الجزائر: الفصائل الحاكمة تقدم تضحيات حفاظا على مصالحها على المدى البعيد، لكن الشعب يطالب بأكثر من ذلك بكثير.
من مفاجأة إلى أخرى في الجزائر: عين بوتفليقة الجنرال وزيراً كان يسعى إلى عزله… قبل الإعلان عن تقديم استقالته يوم 28 نيسان/أبريل (التاريخ القانوني لنهاية عهدته). كمال عيسات، مناضل حزب العمال الاشتراكي، الذي كان حاضراً في اجتماع الحزب الجديد المناهض للرأسمالية-فرنسا بباريس، يشرح الوضع وردود الأفعال الشعبية.
هل بإمكانك أن توضح لنا تصريحات أحمد قايد صالح؟
أعلن أحمد قايد صالح مساء يوم السبت أنه يطالب بتطبيق المادة 102 والمادتين 7 و 8 من الدستور. لا تتطابق المادتان 7 و8 مع المادة 102: تنص المادة 102 على أن رئيس مجلس الأمة هو من يتولى الرئاسة بالنيابة وينظم الانتخابات. وتشير المادتان 7 و8 إلى سيادة الشعب وإلى وضع آخر. وهذا يعني أن قايد صالح قيد تهديد الرئاسة بهجوم إذا لم يقدم الرئيس استقالته. يريد تعجيل الإعلان عن المادة 102. هذه قراءة سياسية وليست قانونية، لأن المواد الثلاث المذكورة على المستوى القانوني متناقضة.
تتمثل القراءة السياسية فيما يلي: رفض بن صالح (رئيس مجلس الأمة [الغرفة العليا- المجلس الأعلى التشريعي])، المرشح لتولي منصب الرئيس، لكنهم سيجدون رئيسًا بالنيابة لفترة مؤقتة. في الليل، خرجت مجموعات بلافتات جديدة في الجزائر العاصمة لتقول: «نعم لقائد صلاح وشخصيات من هذا القبيل» لكنها كانت أقلية وفي اليوم التالي جرى طرد مجموعة شباب كانوا حضروا بلافتات من التظاهرة أمام مكتب البريد الكبير.
أظهرت تظاهرات نهاية الأسبوع أن التعبئة ظلت سلمية، رغم عدم توطدها في قطاعات أخرى. أثناء الأسبوع، نظمت مسيرات كُثر من قبل قطاعات أنشطة اقتصادية عمالية من كل حدب وصوب، وشهدنا كل يوم تظاهرة. لذلك يمكن تأكيد أن أول رد على تصريحات أحمد قايد صالح تجلى في تعبئة متواصلة.
هناك إذن نزاع بين الجيش والرئاسة؟
أعلن بوتفليقة عن تشكيل حكومة جديدة، حيث نجد في منصب نائب وزير الدفاع، الجنرال أحمد قايد صالح الذي كان هدد بوتفليقة في اليوم السابق، بإعفائه وعزله. وبالتالي فإن سبب تلك المشاجرات الليلية حيث كانوا في حالة خصام شديد هو سعيهم إلى بلورة تسوية حفاظا على الجوهر. تقوم هذه التسوية أساسا على استقالة بوتفليقة وتعيين حكومة في المرحلة الانتقالية.
وفي هذا الصباح، بدأوا بالتضحية ببعض كبار أصحاب المليارات مثل علي حداد ورضا كونينيف، اللذين اختلسا الأموال العامة بالتأكيد، لكنهما مجرد عينة من شخصيات اكتسبت ثراءً فاحشا في عهد بوتفليقة. تشكل هذه التضحيات استجابة لمطالب الشعب الذي ينادي بمحاكمة كل من جمع ثروات على ظهر السيادة الوطنية.
المشاجرات في قمة دولة الجزائر بين مختلف الفصائل عنيفة للغاية، لكن حلولها لا تحظى بأي حال من الأحوال بقبول في الحركة الشعبية. هذه الأخيرة أكثر جذرية، وتعبر في شعارها «ارحل يا النظام» عن رفض تام لمن أضروا بالسيادة الوطنية، ومن نهبوا الأموال منذ سنوات، ولتلك البرجوازية الكمبرادورية، التي يشن الشعب على قسم منها حملة اذلال وتشهير.
