لتسقط رموز الإستبداد، ولنرفع راية النضال عاليا
بقلم: أيور
تنامت حملات الهجوم على نضالات الكادحين مؤخرا، من طرف عصابات ومجموعات مؤجرة، تستهدف التظاهرات الشعبية، حاملة “الأعلام الوطنية”، مدعية دفاعها عن “الوطن” و”الدولة”.
توزاي هذه الهجمات حملات إعلامية مغرضة لتشويه النضال تحت شعار، لماذا لا يحمل العلم الوطني، أليس هذا دليلا على «لا وطنية» المتظاهرين؟ ألا يدل ذلك على ولائهم وخدمتهم لأجندات أجنبية؟
تبلغ هذه الهجمات حدودا وقحة مثل إجبار متظاهر أو موزع نداء او منشور على حمل العلم الوطني، مع الصراخ في وجهه والزعيق بأنه «لا يحب وطنه» وبأنه «خائن» أو «عميل»، أمام أنظار الجماهير السلبية التي تخاف أن تشملها تهم الخيانة والعمالة.
العلم رمز الاستبداد
العلم عادة رمز من رموز «السيادة»، أي يعبر عن الدولة والسلطة، ولا يعبر عن الشعوب إلا في الفترات التي تقوم فيه هذه الأخيرة بانتزاع راية النظام السابق وإبداع رايتها الخاصة التي تعبر عن مطامحها وآمالها القومية ضد الاستعمار، أو الطبقية ضد الأنظمة البائدة.
العلم الفرنسي نتاج ثورة:
استخدم العلم الفرنسي الحالية لأول مرة عام 1789 سنة اندلاع الثورة الفرنسية، وتم اعتماده رسميا 25 فبراير 1894، وتعبر الألوان الثلاثة عن شعار الثورة «حرية، إخاء، مساواة»، ويرمز اللونين الأزرق والأحمر إلى مدينة باريس الثورية بينما بقي اللون الأبيض يعبر عن حلم البرجوازية للتوافق مع ملكية تريدها دستورية، وظل النشيد الوطني المارسييز تعبيرا عن التطلعات إلى تحقيق شعار الثورة الفرنسية.
وبقي العلم ثلاثي الألوان خافقا في سماء فرنسا حتى هزيمة نابليون سنة 1815 وعودة ملكية البربون استعادة الراية البيضاء علم ما قبل الثورة، وأعيد العلم الثلاثي الألوان مرة أخرى عقب ثورة يوليوز 1830.
ورغم ذلك فإن علم الجمهورية الفرنسية لم يشكل قط رمزا لنضالات عمال وكادحي فرنسا منذ ثورات 1848، بل كان العلم الأحمر الذي ذو الدلالة الطبقية، ولا نرى حاليا علم الجمهورية في إضرابات عمال واحتجاجات كادحي فرنسا.
علم روسيا نتاج ثورة أكثر جذرية:
كان العلم الأول عام 1668 لروسيا مكونا من ثلاثة ألوان أفقية؛ الأبيض والأزرق والأحمر. وفي البداية كان هذا العلم رمزا للسلالة الحاكمة القيصرية، ولم يصبح علما رسميا للإمبراطورية الروسية إلا سنة 1896، وكان يرمز إلى الطموحات الاستعمارية للقيصرية، وفي عام 1914 أضيف إلى العلم النسر الذهبي الذي كان يرمز إلى أسرة رومانوف الحاكمة التي حكمت روسيا منذ 1613.
اندلعت ثورة فبراير 1917 مسقطة القيصرية منهية ثلاث قرون من حكم أسرة رومانوف، وبعد نجاح الثورة البلشفية اتخذ علم جديد يرمز إلى الدولة الجديدة ومضمونها الطبقي: علم أحمر داخله مطرقة ومنجل ونجمة، اتخذته 15 عشرة دولة اختارت الانضمام إلى الاتحاد السوفياتي، وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي سنة 1991 عاد العلم القديم إشارة إلى عودة الرأسمالية إلى روسيا.
ليس العلم إذن أو «الراية الوطنية»، شيئا مقدسا بشكل مطلق، بل هو نتاج تطور تاريخي مليء بالصراعات الاجتماعية والسياسية والطبقية العنيفة.. وكلما كانت الثورة أكثر جذرية كلما سارعت باستبدال كلي لعلم النظام القديم كما هو الحال مع الثورة الروسية، وغالبا ما تتطابق مشاعر الجماهير مع مشاعر «الدولة» ورموزها إذا كانت هذه الدولة وهذه الرموز نتاج كفاحاتها ونضالاتها.. وهو غير ما عرفه المغرب.
علم المغرب.. نتاج استعماري
كان العلم الحمر منذ 1666، رمزا لسلالة العلوين المنطلقة من تافيلالت عقب سقوط دولة السعديين، وكان يعلق فوق القلاع في الرباط وسلا، كما كان بيرق الحروب التي خاضتها هذه الأسرة لفرض حكمها على باقي البلد.
