لماذا يجب على نقابتنا، الاتحاد المغربي للشغل، الانضام الى الدينامية النضالية الجارية؟
تصر حكومة الواجهة على تجاهل مطالب النقابات والتنسيقيات العمالية، وتواصل تنفيذ سياسة مُدمرة اجتماعيا، تزيد وضع الطبقات الشعبية ترديا بعد تردّ. ويضطر عمال القطاع الخاص ومستخدمو الدولة، هنا وهناك، إلى خوض نضالات معظمها من أجل مطالب صغيرة تهم هذه الفئة أو تلك، أو الدفاع عن الحق النقابي بعد طرد نقابيين، وما شابه من مناوشات لا تزعج أرباب العمل ولا الدولة.
وعوض فعل نضالي موحد يكتسب القدرة على إجبار أرباب العمل ودولتهم على تفاوض حقيقي حول المطالب العمالية، بما يسير في اتجاه تحسين الأوضاع المعيشية وضمان الحريات، تكتفي منظمات نضالنا، من نقابات عمالية وتنسيقيات بخطوات نضالية محدودة، مشتتة، قصيرة النفس، متباعدة زمنيا، بنحو يجعلها عمليا بلا مفعول. وما كثرة الكلام عن “الاحتقان”، واستجداء “الحوار”، سوى دليل على أن أشكال النضال المعتمدة لحد الآن لا نتيجة لها ولا أفق. لا بل إن نتيجتها الوحيدة هو تضخيم مشاعر الفشل وانهيار العزائم لدى شرائح متزايدة من الطبقة العاملة وعامة المقهورين. فالدعوات إلى الإضراب العام لا تلقى حماسا لدى معظم الأجراء، ولا تؤتي مفعولها المفترض، أي وقف آلة الإنتاج والنقل والإدارة بكيفية وقوة تجبران أرباب العمل ودولتهم على الاستجابة للمطالب العمالية والشعبية.
إن السبب الجلي لما تعانيه الحركة النقابية من ضعف، وما يترتب عنه من غطرسة حكومة الواجهة ومن خلفها الزمرة الحاكمة والطبقة البرجوازية برمتها، هو تشتت الرد العمالي، وانقطاع جسوره مع الحراكات الشعبية، وما يكمن خلف ذلك من انعدام إرادة نضالية حقيقية لدى قيادات النقابات، ومن ضعف الخط المعارض لتلك القيادات داخل تلك النقابات.
إن المكانة الموضوعية للطبقة العاملة في اقتصاد البلد، وفي الحياة الاجتماعية برمتها، تمنحها مقدرة كامنة على فرض مطالبها؛ إنما الناقص هو تعبئة تلك المقدرة وتوحيدها في وجهة واحدة نوح هدف واحد. وإن كان لأجهزة تسيير النقابات مصالح خاصة لكون أعضائها فئة ذات امتيازات تدفعها دفعا إلى التنافس لنيل عطايا الدولة ومنافع متعددة متكاثرة بقدر دمج النقابات في الدولة؛ فإن القاعدة العمالية لها نفس المصلحة: تحسين أوضاعها المعيشية وتوسيع حرياتها بما ينمي استعدادها للنضال نحو تغيير شامل.
لهذا يتعين على مناضلي الطبقة العاملة، بمختلف انتماءاتهم التنظيمية، العمل لفرض وحدة نضالية ميدانية، نقابيا وشعبيا، بالنظر إلى أنها السبيل الوحيد للخروج من النفق المظلم الذي أدت إليه سياسة القيادات النقابية (الحرص على السلم الاجتماعي واستجداء الحوار) المفككة لأوصال الحركة العمالية.
سيظل شعار وحدة النضال النقابي أمنيةً أفلاطونية، وحتى كذبةً يستعملها أعداء تلك الوحدة أنفسهم، ما لم نجد سُبلا ملموسة وحية، الآن وهنا، لتجسيدها. يجب وقف تبديد طاقة الشغيلة النضالية في برامج نضال منعزلة عن بعضها البعض، ومحض فئوية، وذات طابع رمزي ما دامت لا تشل الإنتاج ولا النقل ولا الإدارة. يجب مد جسور التعاون بين مناضلي الطبقة العاملة مهما انتسبوا إلى هذا التنظيم النقابي أو ذاك أو هذه التنسيقية أو تلك. يجب تطوير كل صنوف التنسيق والتآزر في قطاعات العمل، وبنائها ديمقراطيا، والضغط من أجل خطة نضال موحدة تجمع كل النقابات والتنسيقيات والهيئات المناضلة.
