة يسارية في أكتوبر 1923، يبدو متوجا بالنجاح. قبل المكتب السياسي اقتراحاته، لكنها بقيت حبرا على ورق. عمليا كان جهاز الحزب حول ستالين، مدعوما من كافة أعضاء المكتب السياسي تقريبا، لا سيما زينوفييف وكامنيف، وحتى بوخارين وريكوف وتومسكي وآخرين، قد شن حملة منهجية لإسكات المعارضة، وعرقلة النقاش، وإلغاء التفكير المستقل لدى الكوادر والأعضاء، وتعميم الامتثالية والطاعة تحت غطاء” المركزية الديمقراطية”.
كان ذلك يعني قطعا كليا مع تقاليد البلشفية والحزب الشيوعي الروسي، التي تميزت، على عكس الأسطورة التي يشيعها الستالينيون وخصوم لينين على السواء، بنقاشات وخلافات حرة وعلانية. كان ذلك يمثل الانتقال من المركزية الديمقراطية [63] إلى المركزية البيروقراطية.
كان نظام تعيين القمة لموظفي الحزب (ونقل”العصاة” منهم إلى مدن حيث لا يحظون بأي قاعدة بين الأعضاء)، بدل انتقائهم الديمقراطي من طرف الأعضاء، الوسيلة التنظيمية الرئيسة لتطبيق خنق الديمقراطية الداخلية هذا [64]. وكان تطور جهاز موظفين ضخم التعبيير الاجتماعي عن هذه السيرورة- مباشرة بعد الثورة كان ثمة اقل من 1000 موظف، وفي 1922-1923 بلغ العدد 15 ضعفا وبعد فترة وجيزة 100 ضعف. كان الجهاز يستقل ويصبح بالتدريج شريحة اجتماعية خاصة في المجتمع السوفييتي: البيروقراطية السوفييتية [65]
سبق لمجموعة “الستة والأربعين” أن حللت، في أكتوبر 1923، سيرورة التحلل هذه بفكر ثاقب. ان لتشخيصها اليوم دلالة تنبؤية. وقد تبناه بشكل مطابق تماما أنصار غورباتشوف بعد 65 سنة: “إننا في الواقع، خلف الشكل الخارجي للوحدة الرسمية، إزاء انتقاء من طرف واحد لأناس يتكيفون مع تصورات وميول حلقة صغيرة، ويتصرفون وفق المطلوب منهم… بوجه قيادة حزبية مشوهة بهكذا تلاعبات قصيرة النظر، يكف الحزب إلى حد بعيد عن كونه جماعة حية، ذات مبادرة شخصية وتحس على نحو دقيق بالواقع الحي، ومرتبطة بألف خيط بهذا الواقع. نلاحظ، بدلا عن هذا، انقساما مفتوحا للحزب بين تراتبية أمناء و “العامة”، بين الموظفين المحترفين، المنتقين من فوق، وباقي أعضاء الحزب الذين لا دخل لهم في الحياة العامة.
“هذا واقع يعرفه كافة أعضاء الحزب. ان الأعضاء غير الموافقين على هذه أو تلك من توجيهات اللجنة المركزية، أو حتى اللجان الإقليمية، أو الذين يساورهم شك ما، أو يلاحظون هذا الخطا أو ذاك، أو هذا الخلاف أو ذاك، أو وضعا ما لا يطاق، يخافون التحدث عنها في اجتماعات الحزب. لا بل يخشون الكلام عنها فيما بينهم، ما عدا إن كان المخاطب موثوقا تماما. لم يبق عمليا وجود لحرية النقاش داخل الحزب، و أصبح الرأي العام الحزبي أخرسا. حاليا لم تعد لجان الحكومة واللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي ُتشكل وُتنتخب من جماهير الأعضاء.
بالعكس يزداد اختيار فئة أمناء الحزب للمندوبين إلى الندوات والمؤتمرات، التي تغدو باطراد اجتماعات تصدر بها تلك الفئة تعليماتها. ان النظام الذي ارسي داخل الحزب نظام لا يطاق بتاتا. انه يقتل مبادرة الحزب المستقلة. ويستبدل الحزب بجهاز موظفين منتقين، يشتغل بلا نواقص في الظرف العادي لكنه يفشل حتما زمن الأزمة … [66].
