الأساتذة الموظفون بعقود: موجة نضال صاعدة
لم تثن الشروط التعسفية وغير الشرعية التي تم تضمينها للعقود التي فرضت على الأساتذة المتعاقدين، والقاضية بعدم إدماجهم في أسلاك الوظيفة العمومية وإمكان فسخ العقد معهم في أية لحظة، من أن يطلقوا مبادرات تنسيق ونضال. كان حافزها المباشر سرعة اشتغال منطق تهشيش العمل بالتعليم بفسخ عقد استاذ بزاكورة ومباشرة بعده آخر ببولمان، وما عانوه قبل ذلك من مختلف أشكال التمييز في التعامل من طرف بعض رؤسائهم المباشرين وبعض المفتشين، حيث يتفشى منطق الترهيب والتهديد والولاءات في علاقة هؤلاء بهم.
لم تكتف الدولة باستعمال تسمية كاذبة وخادعة، بمقاييس المتوفر من قوانين، لوصف هذه الفئة: “موظفون” بموجب عقود، بل عملت وزارة التعليم على تقييدهم بكل أنواع القيود، وخاصة بندي العقدة 4 و13، اللذان يكرسان هشاشة وضعهم المهني، مع إبقاء وضعهم القانوني غامضا ومفتوحا على كل الاحتمالات السيئة. فالقانون الذي يتم الاستناد له، القاضي بإحداث الاكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كمؤسسات عمومية، والمرسوم التطبيقي له، لا يذكر شيئا عن شروط وكيفيات اضطلاع هذه الأخيرة بعمليات التوظيف، والقاعدة التي تم استعمالها لأجل اعتماد التوظيف بالتعاقد تمثلت في إصدار مقرر مشترك بين وزيري التعليم والمالية، وهي فقط صيغة انتقالية. وذلك أمر مقصود يراد به فرض أمر واقع على الارض، بجعل الأساتذة المتعاقدين فئة مهمة، ولم لا أغلبية، داخل منظومة التعليم وكذلك داخل الوظيفة العمومية برمتها، تهييئا للشروط واستكمالا لها لأجل إنزال منظور الدولة كاملا فيما تسميه إصلاحا للوظيفة العمومية، أي تعميم الهشاشة على كل الموظفين بحجة رفع المردودية، واكمال تطبيق خطتها لتصفية نظام تقاعد الموظفين تحت ذريعة الإصلاح.
يعمل الأساتذة المتعاقدون على شق الطريق الوحيد المتوفر للخروج من وضع التهشيش الذي فرض عليهم، فالنضال متحدين هو الذي سيمكنهم من نيل حقوقهم، بالاعتماد على نقط قوتهم المتمثلة في:
– تزايد أعدادهم باستمرار في ظل توجه الدولة مما يمكنهم من شل قسم هام من المنظومة التعليمية.
– أغلبيتهم المطلقة شباب بما يعنيه ذلك من حيوية وقدرة كبيرة على الحركة.
– إمكانات التنسيق الدائم الذي تتيحه وسائط الاتصال الحديثة.
– قدرتهم على إدارة معركة إعلامية ضد ما يحاك ضدهم.
– وجود بعض الفروع النقابية المكافحة التي تتبنى نضالهم قولا وفعلا.
– استشعار القسم الاكثر وعيا من الموظفين الرسميين لخطورة الوضع القائم الذي يزحف على مكتسباتهم، وقد يكون ذلك أرضية للتلاقي بين كل مكونات الشغيلة التعليمية رسميين ومتعاقدين.
هكذا ابتدأت مسيرة نضال الاساتذة المتعاقدين، باستغلال فترة التكوينات التي تنظمها لهم الوزارة لأجل إطلاق ديناميات تشكيل أدوات التنسيق النضالي داخل كل مديرية، وداخل كل جهة، واضعين نصب أعينهم تشكيل تنسيقية وطنية للأساتذة “الذين فرض عليهم التعاقد” ، وتكاد تجمع كل البيانات الصادرة عن مختلف التنسيقيات او لجانها التحضيرية على مطالب ثلاث مشتركة : الإدماج في الوظيفة العمومية، وتنظيم تكوينات حقيقية بدل تلك المرتجلة حاليا مع تجويد الظروف التي تتم بها، والمطالبة بالتراجع عن قرارات “فصل” الأستاذين بزاكورة وبولمان. كما تناشد مختلف التنسيقيات الإقليمية النقابات والمنظمات المناضلة لتقديم الدعم والإسناد لنضالهم. وهو ما لقي تجاوبا مباشرا تمثل في قيام تنسيق نقابي لجهة درعة تافيلالت واتخاذه خطوات نضالية آنية، في انتظار أن تحذو باقي الفروع النقابية المكافحة حذوه.
ستعمل الدولة على اتخاذ تدابير لاحتواء موجة النضال الصاعدة، لكن من شأن استخلاص دروس النضالات السابقة في القطاع، وخاصة نضالات الأساتذة المتدربين، أن يساعد على تجاوز مخاطر ذلك: بتسيير المعارك النضالية بشكل ديموقراطي مبني على التآزر وطنيا والسعي لجمع أكبر قدر من التضامن العمالي والشعبي وخاصة في صفوف شغيلة التعليم، واليقظة لمواجهة الاختراقات المشبوهة. وقد عبر بيان صادر عن إحدى تنسيقيات الأساتذة المتعاقدين على الطريق بوضوح: ” إذا اتحد القطيع نام الأسد جائعا”.
فاتح رضوان
اقرأ أيضا