لكن الشعب يطالب بأكثر من ذلك بكثير. تتجلى أولى ردود الفعل على تعيين هذه الحكومة إن لم نقل على هذه التسوية بين أحمد قايد صالح وبوتفليقة، في استياء وغضب الشارع. في هذا اليوم الاثنين 1 نيسان/أبريل، نظمت مسيرات هامة في بجاية، على سبيل المثال، شغيلة التعليم في قطاع التعليم العالي في إطار أنشطة نقابية يسعى عمال الاتحاد العام للعمال الجزائريين UGTA إلى استعادتها. وكانت اليوم حقا تعبئة حاشدة.
ما رأيك في إعلان رحيل بوتفليقة؟
أذيع بيان رئاسي مساء الاثنين 1 نيسان/أبريل على القنوات التلفزية، حيث أعلنت أن بوتفليقة سيقدم استقالته قبل 28 نيسان/أبريل وحتى ذلك الحين سيتولى إصدار قرارات هامة سيعلنها لاحقًا. لا يشير إلى أي قرار معين.
كان أحمد قايد صالح يعلن، منذ شهر أنه يضمن الانتخابات، ويؤيد العهدة الخامسة لفخامة بوتفليقة. يتضح أن موازين القوى مع المجتمع قد تغيرت، وثمة تضحيات يتعين تقديمها. كان ذلك بدأ بالتراجع الأول المتمثل في سحب ترشيح بوتفليقة وحل الحكومة، ثم تعيين حكومة جديدة عبر التضحية برمطان لعمامرة، وزير الشؤون الخارجية الذي كان يحتل المرتبة الثانية في الحكومة. كان هذا الأخير قام بجولات عديدة في بلدان أوروبية…
لكن يجب فهم أننا بوجه سلطة تتشكل من فصائل عديدة في مرحلة أزمة، لذلك فهي الآن تصنع تسوية تمكنها من الحفاظ على مصالحها على المدى الطويل وتشرع في تقديم أولى التضحيات: لن يحصل بوتفليقة على عهدة خامسة، وهناك الآن اعتقال جاري لرجال أعمال أقوياء كُثر بالجزائر، وتقديم بعض التنازلات تحت ضغط الحركة الشعبية.
من ناحية أخرى، فإن اعتبار أحمد قايد صالح سيكون ضامن استمرارية النظام مسألة خاطئة لأن أحمد قايد صالح هو بالذات استمرارية أساسية للنظام. تشكل البرجوازية الجزائرية جزءا مرتبطا بجهاز الجيش الوطني الشعبي منذ عام 1962، لذلك نتحدث عن رأسمالية الدولة في بلدنا وهذا هو سبب تسميتنا بوتفليقة ببونابرت.
على ماذا يدافع حزب العمال الاشتراكي في هذا الوضع؟
في يوم الجمعة المقبل، سينظم حزب العمال الاشتراكي تعبئة بكل قواه سعيا إلى نشر أفكارنا، وخاصة حول الجمعية التأسيسية التي تنطلق من مصالح غالبية الشعب الجزائري، أي العمال والعاطلين، والنساء، وجميع المقصيين من النظام الرأسمالي، الذين يجب تدوين مطالبهم في الدستور الجديد.
ستكون التعبئة قوية للغاية، وربما أقوى بكثير من التعبئات الأخرى. في التجمعات، وفي النقاشات، يطرح الناس حضورهم لا مع أسرهم وحسب، بل أيضا رفقة حيواناتهم الأليفة حتى يدركوا أن الشعب يريد طرد الجميع وأنه لا يقبل بتنظيمهم أي مرحلة انتقالية!
إن فكرتنا حول الجمعية التأسيسية القائمة على مصالح الجماهير الشعبية تنغرس الآن في قطاعات كُثر. هذه ليست غاية في حد ذاتها، لكنها مرحلة من السيرورة الجارية في الجزائر لانتزاع مزيد من الفضاء، وتعزيز إقامة حقوق اجتماعية وديمقراطية في الدستور الجزائري الجديد.
يسعى حزب العمال الاشتراكي PST إلى أن تتضافر جهوده مع جميع القوى التي تعلن انتسابها إلى معسكر العمال، ومعسكر المقصيين، وإبلاغ صوتنا في جميع المسيرات التي نشارك فيها وخاصة منح معنى للشعارات العميقة للشعب المتمثلة في «ارحل يا نظام» «نريد محاكمة كل الأشخاص الذين نهبوا الأموال»، وهي مسألة نترجمها نحن برفع السر المصرفي عن جميع الثروات في الجزائر، و«ارحل يا نظام» مثل النظام القائم على «اقتصاد البازار»، واقتصاد السوق الذي خرب اقتصاد الجزائر.
