لماذا انتصرت الانتفاضات الشعبية للفكر الماركسي الثوري؟
هيفاء أحمد الجندي
2016 / 12 / 24
إهداء إلى روح المفكر الشهيد مهدي عامل!
لماذا انتصرت الانتفاضات الشعبية للفكر الماركسي الثوري؟؟
لم ترتق،الكتابة الفكرية العربية،لحدث إستثنائي تاريخي كالإنتفاضات الشعبية،ولم يواكب الفكر العربي،الزمن الثوري الجديد،أوما اصطلح على تسميته”زمن التغيير من أسفل”أي زمن الشعب الذي يصنع تاريخه”،ويحقق ضرورة هذا التاريخ،وبقي التفكير بإنتاج نظرية الثورة،الهاجس الأساسي لبعض المشتغلين بالحقل الفكري-المعرفي الجديد وهي ليست بالمهمة اليسيرة،لأنها تتطلب حفراً عميقاً في بنى المجتمعات وتشريحاً للطبقات وبنى السلطة وأشكال الوعي السائدة.
ومن فضائل هذا الزمن الثوري الجديد،أنه قطع مع مرحلة التفكيروالتنظير”من فوق”،أي مع الإنتاج الفكري للتيار الحداثي التنويري،والذي أخذ طابع الثنائيات المغلقة،اللاتاريخية الحداثة/الأصالة /التراث/النهضة/المجتمع المدني/العلمانية/ وهي لاتعدو كونها ثنائيات نخبوية،إنصب جهد منتجيها،على كيفية حقنها في واقع،لم يتبلورحامله الاجتماعي،ومن شأن هذا الأخير،أن يعمل على تبيئة وتجذيرهذه المفاهيم،وهكذا،بقيت هذه الأفكارومع غياب حاملهاالاجتماعي،أسيرة الطرح الفوقي والاغترابي عن الواقع.
ومع اندلاع الانتفاضات الشعبية،ودخول الجماهيرالحيزالعام،عادت هذه النخب والتفت على المحتوى الاجتماعي-الطبقي للإنتفاضات،ولم تر في الثورات،إلا ثورات سياسية ضد أنظمة مستبدة،والبعض الأخر أصابه الارتباك،والعجزالفكري وتحول إلى مراقب سلبي،وبدل أن يقدم الفكر،ما يساعد الشعب المنتفض على تطوير انتفاضته،غرق في أحكام سوداوية ونقاش لا معنى له،وانحصرالتفكير في الحقل السياسي،دون المجتمعي مع أن الإحتقان والغضب،كان يتراكم في الحقل المجتمعي،وهنا نلمس التفارق،بين ثورية الطبقات الشعبيةونخبوية المثقفين،اللذين لا ينظرون إلى ما هو موجود تحت،ولم يكونوا على معرفة بالوضع الاقتصادي المزري،الذي تعيشه وبالسحق الذي يشعر به المواطن المهمش والكادح.
مثلما برهنت الانتفاضات،على عقم ونخبوية الفكر الحداثي-التنويري،واغترابه عن الواقع البائس للطبقات الشعبية،انتصرت بالمقدارذاته،لأطروحات بعض المثقفين الماركسيين،اللذين انتظرواهذه اللحظة التاريخية،”لحظة التغييرمن أسفل” وأقلقهم التفكير،بإنتاج نظرية الثورة ولا نبالغ إذا قلنا،بأن الانتفاضات انتصرت للفكر الثوري،أي للفكر التاريخي،وللتحليل العيني الواقعي،في إطار المادية التاريخية والمنهج الجدلي.
قبل الخوض في هذه الدراسة،لا بد من تحديد أبرز المحاور،التي سوف تتصدى لها والبداية سوف تكون مع ماركس،وأفكاره عن الرأسمالية،ورؤيته لشكل تطور بلداننا،ومن ثم،مفهوم الامبريالية كما شرحه لينين،وأترابه من المثقفين الثوريين و من دون تحليل وتفكيك هذا المفهوم المركزي،لا يمكن فهم وتفسيرالانتفاضات الشعبية،وصيرورتها وسيكون لنا محطة أيضاً،مع أطروحة سمير أمين عن المركزوالأطراف،وقانون القيمة المعولمة،ووقفة مع أطروحة مهدي عامل “نمط الإنتاج الكولونيالي”والعلاقة الكولونيالية وتوصيفه الطبقي العميق للتركيب الاجتماعي العربي.
