البطالة ومزيد من البطالة: من أجل حركة معطلين جماهيرية وكفاحية
يرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن البطالة تطال الشباب أكثر مشيرا إلى «نقص منسوب الثقة ومشاعر الاستياء إزاء السياسات والخدمات العمومية» وسطهم. ويضيف المجلس بأن 82 بالمائة من الشباب لا يمارسون أي نشاط، و72 بالمائة يوجدون بأنشطة «غير منتجة للرفاه الاجتماعي»، و72 بالمائة دون تغطية صحية، والخمس يعانون اضطرابات نفسية، وأن أغلب الشباب يشتغل بالقطاع «غير المنظم»، وفي مهن «متسمة بالهشاشة وأجور زهيدة». ويرجع ذلك لضعف النمو، والانقطاع عن الدراسة بمختلف مستوياتها، وعدم ملائمة مخرجات التعليم لمتطلبات سوق الشغل. وكلها تجليات لأن أصل المشكل رأسمالية تابعة ومتخلفة تنتج البطالة والبؤس والهشاشة، والهجرة المحفوفة بالمخاطر…
نفس الشيء تذهب إليه المندوبية السامية للتخطيط، وتدعو من جهتها، لإصلاحات في التعليم والتكوين… معلنة أنه على مدى الخمس سنوات الأخيرة فشل نحو 20 ألفاً من مجموع 60 ألف خريج جديد سنوياً من خريجي الجامعات المغربية في الحصول على وظيفة. وتنظر المندوبية للأمر كالتالي: «المشكلة ليست في حجم الاستثمار بل في ترشيد ما هو حكومي وفي نطاق فتح المجال لمساهمة أكبر (للقطاع الخاص) في ميدان التعليم.». ترشيد النفقات والخوصصة. عدنا لجوهر النيوليبرالية أصل البلاء.
وتضيف المندوبية أيضا، «ننادي بالحذر خصوصاً وأن مشكلتنا الأساسية هي أن إنتاجنا له مستوى تنافسية ضعيفة أي أن التصدير لا يرتفع. فالصناعات المهمة في التصدير كالسيارات مثلاً تمثل ما بين 37 و38 % لكنها أيضاً تعتمد على الاستيراد الذي يشكل 37 % منها. كذلك استثماراتنا تتطلب واردات كبيرة.». مرة أخرى التنافسية، أي تقليل تكاليف «المنتوج المغربي» وطبعا بالوصفة النيوليبرالية المشهورة: تهشيش اليد العاملة وخفض أجورها.
ونختم بما أعلنته مؤسسة رسمية أخرى أشد دفاعا عن النيوليبرالية من غيرها، بنك المغرب. في تقريره السنوي الأخير 2017، يعلن ما يلي: «أن المغرب قد أحرز إجمالاً بعض التقدم في سنة 2017، إلا أن الوتيرة تبقى دون المستوى المطلوب، إذ يظل النشاط غير الفلاحي بطيئاً، وعلى الرغم من التحفيزات والمجهود الاستثماري العمومي، لا يزال الاستثمار الخاص محدوداً، مما يقلل من فرص تحسن النمو والتشغيل.»، ويرى هو أيضا الحل بمزيد من الإصلاح المضاد النيوليبرالي.
ما عدا، حين يكون الموسم الفلاحي جيدا، فإن البطالة تزداد. سنة 2017، خلق اقتصاد المغرب 86 ألف منصب شغل، وهي أبعد ما تكون عن 150 ألف المطلوب توفيرها سنويا حسب الحكومة، و200 إلى 300 ألف حسب تقديرات مؤسسات رسمية أخرى، تذهب أيضا إلى أنه لا مجال للحديث عن تقليص فعلي للبطالة ما لم ينم الاقتصاد المغربي ب 6 إلى 7 بالمائة سنويا. وفي سنتي 2015 لم يخلق الاقتصاد المحلي سوى أقل من 25 ألف فرصة عمل، وفقد أزيد من 37 ألفا سنة 2016.
حتى حين يخلق شغلا فإنه لا يمتص البطالة الجماهيرية الدائمة، بل إنه لا يخلق سوى شغلا هشا بقطاعات الفلاحة والخدمات، فضلا على أن أغلبها بالقطاع «غير المهيكل» حيت الأجور الزهيدة، وتغيب الحماية الاجتماعية.
أعلنت الحكومة مؤخرا ما أسمته استراتيجية للنهوض بالتشغيل «تعتمد على البرنامج التنفيذي للمخطط الوطني للنهوض بالتشغيل «ممكن»، الذي تم التوقيع على ميثاق تفعيله، بشراكة مع القطاع الخاص ومجالس الجهات، بالموازاة، مع تعزيز نمو اقتصادي منتج للشغل والرفع من حكامة سوق الشغل وملائمة التكوين مع متطلبات سوق الشغل والرفع من نجاعة السياسات النشيطة للتشغيل». وزادت أن حريصة على «التوافق مع مختلف الفاعلين الاجتماعيين من خلال مواصلة الحوار الاجتماعي في جو من المسؤولية وإشراكهم في تصور وتتبع السياسات والبرامج الموجهة للتشغيل».
إن الدولة البرجوازية متمادية في توفير يد عاملة بخسة الأجر، وجيش عاطلين وأشباه عاطلين للضغط على العاملين لقبول فرط الاستغلال في ظروف كارثية. نفس وصفات «محاربة البطالة» الكاذبة يعاد ترويجها، وفي نفس الوقت رفض تام لإقرار دخل معاشي للعاطلين، وقمع وحشي لنضالهم.
