مصر: الإضرابات العمالية تُناقض المشهد الاستقطابي
مصطفى بسيوني
لم يعد مشهد العمال المضربين جديداً، ولكنه مع ذلك لا زال يثير المفاجأة. الموجة التي اجتاحت مصر في شهر شباط/فبراير ليست فحسب واحدة من حلقات التحركات العمالية المتصاعدة في البلاد منذ سنوات، بل هي تمثل تطوراً هاماً في هذا المجال. فقد شملت الإضرابات شركات الغزل والنسيج والنقل العام والبريد وعمال الطرق والكباري (الجسور) والأطباء والصيادلة وجمع القمامة وعدداً آخر من الشركات والمصانع… ما يقرب من 250 ألف عامل أضربوا عن العمل في أقل من شهر. العدد ضخم في حد ذاته، ولكنه أيضاً ضخم بالقياس لحالة الاستقطاب الحادثة في مصر منذ الثالث من تموز/ يوليو الماضي، والتي تجعل أي احتجاج أو معارضة للسلطة محل شبهة أو اتهام بدعم جماعة الإخوان وحلفائها.
ارتقاء في الحركة
يمثل هذا الصعود القوي للحركة العمالية التحدّي الأصعب لحالة الاستقطاب تلك. السلطة لم تتردد في تفسير هذا الصعود للإضرابات العمالية بدور الإخوان المسلمين وتحريضهم. ولكن تلك الاتهامات لم تصمد كثيراً. فالمواقع التي نظمت إضرابات مؤخراً كانت هي نفسها التي نظمت إضرابات قبل «الثالث من يوليو» في ظل حكم محمد مرسي والإخوان، الذين اتهموا جبهة الإنقاذ ساعتها بالتحريض… كما لو كان العمال لا يعانون بالفعل من أوضاع متردية.
المطالب التي رفعها العمال خلال الإضرابات كانت تحمل دلالة هامة. أهمها كان تطبيق الحد الأدنى للأجور على القطاعات التي لم يشملها قرار الحكومة، وإقالة المسؤولين الفاسدين من وجهة نظر العمال، وإعادة الشركة المخصخصة التي حكم القضاء بعودتها بعد ثبوت الفساد في صفقات بيعها. وعلى الرغم من أن هذه المطالب كانت تتردد دائماً وسط الحركة العمالية، إلا أنها المرة الأولى التي يحتشد فيها هذا العدد من العمال في إضرابات للضغط من أجل تنفيذها. وهي ارتبطت بدرجة أعلى من التنظيم في الحركة لجهة التنسيق والتضامن بين المواقع المختلفة، مما هو جديدٌ أيضاً. فمثلا، نسّق عمال سبع شركات للغزل والنسيج إضراباً متزامناً في محافظات مختلفة، مع رفع مطالب موحدة. وهو حدث فريد. كما أن وفوداً عمالية من السكة الحديد ومترو الأنفاق توجهت لعمال النقل العام المضربين للتضامن معهم وأعلنوا استعدادهم للانضمام للإضراب إذا مارست السلطة ضغوطاً أمنية على المضربين.
ديماغوجية السلطة
ظهور التنسيق والتضامن العمالي خلال هذه الموجة من الإضرابات قد يجمل إمكانيات أمام الحركة العمالية للتأثير في الساحة. اتجاه الحكومة لعقد مفاوضات مع العمال بدا كمحاولة لامتصاص الحركة وليس للبحث عن حلول. وفي كل مرة، جلس العمال للتفاوض مع وزير القوى العاملة وإبرام اتفاقات، ثم فوجئوا بتنصل وزير الاستثمار من الاتفاق، ما يزعزع الثقة في آلية التفاوض نفسها مع الحكومة، التي اتجهت الى استخدام خطاب ديماغوجي وشعبوي يطالب العمال والفقراء بالصبر والتضحية من أجل الوطن، مثلما جاء في حديث رئيس الوزراء لعمال «المحلة» وفي حديث وزير الدفاع لشباب الأطباء. لم يكن لهذا الخطاب أي قيمة في الوقت الذي لا تقترب السلطة من امتيازات رجال الأعمال والمستثمرين. والأهم في أدائها هو ما حدث في السويس عندما تدخّلت القوات المسلحة في إضراب شركة سيراميك مملوكة لأحد قادة الحزب الوطني المقرب من مبارك، وأجبرت القيادات العمالية في الشركة على تقديم استقالتها لإنهاء الإضراب.