نشهد منذ أسابيع تململا نضاليا يتلمس طريقه لتجاوز حالة الضعف النقابي، وذلك بتوحيد جهود النضال، بين مختلف تنسيقيات قطاع التعليم، وبين نقابات تعليم، وأحيانا في خطوات تجمع الصنفين. فبعد إضراب 3 فبراير الوحدوي بقطاع التعليم، اتضح أن الدعوة إلى النضال تلقى استجابة واسعة متحمسة عندما تكون وحدوية تُجمع عليها كل النقابات المناضلة. كما أن خطوات تنسيقيات التعليم النضالية بعثت الدفء في جسم برّده الجمود النقابي المديد. وقد كان من شأن تطوير نَفَس ذلك الإضراب، بمواصلة التعاون بين النقابات، والإقدام على خطوات إضافية، أن يخلق وضعا نقابيا جديدا. وضع تستعيد فيه القاعدة النقابية ثقتها في المقدرة على النصر، وتتقوى فيه الصفوف بفئات عمالية لا ترى لحد الآن جدوى في النضال. بيد أنه تم تفويت تلك الفرصة، فرصة مواصلة إضراب 3 يناير الوحدوي بمبادرات نضالية وحدوية أخرى. ويواجه التعاون بين مختلف التنسيقيات مصاعب ناتجة تارة عن تأصل العصبيات النقابية، العقيمة بطبعها، في أقسام من القاعدة النقابية [ نقابتي أنا هي النقابة وسواها هياكل حزبية أو مخزنية أو …]، وطورا عن أوهام إمكان تحقيق المطالب الجزئية بالانطواء الفئوي [مطلبي أنا صغير لن أغرقه في عمل مشترك من أجل مطالب كبيرة لا طاقة لتحقيقها …].
إننا الآن إزاء خيارين: إما تطوير التنسيق والتعاون النقابي والخطوات النضالية المشتركة، أو نعود إلى حالة التمزق وحالة هذا يُشرّق وذاك يُغرّب، والنتيجة مزيد من الإفقار وتدمير المكاسب، وهجمات أشد عدوانية وفتكا بمصالح طبقتنا.
قررت تنسيقيات الأساتذة المظلومين بالتعاقد المفروض برنامجا نضاليا بالإضراب عن العمل من 19 فبراير إلى 22 منه، مع مسيرة في الرباط يوم 20 فبراير، وفي السياق ذاته دعت سبع تنسيقيات تعليمية لإضراب يومي 19 20 فبراير وللانضمام إلى مسيرة 20 فبراير بالرباط. من جانبها قررت التنسيقية الوطنية لأساتذة الزنزانة 9 ، دفاعا عن مطالبها المشروعة، إضرابا وطني مدة أسبوع قابلا للتمديد مع اعتصام بالرباط من 18 إلى 23 فبراير 2019.
ومن جانبها تتابع الكنفدرالية الديمقراطية للشغل برنامجها بدعوة إلى إضراب عام بالوظيفة العمومية والجماعات الترابية يوم 20 فبراير الجاري، بلا نداء إلى المشاركة في مسيرة الرباط، عكس ما فعلت نقابتها في التعليم، بتعاون مع نقابتي التعليم، بالفيدرالية الديمقراطية للشغل وجامعة التوجه الديمقراطي بإعلان الالتحاق بالمسيرة الوطنية.
فهل تنضم الكنفدرالية برمتها إلى مسيرة 20 فبراير، علما أنها جعلت التعاقد المفروض، ومطلب الدمج في الوظيفة العمومية، من دواعي الإضراب العام؟. هل تنضم الكنفدرالية إلى مسيرة 20 فبراير؟ هذا واجبها.
هكذا نرى الواقع الموضوعي، واقع هجوم يشنه عدو مشترك، واقع آذان صماء إزاء مطالب الشغيلة، وقد فرض تعاونا نضاليا غير منسق من قبل. طبيعي أن تصب كل إرادة نضال حقيقية في نفس البوتقة الكفاحية. فلماذا يظل الاتحاد المغربي للشغل بعيدا عن دينامية النضال المشترك الجارية.
