“مؤتمر” الاتحاد المغربي للشغل الثاني عشر: امتحان لكل منتسب لليسار
تجري هذه الأيام أحد أعظم المهازل التنظيمية في تاريخ الاتحاد المغربي للشغل، تحضيرا لما سمي زورا وبهتانا “المؤتمر الوطني” الثاني عشر. فحتى شكليات الخداع والتضليل المألوفة طيلة عقود تم التخلي عنها. فقد كانت تُنظم مسرحيات “انتخاب” المندوبين، مع توزيع أدبيات تافهة، منها تقرير عام، وتقارير قطاعات وتنظيمات موازية. أما اليوم فلا “أدبيات” ولا “انتخاب”. تعيين فج وقح للمؤتمرين، و لا نقاش، في جو عام من استقواء الجهاز، ومن صمت يفوق صمت القبور.
صمت يشارك فيه مناضلون بالاتحاد المغربي للشغل منتسبون لليسار، كأن الجميع متواطئ في مهزلة ما يسمى مؤتمرا. صمت لم تقطعه لحد الآن غير أصوات من قدماء دهاقنة المتاجرة في النضالات العمالية، وخيانة مصالح الأجراء، وتعميم الفساد في النقابة، من طراز فاروق شاهير المشهور بما أحل من خراب بنقابة أجراء البنوك، وباغتنائه الفاحش. وكذا البرلماني المنياري رشيد عضو الأمانة الوطنية المتورط في فساد الشؤون الاجتماعية بقطاعه والمطرود من قبل موخاريق.
إن ما يسمى مؤتمرات في تاريخ الاتحاد لم يكن أبدا مؤتمرات. فقد كرس المحجوب بن الصديق ، طيلة عقود سيطرته على رأس بيروقراطية بالغة الفساد، تقاليد “مؤتمرات” ليست أكثر من واجهة لإضفاء شرعية تنظيمية على أجهزة مفصلة وفق إرادة البيروقراطية ، بتواطؤ من أدعياء يسار يُشترى صمتهم بمقاعد لا جدوى منها غير تزكية المهازل البيروقراطية. يجري تجنيد الأتباع، المشدودين بمصالح وامتيازات مادية، ومحاربة أي رأي صادق غيور على مصلحة العمال ومنظمتهم. هذا من أجل تجديد جهاز وطني سيواصل نفس سياسة خدمة أرباب العمل ودولتهم، باسم استقلالية زائفة وديمقراطية مفترى عليها.
ليس هذا النوع من “المؤتمرات” غير وجه من أوجه تسيير النقابة من فوق: تحكم مطلق، وما يؤدي إليه من تحطيم النقابة: حل عدد من الجامعات، وطرد العديد من الرافضين، وحملة اقتلاع حزب التقدم والاشتراكية في مطلع التسعينات، وطرد مجموعة من المناضلين في مارس 2012، وهلم جرا. وكلما شهد هذا النوع من المؤتمرات تدافعا، فلم يكن من أجل مصلحة الأجراء، بل لتقاسم مقاعد الجهاز بين فصائل البيروقراطية.
لماذا هذا الوضع؟
أولا : لأن هدف قيادة النقابة لم يعد مصلحة العمال بل مصلحة جهتين: 1- بيروقراطية نقابية بالغة الثراء والفساد. تشد على امتيازاتها ومصالحها بالأظافر والأسنان.
2- أرباب العمل ودولتهم. حيث الاجتهاد في توقيع مواثيق السلم الاجتماعي مع أرباب العمل، ونسف نضالات عمالية، ومسايرة إرادة النظام بالتصويت على دستور 2011 الذي وصفته حركة 20 فبراير بدستور العبيد، ومجاراة السياسة النيوليبرالية المدمرة للمكاسب العمالية، تحت ستار نضالي زائف.
ثانيا: ضعف نوعي في القاعدة العمالية. فقد خربت المحجوبية المنظمة العمالية، وباتت هذه علامة تجارية للاغتناء وخدمة النظام من قبل جماعة متسلطة. أما القاعدة العمالية فقد تمت تربيتها على الانطواء داخل المقاولة او القطاع، وصرف النظر كليا عن الشأن النقابي الوطني. وأصبح قبول الفساد الذي أزكمت رائحته الأنوف منذ عقود، والبيروقراطية الخانقة لكل حياة نقابية داخلية حقيقية، أمرا عاديا، ولسان حال الأجير: فليأكلوا ما يشاؤون، وليقودوا كما يبغون، همي أن استعمل مظلة النقابة للدفاع عن فتاتي، ولربما ساعدوني في ذلك.
هذا تعبير عن مستوى الضعف الذي حل بالقاعدة العمالية نفسها، بفعل غياب قطب يساري حقيقي متمسك بعلة وجود النقابة العمالية. غياب كرسه تكرسيا إجهاض تجربة التوجه الديمقراطي بفعل حسابات خاطئة لاصلة لها برؤية بناء منظمة كفاح عمالي حقيقية. حسابات حكمها الحرص على مقاعد في الأجهزة لا قيمة لها طالما لا تعبر عن رأي وتوجه فعلي في القاعدة. ما نفع أدبيات المؤتمر العاشر “اليسارية”؟ لا شيء بتاتا، لأنها ليست تعبيرا عن حالة تم بناؤها في القاعدة، بل كانت مقابلا شكليا قدمته البيروقراطية لتجتاز بسلام منعطف ما بعد وفاة المحجوب. وقد دلت التطورات اللاحقة أنها مناورة ناجحة انطلت على ضحاياها.
لقد جرى نسف تجربة التوجه الديمقراطي بسبب منظور لعمل اليسار في النقابات هو نفسه بيروقراطي. وها نحن أمام نتائج ذلك المنظور، وحتى الاستعمال الشكلي لاسم التوجه الديمقراطي انتهى.
ما سيجري غدا من مهزلة باسم “مؤتمر وطني” يلقي مسؤولية جسيمة على مناضلي الاتحاد المغربي للشغل المنتسبين لليسار. يجب النظر بعمق وبمنظار المصالح الآنية والتاريخية للطبقة العاملة في معضلة المستنقع الذي توحل فيه الاتحاد المغربي للشغل، وها هو يغوص فيه.
سيظل العمال يتدفقون إلى الاتحاد المغربي للشغل، تحت ضغط القهر الرأسمالي، معتبرين أنه إطار للدفاع عن الحقوق والمكاسب. وستظل البيروقراطية الفاسدة ضاربة بجذورها في الجهاز النقابي، وطنيا ومحليا، مع ما يعني الأمر من تضحية بتلك الحقوق والمكاسب. لذا من واجبنا، وفيه خلاصنا، تجميع قوى اليسار غير المتواطئة مع البيروقراطية لبحث سبل توحيد جهود بناء القطب النقابي الكفاحي والديمقراطي، ودونه الانجرار مع البيروقراطية إلى مزبلة التاريخ العمالي.
بقلم، جنين داود
اقرأ أيضا