هل كانت محاولة تروتسكي والمعارضة اليسارية لإعادة الديمقراطية داخل الحزب وهمية بالنظر إلى الوضع؟ علي أي حال كانت كذلك بدرجة اقل من محاولة تجديد بدفعة واحدة لنشاط جماهير عمالية محبطة وسلبية إلى حد بعيد، رغم تعاطفها مع المعارضة.
نعلم اليوم، اعتمادا على الأرشيف الذي فتح بالاتحاد السوفياتي، إن المعارضة لم تحصل في البداية على الأغلبية في الشبيبة الشيوعية بموسكو وحسب، بل أيضا في الحزب بموسكو، في تصويت قام ستالين وجهازه بتزويره مباشرة وبوقاحة. كان الأمر من وجهة نظر تاريخية نداء إلى ضمير وتقاليد وطبيعة الكوادر القيادية البلشفية وحساسيتهم السياسية و إدراكهم النظري. فشلت المحاولة. و تكمن مأساة هذا الفشل في كون كافة هذه الكوادر القيادية تقريبا فهمت الوضع، باكرا أو بتأخر، لكن ليس في نفس الوقت، وفي الغالب بعد فوات الأوان. وقد أدت حياتها ثمنا لذلك.
وأدت الطبقة العاملة السوفييتية والعالمية ثمنا باهضا من التضحيات عديمة الجدوى، وبالمقام الأول خسائر بشرية.
التركيب النهائي: 1930-1940
واجه تروتسكي، خلال عشر سنوات من 1923 إلى 1933، مشكل تيرمدور السوفييتي- الثورة المضادة السياسية بالاتحاد السوفياتي. كان جهد التحليل هذا مصادفا للنضال من اجل توضيح نظري لعلاقة “تنظيم الطبقة الذاتي/ المنظمة الطليعية”، على ضوء تجربة الانحطاط البيروقراطي لأول دولة عمالية.
لكن لم يكن ذلك على ضوء هذه التجربة وحدها. صاغ تروتسكي، بأقصى تقدير منذ صعود خطر الفاشية بألمانيا، وجزئيا على ضوء تجربة الإضراب العام الإنجليزي عام 1926، عددا من الخلاصات حول علاقة الطبقات/ النقابات الجماهيرية/ المجالس/ الأحزاب العمالية، خلاصات ستؤكدها، بالنسبة إليه، التجارب المأساوية للثورة الاسبانية في 1936-1937. يمكن تلخيصها في شكل الموضوعات التالية:
أ- ليست الطبقة العاملة متجانسة على الصعيد الاجتماعي،ولا على صعيد الوعي. ويؤدي تباينها النسبي بالأقل إلى إمكان، وحتى حتمية، تشكل تيارات سياسية و أحزاب عديدة، تدعمها أقسام من هذه الطبقة.
ب- يقتضي نضال الطبقة العاملة اليومي الظافر، من أجل مطالب آنية اقتصادية وسياسية (ربما ضد خطر الفاشية)، درجة عالية من وحدة عمل الطبقة. يتطلب إذن منظمات تضم عمالا باقتناعات سياسية وولاءات تنظيمية متباينة، أي منظمات مرتكزة على جبهة متحدة عمليا بين مختلف الأحزاب والتيارات. وتمثل النقابات الجماهيرية والمجالس أمثلة عن هكذا منظمات. وقد قامت لجان الميلشيات بالدور ذاته في الثورة الاسبانية، لاسيما في كاتالونيا.
ج – إن المنظمات الجماهيرية، حتى عندما تكون جزئيا (أو كليا خلال فترة) تحت قيادة أجهزة مدمجة جدا في الدولة البرجوازية (المجتمع البرجوازي)، لا تمثل حصرا أشكال إدماج وإخضاع. فلها دائما بالأقل طابع مزدوج، وتظل بالأقل أدوات تحرر ونشاط ذاتي للطبقة وإن بالقوة. انها “أجنة الديمقراطية البروليتارية داخل الديمقراطية البرجوازية” [67].