بعد فرض نظام الحماية سنة 1912 وشروع سلطات الإقامة العامة في «تحديث أجهزة دولة السلطان»، أضيفت النجمة الخضراء إلى العلم الأحمر سنة 1915، في المنطقة الفرنسية، بينما كان علم المنطقة الشمالية أحمرا يتوسطه مستطيل أخر بإطار أبيض وداخله نجمة بيضاء.
النظام الحالي نتاج تطور تاريخي مزج بين اتجاهين أحدهما موروث عن قرون الاستبداد والحركات والحملات السلطانية لإخضاع القبائل وفي نفس الوقت الحروب بين أفراد الأسرة الحاكمة، أما الاتجاه الثاني فموروث عن عمل الاستعمار الفرنسي لإعادة بناء دولة السلطان وتحديثها واستعمال أجهزتها لإخضاع الاتراب المغربي للاحتلال.
ليس العلم المغربي إذن نتاج كفاح الجماهير، ولا يعبر عن مطامحهم الاجتماعية أو الطبقية أو السياسية، رغم الجهد الأسطوري الذي بذلته الحركة الوطنية البرجوازية [حزب الاستقلال] لجعل العرش رمزا للنضال الوطني، وهو ما استعمله القصر لمحو تواطؤ مكشوف مع الحماية منذ 1912.
وجاء الاستقلال نتاج تواطؤات ومشاورات إيكس ليبان بين فرنسا التي سعت لشكل جديد من الاستعمار وبين القصر والحركة الوطنية اللذين أرادا استقلالا يحافظ لهما على سلطتهما السياسية ومصالحهما الطبقية.
علم الثورة الريفية:
علم الثورة الريفية ورمز الجمهورية التي أسسها الريفيون بعد هزيمة الجيش الإسباني بمحمد بن قيادة عبد الكريم الخطابي، أقرب إلى وجدان الجماهير، لأنه يرمز إلى نضال وطني تحرري ضد الاستعمار وإلى محاولات للتحديث الاقتصادي والاجتماعي الذي ادعاه الاستعمار ولكن الرافض لتنفيذه.
وتناقض رايتي الثورة الريفية وعلم الملكية المغربية ليس محض تناقض رموز، بل صراع بين نظامين أحدهما أراد إسقاط الاستعمار، بينما الآخر سارع على لسان السلطان يوسف إلى طلب «تخليصه من هذا المتمرد» أي محمد بن عبد الكريم الخطابي، وشكر فرنسا بعد هزيمة ثورة الريف ونفي قائدها.
ومن الطبيعي في منطقة عرفت تهميشا لعقود، وتكريسا لاقتصاد هش ومقموع (مخدرات، هجرة سرية، وتهريب..)، إضافة إلى جرح تاريخي يأبى الاندمال ما دام النظام الذي اقترف الجريمة باقيا، وهو القمع الدموي لانتفاضة 1958، من الطبيعي أذن أن ترفع جماهير الريف وغيرها في باقي المدن علم الثورة الريفية وليس علم النظام الذي وقع على معاهدة الحماية.
النضال موكب احتجاج
النضالات ليست مواكب رسمية لإعلان الولاء للنظام الحاكم أو تزكية سياساته، النضالات أفران للكفاح اليومي والصراع ضد السياسة الرسمية، وكل ما يرمز إلى الاضطهاد الاجتماعي والقمع السياسي.
إن من يريد فرض حمل الأعلام الوطنية على الاحتجاجات ويبتز المناضلين بعدم رفعها، يريد حرف النضالات عن مهمتها الرئيسية وهي إسقاط السياسيات اللاشعبية والمدمرة للحقوق.
من حق المحتجين، ومن واجب الكادحين أن ينفصلوا أيديولوجيا وسياسيا عن الطبقة السائدة والنظام الحاكم، وأول شروط هذا الانفصال هو رفض كل ما يرمز إليهما، سواء تعلق الأمر بنشيد أو علم أو شعار.
من حق الكادحين أن يبدعوا ويخترعوا، أو أن يعيدوا إحياء ما يرمز إلى كفاحاتها الماضية، ومن حقها طرح كل ما يرمز إلى الاستغلال والاستبداد.
ليس للعمال وطن
الوطنية شيء نسبي، وليس هناك من شيء مشترك بين وطنية الأسياد ووطنية العبيد، وطنية البرجوازيين ووطنية العمال، لا جامع بين رموز المستبدين ورموز المناضلين لإسقاط الاستبداد.
ما دام الاستبداد قائما وما دامت البرجوازية وكبار الملاك مسيطرين على الاقتصاد، فالعمال محرومون من وطن، ولا يمكن أن يكون المحروم من وطن وطنيا إلا بإسقاط من يضطهده ويستغله.
فقط عندما يسقط العمال والكادحون مستغليهم المستبدين، عندما يقضون نهائيا على البرجوازية وكل الطفيليين الذين يمصون دمائهم، وعندما تنتصب دولة العمال والكادحين، آنذاك فقط سيحمل المناضلون والجماهير راياتها عاليا لتخفق في سماء الحرية والانعتاق.
لتسقط رموز الاستبداد
ولنرفع راية النضال عاليا
أيور
اقرأ أيضا