سنفرد حيزاً خاصاً،لنقاش فكرة جوهرية وأساسية وإشكالية في الوقت عينه،وهي دورالمركب الفلاحي،في الثورات القديمة والحديثة،وتمايزهذه الفئة الاجتماعية و تحولهم الى عمال مأجورين،أو إلى قاعدة اجتماعية للثورات المضادة والأنظمة الرجعية الانقلابية.
لا يمكن الكتابة عن واقع الثورات ومآلاتها،من دون استحضار،بعضاً من أفكارالمؤرخ الماركسي إريك هوبسباوم العميقة والرؤيوية.
من شأن هذه المراجعة التاريخية،أن تضيء جوانب من الراهن الثوري العربي،و تأخذ بيد الباحث الجدي والمسؤول،وتساعده على استنتاج الرؤى والأفكارالجديدة و ربما يكون هذا التناص الثوري الفكري، بمثابة الخطوة الأولى،على طريق إنتاج نظرية الثورة العربية.
ولا بد أن نلفت انتباه القارىء،الى أن المفكرين الماركسيين،اللذين وردت أسماءهم أعلاه،كانوا منضووين في أحزاب شيوعية،وهذا لعمري،انتصار لفكرة التحام الفكروالممارسة السياسية الثورية العملية،وعدم الفصل بين النظرية والتطبيق هوما أعطى ماركسية ماركس،دفعها الثوري الأصيل،والتي بلغت ذروتها،كتجريد نظري في صيغة ماركس القائلة:” بأن الفلاسفة لم يفعلوا سوى تفسير العالم في حين أنه ينبغي الأن تغييره”.
والممارسة السياسية الثورية،لا تعني سوى الإنخراض،في عملية الصراع الطبقي و هذا الإنخراض الواعي والمسؤول في السيرورة الثورية،يحدد موقف الماركسي و كل موقف مضاد لهذا المبدأ،سوف يقود الى التخلي عن الماركسية ولا ضير من القول،ان نظرية الثورة،هي نظرية الصراع الطبقي،أي نظرية ماركس ومنهجه المادي الجدلي،وبناء على ما ذكر،يمكن القول بأنه لا يوجد فكر محايد وموضوعي والفكر بالضرورة،منحاز الى الفئات المهمشة والمظلومة وكما قال المفكر الشهيد مهدي عامل “لا تكمن موضوعية الفكر في حياده الطبقي،بل في قدرة هذا الفكر على النظر في الواقع الاجتماعي،من زاوية الطبقة الثورية،التي يحملها التاريخ الى ضرورة تغيير الواقع،حتى يتمكن التاريخ من تحقيق ضرورته”
وهي مناسبة،حتى نسلط الضوء،على أبرزالمحددات النظرية،التي وضعها المفكر مهدي عامل لنظرية الثورة،النابعة من تمايز التركيب الاقتصادي الاجتماعي ويمكن ان تكون دالة عمل منهجية وبوصلة فكرية لأنها لا تزال تحتفظ براهنيتها بعد مرور عقدين من الزمن.
يؤكد مهدي عامل على أهمية الانطلاق،من واقع الحركة الثورية،في مجتمعاتنا فيكون إنتاج فكرنا،هو إنتاج للوعي النظري لهذه الحركة العامة،لانتقال التاريخ إلى الاشتراكية ومن هنا أتى الارتباط الضروري للممارسة النظرية،بهذه الحركة المحددة من الصراعات الطبقية،لأن الممارسة النظرية هي إنتاج الوعي العلمي للحركة التاريخية الثورية والوعي هذا،من حيث هو وعي تاريخي،وليس وعياً فردياً بل هو وعي الجماهير،التي تصنع التاريخ في عملية معقدة من الصراع الطبقي، الذي تقوده الفئات المفقرة.
ثانياً-الانطلاق من تميز الحركة الثورية وتميز حركة الصراعات الطبقية في مجتمعاتنا الكولونيالية.”مقدمات نظرية ص180″.
من جهته،اعتبر المنظر الماركسي سمير أمين،أن تحليل الصراع الطبقي على مستوى التكوينات القومية،هوالأساس لنظرية تتعلق بالشكل الرأسمالي ويلزم تحليل الصراع الطبقي على مستوى النظام الرأسمالي العالمي،أي الدراسة في اطار المادية التاريخية.”سمير أمين و قانون القيمة المعولمة ص44″
ماركس ونمط الإنتاج الأسيوي:
اعتبرماركس الملكية،أوانعدامها أساساُ للموقع الطبقي،وعرى بلا رحمة،ميلاد الرأسمالية ونموها،معتبراً التراكم الأولي،هو تاريخ أعمال النهب والاغتصاب و القتل،التي قام بها،كبار الملاكين والبورجوازية وسلطة الدولة،وصادروا أملاك الفلاحين بالقوة،وجرى تدمير بيوتهم وتشريدهم وإعدامهم،فضلاُعن نهب المستعمرات،حتى أنه لم ينس الحروب الأهلية،التي أثارتها تجارة الرقيق في افريقيا،وفضح في الوقت عينه،إيديولوجيي البورجوازية اللذين كانوا يقولون،بإن قوانين التجارة،هي سنة الطبيعة وشريعة الله.
