حركة الممرضين والممرضات: كفاح من أجل شروط عمل وحياة أفضل
دخل الممرضون والممرضات معترك النضال منذ سنة 2007 عقب صدور مرسوم فصل التكوين عن التوظيف. هؤلاء الشغيلة الذين يؤدون دورا محوريا داخل المنظومة الصحية المغربية مهمشون، ويطالهم حيف من خلال الأجور المتدنية، وشروط العمل المجحفة، والتعويضات الهزيلة، ومواجهة سخط مرتفقي المستشفيات والمستوصفات العمومية…
لقد انتظم الممرضون والممرضات في تنسيقية وطنية من ممثلين منتخبين من لجن تنسيق محلية، وخاضوا عدة أشكال نضالية، انطلقت بمقاطعة مباريات التوظيف، وتواصلت بأشكال احتجاج التحق بها الطلبة الممرضون بمقاطعة الدراسة في معاهد التكوين.
كان المطلب الرئيسي إلغاء مباراة التوظيف، وتوج النضال بتوقيع محضر مع وزارة الصحة سنة 2008 يقضي بتوظيف كافة الممرضين والممرضات أفواج 2008 و2009، و2010 من خلال مباراة شكلية.
أبرزت هذه النضالات القصور الرئيسي للحركة النقابية المغربية التي جهدت قممها البيروقراطية لعزلها عن كل الفئات غير المنظمة داخلها، بالتالي بقيت نضالات الممرضين والممرضات، كما كان الحال بالنسبة لنضال المعطلين والطلاب وفئات عمالية وشعبية عديدة، محرومة من الدعم النقابي والتضامن… مع ذلك شكل انفلات الدينامية النضالية للممرضين من الوصاية البيروقراطية أحد عوامل صمودها ونجاحها، وهكذا استمرت بصيغ تنظيمية متنوعة ومتجددة بتجدد احتجاجها ومطالبها.
نضالات التنسيقية الوطنية للممرضين وطلبة معاهد تأهيل الاطر في الميدان الصحي:
هزت قطاع الصحة، منذ شهر مارس 2011، موجة إضرابات واحتجاجات متتالية كان للممرضين الدور المركزي فيها. وقد انطلقت هذه الدينامية النضالية بحفز من الانتفاضات الشعبية التي شهدتها حينها المنطقة العربية والمغاربية، ونتاجها المغربي المتمثل في حركة 20 فبراير البطولية.
انطلقت المبادرة بتشكل مجموعات ممرضين وممرضات بشبكات التواصل الاجتماعي، ودعوتها للاحتجاج رفعا للحيف والحكرة بحق شغيلة التمريض تحث شعار “ثورة الممرض”. لتتشكل لجن جهوية شملت المغرب كله، عقدت جموعات عامة، وناقشت الملف المطلبي، والصيغ النضالية، وانتخبت ممتليها، وتأسست التنسيقية الوطنية للممرضين وطلبة معاهد نأهيل الأطر في الميدان الصحي.
وكانت أبرز المطالب: معادلة شهادة ممرض مجاز من الدولة بإجازة مهنية، وإحداث نظام إجازة-ماستر-دكتوراة، وتعديل القانون المنظم للمهنة، وإدماج خريجي فوج 2010، وتوفير الميزانيات الكافية لإدماج باقي الافواج…
تنوعت أشكال الاحتجاج والنضال والتعبئة. حمل شارة “ممرض غاضب” ووقفات أحتجاجية محلية، ومسيرات وطنية، واعتصام أمام وزارة الصحة… وتم بضغط نضالي لشغيلة التمريض توقيع اتفاق 5 يوليوز 2011 يستجيب لأغلب مطالب تنسيقية الممرضين. وتضمن الرؤية الاستراتيجية للصحة 2012-2016 أجرأة لأهم مطالب الممرضين، وكانت أولى بوادر ترجمة هذه الإجراءات إرساء النظام الجامعي إجازة-ماستر-دكتورة ابتداء من الموسم الجامعي 2013-2014.
وتواصل نضال الممرضين والممرضات، بخاصة الخريجين المعطلين والطلاب في اطار التنسيقية الوطنية من أجل التوظيف، وضد السماح لخرجي المعاهد الخاصة بالمشاركة في مباريات التوظيف حتى أواسط 2015.
نضالات حركة الممرضات والممرضين من أجل المعادلة
لم تف الوزارة بما التزمت به سواء اتفاق 5 يوليوز مع القيادات النقابية، أو ما تعهدت به في استراتيجيتها القطاعية 2012-2016: معادلة الشهادات الصادرة عن معاهد تكوين الأطر وإرساء نظام “LMD” وإضافة درجة جديدة. لذا أطلقت مجموعة من الممرضات والممرضين مبادرة نضالية تحت اسم “حركة الممرضات والممرضين من أجل المعادلة” في غشت 2015 باشرت النضال في يوليوز من نفس السنة.
خاضت الحركة، خلال سنتين، نضالا بطوليا من أجل المعادلة الإدارية والعلمية. وتعددت الأشكال النضالية؛ إضرابات ومسيرات وطنية، واعتصامات ووقفات، ومقاطعة لمباريات الترقية، وأشكال عديدة أخرى.
توجت هذه الاحتجاجات بمصادقة الحكومة في شتنبر 2017 على مشروع المرسوم رقم 2.17.535 بمثابة النظام الأساسي لهيئة الممرضين وتقنيي الصحة المشتركة بين الوزارات، وأقرت بالمعادلة أو المماثلة الإدارية للدبلوم الذي يتوج ثلاث سنوات من التكوين بعد البكالوريا بالنسبة للطور الأول، وخمس سنوات من التكوين بعد البكالوريا بالنسبة للطور الثاني، وبالتالي إعادة ترتيب الممرضين على التوالي في السلمين 10 و11. وفتحت مبارة لولوج سلك الماسر في وجه الممرضين لمتابعة مسارهم الدراسي.
