انتفاضة العطش بزاكورة: لا للمذلة نعم للحرية والعدالة والعيش الكريم
مرة أخرى تنزل آلة القمع بكل جبروتها، على عظام وجماجم السكان المحتجين سلميا، بزاكورة الأبية هذه المرة، هؤلاء الأبرياء الذين خرجوا للاحتجاج على العطش، فتلقفهم جهاز القمع بالهراوات والرفس والاعتقال، دون تمييز، كالعادة، بين شيوخ وأطفال ونساء…
تنص القوانين المغربية على أن الإجراء المتخذ ضد من يخالف القوانين هو الاعتقال دون عنف، إلا أن ما يمارس على الأرض هو القمع بالغ الشراسة بحق محتجين يتظاهرون سلميا، دون أن يشكل نشاطهم الاحتجاجي أي مس بالأمن العام أو الممتلكات، وهي الذريعة العزيزة على قلب حكام المغرب، هذا علاوة على أن من يحتج سلميا لا يخالف قوانين هؤلاء الحكام، بل يمارس حقوقا تضمنها نفس القوانين على الورق على الأقل، وضمنها الحق في التظاهر السلمي.
يبقى إذن أن التفسير الوحيد للبطش الهمجي الذي يمارسه النظام المغربي منذ عقود بحق عشرات الآلاف من المغاربة المطالبين بالحرية وشروط العيش الكريم، من سيدي افني 2005 و 2008 إلى الحسيمة 2016/17 والريف المقاوم عامة وصولا إلى زاكورة اليوم، هو الخوف من الاحتجاج كسلوك سياسي مباشر تمارسه الجماهير بكل حرية، والحرص على تطويقه مهما بدا متواضعا، ومنع تمدده كي لا يشمل بلدات أخرى ومنع تضافره مع احتجاجات متفرقة مكانيا لتشكل روافد منصهرة في السيل العظيم، الهادر، المزمجر والمدمر لكل من يتجاسر على اعتراض طريقه.
يقمع النظام ضحاياه لأنه أغلق هامش التنازلات ذات الطابع الاجتماعي منذ أن بدأ بنهج سياسة التقشف منتصف الثمانينيات، وشرع في الهجوم على مكتسبات المغاربة من تطبيب وتعليم ومناصب شغل، وتقليص الميزانيات الخاصة بهذه القطاعات وغيرها من الحقوق التي تصادرها دولة الأغنياء واحدة تلو أخرى (مستقوية في ذلك بقوى سياسية خادمة للاستبداد) وصولا إلى إلغاء صندوق دعم المواد الاستهلاك الأساسية، قصد تقليص النفقات وتوسيع هامش الربح وطحن من هم في الأسفل، وهم الأغلبية الساحقة، وتهميشهم والحط من كرامتهم واعتصار الأرباح منهم و تحويل مدارسهم إلى مؤسسات تعليمية خاصة ومستشفياتهم إلى مصحات خاصة، وترك أبنائهم وبناتهم ضحية البطالة والمخدرات، مقابل تضخيم ثروات الأقلية البورجوازية المسيطرة على كل ثروات البلد بحرا وبرا، والمتحالفة مع الرأسمال الأجنبي الذي يتدخل في تسيير شؤوننا الداخلية خدمة لمصالحه.
ورفضا لحياة الذل هذه، للحكرة، للتهميش والإقصاء، وكما عودونا دائما، خرج أبناء وبنات زاكورة الكادحين والكادحات إلى الشارع، تزامنا مع انطلاق الموسم الدراسي 2017 المثقل لكاهل الأسر الفقيرة بمتطلباته المادية، وتزامنا مع نهاية صيف حار لا أحد يدرك قساوته أكثر من سكان زاكورة، خرجوا وخرجن للصراخ: “يا زاكوري يا زاكورية*الكفاح عليك وعلي مسؤولية” سائرين ومصطفين جنبا إلى جنب في مسيرات احتجاج تجوب شوارع المدينة ومعتصمين أمام مكاتب ووكالات المكتب الوطني للماء لطرح مطلب أساسي على المسؤولين هو وضع حد للعطش الناتج عن ندرة مياه الشرب وملوحتها.
يدل مشكل الملوحة على كارثة بيئية وشيكة تتسع رقعتها ولا تعيرها الدولة أي اهتمام شأن مختلف المشاكل البيئية السائرة في التفاقم ببلادنا. أما مشكل الندرة، فأهميته البالغة تأتي من كون الماء شرطا أساسيا للحياة، ويقدم هذا المطلب الذي رفعه السكان مثالا ساطعا عن إحدى تناقضات الرأسمالية المعاصرة، وعن تضحيتها بالإنسان مقابل الأرباح.
