يا طلاب المغرب اتحدوا من أجل وقف تدمير الجامعة العمومية- مشروع مخطط 2013-2016: إصلاح للتعليم العالي العمومي أم إجهاز عليه
مهدي رفيق
يسعى هذا المقال إلى الوقوف عند أهم الإجراءات التي يتضمنها مخطط “إصلاح” الجامعة المغربية المزمع تبنيه خلال فترة 2013-2016، وكما سيلاحظ القارئ فإننا اعتمدنا، في تحليل مضامين هذا المخطط، على عدد هام من الإحصائيات والمعطيات الخاصة بواقع التعليم الجامعي، تعود في بعض الأحيان إلى سنة 2010، وذلك نظرا لعدم تمكننا من الحصول على معطيات محينة تخص الموسم الجامعي 2012-2013 .
كما نسعى عبر هذا المقال إلى إعطاء صورة واضحة حول مضامين هذا المخطط وأهدافه الحقيقية غير المعلن عنها بطبيعة الحال، منطلقين من اقتناعنا التام، بضرورة اضطلاعنا بدورنا كاملا في التنبيه إلى جميع المخاطر المحدقة بالتعليم العمومي، من أجل تمكين الشباب الجامعي، المناضل بالأساس، من أدوات وآليات فهم حجم وطبيعة الهجوم، الذي يتم تحضيره ضد مقومات وأسس الجامعة العمومية.
لا يخفى على أحد أن الجامعة المغربية شكلت منذ ثمانينيات القرن الماضي مختبرا حقيقيا لتجريب وصفات دوائر الرأسمال العالمي، المتحكمة في توجيه السياسات الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، بحيث تم تطبيق إصلاحات بيداغوجية متعددة، وتم تمتيع الجامعة باستقلاليتها المالية والبيداغوجية، وفتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في التعليم العالي، خاصة بعد اعتماد” الميثاق الوطني للتربية والتكوين “، الذي انبثق عنه القانون 01.00 الخاص بالتعليم العالي.
وتعتزم الدولة تطبيق مخطط رباعي جديد (2013-2016) في إطار استمرارها في تخريب منظومة التعليم العالي، بحيث شكلت سنة 2012 السنة الأخيرة لتفعيل البرنامج الاستعجالي، ما يستوجب حسب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر إعداد برمجة رباعية جديدة من أجل التكييف المستمر لمنظومة التعليم العالي، مع تنمية “الاقتصاد القائم على المعرفة”. وتطرح الوزارة هذا المخطط في إطار استكمال ما تم “تحقيقه” في إطار عشرية التربية والتكوين.
ويأتي الإعداد لتمرير هذا المخطط في سياق الهجوم الذي تقوده الطبقة السائدة بتعاون مع الإمبريالية، والذي يكتسي طابعا شاملا، يستهدف المكاسب الطفيفة في مجال الحريات السياسية والنقابية والتشغيل والأجور والحماية الاجتماعية والخدمات العمومية، وفي مقدمتها خدمة التعليم، وذلك في ظل مقاومة شعبية مستمرة لكنها ضعيفة، بحكم افتقاد المضطهدين لأدوات نضال فعالة ومبنية على منظورات كفاحية وديمقراطية.
وقبل استعراض أهم محاور المخطط الجديد وتحليلها، لا بأس من التذكير بأهم التوجهات التي أقرها “الميثاق الوطني للتربية والتكوين”، والتي يمكن حصرها في:
– رهن النظام البيداغوجي بمتطلبات اندماج المغرب في” اقتصاد المعرفة”، والذي يستلزم حصر وظيفة الجامعة في تلقين الطلبة المهارات والمعارف اللازمة لتيسير اندماجهم في سوق الشغل، مادام المطلوب هو تكوين موارد بشرية كفأة لخدمة حاجيات اقتصاد السوق المتقلبة، وذلك على حساب تلقين الطلبة المعارف الضرورية التي تمكنهم من فهم العالم الذي يعيشون فيه، والتي تساهم في تطورهم المتجانس والمتوازن، وضرب الأهداف المعرفية التي تساهم في ترسيخ الثقافة النقدية والميول التحررية لدى الشباب؛
– توجيه التعليم العالي لخدمة مصالح أرباب العمل، (التخلي عن التمويل وإشراك القطاع الخاص) تحت يافطة ربط الجامعة بخدمة متطلبات التنمية الاقتصادية والجهوية
– التخلي عن التزام الدولة بتمويل التعليم وحصر تدخلها في تقديم مساعدات؛
– تفكيك الجامعة العمومية من خلال تكريس الجهوية المزعومة، التي ترمي إلى ربط الجامعة بمحيطها الجهوي، دون أي منظور وطني يقوم على تلبية الحاجيات الأساسية للأغلبية الساحقة من المواطنين؛
– ضرب جماهيرية التعليم العالي من خلال ربط ولوج، التعليم العالي، من طرف الحاصلين على شهادة البكالوريا بناء على معايير للانتقاء و آليات خاصة بكل مؤسسة ونتائج الامتحان الوطني الموحد؛
– ربط التعليم العالي بالأبعاد التجارية عبر منح مجموعة من الامتيازات للرأسماليين الذين يرغبون في الاستثمار في القطاع (معادلة شواهد التعليم العالي الخاص مع الشواهد الوطنية ، الاستفادة من خدمات أساتذة وموظفي التعليم العالي العام، استغلال التعليم العالي العام من اجل تطوير الخاص بعقد اتفاقيات للتعاون في مجال الامتحانات ومراقبة المعلومات، منح امتيازات ضريبية للمستثمرين في بناء الأحياء والمطاعم الجامعية مقابل الهجوم على الخدمات الاجتماعية للطلبة؛
– تكريس هشاشة أوضاع الشغل عبر التنصيص على عقود عمل بالنسبة لأساتذة التعليم العالي باعتبارهم مجرد مستخدمين.
