التظاهر حقٌ مُنتزع وليس منة من أحد: على هامش منع مسيرة 20 يوليوز بالحسيمة
مرت ثمانية أشهر على انطلاق الحرك الاحتجاجي لكادحي الريف، ثمانية أشهر من التظاهرات السلمية والجماهيرية، التي واجهتها قوى القمع بتهشيم الجماجم وتكسير العظام واعتقال النشطاء الميدانيين والصحفيين، في خرق لكل “المواثيق التي ادعت الدولة التصديق عليها”، لأن حرارة الصراع الطبقي قد اشتدت وحرقت معها هذه المواثيق.
بعد اشتداد القمع، الذي اعتمدته الدولة، لاستثارة ردود فعل عنيفة من طرف كادحي الريف، أبدع هؤلاء في أشكال الاحتجاج المؤكدة على السلمية وذلك تفاديا لكل انجرار إلى تصادم عنيف مع قوى القمع لن يؤدي إلا إلى تبديد القوى ومنح الدولة مبررا لتشديد الخناق وتضخيم صفوف المعتقلين.
لم يشفع هذا لكادحي الحسيمة، واشتدت جرعات القمع، وجرى اعتقال النشطاء الذين يظهرون في أشرطة الفيديو على اليوتيب، وترهيب الساكنة ليلا انتقاما من احتجاجات الطنطنة كما حوصرت الشواطئ التي عرفت نظيم مسيرات المصطافين.
استعد كادحو الريف منذ أكثر من شهرين لتنظيم مسيرة احتجاج يوم عشرين يوليوز احتفاء بذكرى انتصار أجدادهم على المستعمر الإسباني، وفي نفس الوقت للتأكيد بأن النفس الاحتجاجي لا زال حارا، ومستعدا للمزيد من النضال من أجل إطلاق سراح المعتقلين والاستجابة للملف المطلبي.
أطلقت الدعوة منذ أكثر من شهرين، وسارعت الدولة للقيام بمناورات لإفشالها أو على الأقل إفقادها زخمها، لكن يبدو أن كل المناورات والقمع لم يزد الكادحين في الريف والجالية بالخارج والمتضامنين من كل ربوع المغرب، إلا تمسكا بالاحتجاج يوم 20 يوليوز.
التجأت الدولة إلى إحدى أوراقها المفضلة والتي تستعملها لمنع حق الاحتجاج المنتزع بالاحتجاج، حيث أصدرت عمالة الحسيمة قرارا بعدم السماح بتنظيم هذه المسيرة “وذلك بناء على ما تتوفر عليه السلطة الإدارية المحلية من صلاحيات قانونية واضحة في هذا الشأن”.
لا تعتمد العمالة على “صلاحيات قانونية” فقط لمنع الاحتجاج، بل تستعين بالعضلات والهراوات لتهشيم الجماجم وتكسير العظام، وهو ما عناه بلاغ العمالة الذي تحدث عن أن العمالة ” اتخذت جميع التدابير الكفيلة بضمان تنفيد هذا القرار”، ورغم ذلك لم تفدها الصلاحيات القانونية ولا استخدام العضلات في ثني كادحي الريف عن الاحتجاج، ولن تثنيهم عن ذلك يوم 20 يوليوز.
يتحدث بلاغ العمالة (وبالأحرى بلاغ وزارة الداخلية) عن أن الدعوة إلى المسيرة قد “تمت بدون احترام المساطر القانونية المعمول بها، حيث لم تتوصل السلطة الإدارية المحلية المختصة بأي تصريح في الموضوع”، وكأن جميع المسيرات التي يدفع في شأنها “تصريح في الموضوع” يجري التصريح لها بذلك، لكن الواقع ينطق بالعكس فكم من مسيرة منعت وقمعت، وما دام التصريح يوجد في يد الدولة فلها كل “السلطة التقديرية” في التصريح لما تريده من مسيرات ومنع ما ترفضه.
إن القانون وضعه الحكام الذين يخدمون مصالح البرجوازية، وكل مسيرة تتحدى سلطتهم وتضر بمصالح البرجوازيين سيجري منعها وقمعها، بينما يجري التسامح مع مسيرات الولاء للاستبداد التي تنظم حتى دون الحاجة إلى ترخيص.