وعلى الرغم،من استراتيجية ماركس الأوربية،والتي تركزعملها ونظرها،على أوربا الغربية الصناعية وبروليتارييها ولكن تشخيصه للمجتمع الروسي والهندي و المجتمعات الشرقيةعموماً،كان قد أخرج هذه المجتمعات من القالب الكلاسيكي لتطورأوربا الغربية”نمط الإنتاج الاقطاعي”وأبدع نظرية “نمط الانتاح الاسيوي” وسعى الى دراسة،تأثيرالمجتمع البورجوازي الاوربي”الاستعمار”على هذه المجتمعات الشرقية،وعلى سير تطورها ومن شأن هذا التحليل التاريخي،أن يضيء جوانب لطبيعة السلطة العربيةولنمط الانتاج السائد فما هي طبيعة “نمط الانتاج الاسيوي”الذي ميز التركيب الاقتصادي-الاجتماعي الشرقي؟
هوعبارة،عن قرى مشاعية،مكتفية ذاتياً تجمع الزراعة والصناعة اليدوية والترابط الوحيد،هوالتعاون الذي تفرضه وحدة التنظيم العليا-الدولة أو”الملك-المالك” في إطارالاستبداد الشرقي،وكانت المشاعة-القبيلة،هي الركيزة الاجتماعية المكتفية ذاتياً. والصراع الطبقي،موجود في النمط الاسيوي،حتى بدون وجود الملكية الخاصة،لأن الهيمنة كانت للدولة الاستبدادية،التي كانت تأخذ فائض الانتاج،من الجماعات القروية المشاعية،ولكن هذا الصراع لم يفض فيما بعد،وما كان له أن يفض الى الخروج من النمط الاسيوي،والى انشاء مجتمع جديد أرقى،ولم يكن ينتهي الى تحويل المجتمع ثورياً،ولم ينفذ الاقتصاد السلعي،الى الخلية الاجتماعية”القرية” ولم يفعل فيها فعله المدمر،ولم تتولد ديناميكية صاعدة،كتلك الديناميكية،التي قادت أوربا من أسلوب إلى أسلوب خلال حقبة تاريخية وجيزة نسبياً.
وأدى اقتحام،أوربا البورجوازية،لهذه البلاد”الهند”و”الشرق الأدنى”وابتداء من القرن الخامس عشرولا سيما في القرن التاسع عشر،الى انتصار الملكية الخاصة للرأسمالية المحلية،وبداية حركة تاريخية جديدة كونية،على أساس جرائم لا حصر لها،وكان من أبرزها،تصفية عدد من الشعوب المشاعية ونصف المشاعية وبات معلوماً،حقيقة قيام أوربا،على ظهر سكان البلاد الأصليين.وإدخال الملكية الخاصة عن طريق الاستعمار،لا يقود البلاد المغلوبة نحو المجتمع البورجوازي التقدمي،بل نحوالحالة الكولونيالية الكومبرادورية،ونحو الحالة التي تسمى “التخلف”وهي نتيجة التقاء المجتمع الاسيوي وغيرالاسيوي،مع الغزو الكبير،في زمن الامبريالية وتحت إشرافها العالمي، وقد تلمس ماركس بدايات هذه الحالة،حين بين حجم الاستنزاف الأجنبي،وتراكم المجاعة في الهند البريطانية،وكان الإستعمارمشغولاً بكيفية شفض فائض الانتاج الاجتماعي،في الهند ومصروالجزائر،الأمر الذي أعاق عملية التراكم المحلية والنتيجة،أن جرى رسملة للبنى التقليدية من الخارج،وبالقوة وجرى قطع الطريق،على التطور الطبيعي،النابع من تفارق الطبقات وبنى الانتاج وتحول شيوخ العشائرووجهاء المجتمع المحلي الى ملاكيين.