فبدل مقاومة الكارثة الناتجة عن التغيرات المناخية وانخفاض مستوى المياه في الآبار بالمنطقة، بادر الرأسمال المغربي المتحالف مع الأجانب إلى إقامة مشروعين ضخمين مستنزفين للثروات المائية بمنطقة تعرف بأنها صحراوية أو شبه صحراوية:
–الأول: مشروع الطاقة الشمسية لإنتاج الطاقة الكهربائية (أكبر محطة بالعالم) قرب سد المنصور الذهبي بورزازات، هذا المشروع المؤسس على تكنولوجيا تعتمد الاستخدام المكثف للماء. كل هذه المياه لا يأتي بها أصحاب المشروع إلا من سد المنصور الذهبي الذي يعد المزود الرئيسي تاريخيا لإقليم زاكورة بالمياه لسقي المزروعات وإنعاش الفرشة المائية للإقليم. ولحل المشكل وضعت الدولة خطة لبناء سد بديل لتزويد زاكورة بالماء، (لم نر شيئا من ذلك على أرض الواقع) كما شيدت سدا جديدا لتزويد مدينة ورزازات بالماء الشروب هو سد “تويين” (لم يشتغل بعد رغم احتجاجات عديدة لسكان مدينة ورزازات ضد رداءة مياه الشرب) وبالتالي تغيير وظائف سد المنصور الذهبي بتخصيص مياهه لمحطة الطاقة الشمسية وحدها، أي عدد لا يحصى من الأمتار المكعبة من المياه لصالح الأغنياء.
–ثانيا: مشروع الضيعات الفلاحية الشاسعة لإنتاج البطيخ الأحمر من قبل شركات فلاحية مغربية باحثة عن الربح السريع بالاستنزاف المكثف للثروة المائية، نظرا لما يستهلكه المنتوج المذكور من مياه على حساب المزروعات الأخرى للسكان وأشجارهم المثمرة خاصة النخيل، وعدم ايلاء أي اهتمام لما سينجم عن هذا الاستنزاف من جفاف وانخفاض مستوى المياه في الآبار، ومن مآسي اجتماعية يؤدي ثمنها الفلاحون البسطاء، أي الأغلبية الساحقة من كادحات زاكورة وكادحيها.
إننا ازاء وضع مضحك، فزاكورة منطقة ذات مناخ صحراوي جاف، ورغم ذلك فإنها (أي زاكورة الأغنياء) تصدر أطنانا من المياه (البطيخ الأحمر) إلى أوروبا، كما تغطي أغلب “حاجيات” السوق الداخلية من هذا المنتوج الفريد من نوعه والمذر للملايير الطائلة على أصحابه من كبار مالكي وسائل الإنتاج.
وماذا بعد؟ لم يتبق للمواطن الكادح بزاكورة غير الجفاف ويبوس أشجاره المثمرة، النخيل، الذي مال لونه إلى الاصفرار رغم القدرة الكبيرة لهذا الشجر على مقاومة الجفاف، ولم يتبق له غير مياه صنبور ضامر ينتظرها لساعات كي تطفئ عطشه وقد تأتي مالحة أو ذات لون ومذاق غريبين.
لكن بقي هناك في أعماق كل مواطن ومواطنة بهذه المنطقة الأبية ما هو أثمن، شيء لمسناه في الحسيمة والريف الحر الأبي عامة، وقبله في طاطا وافني وبوعرفة وصفرو… إنه عزة النفس التي لا تقهر، والتي تأبى الظلم وترفض المذلة وتدافع بما أوتيت من قوة عن حقها في العيش الكريم والحرية.
وهاهم أبناء زاكورة الأحرار يدفعون ثمن مطالبتهم بالحرية والعيش الكريم، من اعتقالات شملت ما يقرب من ثلاثين مواطنا ضمنهم تلاميذ وقاصرون لم ترحمهم آلة البطش العمياء، وكلهم متابعون بالمحكمة الابتدائية بالتهم المعهودة، وستة منهم محالون على قسم الجنايات بمحكمة الاستئناف بورزازات، لكنهم وإن كانوا يدفعون الثمن، شأنهم في ذلك شأن أحرار الريف ومناضليه ومناضلاته، فإنهم يدفعونه بشرف، فليسوا هم من نهب المال العام والصناديق ومعادن الفوسفاط وثروات “بوازار”، “اميضر،” “اميني”، “البليدة”، “أقا”، “الحمام”، “كماسة”، “جبل عوام” و”جرادة”… ومن نهب ثرواتنا السمكية، ومن هرب أموال الشعب إلى الخارج، ومن قيل في حقهم “عفا الله عما سلف” ومن يتمتعون بالتعويضات مدى الحياة في الوزارات والبرلمان، ومن يستولي على الأراضي باسم “خدام الدولة”.
لكل هذه الأسباب فان أهالينا في زاكورة في حاجة ماسة إلى تجسيد مبدأ التضامن القوي لإنقاذهم من جبروت الظلم، وإلى تنظيمنا لقوافل المؤازرة والدعم المادي والمعنوي، بهدف نصرة إخوتنا في هذه المعركة البطولية.
مناضل من الجنوب الشرقي المكافح
اقرأ أيضا