وقد خلفت، “عشرية التربية والتكوين” نتائج كارثية، حصرتها الوزارة المسيرة لقطاع التعليم العالي في :
– بلوغ الهدر الجامعي نسبة 22 % ؛
– نسبة الحاصلين على دبلوم جامعي لم تتعد 45%؛
– 26% فقط من الحاصلين على دبلومات جامعية هم من تمكنوا من الاندماج المهني؛
– تراجع المغرب فيما يخص ترتيبه الإفريقي على مستوى البحث العلمي من الصف الثالث سنة 2003 إلى الصف السادس سنة 2008.
كما أن سياسة تكوين الأطر القائمة على تعميق الانتقائية والإقصاء، والتي عوض أن توجه في خدمة الحاجيات الشعبية من خلال إعداد الأطر اللازمة لتسيير المرافق الاجتماعية، قد بلغت مستويات متدهورة تكشف فشل التوجه الرسمي في هذا المجال، وما يدل على ذلك هو أنه في غضون العقد الثاني من الألفية الثالثة لا زال المغرب لا يكون سوى 10 مهندسين لكل 10.000 مواطن، وهي نسبة ضعيفة جدا مقارنة مع بلدان في نفس مستوى النمو الاقتصادي، كالأردن مثلا، الذي تصل نسبة المهندسين فيه 42 مهندس لكل 10.000 مواطن. ونفس الشيء ينطبق على سياسة تكوين الأطباء المحكومة بمقاربات التقشف وتقليص الميزانية المخصصة لتسيير وتجهيز القطاع الصحي، حيث لا تتجاوز النسبة 40 طبيب لكل 100.000 مواطن في حين تبلغ هذه النسبة 70 في تونس وتتعد 325 طبيب في لبنان لكل 100.000 مواطن.
كما وقفت الوثيقة المرجعية التي أعدتها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي في نونبر 2009 حول “الاستراتيجية الوطنية لتطوير البحث العلمي في أفق 2025″، على نفس النتائج، بحيث لم تبلغ نسبة التمدرس سوى 60% ، في حين تصل إلى 98 % في كوريا و75 % في تونس، كما أن نسبة التمدرس في التعليم الثانوي لا تتجاوز 44 %، في حين تحقق تونس 65% ، أما نسبة الشباب ( بين 19 و23 سنة) الذين يتابعون تعليمهم الجامعي فلا تتجاوز 12 %، في حين تبلغ في تونس 23% وفي لبنان 42 % ،
وعوض الوقوف عند الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه النتائج الكارثية ومعالجتها، وهو الأمر الذي لا يمكن إنجازه طبعا في ظل التوجهات النيوليبرالية المعتمدة حاليا في مجال التعليم الجامعي، تطلع علينا وزارة الداودي بمشروع مخطط جديد يسير ضمن نفس النهج، و هذا ما يتضح من خلال الإجراءات والمشاريع التي يتضمنها، والموزعة على 6 محاور رئيسية:
المحور الأول: الرفع من قابلية خريجي التعليم العالي للاندماج في سوق الشغل من خلال تطوير منظومة التعليم العالي وتوسيع طاقته الاستعابية وتحسين جودته؛
المحور الثاني:تحسين حكامة التعليم العالي؛
المحور الثالث:تطوير منظومة البحث العلمي والتقني والابتكار؛
المحور الرابع:دعم تطوير الخدمات الاجتماعية؛
المحور الخامس:مراجعة الترسانة القانونية المنظمة لقطاع التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر؛
المحور السادس: تطوير استرتيجية للتعاون الدولي.
تفتيت الجامعة الوطنية عبر خدعة الجهوية
من أجل توسيع الطاقه الاستعابية للتعليم العالي، يقترح المخطط، مراجعة الخريطة الجامعية بإعادة النظر في معايير ولوج مؤسسات التعليم العالي الجامعي، في إطار الجهوية الموسعة، من خلال المزج بين الطلب الاجتماعي المتزايد على التعليم العالي وحاجيات المحيط الاجتماعي والاقتصادي الجهوي، وبالنظر إلى عدم التوازن الاقتصادي بين الجهات، فإن هذا الإجراء لن يؤدي سوى إلى تكريس التفاوتات على الصعيد التربوي، وبالتالي إعادة إنتاج التفاوتات الاجتماعية التي يكرسها النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد.
وهذا، فضلا على رهن ولوج التعليم العالي بشروط مجحفة،إضافة إلى تلك المعمول بها حاليا، تتمثل في الحاجيات الجهوية لسوق الشغل والطاقة الاستيعابية ومستوى التأطير البيداغوجي، بمعنى أن نسبة هائلة من حاملي شهادة البكالوريا سيتم حرمانهم من حقهم في التعليم الجامعي، بالنظر إلى الخصاص المهول في أساتذة التعليم العالي وفي التجهيزات.