استنفد الاتحاد المغربي للشغل برنامجه من 10 إلى 20 يناير [مسيرات محلية وتجمعات ووقفات احتجاج] بلا تحقيق أي مطلب ولا حتى التفاتة من المخاطبين بذلك البرنامج. إن تمثيلية هذه النقابة، الأولى بالقطاع الخاص، تزيدها مسؤولية على مسؤولية في الخروج من وضع التوحل النقابي السائد بفعل التشتت والسير في اتجاهات متنافرة.
نال تراكم الإخفاقات طيلة سنوات من قوة الحركة النقابية لدرجة زاد غطرسة أرباب العمل والدولة درجات. وسيدمر كل إخفاق إضافي ما تبقى من عزم نضالي، ويفتح من ثمة باب كوارث عديدة تعدها الدولة بعزم، منها مواصلة تخريب مكاسب التقاعد بالوظيفة العمومية، وتطبيق نفس الخطة بالضمان الاجتماعي، وإلغاء حق الإضراب عمليا تحت غطاء تنظيمه، وتعميق كل أوجه الحيف الطبقي وإلقاء جماهير الشعب في أهوال الفقر والمرض والجهل.
إن على قيادة الاتحاد المغربي للشغل، وعلينا جميعا نحن مناضلوه ومناضلاته، الالتحاق الفوري، بكل عزم وقوة، بالسيرورة النضالية التي تتبلور ميدانيا في خطوات ترسم تدريجيا نهجا وحدويا ما أحوج الحركة النقابية المغربية إليه.
إن الدينامية النضالية الوحدوية الجارية، بمختلف أشكالها بداية جيدة نحو استنهاض قوى الحركة النقابية، ومجمل الشغيلة، لبناء ميزان قوى قادر على فرض المطالب. يجب السير بهذه الوثبة النضالية نحو إضراب عام حقيقي يشل البلد فعلا، لتدرك البرجوازية ودولتها القوة العمالية وترتعب منها. فهذا الارتعاب هو ما سيدفع إلى التنازل، وليس دعوات التماس”الحوار” التي لا تلقى غير الاحتقار الطبقي.
وجلي أن الإضراب العام ليس قرارا إداريا، يجري تنفيذه بالضغط على زر ما. إنه عملية إيقاظ تدريجي لقوى النضال بالانطلاق من تعبئة جارية، ومعارك جزئية، وتوسيع التعبئة، والتحاق قطاعات إنتاج وخدمات، خطوة خطوة. وهذا ما يتطلب تعاونا على أوسع نطاق لتجنيد كل قوى الحركة العمالية بكيفية ومقدار يفوقان ما يجند في الانتخابات المهنية، التي لا تتجاوز غايتها الظفر بالتمثيلية.
وإن كان مبرر امتناع ما لدى من يعتبر التوحيد النضالي الجاري غير مفيد للحركة النقابية، أو غير ملائم في الظرف الراهن، فليس عليه أن يلزم الصمت، بل أن يرشد طبقتنا بحججه، ويطرح البديل الكفيل بإخراج حركتنا النقابية من وضع العجز، واستجداء “الحوار” من محكومة ليس سواء واجهة لمصاصي دماء الطبقة العاملة.
إن كل المنتسبين إلى الحركة العمالية هم اليوم أمام امتحان أقوالهم، ومزاعم تمثيل الشغيلة والدفاع عن مصلحتها. ومن يضع مصلحة أخرى فوق مصلحة الطبقة العاملة، سواء سُميت “وطنية” أو بُررت بتفادي “الاحتقان والانفجار”، إنما يخدم العدو الطبقي، ويفتح أبواب تعفن الوضع بصعود القوى الرجعية التي تُستعمل فزاعة لكبح النضال العمالي والشعبي. فلا بديل عن تلك الفزاعة غير صنع مستقبل عمال المغرب ومقهوريه بالكفاح المستمر من أجل تحسين الأوضاع المعيشية، وتطوير بصيص الحريات القائم، والسير بإصرار نحو مجتمع المساواة والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ما يعني دك أسس مجتمع الاستغلال والاضطهاد القائم.
فلتتحد كل جهود المخلصين، فعلا، لأهداف النضال العمالي، ضمن السيرورة الوحدوية الجارية، وكلنا إلى مسيرة الرباط يوم 20 فبراير 2019، فذلك خير إحياء لذكرى ذلك اليوم المجيد.
فإلى الأمام، أيها الاتحاد المغربي للشغل، يدا في يد مع مجمل الحركة العمالية
بقلم، مصطفى البحري
اقرأ أيضا