أحكام قضاء الاستبداد في حق مناضلي حراك الريف: ماذا كنتم تنتظرون؟
نطق قضاء الاستبداد بالأحكام المملاة عليه في حق مناضلي حراك الريف، ووزع هباته القمعية التي ناهزت 200 سنة، مذكرة أنصار “الانتقال الديمقراطي” و”الإنصاف والمصالحة”، أن الدولة لا يمكن قط ان تكون إلا جهاز قمع موجه لإسكات طلائع النضال الشعبي.
تعالت صرخات العائلات في ردهات المحاكم، وتوالت علامات تعجب المحامين، وعجت صفحات التواصل الاجتماعي بكل أنواع النحيب وإعلان الحداد على “الوطن”. وأدلى آخرون بأن “مغرب الديمقراطية” الذي آمنوا بأنه سينصف ضحايا قمع الاستبداد، صار وهما، وهو وهم سياسي ساهموا هم أيضا في نشره، وتجريعه لكادحي الريف وأسر المعتقلين وللمعتقلين أنفسهم.
هل كنا ننتظر أن يمتع قضاء الاستبداد طلائع النضال الشعبي في الريف ببراءتهم؟ واهم من آمن بذلك.
استطاع النظام أن يضبط الوضع الاجتماعي بتوزيع جرعات القمع المحسوب، في الريف وجرادة والحسيمة. ساعده في ذلك تعاون الطيف السياسي الواسع من أحزاب ليبرالية وإسلامية، ومنع التضامن العمالي من طرف بيروقراطيات نقابية واعية بدورها في الحفاظ على “الاستقرار السياسي” و”السلم الاجتماعي”.
تحول الريف إلى ثكنة عسكرية دائمة، وفرضت حالة طوارئ غير معلنة، لكنها فعلية: منع للتجمعات والاحتجاج، ومداهمات واعتقالات، وتتبع لصيق لخطى المناضلين… الخ. أما التضامن فقد خفت منذ منع مسيرة 20 يوليوز 2017. وتأكد نقص التضامن وعدم فعاليته في العجز عن منع اجتثاث بنيات النضال واعتقال طلائعه في جرادة.
الضامن الوحيد لانتشال أسرى النضال الشعبي من فك “عدالة” الاستبداد، كان هو انتشار النضال وطنيا، وتمتين التضامن بانخراط الحركة النقابية، لكن النظام استطاع منع هذا الكابوس. انحصر التضامن وأغرقت البيروقراطيات النقابية نضال الطبقة العاملة في حوارات عقيمة.
نجحت مناورات النظام السياسية في احتواء الوضع. لعبت وسائل الإعلام الموالية صراحة أو ضمنا بانتظارات كادحي الريف وأسر المعتقلين. يجري إطلاق إشاعات لبث البلبلة في الصفوف. في كل عيد ديني أو وطني، تنتشر إشاعات قرب “الخطاب الحاسم” الذي سينصف المعتقلين، وتمر المناسبة تاركة طعم رماد في أفواه المنتظرين. لا نلوم أسر المعتقلين على ذلك، ما دام التضامن النضالي قد خيب ظنهم.
ماذا كنا ننتظر إذن من “عدالة” الاستبداد؟ عول المعتقلون وأسرهم ومعهم كادحو المغرب على خطابة المحامين وقدرتهم على ولوج ثغرات القانون. وجرى افتخار بمرافعات فضحت النيابة العامة، وأخرى أسكتت القاضي، ناسين أن المحاكمة كلها لعبة، يتقنها النظام، وسيعتبر مرافعات الدفاع دليلا على عدالة المحاكمة، تماما كما وصف جيل بيرو قضاء الحسن الثاني في كتابه “صديقنا الملك”: “إنها تمثيل تام للنظام القضائي المغربي، كتلة عائمة تظهر للعين الصورة المستحبة عن جهاز ذي نزعة ديمقراطية، بينما القسم الغاطس الأكثر أهمية يغوص في قاع القمع البوليسي”.
