المسيرة الوطنية- يوم 29 اكتوبر – للمدرسين المفروض عليهم التعاقد: امتحانان
ينظم الأساتذة المفروض عليهم التعاقد مسيرة وطنية بمدينة الدار البيضاء يوم الاثنين 29 أكتوبر 2018، تنفيذا لبرنامج النضال الذي قرره المجلس الوطني لتنسيقية هذه الفئة من طبقة الأجراء.
سيكون لهذه المسيرة تاريخ في سجل النضال النقابي بالمغرب، لأنها ستكون تحركا قويا في سياق نضالي خافت بسبب سياسة القيادات النقابية التي تكتفي بالتباكي على خواء “الحوار الاجتماعي” كأن نحيبها سيجبر أرباب العمل وحكومتهم على تلبية المطالب العمالية.
يقف وراء الدينامية النضالية للمدرسين المفروض عليهم التعاقد ظلم صارخ بحق عشرات آلاف أجراء تريد الدولة استعبادهم بعقود بدل اعتبارهم موظفين خاضعين للنظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية إسوة بزملائهم العاملين قبل مصيبة التعاقد المفروض.
هذه المسيرة امتحان للدولة البرجوازية التي تدعي أن لها سياسة اجتماعية، وأنها تستهدف رفاهية مواطنيها، وتأمين العمل والحياة اللائقين لهم. فمطلب إلغاء التعاقد المفروض هو أول المطالب التي ستفتح باب تأمين حد أدنى من الاستقرار في حياة هذه الفئة من الأجراء. ولا شك أن الدولة راسبة في هذا الامتحان لأن كل الأمارات دالة على نيتها تسريع وتعميق السياسات العدوانية المستوردة من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوربي، وغيرهما من مؤسسات الاستعمار الجديد، والقاضية بإضفاء الهشاشة على أوضاع العاملين سواء بالقطاع الخاص أو بالقطاع العام. وهي السياسات ذاتها التي تخرب الخدمات العامة، وتفتح أبواب المغرب على مصراعيها للشركات الاستعمارية العالمية لمزيد من نهب البلد [ها هي الشركات العالمية المتاجرة في الصحة ستدخل لتنهب بدورها المواطن بدل ضمان نظام صحة عمومي ومجاني].
لكن، مهما بلغ عزم الدولة على فرض الهشاشة على الأجراء، وعلى مزيد من إفقارهم، يمكن لقوة الطبقة العاملة والجماهير الشعبية إذا تعاظمت بمزيد من الوحدة والمبادرة النضالية أن تكبح جماح الدولة الظالمة وتفرض حدا أدنى من الحقوق الأساسية، يتيح تحسين الوضع المعيشي وفي الآن ذاته يقوي ثقة الكادحين في قدراتهم النضالية.
كما أن مسيرة 29 أكتوبر 2018 بالدار البيضاء امتحان للمسيطرين على الهياكل النقابية، والفارضين سياسة مساندة عمليا للدولة لأنهم يمتنعون عمليا وعن قصد عن النضال. فقد دل إضراب المدرسين المفروض عليهم التعاقد يوم 22 أكتوبر 2018 أن القيادات البيروقراطية لا تخجل في التفرج على النضال وهو يجري أمام أعينها مكتفية بكلام لا وزن له في الواقع، كلام ليس أكثر من ورقة توت لستر الخذلان.
بذلت البيروقراطية المتداخلة مع الدولة وأرباب العمل كل ما بوسعها لإفراغ النقابات العمالية من محتواها النضالي، بما في ذلك طرد المناضلين الرافضين ذلك الإفراغ من المحتوى. وامتنعت تلك القيادات عن التصدي لقرار الدولة اقتطاع أجور أيام الإضراب، وفي نيتها أن يؤدي ذلك إلى كبح حركة الإضرابات المحلية والإقليمية المنفلتة من التحكم البيروقراطي. وفرطت تلك القيادات في حقوق الأجراء في التقاعد بالدور المشين الذي قامت به في ما يسمى “اللجنة الوطنية لإصلاح أنظمة التقاعد”، والأمثلة أكثر من أن تحصى.
باختصار ضرورات النضال تسير في اتجاه، وسياسة القيادات النقابية في اتجاه مضاد.
لكن طاقة النضال المتفجرة بضغط من اشتداد الهجوم على الحقوق لا بد أن تجد لها قناة تعبير عن نفسها. هذه القناة قسم منها يوجد داخل النقابات نفسها، فرغم التحكم والاستبداد الفوقيين، تجري يوميا نضالات عديدة رغم أنف البيروقراطيات، يخوضها جيل جديد من الشغيلة النقابيين الشباب بمختلف القطاعات، عامة وخاصة. وقسم آخر من تلك الطاقة الكفاحية يجد له تعبيرا في تنسيقيات وجمعيات نضال تقوم عمليا بدور نقابي بامتياز، دور الدفاع عن الحقوق المهنية للأجراء وحقهم في العيش بكرامة.
إن وحدة هذه الطاقة النضالية، أيا كان موقعها، شرط أولي وأساسي للتقدم في فرض المطالب. ومن أجل تحقيق تلك الوحدة يجب علينا نحن النقابيين أن ننظر إلى جوهر الأمور وليس الاقتصار على ظواهرها. مناضلو مختلف التنسيقيات والجمعيات المهنية، ونضالات العمال غير المنظمين نقابيا، كلها عمل نقابي، نضال ضد الاستغلال والقهر الطبقيين. وهدفنا أن نعيد تجديد العمل النقابي بإعادته إلى هدفه الأولي ومبادئه: الدفاع عن مصالح طبقة الأجراء ولا شيء غير هذه المصالح. لذلك نساند كل نضال مطلبي أيا تكن رايته، ما دامت مطالبه تسير في اتجاه تحسين الوضع وتخفيف المعاناة، في أفق إنهائها.
فمزيدا من الصمود والمبادرة النضالية. النقابات العمالية ملك للعمال، وبعزمهم سيستعيدونها من النخبة المسيطرة عليها، لتعود إلى سكة الكفاح وفق التقاليد العمالية التي أكد التاريخ جدواها.
وما يضطلع به المناضلون والمناضلات المفروض عليهم التعاقد خطوة تاريخية في هذا الاتجاه، ووجود هيئات نضال خارج النقابات مسؤولية تقع على البيرقراطيات التي عطلت دور النقابة بسياستها المتعاونة مع الدولة، ومسؤوليتنا أيضا نحن النقابيون المعارضون لها، بالقدر الذي لم نستطع فيه بناء قوة معارضة داخل النقابات تصون هويتها الطبقية.
فتحية كفاح عالية لمناضلي ومناضلات التنسيقية الوطنية للأساتذة المفروض عليهم التعاقد، ومزيدا من الوحدة والصمود.
وكلنا يدا في يد إلى مسيرة الدار البيضاء يوم 29 أكتوبر 2018
بقلم، م-ب
اقرأ أيضا