مونديال 2014 بالبرازيل: كأس من ذهب لفائدة الفيفا وشركائها، وبريق أمل جديد في سيرورة النضال الشعبي
تشهد البرازيل تظاهرات شعبية ضد التظاهرة الرياضية الكبرى ( كاس العالم لكرة القدم 2014)، وتشارك في هذا الاحتجاج مختلف الفئات: شباب وطبقة عاملة وسكان مهجرين وهنود وفلاحين. وبخلاف ما يروج له الإعلام (احتجاج يشوش على الحدث العالمي ويسئ لسمعة البلد)، يجري هذا النضال منذ سنوات ضد طريقة توجيه أموال الشعب البرازيلي لفائدة الشركات الكبرى القريبة من الفيفا وربائبها المحليين بدل تعزيز الحاجيات الاجتماعية من نقل وتعليم وشغل.
المونديال و خرافة العائدات المالية: نموذجا، جنوب إفريقيا
لقد كانت التقديرات الأولية لكلفة مونديال 2010 بجنوب إفريقيا حوالي 2,3 مليار روند ( عملة دولة جنوب إفريقيا) تتحملها الحكومة المحلية وجرى الوعد بأن عائدات البلد بعد المونديال ستقدر ب7,2 مليار روند. في الواقع، في نفس السنة أي 2010 بلغت التكلفة الحقيقية للمونديال بالنسبة للحكومة المحلية 39,3 مليار روند التي شكلت ارتفاعا قدر بنسبة % 1709 مقارنة بالتقديرات الأولية.
بعد التظاهرة، كان هناك صمت كلي حول المداخيل المالية للبلد. باستثناء SARS (منظمة تعنى بالمداخيل المالية) التي أعلنت أنه لم يتم التعامل مع تظاهرة كأس العالم بطريقة تتيح تجميع و تخزين مداخيل “الحدث”. لقد حققت الفيفا ما مقداره 3,4 مليار دولار غير خاضعة للضريبة. لقد تصرفت الحكومة الجنوب إفريقية كضامن لتراكم الرأسمال ( البنيات التحتية…) الذي ضمن الأرباح للفيفا وشركائها التجاريين. لم يخلق تنظيم كاس 2010 مناصب شغل جديدة بل كثف الاستغلال و أدت الشغيلة ساعات عمل إضافية (لقد كان عدد عمال القطاع السياحي سنة 2008 حوالي 606934 وانخفض إلى أقل من 39556 سنة 2010). وقد قدمت الحكومة البرازيلية الوعود بأن المونديال سيساهم في تنمية البلد، (البنية التحية…) أكيد، فالفيفا وشركائها التجاريون لن يحملوا الملاعب المشيدة بحقائبهم لكنهم سيحملون الملايين من الدولارات ( وليس العملة البرازيلية).
الحكومة تقدم مصالح الرأسماليين الكبار على حاجيات الشعب البرازيلي الفقير
من أجل المونديال شيدت المطارات وجددت الأحياء السكنية وبنيت الطرق السيارة والملاعب ووسعت الشوارع. لقد تمكن الرأسمال المحلي والعالمي من الحصول على امتيازات جيدة من الحكام المحليين البرازيليين: حق بيع الكحول داخل الملاعب، حق اللجوء لتشغيل الأطفال أثناء الحدث الرياضي، إعفاءات ضريبية شتى، ناهيك عن الأرباح الهائلة التي ستحققها الشركات التي أشرفت على البنية التحتية الموضوعة رهن التظاهرة طيلة فترة المونديال. تقدر تكلفة المونديال بـ11 مليار دولار ونصف تقريبا، حيث أن ثلث التكلفة خصص لبناء او تجديد الملاعب 12 التي احتضنت مباريات المونديال. إنه رقم يسيل لعاب شركات البناء الكبرى.
ما يجري بالبرازيل ليس رفضا لشخص المونديال (التقاء منتخبات شعوب العالم في ملاعب كرة القدم) بل رفضا لما خصصته الحكومة البرازيلية من أموال الشعب لفائدة الفيفا وشركائها أو الشركات المحلية التي شيدت البنية التحتية التي استقبلت المونديال. يحتج البرازيليون على أن حاجياتهم من الصحة والتعليم والنقل أولى من تقديم أموالهم بكأس من ذهب للتجار العالميين وربائبهم المحليين. كما كان هناك قمع: حيث عزز البوليس تواجده بالأحياء الشعبية وجرى قمع شرس للتظاهرات نتج عنه عدة حالات قتل و تم طرد 17000 عائلة من مسكنها ومات عمال بأوراش بناء الملاعب كما جرى تدمير لأماكن أثرية تخص شعب الهنود الحمر.
لقد لاحظ السكان أن هناك أموال للتظاهرات الرياضية في حين لا توجد بالنسبة للصحة، التعليم و النقل. إن الشعب البرازيلي يحب كرة القدم لكنه لا يريد مونديالا يفاقم رداءة عيش الفقراء اليومية.
مناهضة المونديال ليس سوى محطة في سكة النضال الذي بدأ منذ سنوات
انطلقت جل الاحتجاجات الشعبية من المناطق الفقيرة الأهلة بالسكان، بسبب انتهاء مفعول السياسات الاجتماعية المهدئة التي باشرها الحكام (حكم حزب العمال المزعوم)، فرغم الزيادات المتواضعة في الأجور التي باشرها الرئيس لولا (2003 ـ 2011 ) جرى تراجع مهول في خدمات النقل والتعليم وأيضا سبل الحصول على الشغل. وأيضا بفعل توسع الاحتجاجات العالمية بعد ما شهدته تونس، مصر وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وأيضا أثناء كأس الكونفدراليات في السنة الماضية بالبرازيل والآن خلال كأس العالم.
لقد جرى أول إضراب بالبرازيل ضد تظاهرة المونديال يوم 27 غشت من العام 2007 من قبل عمال ورش تابع لملعب Green Point تبعته سلسلة إضرابات كان أبرزها: تنظيم عمال بناء الملاعب لإضراب وطني شهد مشاركة 70000 عامل في 8 يوليوز من العالم 2009، شهدت الفترة مابين شهري فبراير وابريل من العام 2013 تنظيم 25 إضراب. لقد تمكنت سيرورة الإضرابات من تحقيق الزيادة في الأجور وتحسين شروط العمل وتعزيز الثقة بالعمل النقابي. اما بالنسبة للنقابات المنفلتة من رقابة البيروقراطية، فقد كان المونديال فرصة مواتية لتقديم المطالب التي ما كان بالإمكان طرحها في اللحظات اليومية العادية، لاقتناعها بان إضرابا خلال المونديال سيحقق المكاسب بسرعة البرق، لأن الحكومة والفيفا والشركات التي ستجني الكثير من الأموال لن ترغب في التأثير على سير كل المونديال و الأرباح.
لقد ساهم المونديال في تطور نضالات الطبقة العاملة البرازيلية واكيد أن المكاسب ستستقطب فئات جديدة ستضخ دماء جديدة في النضال من أجل سياسات عامة لصالح المواطنين وليس خدمة للرأسماليين كما برهنت على ذلك الحكومة الحالية.
إن الاحتجاج الجاري ضد المونديال يؤكد ويقدم رسالة: أن الخدمات الاجتماعية تستحق نفس الاهتمام الذي توليه الحكومة والمسؤولين للتظاهرات الرياضية الكبرى وللمشاريع غير الضرورية ولصالح الطبقة البورجوازية.
العاصي
المناضل-ة عدد 41
اقرأ أيضا