كما يقترح أصحاب المخطط، في إطار معالجة الخصاص المهول على مستوى التجهيزات وبنيات الاستقبال، الاستعمال المشترك لبنيات الاستقبال المتوفرة على مستوى كل جامعة، ما سيؤدي إلى تفاقم مشكل الاكتضاض الذي ينفر غالبية الطلبة من متابعة دراستهم، ويجعلهم يمتنعون عن حضور الدروس النظرية والتطبيقية، فضلا على انعكاسه السلبي والخطير على جودة التأطير، وذلك دون أن تتكلف الدولة عناء معالجة هذا المشكل عبر تشييد بنيات وتجهيزات بيداغوجية جديدة على الرغم من التطور الهائل لأعداد الطلبة في السنوات الأخيرة حيث انتقلنا في المغرب من 3300 طالب سنة 1960، إلى حوالي 74.000 طالب في سنة 1980، ومع حلول سنة 1990 تطور عدد الطلبة بالتعليم العالي ليصل إلى 198.000 طالبا، ومع حلول السنة الحالية أصبح عدد الطلبة الجامعيين المغاربة يقارب نصف مليون طالب.
خلاصة القول، إن ما تخفيه سياسة الجهوية هذه، هي، من جهة، تفكيك التركزات الطلابية الكبرى التي من شأنها أن تشكل خلفية هامة لأي تحرك جماهيري واسع في حالة ما إذا توفرت لها الشروط النقابية والتنظيمية والنضالية السليمة وتمكن الطلاب المغاربة من تنظيم أنفسهم وتوحيد نضالاتهم، ومن جهة أخرى، تشتيت الطلبة عبر ملحقات وكليات متعددة الاختصاصات تفتقر إلى أبسط شروط التحصيل العلمي كما هو الشأن بالنسبة للمركز الجامعي متعدد التخصصات بقلعة السراغنة، الذي تم تأسيسه 2007، ويتم فيه تدريس مسلكين فقط الاقتصاد والجغرافيا، وإلى حد الآن2013 لم يتم تخصيص أية بناية للطلبة الوافدين بكثرة والذين يدرسون حاليا داخل ثانوية؟ أوالوضعية الكارثية التي تشهدها الكلية متعددة التخصصات بتازة التي تعاني من اكتضاض مهول بحيث يتكدس فيها أزيد من 6078 (في سنة2010) في الوقت الذي لا تتسع طاقتها الاستيعابية سوى ل2000 مقعد، بل هناك كليات تم تشييدها خارج أية معايير للسلامة الجسدية كما هو الشأن بالنسبة للكلية متعددة التخصصات بالرشيدية التي يعاني طلبتها وأطرها بتنامي انبعاث الغازات السامة من معمل الغاز الذي يلتصق بالكلية؟؟.
أما بخصوص رؤية الدولة لمعالجة المشاكل المتراكمة بالملحقات الجامعية فيخبرنا الداودي بأنه قد اتَّصل بعمال وولاة المدن التي تعاني من ذات المشكل كتازة وتاونات… لتخصيص بقع أرضية لأساتذة تلك الكليات بغية مساعدتهم على الاستقرار وحتى نغريهم بالبقاء؟؟؟، ولإعطاء صورة حول توزيع أعداد الطلبة على الجامعات نقدم الإحصائيات التالية:
– جامعة القرويين: 9233 طالب؛
– جامعة الأخوين:1.700؛
– جامعة محمد الخامس أكدال: 22.669؛
– جامعة محمد الخامس السويسي: 15.760؛
– جامعة محمد بن عبد الله بفاس: 74.042؛
– جامعة القاضي عياض بمراكش: 48.314؛
– جامعة عين الشق بالدار البيضاء: 33.168؛
– جامعة الحسن الثاني بالمحمدية: 39.747؛
– جامعة عبد المالك السعدي بتطوان: 40.652؛
– جامعة شعيب الدكالي بالجديدة: 12.433؛
– جامعة الحسن الاول بالسطات: 15.805؛
– جامعة مولاي سليمان ببني ملال: 12.633؛
– جامعة محمد الأول بوجدة: 38.144؛
– جامعة مولاي اسماعيل بمكناس: 43.937؛
– جامعة بن طفيل القنيطرة: 12.161؛
– جامعة بن زهر بأكادير: 60.590.
ويصل المجموع الإجمالي لعدد الطلبة الجامعيين إلى 493.129 من ضمنهم 7689 أجنبي. (المصدر: موسوعة ويكيبيديا- مارس 2013).
من أجل يد عاملة مؤهلة لخدمة اقتصاد الهشاشة
وفيما يخص أكذوبة تيسير اندماج خريجي الجامعة في سوق الشغل، لم يأتي المخطط بأي جديد، ماعدا تأكيده على التوجهات السابقة المتعلقة بمهننة التكوينات وإخضاعها لحاجيات الرأسمال المحلي والأجنبي، وذلك بتكوين “الموارد البشرية المؤهلة” لتلبية حاجيات ما يسميه واضعو المخطط، الميادين الواعدة وذات الأولوية للمغرب، والمتمثلة في الطاقات المتجددة، والسيارات، والصناعات الغذائية، والطيران والفضاء، والموارد المائية والمعدنية، والتكنولوجيات الحديثة. وبهذا تتضح الخلفية الحقيقية لهذا المخطط الساعي إلى تكوين يد عاملة مؤهلة لخدمة المصالح الرأسمالية ومصالح الشركات متعددة الجنسيات التي تستثمر في هذه القطاعات الصناعية الحيوية والمربحة، والمعنيون طبعا بهذه التكوينات، ليس خريجي كليات الآداب والحقوق…، بل طلبة معاهد تأهيل الأطر العليا ( التي تخضع لانتقائية ونخبوية شديدة) في علوم الهندسة والطيران والتجارة والتسيير والتكنولوجيات الحديثة والمعادن…وغيرها.