باختصار، إنها نفس الإجراءات التي ترددها الدولة منذ مطلع سنوات التسعينات، ومعظمها أعلنها ما سمي أنداك مجلسا وطنيا للشباب والمستقبل، وعادت لتظهر بمسميات مختلفة مع مراكز التوجيه، وبعدها مع الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات…الخ. سياسة تدوير قسم من العاطلين، لا هو بوضع بطالة ولا هو بوضع شغل، وأكثر من ذلك وضع يد عاملة مؤهلة تحت رحمة قطاع خاص شجع لا يحترم حتى مقتضيات قانون شغل فصل على مقاسه، زد على ذلك دعم الدولة ماليا وضريبيا… لتك المقاولات دون أن يؤدي ذلك لخفض فعلي للبطالة، بل نراها تتفاقم بمر السنين.
تعلن أغلب الشركات العجز. ثلثاها تقربا، حسب المدير العام السابق للضرائب نور الدين بنسودة، لا تؤدي الضريبة، وتقدر بعض الدراسات قيمة الضرائب غير المستخلصة بـ 30 مليار درهم. وتذهب معظم «النفقات الجبائية» (17 مليار سنة 2016 أي 52 بالمائة من مجموع النفقات الجبائية) إلى المقاولات، بخاصة قطاعات العقار المحتل للصدارة، والفلاحة والصيد البحري، والصناعات الغذائية، والتصدير، وقطاع الوساطة المالية… يجب تحميل المسؤولية للرأسماليين، فهم، ودولتهم، سبب تفاقم البطالة، لذا يلزم إقرار توزيع عادل للثروة بفرض ضرائب تصاعدية على الثروة ودخل الرأسماليين، من أجل تمويل صناديق تشغيل وتعويض عن البطالة…
كما أن دين الخزينة، في نهاية يناير 2018، البالغ زهاء 703 مليار درهم، امتص برسم خدمته خلال شهر يناير 2018 ما قدره 7.5 مليار درهم. وفي سنة 2017، سدد المغرب 46 مليار درهما تقريبا. إنها أموال ضخمة تمتصها مديونية لا شرعية، بدل أن تخصص لإحداث آلاف فرص الشغل تلبية للحاجات الأساسية في التعليم والصحة، وغيرها من المجالات النافعة اجتماعيا.
زد على ذلك أيضا حجم الأموال المهربة للخارج التي تحرم البلد من مخصصات معتبرة لتلبية الحاجات الأساسية للبشر. احتل المغرب المرتبة 34 من بين 149 بلدا الأكثر تهريبا للأموال، إذ بلغ حجم تلك الأموال المهربة بين 2004 و2013 فقط ما مجموعه 41 مليار دولار.
من اجل حركة معطلين جماهيرية وديمقراطية
لقد تصدر الشباب مؤخرا حركات احتجاجية بمناطق مغربية عدة، ضد تدهور الأوضاع الاجتماعية متعدد الأبعاد. والدولة في عجلة من أمرها لتسخين حسائها البارد: «المقاول الذاتي» و»التكوين من أجل الإدماج» و»التكوين التأهيلي» و»التكوين بالتدرج»، و»القابلية للتشغيل»، و»تشجيع التكوين المهني» و»ربط التعليم بسوق الشغل»، وهلم جرا من تسميات. إنها تحاول اللحاق باندفاع الشباب للنضال قبل أن يتحول ذلك لحريق مهول يهدد مصالح الاستبداد والرأسماليين محليين وأجانب…
ونحن من جهتنا، من بالأسفل، المكتوون لعقود بمصائب الرأسمالية التابعة والمتخلفة، وعلى رأسها بطالة جماهيرية تجعلنا مجرد عابرين سريين بالمجتمع، تطالنا مختلف النعوت السلبية المسبوقة ب «بدون»، بدون عمل، بدون دخل، بدون سكن، بدون أسرة، بدون كرامة… علينا اللحاق بالنضال لنجعله جبارا يجبر الحاكمين على التنازل فعليا وتلبية حاجاتنا في الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.
لقد حققت حركة المعطلين بالمغرب مكاسب هامة لم تكن لتحصل لولا النضال المرير الذي فرض انتزاعها. كانت الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب المبادر إلى النضال، توزعت فروعها على جميع أنحاء المغرب، مدنا وقرى، وأدخلت إليها أساليب نضال ميدانية كفاحية ومتنوعة. كانت الدولة مجبرة على التنازل في شكل مناصب شغل، وأشكال عدة مما اعتبرته حركة المعطلين تعويضا عن البطالة (أكشاك ورخص استغلال متنوعة). كما إجبرت حركة الأطر العليا المعطلة، بإنزالاتها الوطنية للعاصمة الرباط، الدولة على تشغيل الآلاف منهم بالوظيفة العمومية عموما.
فقط إحياء هذا النصال البطولي للمعطلين الذي يعيد بناء حركتهم من خلال تنسيق جهود ما تبقى من تنظيمات ومجموعات النضال من أجل الشغل (جمعية المعطلين ومجموعات الأطر والمكفوفين وغيرها) يمكنه أن يعيد الأمل لمئات آلاف المعطلين المحرومين من كل شيء.
من أجل: الشغل للجميع، وتعويض عن البطالة لا يقل عن الحد الأدنى للأجور، يموله صندوق عمومي من خلال ضرائب تصاعدية على الدخل والثروة، ووقف سداد مديونية غير شرعية وكريهة، ومصادرة الأموال المهربة، وتقليص جدري لساعات العمل مع الإبقاء على الأجر وعدم رفع إيقاع العمل، كي يعمل الجميع في ظروف جيدة ولائقة.
بقلم: الرفيق سين
اقرأ أيضا