المسيرة إلى الريف… هذه هي الخطوة المقبلة الواجبة، ضمن حملة مستمرة
قبل أسبوع – يوم 15 يوليوز بالرباط، وقبل اسبوعين، يوم 8 يوليوز بالبيضاء، شارك عشرات آلاف المتضامين والمتضامنات مع حراك الريف في مسيرتين للمطالبة بإطلاق سراح الحراكيين المظلومين. وقبل المسيرتين شهدت مواقع عديدة، في ربوع البلد، وقفات احتجاج ومسيرات، تعرض بعضها للقمع، كانت لنفس الغاية: المطالبة بحرية المسجونين المظلومين.
هذا تعبير غير مسبوق في تاريخ النضال الاجتماعي بالمغرب، تعبير المطالبة بحرية معتقلين سياسيين بتظاهر عشرات الآلاف في الشارع. فما شهد المغرب نظيرا لذلك أيام حراك صفرو في 2007، ولا حراك إيفني ايت باعمران في 2005 و2008، ولا على مر التعبئات الاجتماعية بالمدن الكبرى، كمراكش عام 2012 ضد غلاء الكهرباء، وطنجة في 2015 لنفس الباعث.
هذا كله دليل التقدم المستمر للنضال الاجتماعي الذي سجل تراكمات كمية لا يستثنى منها أي قسم من البلد. مع ذلك، يتضح لكل متفحص للوضع أن الدولة مصرة على تشديد قبضة القمع، وسيلةً وحيدة لاتقاء اتساع الحراك وتطوره النوعي، الذي تخشى أن يجعل كامل النظامين الاقتصادي- الاجتماعي والسياسي موضع احتجاج شعبي متنام.
ومن جانبنا، نحن انصار حرية معتقلي الحراك، ومؤيدي مطالبه، يجب أن ندرك أن خطوات نضال معزولة، متباعدة، غير مندرجة في خطة إجمالية، لن تجبر الدولة على إطلاق سراح المعتقلين، فما بالك بتلبية المطالب.
الدولة مصرة على القمع، حرصا منها على مصالح من تخدمهم من كبار الملاكين والنهابين والفاسدين. تنزل بجبروتها لإرهاب الشعب الكادح، استبعادا له من أي تضامن أو تعاون مع الحراكات الجارية. لكن ثمة جبروت آخر. نعم جبروت أقوى، قادر على ثني جبروت الدولة. إنها القوة الكفاحية الكامنة في الشعب الكادح. يكفي أن نعيد إلى الاذهان كيف ارتعد الحاكمون خوفا، أيام 20 فبراير المجيدة، فأعطوا من التنازلات السياسية، ولا سيما الاجتماعية، ما لم يتصوروا يوما أنهم سيُـقدمون عليه.
إرادة الكفاح الشعبية أسقطت أعتى الانظمة المستبدة، وفرضت على مر التاريخ تنازلات نوعية على الطبقات الحاكمة. لذا فطريقنا لتحرير مناضلي الحراك الشعبي هو تحريك هذه القوة الشعبية الكامنة. المسيرتان خطوة أولى، لكنها لا تأخذ كامل دلالتها النضالية إلا باندراجها في سيرورة نضالية متنامية.
الخطوة المقبلة… إلى الريف
يجب ألا نجعل من المسيرات الى مركز البلد (العاصمة والبيضاء) تحركا محدودا، بقصد إبراء ذمتنا إزاء واجب التضامن مع الريف، ولا بديلا عن التعبئات المحلية. ولسنا نسير في الشوارع لبعث رسالة إلى جهة ما. فالحاكمون في غنى عن رسائلنا، هم يعرفون ماذا نريد، ويعلمون أكثر ماذا يريدون. إننا في نزال، في معركة معهم. معركة نحن في بدايتها ليس إلا. من لا يدرك هذا ساذج، أو ضحية تضليل سياسي.