وكان الاستعمارالبريطاني،قد دمر نظام القرابة في الهند،ملحقين بهذا البلد أفدح الخسائروالويلات،مما أدى الى خراب الزراعة الهندية وكانت الشركات الانكليزية تتمتع بكامل صلاحيات الحكم الاستعماري”تعيين الوظائف،جباية الضرائب،فضلاً عن احتكار التجارة الخارجية ” وكان التغيير الأساسي في البنية الاجتماعية الريفية في ظل الأثر البريطاني،هو زيادة حجم العمال الزراعيين والمعدمين اللذين لا أرض لهم،وكانت البروليتاريا الريفية في الهند،مرتبطة بالنظام السائد من خلال الالتزامات الطائفية،وكان الأعيان يحافظون على الطائفية والأشكال القرابية حتى تدوم مصالحهم،وكانت الطائفية،بمثابة تنظيم للسلطة في المجتمع المحلي وفق ما ورد في كتاب “الاصول الاجتماعية للديكتاتورية والديمقراطية لبارينجتون مور” الأمرالذي أعاق،ظهور صراع طبقي في القرية،ولم يتمكن الفلاحون من إنجازثورتهم بمفردهم،ولكنهم أتوا بالديناميت والشرارة،إذ لا بد ان يكون للفلاحين، قيادات من الطبقات الاخرى،لأنها الشريحة التي تتعرض للاستغلال المضاعف وفي انجلترا،كان ملاك الأرض الكبير،يستغل الدولة،لطرد اصحاب الأراضي من الفلاحين،أما مالك الارض الكبير في اليابان، فلم يطردهم من الارض،بل استغل الدولة،لاستخراج الاجور من الفلاحين،وبيع المنتجات في السوق المفتوحة.وكان هناك تحالف طبقي بين الطبقات التجاريةوالصناعية والطبقات الحاكمة التقليدية في الريف موجهاً ضد الفلاحين والعمال الزراعيين.
وأعاقت الهيمنة الأبوية للدولة،في المجتمعات الشرقية،تبلور حامل اجتماعي كان يمكن أن يفرزه تناقض الطبقات،على غرار ما حصل عشية الثورة الفرنسية،ويعود السبب في ذلك،للبنية التفارقية للمجتمع الفرنسي، ذو المنحى التصاعدي والذي تمخض عنه نشوء البورجوازية الصاعدة،على النقيض من البنية الاجتماعية العربية اللاتفارقية،التي أبقت على تجاور الطبقات،وأشكال الانتاج الماقبل رأسمالية وهذا التجاور،أعطى نسق وسياق التطورالعربي،صفة الركود والانغلاق،مما يؤكد على صحة التوصيف الذي أطلقه ماركس،على شكل تطور بلداننا،وهو شكل راكد ومغلق ودائري بسبب، استبداد الدولة وإشرافهاعلى الأشغال والري،وحيازتها للملكية،وكان المفكر سمير امين قد أطلق على البنى الاجتماعية الماقبل راسمالية ما أسماه ب”نمط الانتاج الخراجي”حيث الدولة-الطبقة تحوزعلى الفائض العيني من الفلاحين من خلال الهيمنة الايديولوجية” أي الاستلاب الميتافيزيقي”
اذاً،لم يكن الإستعمار يوماً،عامل تقدم،ولم يساعدعلى تطويرالانتاج ووسائله،بل استخدم أشكال التراكم والانتاج الأكثر بدائية،”النهب والعمل الإجباري”.ولم يول ماركس قضية الاستعمارالاهتمام الكافي،وركز على التحليل الاقتصادي-الاجتماعي وسوف يتابع لينين،وعدد من القادة الثوريين من بعده،ما كان قد بدأه وسوف يعملون جميعا،على تشريح وتفكيك مفهوم الامبريالية ومن دون فهم هذه الأخيرة،يستحيل بناء خط ثوري تحرري حقيقي،ونحن اليوم ملزمين، بإعادة التفكير في الامبريالية و إعادة الاعتبارلها،على خلفية صعود وبزوغ امبرياليات جديدة متصارعة،و للإضاءة الكافية على هذا المفهوم،لا بد من العودة إلى إطروحات بعض المفكرين الثوريين،اللذين كان لهم فضل السبق،في التأسيس النظري لهذا المفهوم وأصبحت هذه الإطروحات فيما بعد،بمثابة بوصلة نظرية ومرشد عمل،لعدد من المفكرين الماركسيين كسمير أمين ومهدي عامل،وبداواضحاً تأثيرهذان الأخيران بمن سبقهما،ومن ثم تابعا مسارهما،وأنتجا تمايزهما المفهومي بناء على تحليل عيني واقعي للبنى الاجتماعية العربية.