علما أن سوق الشغل الذي يتحدثون عنه يتميز بهيمنة المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل أزيد من 70% من النسيج الاقتصادي المغربي، والتي تقوم على استغلال فاحش لليد العاملة بأجور متدنية (أجر ساعة كاملة من العمل في قطاع النسيج والصناعات الغذائية لا يتجاوز 10 دراهم، بل هناك من يشتغل بأقل من 7 دراهم…)، هذا ناهيك عن عدم التصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حيث من أصل ساكنة نشيطة تقارب 10.4 مليون8.5، هناك أزيد من مليون أجيرلا يستفيد من أية حماية اجتماعية على الإطلاق؟؟.
ولتأكيد طابع الهشاشة والاستغلال الذي يميز سوق الشغل بالمغرب، يكفي أن نذكر بإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط حول واقع التشغيل والاندماج المهني، حيث من مجموع 300 ألف طلب شغل كل سنة، أحدث 127 ألف فقط برسم سنة 2012، وهي نفس السنة التي شهدت تسريح 126 ألف عامل ، ما يفيد في نهاية المطاف بأن عدد مناصب الشغل التي وفرها الاقتصاد المغربي برسم سنة 2012 لم تتجاوز 1.000 منصب في القطاع الخاص. في حين يشكل الشباب بين 15 و29 سنة نسبة 67% من عدد المعطلين، أي ما يقارب 700 ألف شاب خارج دائرة العمل.
المشكل في تفاقم البطالة لا يعود إلى عدم تلاءم التكوينات الجامعية مع “سوق الشغل” كما يريد أن يخدعنا خبراء البنك العالمي، بل يرجع بالأساس إلى طبيعة النموذج الاقتصادي النيوليبرالي السائد في المغرب والعاجز عن توفير مناصب الشغل للأشخاص في سن العمل، وهذا ما أكده وزير التعليم نفسه لما اعترف بأن 24 بالمائة من حاملي الشهادات المغاربة عاطلون؛ ويمكن إرجاع الأمر (في نظره) إلى التنمية الاقتصادية بالمغرب التي لا تستطيع خلق ما يكفي من مناصب الشغل.”هسبريس في فاتح أبريل 2013. مجانية التعليم العالي وطابعه العمومي في خبر كان؟
من أجل إنجاز ما يسميه المخطط “بالحكامة” على مستوى قطاع التعليم العالي، والتي تعني إدخال معايير السوق إلى القطاع العام، يقترح اعتماد الإجراءات التالية:
– تلبية الحاجيات من الأساتذة والإداريين لرفع نسبة التأطير البيداغوجي والإداري كهدف مركزي، لكن يأتي أصحاب المخطط، في سياق آخر، للحديث عن ترشيد استعمال الموارد المالية لضمان استدامة تمويل التعليم العالي، وذلك عبر:
– توظيف أساتذة متعاقدين؛
– تفويض بعض الخدمات غير المرتبطة بالتدريس والبحث إلى جهات متخصصة عن طريق المناولة: البناء، الصيانة، الإطعام…؛
– تحديد الأولويات في الإنفاق؛
– تعاضد استعمال الموارد والتجهيزات والمقتنيات؛
– ترشيد النفقات المخصصة لتسيير الأحياء الجامعية، عبر تقليص النفقات في استهلاك الطاقة والماء، ووضع تدبير خاص بالمطاعم منفصل عن الأحياء الجامعية تمهيدا لخوصصتها.
طبعا، لا يخفى على أحد أن إجراءات من هذا القبيل لن تؤدي سوى إلى تكريس هشاشة أوضاع الشغل بقطاع التعليم العالي، وتبين بالملموس نهج خوصصة الجامعة الذي تكرسه الدولة يوما بعد يوم.
وفي الوقت الذي تتخذ فيه الدولة هذه الإجراءات المدمرة للتعليم الجامعي العمومي تحت يافطة مراعاة “التوازن المالي للدولة”، الذي صار “مبدأ دستوريا” بموجب “الفصل 77” ، الذي يلح على مراعاة مبدأ التوازن المالي للدولة في أي استثمار عمومي، بحيث أصبحنا أمام قاعدة دستورية لتكريس التقشف، لم يتوان المخطط في دعمه لقطاع التعليم العالي الخاص من خلال التدابير التالية:
– وضع تدابير تحفيزية لتشجيع الاستثمار في التعليم العالي الخاص من أجل بلوغ نسبة 15 % من الطلبة بالقطاع الخاص؛
– تفعيل مقتضيات المادتين 48 و49 من القانون 00.01 المتعلق بتنظيم التعليم العالي، عبر وضع آلية للدعم المالي للمؤسسات الخاصة التي توجد في وضعية صعبة من أجل ضمان استمرارية التكوين بها، وفي حقيقة الأمر فإن المقصود هو ضمان استمرارية تحقيقه للأرباح ومراكمة الثروات من طرف البرجوازية المستثمرة في هذا القطاع، طبعا مع تسريع نزيف الخوصصة الجاري وتعميق نخبوية التعليم العالي.