أرقام الأزمة
يتراوح المسلك الحكومي إذاً بين التهديد والتسكين أو استخدام الخطاب الصبر والتضحية. ويعبر هذا عن حجم الأزمة التي تعاني منها الدولة المصرية وعجزها عن اتخاذ خطوات جدية بغاية تحسين أوضاع العمال والفقراء، أو التعبير عن النية بذلك. وبالفعل، فالبدائل المطروحة محدودة للغاية. فبحسب إحصاءات الدولة الرسمية، وصل الدين العام المحلي في أيلول/سبتمبر 2013 إلى 1.6 ترليون جنيه، بما يساوي 78 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتتضح الطفرة في الدين المحلي إذا عرفنا أنه كان 658 مليارجنيه في 2008. أما الدين الخارجي فوصل إلى 47 مليار دولار بما يساوي 16 في المئة من الناتج المحلي، بينما كان 30 ملياراً في 2009. تبدو الأزمة أكثر استحكاماً إذا ما عرفنا أن حجم المنح والمعونات والقروض التي تدفقت على مصر في العام 2012 2013 قد بلغت 13 مليار دولار، تشمل ودائع وقروضاً وبترولاً واستثمارات من دول مختلفة. بالإضافة لتعهدات أخرى من دول الخليج الداعمة للسلطة الحالية. وإذا أضفنا مؤشرات الاستثمارات الأجنبية، فستكون الصورة أكثر سوءاً. فقد شهدت هذه انخفاضاً حاداً، من 6.7 مليار دولار في 2009 – 2010 ما نسبته 3 في المئة من الناتج المحلي، إلى 0.4 في المئة منه، بواقع 1.2 مليار دولار في أيلول/ سبتمبر 2013. يأتي هذا مع معدلات نمو متواضعة، إذ يتنبأ صندوق النقد الدولي بأن تكون معدلاته 1.8 في المئة لهذا العام.
وتبدو هذه المؤشرات أكثر سوءاً إذا ما وضعنا إلى جوارها المؤشرات الاجتماعية التي تشير إلى ارتفاع نسبة من هم تحت خط الفقر إلى 26.3 في المئة بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وهذا على معيار خط فقر متواضع، بواقع 11 جنيهاً يومياً أي حوالي 1.5 دولار. المؤشرات توضح أيضاً أن أوضاع العمال من حيث الاستقرار في العمل والضمان الاجتماعي قد تراجعت. ورغم أن المؤشرات تبين تحسن طفيف في أجورهم في الدولة والقطاع العام، إلا أنها تشير إلى تراجع أجور العاملين في القطاع الخاص.
تصاعد مؤشرات الفقر والبطالة وتدنّي الأجور تدفع في اتجاه المزيد من الصعود في الحركة العمالية. والأزمة الاقتصادية وتزايد عجز الموازنة وضعف الاستثمارات.كلها عوامل تؤدي إلى المزيد من الضغط على العمال والفقراء. والمفارقة أن مطلب الحد الأدنى للأجور الذي رفعته إضرابات العمال جاء عقب قرار حكومة الببلاوي بتطبيق الحد الأدنى للأجور على نحو مشوّه وغير مدروس فتسبب في الإطاحة بها.
دخول مئات الآلاف من العمال في إضرابات، كان سمة مشتركة في ظل حكم مبارك والمجلس العسكري ومرسي ويوليو الحالية. وطريقة تعامل تلك السلطات الأربع مع الحركة العمالية لم تتغير!
* عضو حركة الاشتراكيين الثوريين بمصر
المناضل-ة عدد 41
اقرأ أيضا