قادة النقابات التعليمية: كل الأنظار تراقبكم، فماذا أنتم فاعلون؟
يعيش شغيلة التعليم العمومي جميعهم لحظة ترقب شديد لمعرفة القرار العملي لقادة النقابات الخمس، أي ما سينتهي إليه التأرجح بين إعلان التمسك بالمطالب والمسارعة إلى جلسات “حوار” لا جديد نوعي فيها، و قبول نقل رسائل الدولة إلى الأساتذة المفروض عليهم التعاقد. هذا كأن الأمر لا يعنيها، فيما التعاقد سلاح دمار شامل لكل المكاسب التاريخية في الوظيفة العمومية.
قريبا سينجلي الغموض، وينتهي كل إلى مستقر :أما خندق الدفاع عن مصالح المستخدمين، واما خيانة فاضحة تنضاف الى سجل خزى مفتوح لكل أعداء العمال والشعب.
شغيلة قطاع التعليم بين الدينامية نضالية وألاعيب الدولة
طيلة السنوات الأخيرة برزت نضالات لفئات تعليمية سواء ضد قرارات إدارية (ضحايا الحركة الانتقالية ضحايا التقسيم الترابي…) او محرومة من الترقيات (السلم التاسع، حاملي الشهادات خارج السلم..)،أو مطالبة بسن قانون خاص ينظم عملها ( المفتشون ،المديرين والحراس العامون والسلك الإداري..) مقابل تراجع لافت للمعارك النقابية الوطنية، وخفوت زخمها، ما يشكل تقويضا للنقابة ودورها كمنظم جماعي للأجراء.
وليس سرا أن سبب انفراط الشغيلة عن التنظيمات النقابية يعود إلى عجز الأخيرة عن مواجهة التعديات العنيفة التي نفدتها الدولة، بل انها أحيانا وفرت لها الغطاء وكانت شريكا اجتماعيا في شن العدوان. المثال الابرز هنا مساندتها لما يسمى الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الغاء السلاليم الدنيا، صمتها عن التشغيل بالتعاقد في فترة محمد حصاد بمبرر ظرفية الاجراء….
طبعا لا تزال النقابة التعليمية، رغم كل ما أصابها من ضعف،تضم مناضلين صادقين وفروعا مناضلة. ومازالت تقاليد الحركة النقابية الاصيلة تقاوم تحث كل الظروف الصعبة هجوم الدولة الأيديولوجي الذي يريد جعل النقابة مجرد ملحقة لدى قسم الموارد البشرية، وشاهد زور مقابل فتات التنازلات وقضاء مصالح انتهازية لقادة فاسدين.
النقابة سلاح ضروري لأجل حماية مكاسب الشغيلة مما يتربص بها من مشاريع تدمير، ولا غنى عنها لأجل تحسين فعلي لظروف عمل الشغيلة وعيشهم. ويمثل انتفاء النقابة او ضعفها تمهيدا لطريق دكاك الدولة ليأتى على الكثير من المكاسب التي تبدو اليوم منيعة .
صعود نضالات شغيلة التعليم بهذا الزخم له تفسير وحيد، يتمثل في تدهور في الأوضاع الاقتصادية وظروف العمل. استفادت شغيلة التعليم من زيادة ملموسة في اجورها خصوصا في وسط التسعينيات القرن الماضي لسببين اثنين: الأول بفضل الدينامية النقابية التي انتزعت زيادات في الأجور، والثاني بسبب رغبة الدولة في تمرير اطار استراتيجي لهجومها في اطار “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” اطلقت سلسلة تنازلات حسنت من دخل الشغيلة وكانت مبررا لمساندة القيادات النقابية لخطة الدولة في اطار”شراكة وحوار” وفرض سلم اجتماعي من جهة واحدة .
واستباقا لتجذر موجة السيرورة الثورية، وبقصد إبعاد الحركة العمالية عنها، قدمت الدولة بعكس اعلاناتها السابقة زيادات استثنائية في الأجور في القطاع العام(زيادة 600درهم) وفي القطاع الخاص(15 بالمئة على دفعات) وسلسلة وعود تملصت الدولة من تنفيدها بعد انحسار الموجة انداك.