حين يتأكد النظام أنه متحكم في الشارع، فإنه سيسمح للمحامين بقول ما يشاؤون. الكلمات داخل دهاليز المحاكم، ليس لها نفس تأثير الخطيب الشعبي أمام الجماهير المناضلة.
تشتتت جهود التضامن في الداخل وتعلقت الأنظار بمسيرات الجالية بأوربا وأوهام انتظار الإنصاف من أعلى سلطة بالبلاد، وفي الأخير نطق الحكم باسم السلطة العليا.
إن مركز ثقل إطلاق سراح أسرى النضال الشعبي، هو ميزان القوى المائل حاليا لصالح النظام. ونحن مؤمنون ومقتنعون أيما اقتناع أن براءتهم مرتبطة أشد ارتباط باستعادة النفس الكفاحي لنضالات كادحي الريف واستئنافها، وهذا ما يخشى منه الاستبداد.
هذا هو سبب إصرار النظام على الاحتفاظ بأسرى حراك الريف في زنازينه المعتمة والكريهة. فهو يدرك أن أي تنازل، يعني التحام كادحي الريف بطلائع النضال المفرج عنها. يفضل النظام سجنهم لقرون، ولو خدشت صورته “الديمقراطية” في أعين الداخل والخارج، فما يهم هنا هو الصراع على أرض الواقع وليس تسويق الأوهام، خصوصا أنه واثق من استعداد حلفائه الليبراليين والإسلاميين وبيروقراطيي النقابات لتنميق هذه الصورة.
وهل ننسى ما قاله علي يعته، في افتتاحية صحيفة حزب “التقدم والاشتراكية” إبان محاكمة معتقلي الحركة الماركسية اللينينية مارس 1977: “بعكس ما يريدون الإيحاء به، المغرب ليس معسكر اعتقال، كما يحلو ترداده لأولئك الذين يبحثون، لأسباب ليس لها أية علاقة بمساعدة ما للشعب المغربي، عن الإضرار بالمصالح العليا لبلادنا. الأحزاب السياسية موجودة وهي تعمل بشكل طبيعي، ومن ضمنها حزب الطليعة الثورية للطبقة العاملة”.
الاستبداد مقتنع أن كادحي الريف لم يهزموا. حراك الريف لم يهزم، نعم جرى خنقه، لكن طلائع النضال المتمرسة منذ حراك 20 فبراير مرورا بنضالات جمعية المعطلين ونضالات الجامعة انتهاء بحراك الريف، تعض على أسنانها وهي تلحظ مظاهر العسكرة التي تمنعها من إعادة إطلاق صرخة النضال.
كادحو الريف لا يعتبرون ما وقع منذ عام هزيمة، بل محض تراجع فرضه عدم توازن القوى بين انتفاضة سلمية معزولة ومحرومة من التضامن، ونظام معسكر ومسلح من رأسه حتى أخمص قدميه. النظام يدرك ذلك جيدا، النظام خائف وفرائصه ترتعد، لأنه لم يستطع أن ينزع جذوة النضال من قلوب المعتقلين ولا استطاع إقناع كادحي الريف بانتهاء الحراك.
هذا ما يجب علينا أن نثمنه، هذا ما يجب تطويره. كفى نحيبا على “الوطن”! كفى إعلانا للحداد! فالنضال لا زال حيا. فمن كان يؤمن بأوهام عدالة الاستبداد فهذه جثة متفسخة، ومن كان يؤمن بقدرة الكادحين على التحرر فهذه لا زالت حية متقدة مشتعلة.
يريد الاستبداد بهذه الأحكام تحطيم الأمل الذي جسده حراك الريف ومثلته زهرة شبابه القابعة الآن بالسجون. علينا ألا نستجيب لرغبته هذه، فمهما طالت سنوات السجن الموزعة على المعتقلين، لنا إيمان عميق بأن استئناف النضال سينقذهم.
ليستمر النضال، لننظم أنفسنا جيدا. جولات النضال القادمة رهينة بانتزاع أسرانا من فك الاستبداد.
بقلم، أزنزار
اقرأ أيضا