يجب ان نجعل مسيرتي البيضاء والرباط خطوات تعبوية نحو هدف أرقي، وأشد قدرة على الضغط: هدف تنظيم قافلة تضامن إلى الريف. يجب أن نستعد بكل ما أوتينا من جهد، ومع كل القوى المجندة لتحقيق هدف إطلاق سراح معتقلي الحراك وتلبية مطالبه، وهو هدف تقدمي لا يشترط “حداثة” ولا “مناهضة حداثة”. إنه هدف محدد واضح، لا يُـلزم المشاركين في السعي إليه بأي هدف آخر، أو اعتقاد ايديولوجي كيفما كان. ولا يستتبع أي خلط للرايات. ولا شك أن إحدى أشد مناورات النظام مكرا سعيه إلى تشتيت صف المطالبين بحرية معتقلي الحراك، بمحاولة ضرب طرف بآخر بضغط إعلامي مضلل يستعمل فزاعة الاسلاميين الذين لم يدخلوا جبة النظام.
ولا شك أيضا أن من مظاهر تلف بعض “اليسار” سقوطه في شق صف المطالبين بحرية معتقلي الحراك بأمور لا علاقة لها بهذا الهدف التقدمي الجزئي، الدقيق والواضح.
القافلة إلى الريف ستنجح رغم القمع المرجح
ستتعرض المسيرة الى الريف للقمع، ومرة أخرى ستدوس الدولة بأقدامها القمعية كل جمل حرية تنقل المواطنين التي تزين بها القوانين، وبمقدمتها الدستور. ستقطع قوات القمع الطرق المؤدية إلى الحسيمة. لكن يجب أن نشد الرحال إلى الريف، وأينما توقفنا قوات القمع، سنعتصم وسنقوم بتوثيق مصور لأفعال القمع كلها لنطلع عليها شعبنا وكل شعوب العالم.
يجب أن نجعل المسيرة الى الريف تؤتي أكلها سواء دخلت الحسيمة أو ردت قسرا على أعقابها.
يجب أن ندرك تمام الإدراك أن نضالنا لتحرير المعتقلين جزء من معركة شاملة ضد الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أوصلت غالبية الشعب إلى ما نعاين اليوم من إفقار، وإجهاز على طفيف المكاسب الاجتماعية، من صحة وتعليم عموميين، ومن استشراء البطالة والعمل الهش، الخ. ومن زاوية النظر هذه تتمثل مهمتنا اليومية في استنهاض قوى الشعب التي لم تلتحق بعد بالنضال.
إن أمارات حراكات جديدة جلية، أول ما تتجلى فيه مظاهر خوف النظام الذي يرتمي سريعا على كل شرارة اجتماعية لإطفائها. ماذا يعني الاعتذار الرسمي من طرف أكبر مسؤولي الشرطة لكادح الدراجة ثلاثية العجلات بالدار البيضاء يوم 26 مايو 2018؟ ماذا تعني تعليمات تعليمات وزارة الداخلية، منتصف شهر مايو 2018، إلى جميع رجال السلطة لتفادي الاصطدام بباعة الشارع أيام رمضان؟
إنهما مثالان، لا غير، عن شبح الشهيد البوعزيزي الذي يقض مضاجع النائمين على قنبلة اجتماعية ما فتؤوا، عقودا مديدة، يشحنونها بكل انواع التدابير الاجتماعية شديدة الانفجار: الخوصصة، التدبير المفوض، أجور البؤس، تدمير الخدمات العامة، البطالة، العمل المؤقت وكل صنوف الاستغلال المفرط، واشكال نهب وقحة بالغة الاستفزاز، وإفلات شتى صنوف مجرمي الدولة من العقاب…
ولا شك ان حملة المقاطعة الشعبية لمواد الاستهلاك الثلاثة، الجارية منذ شهور، قد أعادت تذكير الحاكمين بروح الابداع الكفاحي لدى الكادحين، ورفعت خوفهم من الشعب درجات.
قوة الكادحين في ذاتهم تزداد، تعكسها كل أشكال التعبير التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعة الرد فيها وطريقته على كل أفعال الطبقة السائدة الفاسدة.
إن الظرف مناسب لمزيد من التعبئة بقصد استنهاض قوى نضال إضافية، إن الفيالق الكبرى من جيش الكادحين لم تتحرك بعد. فلنكن على أهبة الاستعداد لمزيد من الحراكات، ولتكن القافلة إلى الريف هذا الصيف خطوة على هذا الطريق.
محمود جديد
اقرأ أيضا