تذرع قرار العمالة كذلك بكون “الفعاليات أو ما يطلق عليه ب”التنسيقيات” التي تقف وراء هذه الدعوة لا تتوفر على الصفة القانونية التي تخول لها تنظيم المظاهرات بالطرق العمومية”، وكأن التنظيمات القانونية لا يجري منعها من تنظيم الاحتجاجات والمسيرات الاحتجاجية. وهل مسيرات “البلطجة” و”العياشة” التي تعتدي على السلامة البدنية للمتظاهرين السلميين صادرة دعواتها عن تنظيمات “تتوفر على الصفة القانونية”.
من يحرم المنظمات من “الصفة القانونية” سوى الدولة، تعتبر ذلك سيفا مسلطا بشكل دائم على أعناق هذه التنظيمات، ولا زالت الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب وجمعية أطاك المغرب محرومة من حقها في التواجد القانوني.
ولم يدخر بلاغ العمالة ذريعة ستدرج في سجل النوادر المضحكة في تاريخ القمع بالمغرب، حيث أكد أن تنظيم المسيرة من شأنه أن يمس “بحق الساكنة المحلية في أجواء أمنية سليمة، لاسيما مع تزامن الدعوة المذكورة مع الموسم الصيفي”. أليست أجهزة القمع هي التي تمس بحق الساكنة في أجواء “أمنية سليمة”، أليست قوات البوليس والدرك هي من تروع المواطنين ليلا وتخرب ممتلكاتهم، أليست أجهزة القمع هي من اختطفت أبناء “الساكنة المحلية” وزجت بهم في السجون.
وفي الأخير أليست الساكنة المحلية هي من تستجيب لكل دعوات التظاهر السلمي طيلة شهرين.. ألم تستجب الساكنة المحلية لطلب هدنة وأوقفت احتجاجاتها ولكن رغم ذلك استمر حرمانها من أجواء “أمنية سليمة” باستمرار القمع والاعتقالات الممنهجة.
الساكنة تطالب منذ ثمانية أشهر بمحاسبة المسؤولين عن الموت المأساوي لمحسن فكري والاستجابة لملفها المطلبي، ومنذ شهر ماي تطالب الساكنة بإطلاق سراح المعتقلين ورفع العسكرة عن الحسيمة وأحوازها، فمن يرفض تمتيعها بأجواء سليمة إلا من يرفض رفع العسكرة.
ولم ينس بلاغ العمالة العزف على وتر احترام “سلطة” القانون، أي سلطة قانون الاستبداد ومنع الاحتجاج، وكل ذلك حسب منطوق البلاغ لأنه يشكل شرطا من “الشروط الجوهرية التي تُثري الممارسة الديمقراطية، وتُدَعِّم مسار بناء دولة الحق و القانون والمؤسسات”.. نعم في مغرب القرن الواحد والعشرين يعتبر منع المسيرات إثراء للممارسة الديمقراطية، أي “الديمقراطية الحسنية” التي جرى إرساؤها منذ ستينيات القرن العشرين، وكان شرط إرسائها سنوات رصاص وقوافل معتقلين وشهداء وعشرات القتلى في انتفاضات مدينية وتطويق العالم القروي وسط الجهل ودياجير الأمية.
إنها الممارسة الديمقراطية المسموح بها في مغرب القرن 21، إنه “تنزيل دستور 2011″، الذي يطالب به الجبناء وذوي النزعة الديمقراطية الزائفة، الذين يخافون من الجماهير أكثر مما يخافون من الاستبداد.
تسير الدولة حاليا على قدم وساق، ومهماز البنك الدولي يلكزها، إلى تصفية كل مكتسبات النضال السابقة، وهذا سيثير احتجاجات عمالية وشعبية، ولذلك تعمل الدولة لتكبيل أيدي عمال وكادحي المغرب لمنعم من النضال، ويأتي قانون منع الإضراب في هذا الباب.
إن حق الاحتجاج لم يكن قط منة من أحد، لم يكن قط منحة حاكم فرد لـ”شعبه العزيز”، بل كان نتاج نضالات وتضحيات وصراع من هذا الشعب ضد الحاكم الفرد ودولته.
قرار العمالة ليس إلا خرقة ورق ستدوس عليه أقدام الكادحين يوم 20 يوليوز، وستكون هذه المسيرة لبنة أساسية في تشييد صرح الديمقراطية الحقيقية بالمغرب، أي الديمقراطية التي تستجيب لحاجيات الكادحين وليس تلك التي تخدم مصالح البرجوازيين والرأسمال الخارجي.
حسيمي
اقرأ أيضا