– تمكين طلبة مؤسسات التعليم العالي الخاص من ولوج أسلاك التعليم العالي العام، قصد استكمال الدراسة في تخصصاتهم؛
– تحضير مشروع مرسوم لتطبيق المادة 57 التي تضع أساتذة التعليم العالي العام والمهنيين في خدمة التعليم العالي الخاص.
وفي إطار تكريس الامتيازات الممنوحة للخواص، قدم وزير التعليم العالي في 20 سبتمبر 2012 هدية أخرى لصالح المستثمرين الخواص، وتمكينهم من شروط استقطاب المزيد من الزبناء، وذلك بإصداره قرارا يقضي بتحديد مسالك التكوين المعتمدة بمؤسسات التعليم الخاص، من أجل تمكينهم من الشروط القانونية لولوج مؤسسات الدولة ومنافسة خريجي التعليم العمومي، مع التحضير لإصدار مرسوم يقضي باعتراف الدولة بشهادات التعليم العالي الخاص، ما يستوجب رفضا لهذا القرار القاضي بتسخير مناصب الوظيفة العمومية وباقي مؤسسات القطاع العام لفائدة أبناء المحظوظين، كما كان الشأن بالنسبة للمعركة الوطنية البطولية التي خاضها طلبة معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي، لما اعتمد وزير الصحة مرسوما يسمح لخريجي المؤسسات الخاصة من ولوج هيئة الممرضين .
ولتوضيح واقع تدمير الجامعة العمومية في مقابل دعم قطاع التعليم العالي الخاص، ندع لغة أرقام ومعطيات وزارة التعليم العالي، المقدمة في سنة 2010، تتحدث عن هذه الحقيقة الساطعة من خلال مقارنة مستويات التأطير في الجامعات العمومية مع المؤسسات الخاصة:
أولا- التعليم العالي الخاص: بلغ عدد الطلبة 35.118، في سنة 2010، من بينهم 15.138 طالبة، يتابعون دراساتهم في علوم التسيير والتجارة والتواصل والهندسة والدراسات شبه الطبية ، موزعين على 192 مؤسسة يتركز منها 79 في الدار البيضاء و35 مؤسسة بالرباط، ونشير إلى أن 14 مؤسسة تم إحداثها في سنة 2012 لوحدها، يشرف على تأطيرهم 4274 أستاذ و1.223 إداري،بمعدل أستاذ لكل 8 طلبة. في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عدد الأساتذة الذين يشرفون على تأطير36.867 طالب بجامعة ابن زهر بأكادير578 بمعدل أستاذ لكل 63 طالب، وما لا يزيد على 1.202أستاذ لتأطير50.955 طالب جامعة محمد بن عبد الله بفاس.؟؟؟ مما يبين الفوارق الشاسعة على مستوى التأطير الأكاديمي العلمي بين القطاعين والخاص ويكشف بشكل واضح أكذوبة الجودة التي تروجها الجهات الرسمية.
ثانيا- التعليم الجامعي العمومي:مع حلول سنة 2010 بلغ عدد الطلبة المغاربة 339.081 من ضمنهم 145.390 طالبة، يؤطرهم أقل من 10.467أستاذ، مكدسين في 100 مؤسسة (49 مؤسسة للتعليم الجامعي، و47 مؤسسة لتكوين الأطر، و 4 كليات للتعليم الأصيل)، وموزعين على المستويات التالية :
– سلك الإجازة: 268.624؛
– سلك الماستر: 19.195؛
– سلك الدكتوراه:20.186.
ويتوزع الطلبة المسجلون في مجموع الجامعات ومؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات (مؤسسات تكوين الأطر سابقا)، على التخصصات التالية:
– 14 كلية للعلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية تضم 91.745 طالب؛
– 14 كلية للآداب والعلوم الإنسانية تضم 64.684؛
– 11 كلية للعلوم تضم 56.555 ؛
– 10 كليات متعددة الاختصاصات تضم 28.971 ؛
– 7 كليات للعلوم والتقنيات (F.S.T) تضم 28536؛
– 5كليات للطب والصيدلة تضم 14.070؛
– كليتين لطب الأسنان في الرباط والدار البيضاء يضمان 1.630 ؛
– 4 كليات للتعليم الأصيل تضم 7.287؛
– 14 مؤسسة لعلوم الهندسة تضم 19.224؛
– 9 مدارس للتجارة والتسيير (E.N.C.G) تضم 13.102؛
– 9 مدارس عليا للتكنولوجيا(E.S.T) تضم11.552؛
– كلية لعلوم التربية بالرباط تضم 11.88، ومعهد فهد بن عبد العزيز للترجمة يضم 537 طالب.
في حين بلغت نسبة عدم المسجلين90.601 بسبب الشروط البيداغوجية المجحفة (الحضور الإجباري، النقطة الإقصائية…) أي ما يقارب ثلث العدد الإجمالي للطلبة، ما يعكس مضمون الإصلاح البيداغوجي المعتمد (إجازة-ماستر – دكتوراه) ونتائج التدريس بنظام الوحدات.