مفهوم الامبريالية وصعود رأس المال المالي:
كان المفكر النمساوي رودلف هلفردنج،أول من لفت الانتباه الى مقولة رأسمال المالي،وذلك في كتابه الشهير،الذي حمل عنوان “رأس المال المالي”واعتبر هلفردنج أن الرأسمالية،هي ظاهرة تركز رأسمال رأس المال المالي،الذي يهيمن في عصر الصناعة الاحتكارية،ولم يكتف هلفردنج في بحث العلاقة بين البنوك التجارية والصناعة وحسب،بل بحث ايضاً العلاقة بين البنوك وسوق الأوراق المالية”البورصة”، وخلص الى أن السوق لا تكون مستقلة عن البنوك بل تحت سيطرتها،والبنوك تجعل من البورصات أداة في خدمتها.
واللافت في تحليل هلفردنج،هوربطه الشديد الوضوح بين الاحتكارات من جهة و ظاهرة فائض الرساميل، ويرى بأن الإحتكارات عادة ما تسطيع أن تحقق معدلات عالية الأرباح،وهذه الأخيرة تتدفق الى البنوك،ومن شأن هذه الاحتكارات أن تبطىء من استخدام رؤوس الأموال،حتى تتحكم في الأسواق،وبسبب ذلك يتزايد حجم رؤوس الأموال الفائضة،الباحثة عن التراكم في حين أن الاحتكارات تقلل من امكانية استثمارها،وهذا يمثل تناقضاً يتطلب حلاً،والحل هو بتصديرالرأسمال ولقد ربط هلفردنج بين ظاهرة رؤوس الأموال من ناحية،وبين قانون اتجاه معدل الربح نحو التدهور،على المدى الطويل ومعتبراً تصدير رؤوس الأموال هو رد فعل من جانب الرأسمالية،لمواجهة مفعول هذا القانون ومعنى ذلك ان تصدير الرساميل من البلدان الرأسمالية الى البلاد الأخرى، يتم بسبب استحالة تشغيل هذه الأموال داخل هذه البلدان،لأن تشغليها في الداخل،سوف يؤدي الى مزيد من تدهور معدلات الربح ومن هنا، برزت أهمية تصدير رأس المال في النظام الرأسمالي، ربط هلفردنج كذلك،بين ظاهرة الامبريالية وتصدير الرساميل،حيث يستغل الرأسماليون في تنفيذ هذا التصدير،واقتحام الاستثمارات عبرالبحار سياسات التعصب القومي والعنف والقوة العسكرية مما أدى الى خلق الامبراطوريات الاستعمارية.
وناقشت بدورها،المفكرة الماركسية روزا لوكسمبورغ ،ظاهرة تصدير رأس المال المالي،في سياق تحليلها لتناقضات نمط الإنتاج الرأسمالي،ولاحظت لوكسمبورغ و كما جاء في كتابها”تراكم رأس المال”أن التناقض القائم بين قدرة النظام الرأسمالي اللامحدودة لتوسيع قوى الانتاج،ومن ثم قدرته الهائلة على زيادة حجم الناتج الاجمالي وبين القدرة المحدودة على التصريف،بسبب علاقات التوزيع،الأمرالذي يهدد دوماً،النظام بعدم التوازن وصعوبات تكرارالانتاج الموسع ،واندلاع الأزمات وأن مشكلة فائض الانتاج في النظام الرأسمالي، تمثل تناقضاً خطيراً، يتطلب حلاً خاصاً وأن تصريف هذا الفائض داخل الاقتصاد الوطني،وجسب رأي روزا يعتبر مسألة مستحيلة،وقد انتهى تحليلها في هذا الخصوص،الى أن حل التناقض يجب أن يكون خارجياً،أي خارج دائرة الاقتصاد الوطني،وفي بيئات غير رأسمالية،أي في مناطق وبلاد لم تتحول بعد الى النظام الرأسمالي،ولوتمت محاولة التصريف في بيئات رأسمالية،فإن المشكلة سوف تستفحل أكثر،وخلصت لوكسمبورغ،إلى أن توسع النظام الرأسمالي خارجياً،وسيطرته وإخضاعه للبلاد الأقل تقدماً،في أسيا و افريقيا وأمريكا اللاتينية،قد أضعف والى حد بعيد،الميل المتأصل في الرأسمالية نحو الركود والبطالةوالأزمات،حيث تتمكن الرأسمالية من تصريف فائض منتوجاتها الذي تضيق بها أسواقها المحلية،وأن تحصل من وراء ذلك،على ما تحتاج إليه من مواد خام ومواد غذائية بأسعار رخيصة،وكل ذلك ينعكس في النهاية،في تقويض مفعول اتجاه معدل الربح نحو التدهور، داخل البلدان الصناعية، وهكذا ربطت روزا بين ظاهرة الامبريالية وتصدير رأس المال،ورأت بأن الامبريالية تمثل نفياً جزئياً لتناقضات النظام الرأسمالي،وتراكم رأس المال واعتبرت لوكسمبورغ أن غزو المناطق الغيررأسمالية،وجعلها تقوم بدورالمنافذ المعوضة، وتأهيلها يحد من ميل معدل الربح نحو التدهور في العواصم الاستعمارية،ولهذا عملت الرأسمالية الغازية على تحطيم الاقتصاد الطبيعي،في تلك المناطق ودعمت علاقات الملكية الخاصة وأجبرت سكانها،على استخدام النقد وتوسيع العلاقات السلعية النقدية وثم جرى اغراقها في مسألة الديون الخارجية.