د- يتميز الحزب الطليعي الثوري عن الأحزاب العمالية الأخرى أساسيا بكونه يمثل ويدافع كليا، ببرنامجه وباستراتيجيته وبممارسته الجارية، المصالح الآنية والتاريخية للطبقة العاملة، وهو دفاع موجه نحو إطاحة الدولة البرجوازية ونمط الإنتاج الرأسمالي ونحو بناء مجتمع اشتراكي بلا طبقات. ويتوجب عليه، لبلوغ هذا الهدف، إقناع أغلبية الطبقة العاملة بصواب برنامجه، واستراتيجيته وممارسته العادية. لن يتأتى هذا إلا بوسائل سياسية وليست إدارية. يتطلب ذلك، ضمن أمور أخرى، تطبيقا سليما لتكتيك الجبهة البروليتارية المتحدة. ويتطلب ذلك احترام استقلال كل المنظمات العمالية وحرية عملها.
هـ- تسري نفس القواعد، مع القيام بالتغييرات الضرورية، على بناء الدولة العمالية وعلى أشكال ممارسة السلطة السياسية (باستثناء ممكن متمثل في الحرب الأهلية الحادة). يضمن الحزب الثوري، خلال هذه السيرورة، دوره القيادي بنجاحاته في الإقناع السياسي وليس بإجراءات إدارية، وليس، بكل يقين، بقمع قطاعات من الطبقة العاملة. لا يمكن تحقيق ذلك الدور إلا بتطبيق مبدأ الفعالية على السياسة، وفصل صارم للدولة عن الحزب، وممارسة مباشرة للسلطة من قبل هيئات السكان الكادحين، تكون منتخبة ديمقراطيا وليس من قبل الحزب الثوري ذاته، وتعدد الأحزاب. يجب ان يكون العمال والفلاحون أحرارا في انتخاب من يريدون إلى المجالس [68].
و- إن الديمقراطية الاشتراكية، والديمقراطية في المجالس وفي النقابة، و الديمقراطية في الحزب (حق الاتجاهات، عدم منع التكتلات رغم أنها “in se” غير مستحسنة)، يحتاج بعضها إلى بعض. انها ليست معايير مجردة بل شروطا عملية من اجل معركة عمالية فعالة ومن أجل بناء فعال للاشتراكية. إن الجبهة البروليتارية المتحدة، وبالتالي النضال العمالي الظافر، بدون ديمقراطية بروليتارية مهددة في أحسن الأحوال ومستحيلة في أسوئها [69]. كما يتعذر اقتصاد مخطط اشتراكي فعال دون ديمقراطية اشتراكية.
لم يحدث بالشرق وبالغرب، منذ بلوة هذه الموضوعات في 1930-1936، ما من شأنه أن ينال من صلاحيتها. بل بالعكس: أكد التطور التاريخي اللاحق، بالبلدان الرأسمالية كما بالبلدان المسماة” اشتراكية”، تأكيدا تاما ملاءمتها التاريخية والنظرية. [70]
15 نوفمبر 1989
مجلة الأممية الرابعة ،1990 . ص 35-49
تعريب المناضل-ة
*********************
[1] أهم مقالات انجلز، في هذا السياق، هي مقالات سنوات 1890-1895، الموجودة في الجزء 22 من MEW ، وكذا مراسلاته الغزيرة مع عدد من ممثلي الاشتراكية بأوربا وأمريكا الشمالية. ( MEW أجزاء 35-38).
[2] ليست دفاتر السجن أهم كتابات غرامشي المخصصة لهذا الموضوع، بل مقالاته في مجلة Ordine Nuovo ، لا سيما مقالات فترة 1919-1921
[3] (Antonio Gramsci, Scritti Politici, a cura di Paolo Spriano, Editore Riuniti, Rome, 1973, 3 أجزاء )
[4] كان انشقاق حزب العمال الاشتراكي-الديمقراطي الروسي مؤقتا لأنه جرى تجاوزه في مؤتمر ستوكهولم عام 1906. كان البلاشفة والمناشفة بالأحرى تكتلين عموميين لا حزبين مختلفين. لم يصبحا كذلك سوى عام 1912.
[5] Unsere politische A Iltgaben, cité ici d’aprés Léon Trotsky, Schritften : Der revolutioniiren Organisation, Rowolution Klassiker, Hambourg, 1970, p. 73.
[6] انظر Robert Daniels The Conscience of the Rel’ohltion, Isaac Deutscher واسحق دويتشر. النبي المسلح الجزء الأول من سيرة تروتسكي في 3 أجزاء، صفحات 115 إلى 123 – ترجمة كميل قيصر داغر. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت 1981.