بحث علمي مسخر لخدمة الاستغلال الرأسمالي
في الوقت الذي تتزايد فيه أهمية البحث العلمي، ويتضح دوره الحاسم في تطوير التنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعوب والرفع من مستويات عيشهم، وهذا ما تبرزه تجارب شعوب عدة أولت منظومة البحث العلمي مكانتها الحقيقية ضمن سياساتها المتبعة، تتفتق إرادة الدولة على تطوير البحث العلمي، من خلال تسخيره لخدمة القطاع الخاص، ورهنه بتحقيق أهدافه القائمة على الربح ومراكمة الثروات قبل كل شيء.
وفي هذا الصدد، نطلع في الشق المتعلق بتطوير الشراكة مع القطاع الخاص، وتحت يافطة تثبيت ما يسمى بروح الجامعة و”المقاولة المواطنة”، اعتبار استفادة المقاولة من الخبرة الجامعية هدفا أساسيا ينبغي التجند وتعبئة موارد الدولة من اجل بلوغه عبر:
– إحداث منح للقيام ببحوث بين المقاولة والجامعة؛
– تحفيز الباحثين ماديا على جلب مشاريع من القطاع الخاص؛
– تشجيع حركية الباحثين والعاملين في المقاولة؛
– إنجاز بحوث تنموية تلبي حاجيات التنمية الاقتصادية، طبعا مادام المقصود هو النموذج التنموي النيوليبرالي السائد بالمغرب، الذي تستفيد منه حفنة من مصاصي دماء هذا الشعب العامل والمستغل.
وستمول أهداف تطوير ما يسمونه بحثا علميا عبر:
– تخصيص نسبة 1% من الناتج الداخي الخام (لا تتجاوز النسبة حاليا 0.4% ) ؛
– تقديم تحفيزات ضريبية للقطاع الخاص لتشجيعه لتمويل أنشطة البحث؛
– التمويل عبر التعاون الدولي، من أجل بلوغ 6% من مساهمة المنظمات والدول الأجنبية في أفق 2016، ما يعني رهن مقدرات البحث الوطنية وتسخيرها لخدمة القوى الأجنبية المتحكمة في مصير بلادنا، التي لن تتدخل في تمويل بحوث المغاربة إلا لتحقيق مصلحتها، ومن بين النماذج الساطعة التي تكشف خلفيات هذا التعاون المزعوم نشير إلى الاتفاقية التي عقدتها جامعة محمد الأول مع مؤسسة بلجيكية تستثمر في قطاع التعليم العالي في المحيط الفرنكفوني تسمى اللجنة الجامعية للتنمية commission universitaire pour le développement) ) والتي ساهمت في تمويل الجامعة المذكورة ب 2 مليار في الفترة المتراوحة بين 2004-2008، و1 مليار و650 مليون سنتيم في الفترة بين 2008-2012، مقابل الاستفادة من البحوث العلمية للطلبة، وتسخيرها لخدمة مصالحها الحيوية.
نظام الخدمات الإجتماعية يكشف بؤس المعيش اليومي للطلاب
تجدر الإشارة في البداية إلى أن الدولة تنصلت منذ زمن من مسؤوليتها في تمويل الأحياء الجامعية والاضطلاع بدورها المباشر،عبر وزارة التعليم العالي، في تقديم الخدمات الاجتماعية والمادية للطلبة، باعتبارها شرطا ماديا لمواصلة عشرات آلاف الطلبة المنحدرين من الأوساط الشعبية تعليمهم العالي، وأحدثت لهذا الغرض المكتب الوطني للأعمال الجامعية الاجتماعية والثقافية، وهو مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلال المالي، وتفتقر إلى كل الإمكانيات المالية اللازمة من أجل تسيير الأحياء الجامعية بما يضمن تقديم خدمات جيدة للطلبة.
وحسب إحصائيات وزارة التعليم العالي لسنة 2010 بلغ عدد الطلبة المقيمين بالأحياء والإقامات الجامعية 34.643، مكدسين فيما لا يزيد عن 19 حي جامعي و6 إقامات جامعية، حيث بلغ عدد المقيمين ببعض الأحياء الجامعية أرقام جد مرتفعة:
– الحي الجامعي لمراكش 3.114؛
– الحي الجامعي بوجدة 3.011؛
– الحيان الجامعيين ظهر المهراز وسايس بفاس5168؛
– الحي الجامعي بأكادير 2.262.
هذا، دون الحديث عن تردي نوعية الخدمات المقدمة من سكن ) يصل عدد الطلبة في غرفة واحدة لا تتجاوز 5 متر مربع أزيد من 8 طلبة، وهو معدل لا يبلغ حتى حجم المساحة المخصصة لكل سجين (3 متر مربع) وفق القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء المعمول بها من لدن الأمم المتحدة، وتغذية (ما حصل مؤخرا من حالات تسمم في المطعم الجامعي للقنيطرة راح ضحيتها أحد الطلبة، يكشف حجم الجريمة التي تحاك ضد أبناء الطبقات الشعبية)، هذا فضلا على أن الدولة لا توفر سوى 17وجبة غذائية لكل طالب سنويا؟؟؟؟ بمعنى أن الدولة لا تطعم طلابها سوى ل5 أيام في السنة وبوجبات رديئة جدا، ذلك أنها لا توفر سوى 6 مليون وجبة سنويا لما يناهز نصف مليون من الطلبة.