طيلة حوالي ثمان سنوات، عملت الدولة على استرجاع ما قدمت من تنازلات أضعافا. فلا زيادة في الأجور وتلبية للمطالب النقابية الجوهرية، بل بلغت بها الصلافة اقفال الباب على قيادة نقابية تتوسل جلسات مفاوضات لا تُستدعى اليها الا عشية فاتح مايو تخرج منها بلا حب ولا طحين، وتتباكي على تعنت الدولة وتدعو الي “مأسسة الحوار الاجتماعي” واتهام الحكومة بتهديد “السلم الاجتماعي” والتهرب من “مسؤوليتها الاجتماعية” وهكذا دواليك دون ملل من تكرار نفس الدور طيلة سنوات.
ظهر نضال التنسيقيات جوابا على سياسة القيادة النقابية تلك، وبلغت ذروتها مع تجربة الأساتذة المتدربين التي ابدت ممارسة نضالية من أسفل وحزما نضاليا ومشاركة حية للقاعدة في القرار ومحاسبة قيادتها. ما انتهي الي تحقيق انتصار جلى على دولة فعلت كل شيء لتخرج منتصرة، وفشلت في حين كانت الحكومة تنفد أحد أكبر غاراتها على أنظمة التقاعد والقيادات النقابات مكتفية بإدانة القرارات الحكومية الانفرادية، وبمواقف لا تقدم ولا تأخر في مجلس المستشارين امام موجة غضب عارمة في صفوف شغيلة التعليم.
المعركة ضد التشغيل بالتعاقد معركة ليست كباقي المعارك
أمران اثنان يضفيان على معركة النضال لإسقاط التشغيل بالعقدة طابعا استثنائيا هما:
- التشغيل بالعقدة يشكل أخطر إجراء لتقويض الوظيفة العمومية والخدمة العمومية برمتها. فهو مركز ثقل تلتقي فيه باقي القضايا المتصلة بعمومية الخدمات والتشغيل. وبنسفه يسرى الامر على الباقي: تقاعد وحماية اجتماعية – خوصصة الخدمات والمرافق-إعادة نظر جذرية في أوضاع عمل الشغيلة – مراجعة شروط الادماج والترقي ومستحقات الدخل- انقلاب في جهات وأساليب الاشراف الإداري والبيداغوجي بإدخال التدابير المجربة بالمقاولات الخاصة – نسف قاعدة ارتكاز الحركة النقابية.
.. يعني دلك أن تمريره بصيغة صريحة أو ملتوية سيمثل هزيمة تاريخية بالنظر لما سيستتبعه من سلسلة عديدة من هجومات تشمل كل شيء في حياة الشغيلة.
- الأمر الثاني، أن التشغيل بالعقدة ومخاطره اللاحقة ليس شانا يعني قطاع التعليم حصرا، بل كامل قطاع الوظيفة العمومية. وسيكون مصير المعركة التي يخوضها شغيلة التعليم حاسما لباقي القطاعات بسبب كون شغيلة التعليم يمثلون نصف اجراء الوظيفة العمومية. ثم أن حصن الحركة النقابية في الوظيفة العمومية قائم في نقابات التعليم .
التعامل مع المعركة ضد العقدة باعتبارها معركة مثلها مثل باقي المعارك جهل فاضح أو تجاهل مقصود. انها أم المعارك على صعيد أوضاع العمل. إنها اشد خطرا من الهجوم على التقاعد، ومن قانون النقابات، وكل تلك المشاريع الجهنمية يمكن ردها وتغيرها. لكن العقدة ضربه في الرأس ان حصلت ستمرر باقي الهجومات تباعا بيسر تام وبسرعة فائقة.
أيتها القيادة النقابية ،ماذا أنت فاعلة؟
إلى حد اللحظة، لا تنم تصريحات القيادة النقابية، ولا سلوكاتها، عن أدني وعي ولا بصيص رغبة في مواجهة العقدة. إنها تكتفي بحصر الأمر وكأنه مشكل خاص بقطاع التعليم. وتتجنب جعله مطلبا مركزيا لكل شغيلة الوظيفة العمومية. ثم تقف عن حدود المساند العاجز لمطالب تنسيقية المفروض عليهم التعاقد، وكأن الأمر ليس في قلب مهامها. وأن واجبها أصلا ان تقود معركة اسقاط العقدة في معركة موحدة لكل شغيلة التعليم العمومي والوظيفة العمومية إجمالا.