[7] Robert Daniels المرجع ذاته.
[8] صيغة لينين في ما العمل؟ المستشهد بها بكثرة حول المثقفين الثوريين الواجب عليهم إدخال الوعي الاشتراكي ” من خارج” إلى الطبقة العاملة، يوجد أصلها لدى كاوتسكي وفيكتور آدلر في برنامج الاشتراكية الديمقراطية النمساوية المسمى برنامج Hainsfeld.
[9] لينين. ما العمل الجزء الخامس من الأعمال الكاملة بالفرنسية ، ص 489.
[10] معروف انه كانت داخل الاشتراكية-الديمقراطية الروسية 3 تصورات لشكل الدولة (شكل الحكومة) التي قد تنجز المهام الديمقراطية البرجوازية للثورة الروسية: كان المناشفة يرون انها ستكون حكومة برجوازية ديمقراطية تقف منها الاشتراكية الديمقراطية موقف معارضة متسامحة. و تحول اختيار المساندة النقدية هذا لاحقا إلى اختيار تحالف. وكان البلاشفة يؤيدون الظفر بالسلطة من طرف الطبقة العاملة المتحالفة مع الفلاحين في إطار دولة برجوازية (ديكتاتورية ديمقراطية للعمال والفلاحين) . ودافع تروتسكي عن ديكتاتورية البروليتاريا المدعومة من الفلاحين الفقراء.
[11] كان الديبلومسي يوفي ، العضو القائد بالحزب الشيوعي الروسي، صرح بوضوح في وصيته التي كتب قبيل انتحاره، ووجهها إلى تروتسكي، أن لينين قال له إن تروتسكي كان على حق منذ 1906 حول مسالة ” الثورة الدائمة”
[12] راجع الموضوعات للمؤتمر الثاني للأممية الشيوعية حول شروط تشكيل السوفييتات, وأيضا غرامشي ، مرجع مذكور. و كارل كورش Schriften zur Socialisiemng. Europâische Verlagsanstalt, Frankfurt, 1969
[13] قام الاشتراكي الأمريكي دانيال دو ليون باستباق مواز رغم انه كان بطريقة أقل منهجية.
[14] لا شك أن صعود النضالات العمالية في روسيا منذ 1912 شجعته استمرارية ونشاط تكتل(حزب) البلاشفة.
[15] حول مقاومة ” البلاشفة القدامى” لموضوعات لينين راجع مارسيل ليبمان – اللينينية في ظل لينين. الجزء الأول- تعريب كميل داغر. دار الحصاد – دمشق 1988.
[16] ليون تروتسكي ، تاريخ الثورة الروسية ، جزء 1 : فبراير ، منشورات سوي باريس 1967.
[17] انظر روي مدفيديف Let History Judge, Mac Millan, Londres, 1972, p. 8 و مارسيل ليبمان مرجع مذكور.
[18] تقرير أول اجتماع شرعي للجنة الحزب البلشفي ببيتروغراد – 1 نوفمبر 1917 ، منشور في The Stalin School of Falsification, Léon Trotsky, Pathfinder Press, New York, 1971, pp. 103.104.
[19] تشهد على ذلك نتائج الانتخابات الحرة كليا إلى مؤتمرين السوفييتات الثاني و الثالث، وكذلك انتخابات الجمعية التأسيسية، التي أعطت بالمدن أغلبية بأكثر من 60% من الأصوات المعبر عنها للأحزاب المنتسبة إلى سلطة السوفييتات.
[20] مثلا: N. N. Sukhanov: The Russian Revolution 1917, tome 2, Harper Torchbook, New York, 1962, p. 529
[21] ليون تروتسكي : تاريخ الثورة الروسية، الجزء 1 ص 34-35.
[22] انظر مثلا فيكتور سيرج: السنة الأولى للثورة الروسية والفريد روزمر : موسكو في ظل لينين.
[23] Alexandre Soljénitsyne, Der Archipel Gulag, Scherz-Verlag, Berne, 1973, p.194.
