إسقاط التعاقد لا إصلاح أنظمته الأساسية
مخطط التعاقد سياسة ممنهجة لتدمير مجمل الوظيفة العمومية والتخلص من الخدمات العمومية والاجتماعية، التي حصنتها الأجيال السابقة بنضالاتها وكفاحاتها.
فرض مخطط التعاقد على آلاف الأجيال الشابة، التي تسعى لتأمين عمل يضمن لها دخلا وعملا مستقرا يكفل العيش الكريم. لم تجد هذه الأجيال أمامها خيارا آخر إلا الرضوخ- المؤقت- لتوقيع عقود غير منصفة، على أن يبدأ النضال من أجل إسقاط مخطط التعاقد و الإدماج في الوظيفة العمومية، بعد ضمان علاقة الشغل مع الأكاديميات كمؤسسات ضمن المنظومة التعليمية.
فعلا لم يتأخر “الرضوخ المؤقت” على التحول إلى رفض عارم لمخطط التعاقد، الذي يهدف إلى تحويل شغيلة التعليم إلى أقنان في يد مدراء الأكاديميات. انطلق نضال المفروض عليهم التعاقد ضد فسخ عقد أستاذ بزاكورة، وتوج بتأسيس “التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد” يوم 04 مارس 2018.
منذ هذا التاريخ والنضال يتضخم مثل موجة تسونامي ضخمة تهدد بتدمير الجدران الأولى التي شيدها النظام في صرح التعاقد بغية تحطيم ما تبقى من جدران الوظيفة العمومية و مكاسب الشعب المغربي.
وما دام التناقض قائم بين مصالح الطبقة السائدة و المفروض عليهم هذا المخطط فإن النضال لا يتوقف على النمو، لذلك اعتمدت الدولة كل أساليبها لإيقاف تقدم هذا النضال. بدأ من القمع المادي مرورا بالهجوم المعنوي والإعلامي وصولا إلى التهديد بالتسريح الجماعي للأساتذة سواء الممارسين أو المتدربين بالمراكز الجهوية، كلها تكتيكات في مجمل إستراتيجية الدولة للقضاء على أداة النضال ضد التعاقد وتدمير المقاومة الجماعية المنظمة تحت إطار تنسيقيتنا الوطنية.
لكن أخطر تكتيك يمكن أن تعتمد عليه الدولة حاليا، هو ادعاء تقديم تنازلات للحركة، إدعاء الاستجابة لبعض المطالب بعد “حوار” مع الفاعلين الرئيسيين داخل المنظومة التعليمية.
بعد النجاح التاريخي لمسيرة 20 فبراير وأيام الإضراب الموازية له، وبعد “حوار” فارغ من أي محتوى مع البيروقراطيات النقابية، ادعت الدولة أنها ستطرح “الأنظمة الأساسية لموظفي الأكاديميات الجهوية” للتعديل، مدعية أن هذه الأنظمة تعاني من بعض الثغرات ونقاط القصور، وأنها ترحب بكل الاقتراحات لتعديلها.
قد تقوم الدولة فعلا بتقديم تنازلات، بالتخلي عن بعض البنود التي لا تضرب جوهر مخطط العاقد: كتعديل البنود الخاصة بالحركة الانتقالية والحد من سلطة فسخ العقود في حالات بعينها في أفق الهجوم عليها في أول تراجع للنضال.
يجب التأكيد على أن هذا الواقع ليس نتاج نية الدولة السليمة وانفتاحها على الحوار، بل نتاج نضالنا المستميت. ولكن يجب الوعي بخطورة مثل هذه التنازلات:
+ لا تقدم الدولة تنازلاتها الشكلية، إلا بعد التمكن من هزم الحركة المناضلة: يمنحها هذا قطع الطريق أمام هذه الحركة لاستثمار هذه التنازلات للمزيد من التعبئة والنضال من أجل مطالب أخرى.
+ هدف الدولة من هذه التنازلات ليس تنزيلها على أرض الواقع؛ بل بث الانشقاق في صفوف الحركات المناضلة و تقسيمها لمجموعات متناقضة: حيث سيظهر قابلون ورافضون، وفي غياب تقاليد النقاش الديمقراطي ينتهي الأمر بانشقاقات خطيرة.
+ بمجرد انكفاء الحركة تقوم الدولة باستعادة ما تنازلت عنه، وقبلته أطراف من حركة النضال بمبرر “عصفور في اليد، أفضل من عشرة على الشجرة”، مفوتة هكذا العشرة على الشجرة دون الحفاظ على العصفور الذي يوجد في اليد.
+ إن التنازلات الجزئية لم تتأتى قط بنضال محصور في حدود المطالبة بهذه التنازلات، فقط نضال جبار من أجل مطالب عامة هو الذي يجبر الدولة على التنازل على الجزئي من أجل الحفاظ على الكلي.
تضطر حركات النضال في لحظات بعينها على الرضوخ لما تفرضه الدولة من تنازلات، فالمسألة ليست هي “ما نسعى إلى تحقيقه” بل ما “نستطيع تحقيقه” في ظل شروط وميزان قوى محددين.
وأخيرا نؤكد أننا نناضل من أجل إسقاط مخطط التعاقد وإلغاء الأنظمة الأساسية لموظفي الأكاديميات الجهوية، وإسقاط المرسومين ومطالب أخرى يمكن الاطلاع عليها في الملف المطلبي للتنسيقية وبيانات سابقة وليس إصلاح هذه الأنظمة.
إصلاح الأنظمة الأساسية أو بالأحرى تلميعها وشرعنتها، تلك مهمة الدولة لخداع الجماهير، وليس مهمتنا النضالية.
إلى الأمام
بقلم، المناضل علي وإبراهيم ماركس
اقرأ أيضا