أما بوخارين،الذي كان من أوائل المفكرين،اللذين بحثوا في الرأسمالية في صعيدها العالمي،فقد تناول الاقتصادات الوطنية،كجزء من مجموع أكبروهوالاقتصاد العالمي الذي تكون تدريجياً،من خلال السلع،وعلى قاعدة التخصص وتقسيم العمل الاجتماعي،وبذلك ينقسم العالم الى بلدان صناعية وزراعية والسوق العالمي لرؤوس الأموال،الذي تكون كنتيجة حتمية،لتكوين السوق العالمي للسلع،فقد قام على أساس تدويل رأس المال المصرفي وبهذا الشكل يتكون نوعاً خاصاً من رأس المال المالي على صعيد عالمي،وتمثل في ظهورالاحتكارات العالمية،التي عملت في مجالات النقل والصناعة وإنتاج النفط والطاقة والصناعات الاستخراجية ولاحظ بوخارين بأن هذه المؤسسات الاحتكارية العالمية،قد تولدت من الملكية الخاصة لرأسماليي عدة بلدان، ومن الحيازة المشتركة لسندات وقيم تلك المؤسسات.وهكذا يكون بوخارين،من أوائل اللذين تحدثواعن تكامل الأسواق المالية،حينما ذكر أن تصدير رأس المال،يؤدي الى ميل معدل الربح وسعر الفائدة الى التعادل على الصعيد العالمي،وهذا التبادل والتساوي في معدلات الربح وأسعار الفائدة بين الاسواق المختلفة،يمثل اليوم احد المعايير الهامة،التي يستند اليها منظروالعولمة المالية للدلالة على المدى الذي وصلت اليه العولمة المالية.
و يبقى المؤلف الهام والتأسيسي “الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية”للقائد الثوري والمفكرالماركسي لينين،بمثابة بوصلة فكرية–ثورية لعدد كبير من المثقفين الماركسيين،واللذين اعتمدوه،كأساس نظري من أجل تحليل الظواهر السياسية-الثورية الجديدة والمتجددة لأنه لا يزال يحتفظ براهنيته.
لينين الذي بدأ عيانياً،من دراسة الوضع الروسي وتشكيلاته الاجتماعية وطبقاته و نمو الرأسمالية الجنيني،كما ظهر ذلك جلياً في كتابه” نمو الرأسمالية في روسيا” وحلل الامبريالية وتناقضاتها،ومن ثم صاغ قانون تفاوت النمو بين البلدان الرأسمالية.
يرى لينين بأن عصر الامبريالية،هو عصر صدامات وحروب ما بين الدول الامبريالية ونشوء الكارتيلات الدولية والصراع على الأسواق واقتسام مناطق النفوذ.ولهذا الصراع طابع طبقي،لا يكمن في تاريخ الحرب الدبلوماسية،بل في تحليل الحالة الموضوعية للطبقات المسيطرة،في جميع الدول المتحاربة،وعلى هذا الأساس الاقتصادي،تكون الحروب الامبريالية امراً محتوماً،طالما بقيت ملكية وسائل الانتاج ملكاً خاصاً، ولقد تحولت الرأسمالية الى نظام عالمي لاضطهاد الأكثرية الكبرى،من سكان الأرض،أوخنقها مالياً من قبل حفنة من البلدان المتقدمة ويجري اقتسام هذه الغنيمة بين الأقوياء على مستوى العالم .
