تعبئات الريف: النظام يستنفر كل قواه لمحاصرة الحراك
لحدود الساعة لم تنفع كل الوعود والخطابات الرسمية وكل المناورات (إنزال وزراء إلى مدينة الحسيمة، واستعمال المساجد لتأليب المواطنين ضد الحراك الإجتماعي)، في هزم حراك الريف. لذلك إلتجأ النظام للتهديدات، والإتهامات بالنزوع الإنفصالي والخيانة، والتطويق القمعي، واعتقال العشرات، ونسف الأشكال التضامنية في المدن والبلدات في عشرات المناطق.
مع اشتداد الخوف، والهلع بالمستبدين، من إنتشار الحراك بباقي مناطق المغرب، مع بروز علامات ذلك بجهات عديدة – ظهور تنسيقيات ضد التهميش بعشرات المناطق- لم يبق للنظام غير تشديد القبضة القمعية، واستئناف كل صنوف الإستبداد، لخنق الحراك والمتضامنين معه.
فشل الرهان على عامل الوقت لتلاشي الحراك
عاشت الريف ما يقارب سبعة أشهر حركة نضال سلمي، شملت كل مدنه وبلداته. تغاضى عنها النظام طيلة ستة أشهر، معتبرا الأمر مجرد سحابة احتجاج عابرة. مرتكزا في ذلك على مكاسبه في الإلتفاف على حراك العشرين من فبراير بتنازلات ومناورة سياسية، وإخماد حراك جماهير طنجة ضد شركة أمانديس عبر إرسال وفد حكومي.
اعتبر النظام أن التضحية بأكباش فداء عقب طحن محسن فكري كافية، وأرسل وفدا يقوده وزير داخليته، لدى عائلة محسن فكري المطحون، وذلك لإحتواء الغضب، وراهن على أن الإحتجاج لحظة غضب عادية وستزول.
غير أن التاريخ السياسي لمنطقة الريف تحديدا، له خصوصية في العلاقة مع النظام المغربي. لم تنفع كل محاولات النظام في طمس الذاكرة. لقد قام عبد الكريم الخطابي، في خضم كفاحه الوطني ضد المستعمر بتأسيس جمهورية الريف، بمؤسساتها وعلمها. وشبح هذه الصفحة المشرقة من كفاح كادحي الريف، حدا بالملكية منذ السنوات الأولى للاستقلال الشكلي بعقاب سكان هذه المنطقة. ثلاث سنوات فقط بعيد الاستقلال المنقوص، تدخل الجيش المغربي بشكل دموي لإخماد انتفاضة الريفيين (58-59). وقد استمرت هذه المعاملة القمعية مرورا بنظام الحسن الثاني (الذي اعتبر في خطاب شهير جماهير الريف مجرد أوباش)، وصولا إلى اليوم حيث الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية غير محتملة.
فضلا عن هذا، استمر حراك الريف لأن ثمة تفاعلا بين شعور جمعي تاريخي إزاء النظام، وبين تجربة ودروس كفاحات سنة 2011. هذه الاخيرة افرزت طلائع نضال مدربة ومتمرسة على النضال، مكتسبة لطرائق قيادة النضال وتسييره.
القبضة القمعية كجواب عن الاصرار على النضال
عكس المرونة التي أبدتها الدولة في الشهور الستة الأولى للحراك، فقد استأنفت كل أشكل التضييق والتشهير الرسمي بطلائع حراك الريف، بلغ ذروته في اعتقال العشرات بتهم متهافتة.
تجذر الحراك، وظهور أمارات امتداده إلى عدد من المدن الكبرى، والقرى، ودعوة نشاطي الريف الى مسيرة مليونية في يولوز القادم، ، غير تعامل الدولة.
فعوض الانحناء حتى تمر العاصفة الريفية (تغطية الإعلام الرسمي للحراك، زيارة وفد وزاري للمنطقة، رصد ميزانيات تهم البنى التحتية، والإعلان على مباريات لتشغيل المعطلين بالمئات…). فجأة تحول الحراك الاجتماعي في نظر الدولة إلى إنفصالي يمس “رموز الوطن”، وتحركه أيادي خارجية … وغيرها من النعوت المستمدة من قاموس وزارة الداخلية. والهدف واضح، تقديم غطاء مسبق للقمع القادم.
يطال التشهير، كالعادة، جوانب من الحياة الشخصية للمناضلين، عبر نشر صورهم الشخصية، واستعمال أبواق النظام: رجال دين البلاط، وحركات سلفية رجعية، ومحللين سياسيين تافهين يكررون ما تصرح به وزارة الداخلية. فضلا عن رهط من صحافيي الاستبداد.
ولنسف الاحتجاجات التضامنية مع كادحي الريف، يجري تسخير مجموعات من البطلجية (الرباط- مراكش- الدار البيضاء- طنجة..) تحت حماية الأجهزة القمعية. هذا وتشهد أغلب الإحتجاجات التضامنية تطويقا مسبقا بمختلف تلاوين الأجهزة القمعية، لأماكن الإحتجاج المعلن عنها. وليس مستبعدا أن تحشد وزارة الداخلية لتنظيم مسيرات مضادة.
إذا كان التراخي مع حراك الريف قد ولد تعبئات جماهيرية لم يستطع النظام إخمادها رغم كل ما بذل، فإن التساهل مع الإحتجاجات التضامنية في كل ربوع المغرب، سيشجع الناس على النضال، لا سيما والأوضاع الاجتماعية جد متردية.
لقد أفضى حراك الريف إلى فرز واضح في المشهد السياسي، وساهم في كشف خواء الإجماع الوطني المزعوم، وسفه أسطورة البلد المستقر الآمن.
إن كادحي الريف قد قدموا مجددا المثال على أن التغيير الحقيقي والعميق، أبعد من انتظار الصدقات من أعلى. إنه الفعل النضالي المباشر.
عاش نضال كادحي الريف!
م. ب
اقرأ أيضا