[24] تروتسكي ، الثورة المغدورة – الفصل 5 ، التيرمدور السوفياتي . تعريب رفيق سامر، الطبعة الثالثة. دار الالتزام- بيروت
[25] تروتسكي : خطاب 26 يوليوز 1920 أمام المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية. المؤتمرات العالمية الأربع للأممية الشيوعية – تعريب كميل داغر . دار الالتزام –بيروت . 1987 . توجد بموقع جريدة المناضل-ة على الانترنت
[26] يعطي إسحاق دويتشر (في الجزء الأول من ثلاثيته عن تروتسكي الفصل 14) جملة أمثلة أخرى عن انزلاق تروتسكي إلى ” الاستبدالية” خلال سنوات 1920-1921، ومنها خطابه اما المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الروسي.
[27] بعد سنوات عبر أوغست تالهايمر عن حكم مماثل: “مع تراجع الاندفاع الثوري يزداد عدد الخبث البيروقراطي. فبقدر ما ينخفض النشاط الثوري المباشر للقاعدة يتطور الاكتفاء البيروقراطي بالقمة.” (Zur Krise in der KPD, 1929, Junius-Verlag, Berlin, p. 6) لا ندري ما إن كان بوخارين وصل إلى نفس الاستنتاج.
[28] قليل من الناس يعلمون ان صيغة ” المركزية الديمقراطية” ذات أصل منشفي. (Raphael Abramovitch : Julius Martow in Julius Martow : Sein Werk und seine Bedeutungfiirden Sozialismus, Verlag der Sozialistiche Bote, Berlin, 1924, p. 10). في مقابلة هامة نشرتها Moskauer Nachrichten يوم 15 اكتوبر 1989 يقدم ليو أونكوف المسؤول عن جهاز اللجنة المركزية للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي تحليلا مفصلا عن التشويه البيروقراطي لمفهوم ” المركزية الديمقراطية” من قبل ستالين وماسسته في المؤتمر 17 و 27 للحزب الشيوعي السوفياتي. لم يحصل النصر النهائي للمركزية البيروقراطية ، بنظره، سوى بعد التطهيرات الدامية في 1937.
[29] كان التهديد بالتسريح ، أي البطالة ، يستعمل كضغط إضافي على العمال أعضاء الحزب الشيوعي الروسي.
[30] قام كريستيان راكوفسكي، عضو قائد باللجنة المركزية، صديق قريب لتروتسكي وأحد ابرز قادة المعارضة اليسارية، بوصف متقن لهذه السيرورة في مقاله ” المخاطر المهنية للسلطة” . يوجد بكتاب : Les Bolcheviks contre Staline, 1923-1928, Paris, 1957, publications de Quatrième Internationale, pp. 149-163.
[31] تصريح ” الستة والأربعون” 15 أكتوبر 1923 في : Die Linke Opposition in der Sowjet—union–, tome 1, 1923-1.924, édité par UlfWolter, Berlin, éditions Prinkipo, 1976, pp.213-214.
[32] L. Trotsky, Schriten über Delltschland, tome I,p. 198, Europàische Verlags-Anstalt, Frankfurt, 1971
[33] في البرنامج الانتقالي للأممية الرابعة الذي كتبه تروتسكي .
[34] جرت بلورة هذه الموضوعات بوجه خاص في كتابات تروتسكي عن ألمانيا، وعن الثورة الاسبانية 1931-1939 The Spanish Révolution 1931-1939, Pathfinder Press, New York, ’1973 و Léon Trotsky on France, Monad Press. New York, 1973
[35] قامت الأممية الرابعة في وثيقة “ديكتاتورية البروليتاريا والديمقراطية الاشتراكية” المصادق عليها في مؤتمرها الثاني عشر(1985) بمنهجة وتقنين هذه الموضوعات. راجع الوثيقة بموقع جريدة المناضل-ة على الانترنت.
[36] أهم مقالات انجلز، في هذا السياق، هي مقالات سنوات 1890-1895، الموجودة في الجزء 22 من MEW ، وكذا مراسلاته الغزيرة مع عدد من ممثلي الاشتراكية بأوربا وأمريكا الشمالية. ( MEW أجزاء 35-38).
[37] ليست دفاتر السجن أهم كتابات غرامشي المخصصة لهذا الموضوع، بل مقالاته في مجلة Ordine Nuovo ، لا سيما مقالات فترة 1919-1921
[38] (Antonio Gramsci, Scritti Politici, a cura di Paolo Spriano, Editore Riuniti, Rome, 1973, 3 أجزاء )
[39] كان انشقاق حزب العمال الاشتراكي-الديمقراطي الروسي مؤقتا لأنه جرى تجاوزه في مؤتمر ستوكهولم عام 1906. كان البلاشفة والمناشفة بالأحرى تكتلين عموميين لا حزبين مختلفين. لم يصبحا كذلك سوى عام 1912.