لم يختلف لينين،مع أترابه من المثقفين الثوريين، بل أتى تحليله منسجماً ومتواءماً مع ما طرحه بقية الرفاق الثوريين، لجهة أن ما يميز الامبريالية هوهيمنة رأس المال المالي ونشوء ظاهرة الاحتكارات،وهذه الأخيرة هي أوطد ما تكون،حين تنفرد بوضع يدها على جميع مصادر الخامات،وحيازة المستعمرات.وكلما تقدمت الرأسمالية في تطورها،كلما بدا بصورة أوضح نقص الخامات وكلما استعرت المزاحمة واشتد الركض وراء مصادر الخامات في العالم كله، واحتدم الصراع من أجل حيازة المستعمرات. وتقاسم العالم،هو سياسة استعمارية تشمل دون عائق أقطاراَ لم يستول عليها بعد،ومن ثم يتم الانتقال الى سياسة استعمارية تقوم على احتكار حيازة بقاع الأرض المنقسمة بأكملها.
ومن أبرز مظاهر الإمبريالية كما حددها لينين،هي تصدير الرأسمال خلافاً لتصدير البضائع،وتشكيل إتحادات رأسماليين احتكاريين تقتسم العالم،ناهيكم عن انتقال العمال ونزوحهم من البلدان الأكثر تأخراً والأجور فيها أحط ،فضلاً عن إستثمار الأمم الصغيرة”المستعمرات”من قبل الأمم الغنية وفي هذه المرحلة المتأخرة من الرأسمالية المالية، تظهر الدولة صاحبة المداخيل التي تعيش على تصدير الرساميل الى البلدان النامية،حيث المواد الخام والعمالة الرخيصة،وعند منح أي قرض للدولة النامية، من قبل قوى الإحتكار، يتم عندئذ الاتفاق على شراء منتوجات البلدان الدائنة،ولا سيما الأسلحة واللافت هو عمل رأس المال المالي في الضواحي الكبرى وعندها يندمج احتكار البنوك باحتكار الريع العقاري واحتكار طرق المواصلات.
وجاءت أراء المفكرالإيطالي الماركسي أنطونيوغرامشي،فيما يتعلق بالامبريالية لتؤكد أطروحات من سبقه،معتبراً الامبريالية وقبل أي شيء أخر، تصديراً لرأس المال المالي،الأمر الذي يساعد على توسيع رأسمال التمويل الأجنبي.وأن تكون الدولة مستعمرة “وفق تعبيرغرامشي” يعني أن تكون كثيرةالانتاج وغنية في رأس المال الذي تستثمره خارج حدودها الخاصة وبذلك تزول كل امكانية للتنمية الاقتصادية المستقلة للبلد المستعمر،من أجل الفائدة الوحيدة،لمجموعة ضعيفة من الصناعيين من البلد الامبريالي.وأصبح الصراع على تقسيم المستعمرات من أجل الحصول على المواد الخام والسلع الغذائية حاداًويمكن أن يؤدي الى حريق عالمي.
يقول غرامشي :(لقد كان العمال والفلاحين في البلد الأم والشعوب الخاضعة في المستعمرات هم الأهداف السلبية لعمليات استغلال ضخمة وهكذا يصبح سكان المستعمرات القاعدة لجهاز الاستغلال الرأسمالي بأسره ولقد كان الاستغلال في فترات السلام منظماً ولكنه أثناء سير الحرب كان منظماوخلال سنوات الحريق العالمي بلغ الاستغلال ذروته)غرامشي ص197
رأسمالية اليوم وطورها المالي:
يلعب الرأسمال المالي اليوم، دوراً مؤثراً وغالباً ما يكون مسيطراً في مناطق مختلفة من المعمورة،في ضوء ما يقدمه من موارد مالية وقروض واستثمارات مالية،وأصبحت الزراعة والصناعة خاضعة لهيمنته،وارتبطت عولمة الأسواق المالية بنهاية عصر بريتون وودز،والتحول من نظام أسعار الصرف الثابتة الى اسعار الصرف المعومة، وظهور فوائض مالية ضخمة عجزت الانظمة الوطنية في البلاد الصناعية عن استيعابها عملياَ،فراحت تبحث عن فرص للتثمير المربح و أصبحت الرأسمالية المالية ذات طابع ريعي، وصارت تعيش على ريع الأوراق المالية،وليس على ربح المشروعات الانتاجية،وانتقل رأس المال الى المناطق التي تشهد تركيباَ بسيطاً لرأس المال الثابت،أي