هذا ناهيك عن استمرار تقزيم المنح، واستمرار ربط الحصول عليها بشروط مجحفة وغريبة (الفقر والتفوق)، وسوء الخدمات الصحية المقدمة للطلبة، بل انعدامها في أغلب الأحيان، أما بخصوص التغطية الصحية للطلبة، فستتوقف الاستفادة منها، حسب ما صرح به وزير التعليم العالي، على تَسوية ملف “الراميد”، حتى يمكنهم التمييز بين الأسر المستفيدة من غيرها وعندها سيتم حل مشكل التغطية الصحية الخاصة بالطلبة؛ على اعتبار أن الطلبة الذين يتوفر آباؤهم على “الراميد” سيستفيدون من التغطية؟؟ جريدة هسبريس عدد فاتح أبريل2013.
أضف إلى ذلك تفشي الفساد والاختلاس الذي تتعرض له ميزانيات تسيير المطاعم والأحياء الجامعية، والذي كان موضوع تقارير رسمية من لدن المفتشية العامة للمالية والمجلس الأعلى للحسابات، دون تحريك أية متابعة تذكر، في الوقت الذي يزج فيه بالمآت من مناضلي الحركة الطلابية في السجون.
وهذا دون إغفال أن عدة أحياء جامعية ( أكادير، القنيطرة، فاس، مراكش…) تعيش تحت حصار بوليسي رهيب لمنع الطلاب من تنظيم أنفسهم وممارسة أنشطتهم النقابية للمطالبة بتغيير أوضاعهم المزرية. وللإشارة، فإن المخطط ، موضوع هذا المقال، يتضمن عددا من الإجراءات ذات العلاقة بما يسميه دعم وتطوير الخدمات الاجتماعية للطلبة، والتي لن تساهم في حقيقة الأمر سوى في تعميق واقع التردي الذي تعانيه الخدمات المقدمة لطلبة المغرب، ولعل أخطر الإجراءات هي:
– فسح المجال للرأسماليين للاستثمار في السكن الجامعي لإنجاز 10 آلاف سرير؛
– إبرام صفقات لتدبير خدمات الإطعام لفائدة الطلبة عن طريق شركات المناولة التي تهدف إلى الربح بالأساس وليس إلى تغذية الطلبة، وبهذه الطريقة ينبئنا المخطط بأننا سننتقل من 6 ملايين وجبة غذائية إلى حوالي 14 مليون وجبة غذائية سنويا في أفق 2016؟؟
– عزم وزارة التعليم العالي على إصدار مرسوم جديد لإصلاح نظام المنح التي لا يستفيذ منها في الأصل سوى 127 ألف، من ضمنها 1061 منحة لمتابعة الدراسة بالخارج، وذلك من مجموع أزيد من 340 ألف طالب وبمبالغ هزيلة جدا.
إن هذه الإجراءات التقشفية التي تعتزم الدولة تنفيذها تدخل في إطار الآليات المدروسة لتنفير الطلبة من التعليم الجامعي وتدميره، في مقابل تشجيع التعليم العالي الخاص وتمكينه من جميع الوسائل التي تساعد على تنميته وتوسعه.
أية مقاومة لنزيف تدمير الجامعة العمومية؟
تستعد الدولة لتمرير هذا المخطط الجديد في إطار استكمالها لمسلسل تدمير التعليم الجامعي، في ظل وضع نقابي جامعي متسم بتنامي المقاومة الطلابية، بصورة نسبية، في عدد من المواقع الجامعية، التي تشهد تعبئات طلابية للاحتجاج على الأوضاع المزرية التي يتخبط فيها عشرات الآلاف من الطلبة، غير أن هذه المقاومة ورغم ما يصاحبها من تضحيات جسام ، تضل دون مستوى بناء ميزان قوى حقيقي، كفيل بالتصدي لسياسة تدمير حق أبناء الجماهير الشعبية في التعليم الجامعي.
إن انتشار عدد من الممارسات اللامبدئية، والتي لا تمت بصلة إلى التقاليد المجيدة للحركة الطلابية المغربية، من قبيل تسييد العنف للحسم في الخلافات والرؤى السياسية، الذي يظل منبوذا وغير مقبول تحت أي مبرر كان، والذي يشكل في عدد من أعرق مواقع الصمود الطلابي شكلا من أشكال فرض الحظر الذاتي ليس على المخالفين من باقي الفصائل والتوجهات الطلابية، بل يخلق مناخ سلبي يساهم في تنفير عشرات الآلاف من الطلبة من المشاركة في النضالات الطلابية، واستنكاف فصائل اليسار الطلابي عن وضع خطة نضالية وطنية لاستعادة الحق في التنظيم النقابي والتخاذل في تجسيد مهمة إعادة بناء المنظمة الطلابية “أوطم” بناء قاعديا وجماهيريا ضمن أولويات العمل اليساري بالجامعة.
ومن المؤكد أن استمرار هذا الوضع، سيحول ليس فقط دون انبعاث نضال طلابي قادر على التصدي لسياسات التخريب التي تنهجها الدولة في مجال التعليم الجامعي، بل سيعرقل أبسط إمكانية لتحسين المكتسبات وفرض حقوق أخرى.
إن التعاطي مع تحديات بناء مقاومة طلابية وطنية على أرضية ملف مطلبي يشمل مسائل وقضايا النضال الطلابي في بعده الوطني، من خلال مبادرات عدة، قد يكون من ضمنها تنظيم معارك وطنية ممركزة في إحدى المدن الجامعية الكبرى كفاس أو مراكش أو غيرهما من أجل فرض احترام الحرية النقابية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإسقاط المذكرة الثلاثية ، أو من أجل الاحتجاج ضد نزيف الخوصصة الذي ينخر الجامعة المغربية، والمطالبة بتوحيد التعليم العالي، وإلغاء التحفيزات الممنوحة للخواص.