وأخطر ما في الأمر سعيها لتسويق حلول موحى بها من الدولة، ومحاولة اقناع التنسيقية الوطنية للمتعاقدين بقبولها، مثل التوظيف الجهوي مع إبقاء كامل الترسانة القانونية المكرسة للتعاقد سارية .
دور النقابات في إسقاط العقدة ليس دور الوسيط المحايد، بل مهمتها ان تنزل بكل ثقلها لإجبار الدولة على الغاء صريح للتشغيل بالتعاقد بالتعليم وفي الوظيفة العمومية.
تعترف قيادات نقابات التعليم أن الحكومة ترفض الاستجابة للمطالب، وتصرح الدولة مرارا أن مطالب الشغيلة مستحيلة التحقيق، وتقترح حلولا جزئية أو زيادة جماعية تضمن بها ثمان سنوات أخرى لتمرر كل خطط تدمير شامل للوظيفة العمومية وتريد دعم القيادة النقابية.
وضعت تنسيقيات عديدة برنامج نضال تصاعدي، فيما القيادة النقابية تسارع من اجتماع إلى آخر، وتجد نقل الرسائل بين المتصارعين، وتدعو بين الحين والأخر قاعدتها للتعبئة في وقت لا تفعل أي شيء يؤشر انها في لحظة طوارئ نقابية وأنها في مستوى التحديات والمخاطر المحدقة بشغيلة الوظيفة العمومية انها تتقلب بين ضغوط غضب شغيلة تتوجس خطر داهم وابتزاز الدولة لها فتهرب الى حياد كاذب لن يكون في حقيقة الأمر الا تخليا عن دورها في لحظة مفصلية.
مادا تنتظر قيادة النقابات لتسطير برنامج نضالي مركز وواضح؟
بنده الأول سحب فوري للتشغيل بالعقدة في الوظيفة العمومية.
وثانيا: إجراءات دقيقة لتحسين الدخل وظروف العمل، وإنهاء شامل لمظالم ضحايا الظلم الإداري والقانوني؟
مادا تنتظر لإعلان معركة تصاعدية وإعلان تعبئة استثنائية في قاعدة شغيلة التعليم؟ لماذا تتفجر على دينامية نضالية تشتعل أمام أعينها، فيما تجلس ذليلة مع وزراء لا حول لهم ولا قوة؟ لماذا تفرط في قوة الضغط التي تشكلها وحدة الشغيلة النضالية وتراهن على نتائج مفاوضات قالت دائما أنها فاقدة للجدية ولا تستجيب للمطالب؟
يجب على قيادة النقابة أن تدرك ان الأمور تغيرت، وأنها تحت تتبع ورقابة الشغيلة، وعليها أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية: فإما أن تنخرط في معركة لتنتصر إرادة شغيلة التعليم أو تستنكف وتخادع وتضيع الوقت في مناورات غبية وتكون خائنة لمصالح الشغيلة.
نذكرها بصوت عال إنها تحفر قبر الحركة النقابية إن تخلفت عن المعركة الضارية الجارية. نصرخ في وجهها أنها تتحمل وزر تمرير الهجوم الدي سيكون نوعيا وخطيرا على كل شغيلة الوظيفة العمومية وسيدمر كل الخدمات العمومية.
ذريعة عدم إدراك حقيقة الوضع مرفوضة، فالأمور واضحة وضوح الشمس، وعلي قيادة النقابة اختيار معسكرها اما معركة حاسمة لتنتصر الشغيلة او خزي أبدي.
أخيرا، توجد قيادة النقابة الوطنية للتعليم – الكونفدرالية الديمقراطية للشغل و جامعة التعليم-التوجه الديمقراطي، بالنظر الي ما اعلنت في مؤتمراتها وبياناتتها وتصريحات قيادتها، بشأن الدفاع عن الوظيفة العمومية والخدمات العمومية المجانية والجيد أمام مسؤولية مضاعفة في اثبات ما كررت قوله ولا حجة لديها في مواصلة السلوك البئيس والوسيط الزائف في معركة فاصلة.
