لا لتجريم النضال الاجتماعي بالريف بأضاليل الأيادي الأجنبية و النزوع الإنفصالي
يشهد الريف منذ 6 أشهر و3 أسابيع حراكا شعبيا فريدا من نوعه في تاريخ نضال كادحي المغرب. فباستثناء دينامية 2011، لم تشهد منطقة بالمغرب حالة نضالية شبيهة بتلك القائمة حاليا بمنطقة الريف.
لا يتفرد نضال الريف بمحليته، وهو ما يجب تجاوزه، ولكن بسعة الانتشار الجغرافي، وبداية أشكال تنظيم وتعبئة شعبية، وطول النفس.
حاول النظام قتل هذا الحراك في مهده بجملة من التنازلات تخص بالدرجة الأولى تبعات مقتل الشهيد محسن فكري (متابعات قضائية لم تمس المتورطين الحقيقيين بل أكباش فداء، نزول ممثلي السلطة لمتابعة تنفيذ المشاريع المقررة).
بعد ذلك حاولت الدولة أن تنال بالقمع مالم تنله بالخداع، لكن كل موجة قمع كانت تقوي الحركة بدل أن تقصم ظهرها، ونتج عنه توسع للحراك لمناطق أخرى غير مدينة الحسيمة.
منذ البدء: محاولة لوأد الحراك
لم تستطع الدولة أن تغامر بموجة قمع شاملة منذ البداية لأن ذلك سيشعل، ليس المنطقة لوحدها، بل عموم البلاد، فهي تتذكر الاحتجاجات العفوية التي شملت أغلب مدن وبلدات المغرب احتجاجا على مقتل محسن فكري.
فضلت الدولة التريث، مع أشكال قمع منتقاة ومحسوبة وباستعمال “البلطجة”. لكنها عملت على عزل الحركة عن قاعدتها الشعبية، من خلال نزول ممثلي السلطة المحلية- في سابقة من نوعها- للاستماع لمطالب الساكنة وتتبع تنفيذ “المشاريع التنموية”.
ولكن في الجهة الأخرى دأبت وسائل إعلام الدولة والأحزاب التابعة لها على هجوم إعلامي تشتد جرعاته مع مرور الوقت، مركزا على اتهامات لا دليل على صحتها حول “الأيادي الخارجية” و”التمويل الأجنبي”.. إلى آخره من أضاليل جهاز دولة أقامه الاستعمار ولا زال عميلا له (اقتصاديا وسياسيا).
دقات طبول الحرب
مرة أخرى يتكرر نفس السيناريو الذي استعملته الدولة مع نضال كادحي إفني (2008) ، حديث عن شرعية المطالب الاجتماعية، وإدعاءات كاذبة بطلب الحوار مع قادة الحراك، في الوقت الذي تعد فيه فصائلها المسلحة لإتمام ما بداته فصائلها لإعلامية.
فجأة اتفقت أحزاب النظام مع وزير داخليته على مشروعية المطالب الاجتماعية التي يناضل من أجلها كادحو منطقة الريف، ولكن مع لازمة “النضال بالوسائل المشروعة التي يقرها الدستور”.
وفي نفس الوقت لم تنس هذه الأحزاب تكرار اتهامات وزير الداخلية التي أطلقها دون أن يكلف نفسه عناء تقديم دليل مادي واحد حول تورط مناضلي حراك الريف في العمالة للأجنبي.
هذه الأحزاب التي كانت طيلة مدة نضال الريف مشغولة بمسرحية النظام حول تشكيل الحكومة من عدمه، يقوم وزير الداخلية بـ”استدعائها”، كي تساهم في الجوقة التي ستضفي المشروعية والقانونية والدستورية على قمع واسع النطاق أعدت له الدولة عدته منذ شهور خلت، وليس الآن وقد بذلت ما بوسعها لتهييء الرأي العام لقبوله وصنعت أكذوبة “انحراف المطالب الاجتماعية إلى مطالب انفصالية ذات أجندات خارجية”.
صرح خالد الناصري عن حزب التقدم والاشتراكية؛ “أن خرافة المطالب الاجتماعي هي خرافة سرعان ما تبخرت، لأن المطالب التي تُحرك الاحتجاجات، فيها تطاول وقفز على الخط الأحمر عبر مجموعة من المطالب بنفس انفصالي، وهي مطالب لا يمكن للبلاد التي تبني ديمقراطيتها وعدالتها الاجتماعية أن تقبل بها”.. وبطبيعة الحال لم ينس الناصري الإشارة إلى أنه تأكد من هذه المعلومات بعد الاستماع إلى توضيح وزير الداخلية.. فعلا لقد استحق حزب التقدم والاشتراكية اللقب الذي أطلقه عليه جيل بيرو “زينة ضرورية لواجهة النظام الديمقراطية”. [صديقنا الملك].