لقد شكلت الحركة من أجل المعادلة نقلة نوعية في نضال فئة الممرضين والممرضات سواء من حيث تكوينها – شكلت من قواعد مختلف النقابات– ووحدت الجسم التمريضي حول مطلب وحيد، وململت جمود القيادات النقابية مما دفعها لمسايرة دينامية الحركة بتأسيس سكرتاريات أو لجن وطنية للممرضين، أو إصدار بيانات الدعم والمساندة، وفجرت نقاشا حول دور القيادات النقابية في كبح النضال، وكذا الزخم النضالي وتنوع اشكالها النضالية، والاستثمار الأمثل للإعلام، وإجبار الدولة على تلبية مطلب المعادلة.
نضالات حركة الممرضين وتقنيي الصحة بالمغرب
بعدما تمت الاستجابة “الجزئية “لمطلب المعادلة (بدون أثر رجعي ابتداء من يوليوز 2011 ولا أقدمية وتسوية بشطرين وإقصاء فئة الممرضين ذوي سنتين تكوين، و…) قررت حركة الممرضات والممرضين من أجل المعادلة تغيير شعارها، وتسمية الحركة “حركة الممرضين وتقنيي الصحة بالمغرب”، وتحيين ملفها المطلبي ليشمل مطالب تمريضية أخرى: اعتماد الإنصاف في التعويض عن الأخطار المهنية، وإحداث الهيئة الوطنية للممرضين وتقنيي الصحة، والعمل على إخراج مصنف الكفاءات والمهن، وكذا إنصاف ضحايا المرسوم 2.17.535، بالإضافة إلى مراجعة شروط الترقي، وإدماج كافة الممرضين المعطلين بالوظيفة العمومية. وهكذا شهد نضال الممرضين والممرضات دفعة جديدة، بصيغ نضال متجددة، وبملف مطلبي محين، وبنفس كفاح جديد. وشكل الإضراب الوطني لمدة 48 ساعة يومي 4 و5 شتنبر 2018، المصحوب باعتصام وطني أمام وزارة الصحة في اليوم الأول، تتويج هذه الدينامية النضالية الجديدة للحركة، وتلاه إضراب وطني لمدة 24 ساعة يوم 26 أكتوبر 2018، بجميع المصالح الوقائية والاستشفائية، باستثناء أقسام الإنعاش والمستعجلات، وكان مصحوبا بوقفات احتجاجية جهوية وإقليمية بمناسبة الذكرى الأولى لصدور المرسوم 2.17.535، وتم تنظيم مسيرة وطنية بالرباط يوم 10 نونبر الجاري، وتقرر خوض إضراب وطني لمدة 48 ساعة يومي 27 و28 نونبر 2018.
ويستمر النضال من أجل دفع الوزارة للاستجابة للملف المطلبي: ضمان حق التوظيف لجميع خريجي معاهد التكوين بالميدان الصحي وتحديد صيغة المباراة مع الالتزام بالتوظيف الكامل لكل فوج على حدة قبل إصدار أي مباراة للفوج الذي يليه، والتشبث برفض إدماج خريجي القطاع الخاص مع التعهد العملي بعدم إعطاء المعادلة لدبلوم المدارس الخاصة لتكوين الممرضين وعدم السماح لهم باجتياز المباراة، وتسريع وتيرة إدماج الخريجين مباشرة بعد اجتياز المباراة مع احترام الجهوية، وتوقيع ضمانات رسمية وموثقة بالنسبة لأفواج 2010 و2011 و2012 و2013، وإدماج جميع الطلبة المكفوفين بدون استثناء في الوظيفة العمومية دون اجتياز المباراة طبقا لمقتضيات الظهير الملكي رقم 182246 مع الأخذ بيعهن الاعتبار حاجز الإعاقة في التعيينات، ومعادلة دبلوم الدولة بالإجازة الجامعية، وضمان التغطية الصحية للطالب، وفتح آفاق متابعة الدراسة في السلك الثاني والثالث لجميع التخصصات، والاستفادة من التعويضات المادية على أتعاب دورات التدريب طيلة الدراسة بالمعهد…
خاتمة
تنضاف نضالات حركة الممرضين لجميع النضالات العمالية والشعبية التي يشهدها المغرب، باعتة الأمل في مسار نضالي يفضي لتحسين شروط حياة وعمل ملايين الشغيلة والمنتجين الصغار، وخلق شروط ملائمة لتحررهم الكامل من نظام الاستغلال والاستبداد، بالرغم من الصعوبات التي تنصب في وجه هذه النضالات: قمع الدولة وتواطؤ البيروقراطية، والإجماع حول الاستبداد، وضعف التضامن، والتنسيق النضالي…
يوجد أمل انبعاث حركة نضالية ديمقراطية مكافحة تنهض لصد التعديات، وتندفع لانتزاع المستحيل. ظهر هذا جليا بكل النضالات والحراكات في السنوات القليلة الماضية، من الريف إلى جرادة، مرورا بالعديد من المناطق المهملة والمهمشة، وهذا ما أظهرته نضالات الممرضين والممرضات من جهتها، وتؤكده حاليا نضالات الأساتذة المفروض عليهم التعاقد، والنضال التلاميذي…
ما لا ينتزع بالنضال، ينتزع بمزيد من الوعي والتنظيم والكفاح.
بقلم، صابر النجار
اقرأ أيضا