نضالات شغيلة الوظيفة العمومية نحو النصر
إن رهن مصير معركة تاريخية كالتي يخوضها شغيلة التعليم باستفاقة ممكنة للقيادة النقابية رهان على المجهول، ومخاطرة وخيمة العواقب. واجبنا كمناضلين نقابيين مخلصين، باختلاف انتمائتنا النقابية والسياسية في الأجهزة القيادية، او كأعضاء في القاعدة، ألا نركن الي الترقب السلبي، ووضع مصير المعركة في كف أجهزة لم تبرهن حتى الآن على أنها في مستوى التحديات. علينا، واحدا واحدا، الفعل تم الفعل لإجبار القيادة النقابية على السير رغما عنها او يدوسها قطار المعركة.
يجب اعلان حالة استثناء نضالي عبر:
– النقاش مع الشغيلة في أماكن العمل، وتوضيح أن التشغيل بالتعاقد دمار لكل مكاسب شغيلة التعليم، ونسف للوظيفة العمومية، ولما تبقي من المدرسة العمومية. وهي معركة الجميع ليست معركة خاصة بالمفروض عليهم التعاقد.
– يستشعر الشغيلة خطرا داهما ويحسون بحجم المعركة وما سيأتي لاحقا. يجب ان نحول الإحساس الملتبس ذاك الي وعي تام بالمخاطر القادمة المهددة لكل المكاسب التاريخية، و شرح عناوينها الأساسية : الإصلاح المضاد للتقاعد، اصلاح مضاد للنظام الأساسي، ضرب الحريات النقابية…
– استعمال الانترنيت لمواصلة الحملة والتعريف بالمبادرات النضالية تلك.
– جعل السبورة النقابية مركزة على المعركة الحالية بنشر الإخبارات والبيانات النقابية
– توزيع النشرات المناضلة والبيانات ونقاشها لتعبئة الشغيلة عموما
– الدفع بمبادرات نضال جماعية بالمؤسسة (او الفوج) حتي الرمزية منها : وضع الشارات، لافتات وملصقات داعمة، فيديوهات للتضامن، وقفات لساعات محدودة….
– اجتماعات تعبوية لكل الشغيلة الداعمين للمعركة دون اعتبار لتباين الانتماء النقابي، وتحديد مبادرات جماعية، والاهم ابداع صيغ تكون ملهمة ليقتدي بها اخرون .
– حفز الاستنفار النقابي والدفع بعقد الجموعات العامة ومجالس الفرع، وعدم الركون الي الروتين النقابي وانتظار خفوت التململ الحالي
– تنظيم زيارات جماعية للمحتجين، وفتح المقرات لهم والتضامن معهم، والاتصال بالدين يتعرضون للقمع او التهديدات الإدارية ووضع الخبرات المتوفرة رهن اشاراتهم للتعامل مع الاحداث.
– تطوير وتوسيع التنسيق العابر للنقابات واقتراح خطوات عملية نضالية وإعلامية.
– استعمال الاعلام للتعريف بكل المبادرات حتى الأكثر بساطة امر حاسم وله أهمية قصوى.
مهامنا ازاء القيادة النقابية:
– القيادة النقابية أجبرت على السير بتثاقل في المعركة الحالية. وقد أعلنت داعمها لمطالب المتعاقدين. هذه نقطة يجب علينا الاستناد عليها ومطالبتها بان تطابق اعلاناتها بممارساتها.
– الضغط عليها حتي لا تكون ورقة تضغط بها الدولة على المضربين، ومطالبتها ان تعلق التفاوض طالما الدولة ماضية في قمعها وتهديداتها للمضربين.
– عليها ان تمنح الدولة مهلة قصيرة (أيام قليلة) للاستجابة لمطالب المضربين او تنفد خطوات تصعيد منها اعلان الانسحاب من: المجلس الأعلى للتعليم/المجلس الاستشاري الاجتماعي والبيئي./المستشارين….
– اعلان حركة إضراب تصاعدية من أجل ملف مطلبي مركزي مفتوح امام كل المنظمات النقابية والتنسيقيات شعاره: شغيلة واحدة معركة واحدة حتى تحقيق المطالب.
انتصار شغيلة الوظيفة العمومية بيدهم، والقيادة النقابية لها ان تختار بين خوض معركة تنتهي بنصر ام تكون في صف أعداء مصالحة الاجراء وتحصد الهزيمة معهم ويلتصق بها الخزي لوحدها. لها ان تقرر وعيون الشغيلة تراقبها.
بقلم، أحمد أنور
اقرأ أيضا