كثيرة هي المطالب والملفات التي قد تشكل موضوع معارك طلابية وطنية، وهنا بالضبط تكمن مهمة مناضلي ومناضلات اليسار الطلابي، بجميع مكوناته التقدمية المكافحة، والذي يتحمل مسؤولية حفز أوسع نقاش طلابي من أجل تهيئ الشروط الضرورية للانخراط في تعبئات طلابية جماهيرية وديمقراطية تخلق الفرص الملائمة لطرح الإشكالات الجوهرية التي يتخبط فيها العمل النقابي بالجامعة، وفي مقدمتها استمرار حرمان نصف مليون من الطلبة المغاربة من حقهم في التنظيم النقابي في ظل واقع التشتت الطلابي وغياب جماهيرية الأنشطة الطلابية ودخول النضال الطلابي في متاهات تسهل على أجهزة النظام اختراقه واستعماله لغايات إبقاء الطلبة معزولين من سلاحهم التنظيمي الوطني، أي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كمنظمة جماهيرية بالفعل تسير بالقواعد الديمقراطية، منظمة مستقلة عن الدولة وعن كافة القوى المعادية لحق الشعب المغربي في فرض سيادته وتقرير مصيره، وملتحمة بنضالات الشعب المغربي ومتضامنة ومتفاعلة مع كفاح الشعوب التواقة للتحرر عبر العالم.
إن هذا الطموح النضالي المشروع، الذي يراود كافة المناضلين والمناضلات الواعون بطبيعة المخاطر المحدقة بالصف الطلابي وبجسامة المهام المطروحة، التي تفرض نفسها بملحاحية على جدول أعمال اليسار الطلابي المكافح، لن يأخذ وجهته الصائبة إلا إذا اضطلع المناضلون، منذ الآن، بواجب التشهير بسياسات تدمير الجامعة العمومية، وطرح البديل الديمقراطي الشعبي في المسالة التعليمية بوصفه عنصرا من البديل المجتمعي الشامل، وعملوا على تخصيب صيرورة النضالات الطلابية بالمبادرات النضالية الجادة، وتسييد القواعد الديمقراطية، سواء في تسيير المعارك أو في حسم الخلافات بين مكونات الفعل الطلابي، مع طرح المبادرات التي تمكن في التقدم من الخروج من مأزق النضال الطلابي المتمثل في غياب التنظيم النقابي عبر فتح نقاش سياسي صريح بين مكونات اليسار الطلابي الوفية للخط الكفاحي الديمقراطي التقدمي للحركة الطلابية حول آفاق العمل الوحدوي، وسبل استعادة التنظيم النقابي الطلابي الكفيل بإعطاء النضالات الطلابية بعدها الوطني الحقيقي وتمكين الطلبة من شروط الرد الملائم على الجرائم التي تحاك ضدهم.
اليوم الجميع معني بطرح السؤال التالي: من المستفيد من غياب المنظمة الطلابية الوطنية “أوطم” كنقابة وطنية تسهر على توجيه وتسيير الحياة النقابية للطلاب على امتداد الخريطة الطلابية الوطنية، وإلى أي حد تمكن العمل الفصائلي، خاصة في صيغته الحالية، من ملئ هذا الفراغ النقابي والتنظيمي القاتل؟؟ إن شعار خدمة مصالح الطلاب وجعلها فوق كل اعتبار يعني بالأساس طرح هذه الأسئلة الملحة، بكل تواضع نضالي، بغية التفكير الجماعي والمشترك في إيجاد الطرق الفعالة لإعادة بناء النقابة الطلابية بشكل قاعدي وفي خضم المعارك الطلابية الجارية كشرط مركزي للوقوف في وجه الهجوم البرجوازي الشرس ضد الجامعة العمومية، وبغية توفير شروط اندماج النضالات الطلابية في نضالات الشعب المغربي من أجل وضع حد للاستغلال والاستبداد.
خلاصة القول، إن طبيعة المقاومة المنشودة لا نتصورها سوى في حجم الهجوم الشامل والممركز الذي يخوضه الرأسمال ونظامه الديكتاتوري على مكتسبات أبناء العمال والكادحين بالجامعة المغربية، وبالتالي، فإن المقاومة المطلوبة في هذا الظرف بالذات إما أن تكون مقاومة طلابية وطنية موحدة ترفع فيها مصالح الجماهير الشعبية في مجال التعليم الجامعي فوق كل اعتبار إيديولوجي أو فصائلي أو حلقي ضيق الأفق، أو سنعمل على تفويت فرصة تاريخية أخرى لتركيز القوة الطلابية في حالة استمرار واقع التشتت وسيادة ردود الأفعال المحكومة بالهواجس الحلقية والذاتية.
كما أن حجم الهجوم وخطورته يفرضان التفكير في أشكال التنسيق النقابية الممكنة سواء مع أساتذة التعليم العالي، خاصة ذوي التوجهات الديمقراطية والتقدمية الواضحة المنضوين تحت لواء النقابة الوطنية للتعليم العالي، أو مع نقابيي عمال وموظفي قطاع التعليم العالي، وذلك للتفكير في خوض معارك موحدة ومصيرية حول قضايا التعليم الجامعي.
مهدي رفيق
23 مارس 2013
اقرأ أيضا