مدينة فيكيك: نضال السكان ضد التهميش والاستحواذ على أراضيهم
تقع مدينة فكيك في الجنوب الشرقي للمغرب، على بعد 384 كلم تقريبا عن مدينة وجدة، في اتجاه الجنوب على مشارف الحدود المغربية الجزائرية، وعلى بعد أقل من 8 كلم عن مدينة بني ونيف (الجزائر). وبهذا فمدينة فكيك تضم أحد أهم المراكز الحدودية واكثرها حساسية. بفضل هذا الموقع، فإقليم فكيك شأنه شأن الاقاليم بهذه المنطقة تعتمد غالبا على مبادلات تجارية اغير مهيكلةب مع الجزائريين، ويعاني تهميشا لا يقل على نظريه في مناطق المغرب الاخرى، (خصوصا الجنوب الشرقي).
يعاني هذا الاقليم من عوامل طبيعية قاسية ادت الى هجرات كبيرة بسبب التصحر وزحف الرمال، وقساوة المناخ صيفا وشتاء. ويشهد حركات احتجاجية منذ مطلع سنة 2016، بسبب تشييد سياج حدودي في عمق أراضي السكان، والذي قزم حدود المنطقة، وجعل الاقليم كنظريه بالريف عبارة عن تكنة عسكرية، بمبرر وجود الاقليم بالحدود المغربية-الجزائرية. بعد فترة خفوت، تجدد الاحتجاج في غشت 2018، إذ خرج مئات سكان مدينة فكيك في مسيرة احتجاجية، للمطالبة برفض تصميم التهيئة الجديد.
يطالب المحتجون بتنمية منطقة فكيك اقتصاديا واجتماعيا، والالتفات إلى معناتهم متعددة الأوجه. فالمدينة تعيش وضعا اقتصاديا صعبا في ظل غياب مشاريع تنموية ترعاها الدولة كما بمناطق اخرى بكيفيات متفاوتة. ومن ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، ما يدفع أغلبهم للهجرة بحثا عن مورد رزق. يعيش أغلب السكان على معاشات بعض المتقاعدين وتحويلات أبنائهم في الخارج.
شهدت المدينة كما في سنة 2016 معركة جديدة ضد سياسة الدولة بالمناطق الحدودية وتسييجها بحفر خندق في المنطقة الحدودية. انطلق الاحتجاج إثر بدء المجلس المحلي نقاش سياسة التهيئة الجديدة، لأنها تحرم السكان من اراضيهم وعقاراتهم… يريد السكان تهيئة تحافظ على حقوقهم وتلائم تمتعهم الكامل بأراضيهم. وهم يرفضون تقييد التصميم الجديد التصرف في جزء كبير منها.
ويعاني السكان كذلك من تصنيف الواحة ضمن التراث الوطني، إذ تعقدت الأمور ولم يعد من الممكن للسكان البناء باستعمال الإسمنت، وحتى الترميم يحتاج إلى سلك مسطرة معينة لاستصدار ترخيص بذلك من جانب وزارة الثقافة. وهذا مجحف في حق سكان ضعيفي الدخل.
وزاد الطين بلة ضم مجموعة من الأراضي في التصميم الجديد لتصبح منطقة عسكرية، يمنع فيها التصرف على المواطنين، وهو ما اعتبره السكان تقزيما للواحة وتقييدا لحرية التصرف في ممتلكاتهم، خاصة وأنهم لم ينسوا بعد الأراضي التي فقدوها بعد حرب الرمال مع الجارة الجزائر. وفي نفس الوقت تم تشييد عدد من مراكز المراقبة التابعة لحرس الحدود في أراضي الساكنة بمنطقة العرجة، وهو ما يرفضه السكان ويطالبون بنقل هذه المراكز من بساتينهم إلى المناطق الحدودية.
جرت هذه المعركة التي خاضها السكان في عزلة تامة، وفي محدودية ترابية/ مجالية خاصة بها، ولم تتلقى أي التفاتة تضامنية ودعم من منظمات النضال، اللهم بعد الاطارات الجمعوية المحلية المتضررة هي الاخرى من السياسة الجارية. عموما بقي الاحتجاج محصورا محليا ولم يرقى لقوة فعلية تجبر الدولة على وقف سياستها، ولم يستثر نضالا بمناطق مجاورة تشاركه نفس الأوضاع، ولا حتى جرى السعي لضم جهودهم المتبادلة مع معركة سكان منطقة بني تاجيت بالجنوب الشرقي، التابعة إداريا لعمالة إقليم فكيك. لقد نظم سكان هذه المنطقة هم أيضا مسيرة احتجاجية جابت أهم أزقة البلدة لتستقر في الساحة العمومية، للمطالبة بتوفير مياه الشرب والحد من الانقطاعات اليومية لهذه المادة الحيوية. وإتمام أشغال المستشفى المحلي الذي بقيت متوقفة لأزيد من سنتين، وبناء ملحقة جامعية بدائرة تالسينت وتوفير أربع حافلات إضافية لفك العزلة.
يتجدد احتجاج السكان المهمشون مرارا، هنا وهنالك، وعلى نفس المطالب الاجتماعية والاقتصادية… ويكون جواب الدولة دائما القمع والتسويف، وهي بسياساتها التقشفية والتدرع الكاذب بندرة مواردها المالية، تدير الظهر لمعاناة السكان وتفاقمها. تهمل الدولة المنتهجة سياسة نيوليبرالية قاهرة مطالب السكان، ولا تتردد بخصوص دعم مصالح البرجوازية المحلية والعالمية بالمال والأرض وتسهيلات سخية أخرى عديدة. إنها تلقي بأبناء الشعب الكادح لجحيم جميع انواع المصائب من بطالة وفقر وغلاء، والبحث الدؤوب عن الحلم الشمالي / الاوروبي هروبا من استبدادها واضطهادها وحرصها على ضمان دوام مجتمع الاستغلال المفرط لجماهير المنتجين الفعليين لخيرات البلد والمحرومين منها، والرازحين تحت عبء هشاشة دائمة.
يحتاج نضال شعبنا الكادح لمنظمات نضال طبقية مسيرة ديمقراطيا وكفاحية، وإلى وعي أصل بلائهم المزمن، رأسمالية تابعة ومتخلفة تقطر تقهقرا اجتماعيا وثقافيا متعاظما. منظمات نضال توحد الاحتجاجات المتناثرة وتوحد مطالبها في أشكال نضال وطنية بوجه دولة تخلت عن كل ما هو اجتماعي لصالح نماء برجوازية جشعة محلية وأجنبية وتراكم ثرواتها، من أجل إجبارها على القطع مع سياسات نيوليبرالية لم يعد ضررها البالغ بحاجة للتبيان.
لن يدوم الحال على ما هو عليه، ولن يعود الناس لما قبل عشرين فبراير 2011، وهم سائرون بالتدريج، وبصعوبة، لكن بثبات إلى اكتشاف طريق تحررهم من نظام الاستغلال والاستعباد.
ما يلزم، وهذا دور قوى اليسار المناضل، هو المساعدة والمبادرة إلى بناء كل أنواع المنظمات العمالية والشعبية الطبقية اللازمة للنضال وفتح إمكانيات تطوره وانتصاراته، والإسهام الجدي الدؤوب في رفع درجة وعي الكادحين بأصل مآسيهم وسبل القضاء عليها، وفتح الطريق لمستقبل خال من كل أشكال إهدار كرامة الناس وتقييد حريتهم.
بقلم الفكيكي الحر
اقرأ أيضا