خطاب وزير الداخلية وتكراره بطريقة الببغاء- مع الاعتذار للببغاء- من طرف أحزاب النظام، له غاية سياسية واضحة رغم غباء التصريحات، ألا وهو شيطنة مناضلي الحركة الاحتجاجية بالريف، لشرعنة القمع الواسع. أكملت هذه الأحزاب مهمتها المنوطة بها بالدعوة إلى تطبيق القانون وعدم التسامح مع “الأشخاص الذين يقومون بتخريب الممتلكات العامة وترويج الأفكار الهدامة وتخلق الفتنة في المنطقة”، حسب تصريح الطالبي العلمي من حزب التجمع الوطني للأحرار.
باشرت الدولة تنفيذ الخطوات الأولى لهذا القمع بإنزال قمعي ضخم، حول منطقة الريف إلى معسكر اعتقال جماعي ضخم. ولا بد أن سكان الريف، وهم يشاهدون التعزيزات الحربية، سيتذكرون تلك الموجهة من طرف الاستعماريين للقضاء على الثورة الريفية [آنذاك أيضا اتهم الريفيون بالمؤامرة ضد السلطان]، وإنزال 1958 الذي كان بطله الحسن الثاني ووزير داخليته أوفقير (صنيعة الاستعمار وجنرال الجيش الفرنسي).
أضاليل لتبرير لقمع
لم يتورع وزير الداخلية وأحزابه عن إطلاق الاتهامات شمالا ويسارا في حق مناضلي النضال الشعبي بمنطقة الريف.
تكررت لازمة الحرص على الممتلكات العمومية من طرف أحزاب بصمت بأصابعها العشرة على مخططات مملاة من طرف “دوائر أجنبية” هي الصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، سياسات خربت الجهاز الانتاجي للقطاع العام، وأدت إلى انهيار الخدمات العمومية التي يستفيد منها ملايين الكادحين (صحة وتعليم).
طيلة 6 أشهر من حراك الريف، لم يجر تخريب أي مرفق عمومي، ولم تندلع المواجهات العنيفة إلا حين تحضر أجهزة القمع، وتتحمل بذلك مسؤولية التخريب.. ورغم ذلك فلأحزاب وزارة داخلية النظام رأي آخر لا علاقة له بالوقائع الحقيقية بل بتوضيحات وزير الداخلية ذاته.
التنظيم والتضامن لنصرة كفاح الريف
لن يتورع النظام في توجيه ضربة قمعية واسعة وشرسة، وبعد ذلك سيتعامل مع التداعيات الحقوقية والقانونية لقمع سيدعي بعد ذلك أنه تجاوز النطاق المسموح به قانونيا، ولكن بعد أن يكون القمع قد أدى مهمته المباشرة والآنية المتمثلة استئصال أنوية التنظيم الشعبي واعتقال طلائع النضال بمنطقة الريف.
لا يمكن مواجهة قمع دولة الاستبداد وأبواقها الإعلامية إلا بتوسيع قاعدة الحراك الشعبي جماهيريا وجغرافيا، وحفز السكان على إنشاء وتأسيس لجانهم وهيئاتهم لتنظيم النضال من أسفل على قاعدة ديمقراطية، وهو الشرط الرئيسي لحماية الحركة من الاجتثاث بواسطة القمع، أي توسيع حاضنته الاجتماعية.
يعتمد النظام على خفوت التضامن مع حراك الريف الاحتجاجي، بعد تراجع التظاهرات التي أطلقها قتل محسن فكري، ويفرض هذا مهمة ثقيلة على تنظيمات النضال في كل مناطق البلد، وهي تنظيم التضامن مع الريف.
إذا كان النظام قد وجه قوافل ميليشياته المسلحة لعزل الريف والاستفراد به لقمع وسلخ جلود المناضلين وتهشيم جماجمهم، فعلى تنظيمات النضال (أحزاب يسارية، جمعيات حقوقية، نقابات…) أن تنظم قوافل التضامن لكسر الحصار ومنع سحق حراك الريف.
إننا في حرب، حرب طبقية، وإحدى فصائل الشعب المقاتلة محاصرة، وعلى الجيش الشعبي كله أن يهب لفك الحصار عن هذه الفصيلة الطليعية.
إن مسؤولية ثقيلة تقع على أعناقنا، إن لم نضطلع بها، سنكون مساهمين في وأد هذا النضال.
ح.م
اقرأ أيضا