كيف ترى سيرورة وضع الدستور؟
يجب أن تتحقق أثناء التعبئات، وإلا فإن قوى المال هي من سيفرض دستورًا آخر يمثل مصالحها، مصالح أقلية تستحوذ الآن على ثروات الجزائر. إن استمرارية التعبئة وتعميقها وتنظيمها الذاتي على حد سواء تمثل الضمانات الوحيدة التي نتوفر عليها بصفتنا عمالا، ونساء مُضطهَدات، وشبابا، وعاطلين، ومقصيين من النظام لفرض أملنا في هذا الدستور.
نواجه حركة شعبية عفوية بدأت بتنظيم نفسها ولكن ليس بالأشكال الكلاسيكية التي شهدها التاريخ. لم تكن هناك قوة اجتماعية برزت خاصة في البداية، ولكن كان المجتمع المدني عموما، والسكان الذين كانوا يتظاهرون يوم الجمعة، أي «الأحد الجزائري» اليوم الذي يتوقف فيه العمل. قرر السكان التعبير عن شعارات في لوحات صغيرة تطورت إلى إعداد لافتات. حملت هذه الأخيرة بعض المطالب التي تظل بعيدة تماما عن إطار مفاهيمي ولكن مضمونها المنظم في مفاهيم من قبل قوى مثل قوتنا تمنح للحركة معنى عميقا جدا وجذريا جدا.
لا يشكل التنظيم الذاتي مفهومًا ثابتًا في التاريخ، بل هو الأداة التي تقيمها الجماهير في وقت معين وفق وعيها وتقاليدها النضالية أو التقاليد بحصر المعنى لمواجهة عدو. واليوم، يعتبر السكان أنهم منظمون بقدر وجود حرية تعبير واسعة في المسيرات التي تطالب بأشياء وتواجه نظاما يرد برسائل بوتفليقة أو أحمد قايد صالح. يتمثل رد الشعب في مسيرات يوم الجمعة وأيام الأسبوع بالنسبة لقطاعات العمال.
هناك تعبئة قصوى، منضبطة بشكل جيد، على غرار هؤلاء شباب الأحياء الذين ينظفون بعد انتهاء التظاهرات! لكن الناطقين الرسميين الذين حاولوا الظهور، بدفع من القنوات التلفزية الخاصة، ومن صحف أرباب العمل خاصة، جرى رفضهم جميعًا تقريبًا. إنها رغبة السلطة في بروز شخصيات مختارة من قبل وسائل الإعلام، ولكن هذا ليس هو الحال اليوم. تطور التنظيم الذاتي كثيرا في قطاعات عديدة.
بدأ يتحقق في الجامعات. نشهد فيها ظهور لجان مستقلة. وهذا يفسر حرص وزير التعليم العالي على إغلاق الجامعات الجزائرية قبل أسبوعين من العطلة الدراسية ولمدة شهر. وتتمثل السمة الثانية في أن جميع الأحياء تأتي إلى المسيرة منظمة خلف لافتاتها، وتأتي القرى منظمة، ويتحرك العمال في مختلف النقابات التي يقال إنها مستقلة من قبل الاتحادات المنهية أو الطبقة العاملة المتأصلة المنخرطة في نقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين. هذا هو الحال في الشركة الوطنية للعربات الصناعية (سوناكوم) أو في ميناء عنابة لصناعة الحديد والصلب الذين نظموا جموعات عامة، وتظاهرات في الشوارع واليوم في قطاعات كُثر.
كل يوم نشهد بداية تنظيم ذاتي. هل هو «مجلس عمالي [سوفييت]»؟ لا، لكنه بداية نقاش بين العمال، وتنظيم العمال، وتعبير مستقل للعمال، بما في ذلك ما يتعلق بالأجهزة النقابية وقيادتها المبقرطة.
أجرى المقابلة سامي الوحش وأنطوان لاراش
تعريب جريدة المناضل-ة
URL source: https://npa2009.org/idees/international/algerie-les-factions-au-pouvoir-font-des-sacrifices-pour-maintenir-leurs
اقرأ أيضا