من دروس حراك الريف: الثقة في مقدرة الكادحين النضالية
بقلم: م.ب
أبانت المشاركة الجماهيرية في حراك الريف، عددا وانشارا جغرافيا وامتدادا زمنيا، عن قوة النضال الكامنة لدى الكادحين. وهذه صورة أولية عما يعتمل في أعماق المجتمع، وما سيطفو بهذه الذريعة او تلك في هذه اللحظة أو تلك.
منذ أن تضخمت صفوف حركة الإسلام السياسي، بكل تنويعاتها، خاصة في عقد تسعينات القرن الفائت، كانت المعارضة التاريخية (الاتحاد الاشتراكي ومن معه) تبرر الامتناع عن أي فعل نضالي جماهيري، ومن ثمة السعي إلى التوافق مع الاستبداد، بأنه لن يصعد من أعماق المجتمع سوى دفق تقوده الحركة الإسلامية لتسير بالمغرب إلى استبداد بلون ديني أشد من استبداد الملكية.
وقد نالت هذه الحجة حتى من العديد من قدماء (وحتى غير قدماء) اليسار الجذري. لكن موجة النضال الاجتماعي بالمناطق المهملة [بوعرفة، طاطا، ايفي-ايت باعمران- اقليم زيلال …] دلت عن زيف هذه الحجة وطابعا التضليلي. وها هو حراك الريف يدل مجددا عن كون فزاعة الإسلاميين مجرد قناع لخوف الديمقراطيين الزائفين من الجماهير الشعبية.
دل حراك الريف أن أنصار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية الفعليين قد يضيعون فرصة إعادة بناء يسار حقيقي بعد انهيار اليسار التاريخي (ما كان يسمى الحركة الوطنية الديمقراطية) إن ترددوا في الالتحام بحركة الجماهير الكادحة . قسم من الحركة الإسلامية –حزب بنكيران- وضع نفسه رهن إشارة النظام لتنفيذ السياسات النيوليبرالية المسؤولية عن تدهور الوضع الاجتماعي للأغلبية، مبرزا بذلك عداءه لتطلعات الجماهير الكادحة. وثمة قسم آخر، جماعة العدل و الإحسان التي عادة ما توصف بالأقوى تنظيميا، لم تبد قط منذ تصاعد الاحتجاج الاجتماعي بالمغرب قبل زهاء 20 سنة، أي ميل إلى الانخراط فيه وحفزه، وإن سايرته إضطرارا. هذا فضلا عن انعدام أي بديل اجتماعي لديها عن السياسات الرأسمالية المطبقة.
ومعلوم أن ثمة منتسبين إلى اليسار الجذري يراهنون على هذه الجماعة في النضال لإسقاط الاستبداد. والحقيقة أن الدافع الجوهري لتلك المراهنة استبطان للضعف الراهن لقوى الطبقة العاملة والكادحين المنظمة، ونقص ثقة في تلك القوى. فقبل البحث عن هذا الحليف أو ذاك، يتعين علينا نحن مناضلي/ات الطبقة العاملة أن نستنهض قوى طبقتنا، وبقية ضحايا الرأسمالية، وننظمها ونرفع وعيها. وتعطينا المقاومة العمالية اليومية، رغم داء البيروقراطية المستحكم بمنظمات النضال، الدليل تلو الآخر عما تختزن طبقة الأجراء من مقدرات كفاحية. مقدرات أعظم نوعيا بفعل مكانة الأجراء في آلة الإنتاج والإدارة البرجوازيتين.
وقد دل حراك 20 فبراير أن المسألة الاجتماعية المتفاقمة، وبصلبها بطالة الشباب، هي محرك أساسي لنضالات العامين 2011-2012. فالمطالب الاجتماعية الأولية، وحتى الجزئية والمحلية، هي التي دفعت أمواجا بشرية كادحة إلى شوارع المغرب في تلك الأيام المجيدة. وجلي أن المطلب الاجتماعي ذاته سرعان ما يتسيس عند اتخاذه بعدا وطنيا موحدا، وعند اصطدامه بعجز الطبقة السائدة عن تلبيته. فقد يسقط المطلب الاجتماعي مسؤولين محليين، ثم وطنيين، ثم في طور أعلى سيطيح حكومة الواجهة سيرا نحو مصدر السلطة الفعلي.
إن قوى يسارية كفاحية تائهة اليوم بقسم من قاعدة ما تبقى من اليسار التاريخي (فيدرالية اليسار الديمقراطي)، وقوى فتية تسيست بسرعة بفعل انطلاق السيرورة الثورية بالمنطقة لكنها داخت بعد تمكن النظام من احتواء المد الشعبي، وقوى أخرى شابة متحدرة من النضال بالجامعة، كلها بحاجة إلى الارتكاز على دروس التجربة النضالية، و الالتحام بقوى النضال الشعبي الصاعدة من أعماق المجتمع، للسير نحو بناء يسار قادر على النهوض بمهام التغيير الشامل والعميق الذي يحتاجه كادحو المغرب. ومن أولى دروس هذه التجربة الثقة التامة في مقدرة الكادحين على النهوض والمقاومة وتحقيق النصر.
طبعا تتدخل في الجماهير الشعبية قوى طبقية متنوعة، أولها البرجوازية ذاتها بمناوراتها، ثم قوى سياسية معارضة من موقع برجوازي [غير مناهض للرأسمالية] آو برجوازي صغير. وكي تحمي حركة النضال الشعبي ذاتها من التأثير المضر لهذه القوى يتيعن ان يكون عمودها الفقري الطبقة العاملة بمنظمتها السياسية المستقلة وأدوات نضالها الأخرى المسيرة ديمقراطيا. وشرط ارتقاء وعي الجماهير الشعبية وتنظيمها في خضم نضالها ذاته هو التسيير الديمقراطي للنضالات، بحسم كل أمورها (المطالب و أشكال التنظيم و النضال…) بالاحتكام الى رأي الأغلبية ضمن آلية مشاركة جماعية عبر جموع عامة و لجان منتخبة وقابلة للعزل.
اقرأ أيضا