[40] Unsere politische A Iltgaben, cité ici d’aprés Léon Trotsky, Schritften : Der revolutioniiren Organisation, Rowolution Klassiker, Hambourg, 1970, p. 73.
[41] انظر Robert Daniels The Conscience of the Rel’ohltion, Isaac Deutscher واسحاق دويتشر. النبي المسلح الجزء الأول من سيرة تروتسكي في 3 أجزاء، صفحات 115 إلى 123 – ترجمة كميل قيصر داغر. المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت 1981.
[42] Robert Daniels المرجع ذاته.
[43] صيغة لينين في ما العمل؟ المستشهد بها بكثرة حول المثقفين الثوريين الواجب عليهم إدخال الوعي الاشتراكي ” من خارج” إلى الطبقة العاملة، يوجد أصلها لدى كاوتسكي وفيكتور آدلر في برنامج الاشتراكية الديمقراطية النمساوية المسمى برنامج Hainsfeld.
[44] لينين. ما العمل الجزء الخامس من الاعمال الكاملة بالفرنسية ، ص 489.
[45] معروف انه كانت داخل الاشتراكية-الديمقراطية الروسية 3 تصورات لشكل الدولة (شكل الحكومة) التي قد تنجز المهام الديمقراطية البرجوازية للثورة الروسية: كان المناشفة يرون انها ستكون حكومة برجوازية ديمقراطية تقف منها الاشتراكية الديمقراطية موقف معارضة متسامحة. و تحول اختيار المساندة النقدية هذا لاحقا إلى اختيار تحالف. وكان البلاشفة يؤيدون الظفر بالسلطة من طرف الطبقة العاملة المتحالفة مع الفلاحين في إطار دولة بورجوازية (ديكتاتورية ديمقراطية للعمال والفلاحين) . ودافع تروتسكي عن ديكتاتورية البروليتاريا المدعومة من الفلاحين الفقراء.
[46] كان الديبلومسي يوفي ، العضو القائد بالحزب الشيوعي الروسي، صرح بوضوح في وصيته التي كتب قبيل انتحاره، ووجهها إلى تروتسكي، أن لينين قال له إن تروتسكي كان على حق منذ 1906 حول مسالة ” الثورة الدائمة”
[47] راجع الموضوعات للمؤتمر الثاني للأممية الشيوعية حول شروط تشكيل السوفييتات, وأيضا غرامشي ، مرجع مذكور. و كارل كورش Schriften zur Socialisiemng. Europâische Verlagsanstalt, Frankfurt, 1969
[48] قام الاشتراكي الأمريكي دانيال دو ليون باستباق مواز رغم انه كان بطريقة أقل منهجية.
[49] لا شك أن صعود النضالات العمالية في روسيا منذ 1912 شجعته استمرارية ونشاط تكتل(حزب) البلاشفة.
[50] حول مقاومة ” البلاشفة القدامى” لموضوعات لينين راجع مارسيل ليبمان – اللينينية في ظل لينين. الجزء الأول- تعريب كميل داغر. دار الحصاد – دمشق 1988.
[51] ليون تروتسكي ، تاريخ الثورة الروسية ، جزء 1 : فبراير ، منشورات سوي باريس 1967.
[52] انظر روي مدفيديف Let History Judge, Mac Millan, Londres, 1972, p. 8 و مارسيل ليبمان مرجع مذكور.
[53] تقرير أول اجتماع شرعي للجنة الحزب البلشفي ببيتروغراد – 1 نوفمبر 1917 ، منشور في The Stalin School of Falsification, Léon Trotsky, Pathfinder Press, New York, 1971, pp. 103.104.
[54] تشهد على ذلك نتائج الانتخابات الحرة كليا إلى مؤتمرين السوفييتات الثاني و الثالث، وكذلك انتخابات الجمعية التأسيسية، التي أعطت بالمدن أغلبية بأكثر من 60% من الأصوات المعبر عنها للأحزاب المنتسبة إلى سلطة السوفييتات.
[55] مثلا: N. N. Sukhanov: The Russian Revolution 1917, tome 2, Harper Torchbook, New York, 1962, p. 529
[56] ليون تروتسكي : تاريخ الثورة الروسية، الجزء 1 ص 34-35.
[57] انظر مثلا فيكتور سيرج: السنة الأولى للثورة الروسية والفريد روزمر : موسكو في ظل لينين.
[58] Alexandre Soljénitsyne, Der Archipel Gulag, Scherz-Verlag, Berne, 1973, p.194.
[59] تروتسكي ، الثورة المغدورة – الفصل 5 ، التيرمدور السوفياتي . تعريب رفيق سامر، الطبعة الثالثة. دار الالتزام- بيروت
[60] تروتسكي : خطاب 26 يوليوز 1920 أمام المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية. المؤتمرات العالمية الأربع للأممية الشيوعية – تعريب كميل داغر . دار الالتزام –بيروت . 1987 . توجد بموقع جريدة المناضل-ة على الانترنت
[61] يعطي إسحاق دويتشر (في الجزء الأول من ثلاثيته عن تروتسكي الفصل 14) جملة أمثلة أخرى عن انزلاق تروتسكي إلى ” الاستبدالية” خلال سنوات 1920-1921، ومنها خطابه اما المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الروسي.
[62] بعد سنوات عبر أوغست تالهايمر عن حكم مماثل: “مع تراجع الاندفاع الثوري يزداد عدد الخبث البيروقراطي. فبقدر ما ينخفض النشاط الثوري المباشر للقاعدة يتطور الاكتفاء البيروقراطي بالقمة.” (Zur Krise in der KPD, 1929, Junius-Verlag, Berlin, p. 6) لا ندري ما إن كان بوخارين وصل إلى نفس الاستنتاج.
[63] قليل من الناس يعلمون ان صيغة ” المركزية الديمقراطية” ذات أصل منشفي. (Raphael Abramovitch : Julius Martow in Julius Martow : Sein Werk und seine Bedeutungfiirden Sozialismus, Verlag der Sozialistiche Bote, Berlin, 1924, p. 10). في مقابلة هامة نشرتها Moskauer Nachrichten يوم 15 اكتوبر 1989 يقدم ليو أونكوف المسؤول عن جهاز اللجنة المركزية للحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي تحليلا مفصلا عن التشويه البيروقراطي لمفهوم ” المركزية الديمقراطية” من قبل ستالين وماسسته في المؤتمر 17 و 27 للحزب الشيوعي السوفياتي. لم يحصل النصر النهائي للمركزية البيروقراطية ، بنظره، سوى بعد التطهيرات الدامية في 1937.
[64] كان التهديد بالتسريح ، أي البطالة ، يستعمل كضغط إضافي على العمال أعضاء الحزب الشيوعي الروسي.
[65] قام كريستيان راكوفسكي، عضو قائد باللجنة المركزية، صديق قريب لتروتسكي وأحد ابرز قادة المعارضة اليسارية، بوصف متقن لهذه السيرورة في مقاله ” المخاطر المهنية للسلطة” . يوجد بكتاب : Les Bolcheviks contre Staline, 1923-1928, Paris, 1957, publications de Quatrième Internationale, pp. 149-163.
[66] تصريح ” الستة والأربعون” 15 أكتوبر 1923 في : Die Linke Opposition in der Sowjet—union–, tome 1, 1923-1.924, édité par UlfWolter, Berlin, éditions Prinkipo, 1976, pp.213-214.
[67] L. Trotsky, Schriten über Delltschland, tome I,p. 198, Europàische Verlags-Anstalt, Frankfurt, 1971
[68] في البرنامج الانتقالي للأممية الرابعة الذي كتبه تروتسكي .
[69] جرت بلورة هذه الموضوعات بوجه خاص في كتابات تروتسكي عن ألمانيا، وعن الثورة الاسبانية 1931-1939 The Spanish Révolution 1931-1939, Pathfinder Press, New York, ’1973 و Léon Trotsky on France, Monad Press. New York, 1973
[70] قامت الأممية الرابعة في وثيقة “ديكتاتورية البروليتاريا والديمقراطية الاشتراكية” المصادق عليها في مؤتمرها الثاني عشر(1985) بمنهجة وتقنين هذه الموضوعات. راجع الوثيقة بموقع جريدة المناضل-ة على الانترنت.
اقرأ أيضا