المناطق ذات التكنولوجيا الأدنى، بسبب بساطة العملية الانتاجية،بما يحعل المردود الربحي لرأس المال أعلى،نظراً لانعدام التكاليف التكنولوجية،وهكذا يحافظ رأس المال المهاجر،على الوضع المتأخر لأساليب الانتاج في هذه المناطق،لأن تأخيرها هذا،هو مصدر ربحه الأعلى الذي لا يستطيع تحقيقه في بلده ذات التركيبة التكنولوجية العالية،وهذه الاعتبارات الربحية تعيق تطور أساليب الانتاج،وتحت تأثيروتدويل رأس المال المالي،أصبحت البنوك المركزية ووزارة الخزانة،واقعة تحت تأثير حركات رؤوس الأموال الدولية في البلدان النامية،التي خضعت لشروط العولمة المالية.والبلدان التي فتحت أبوابها لأنشطة رأس المال المالي العالمي،من خلال السماح له بالتعامل مع أسواق النقد المحلية،مع اعطائه الكثير من الضمانات وأنواع الحماية والامتيازات وفي هذه الأثناء،تكونت على هامش هذه العملية،شرائح كومبرادورية محلية،ارتبطت مصالحها مع مصالح رأس المال المالي،وأصبحت وكيلة وممثلة له.وبدأت عملية خصخصة القطاع العام ولعبت هذه الاخيرة،دوراً لا يستهان به في توسيع العولمة المالية،وخاصة بعد عمليات التحرير المالي المحلي والدولي،وسمح للأجانب بتملك الشركات والمساهمة في ملكيتها.والمطلوب وجود دول،تناسب مرحلة العولمة و تتكيف مع المؤسسات المالية،وتضمن عملية القضاء على القطاع العام.
ولا ضيرمن القول،بأن الرأسمالية العالمية،تقدم نفسها اليوم،في صورة مؤسسات مالية،وإن دل على شيء إنما يدل،على أن تغييراً جذرياً قد حصل للرأسمالية،فبعد أن كانت تباشرعملية التوسع الرأسمالي العالمي،منذ القرن السابع عشروذلك عن طريق التدخل العسكري المباشرللجيوش،استغنت الرأسمالية عن هذه الوسيلة كأسلوب في الانتشار،وظهرت بدلاً عنها المؤسسات المالية العالمية.والمهمة الأساسية لهذه المؤسسات،هي نقل رأس المال من مركز النظام الرأسمالي إلى أطرافه،على شكل قروض واستثمارات وجعل هذه الأطراف،مجالاً خصباَ لتحقيق الأرباح،التي تصب كلها في المركز.وهذا ما جعل عدد من الاقتصاديين،مثل سمير أمين وأرنست ماندل وديفيد هارفي، يضعون الأرباح الطائلة للاستثمارالمباشر لخدمة الدين،بأنها شكل جديد،من أشكال الخراج تدفعها الأطراف التابعة للمراكز المسيطرة،وقد راج في الاونة الاخيرة،استخدام لكلمة الكازينو لوصف أنشطة رأس المال المالي،المتمثلة بالمضاربات الشبيهة “بلعبة القمار”بمعنى أنه قد تم الاستغناء عن إنتاج السلع كوسيط في عملية توليد المال،وأصبح المال يولد من المال،عن طريق الأسهم والسندات والمضاربة في البورصات،وأصبح الاقتصاد المالي الاستثماري،هو الشغل الشاغل للطبقة المترفة،وهذه الأخيرة،هي التي تعزل نفسها عن العمل الشاق،أي العمل المنتج للقيمة الاستعمالية،وتتخصص في الاعمال المنتجة للقيمة التبادلية،أي المولدة للربح المالي،وهي الطبقة المقامرة،التي تنظر الى عالم الاقتصاد على أنه صالة قماروتلعب فيه لعبة الحظ.
هكذا،تكون الدول قد تحولت،الى خادم لتسيير شؤون الرأسمالية المالية”ضامنة السوق العالمي”وهنا يصح توصيف ماركس للدولة،على أنها”جهاز إدارة الشؤون العامة للبورجوازية”،بيد أن الحراك العالمي لرأس المال،يتطلب بالمقابل،حراكاً مماثلاً للعمالة،كي يستطيع توظيفها أينما ذهب.ويساعد هذا الحراك العالمي لرأس المال،في خلق حراك عالمي مثيل،في صورةعمالة دولية رخيصة،وسهلة التحرك من مكان لأخرويسطيع رأس المال جلبها معه أينما توجه وبذلك يساعد على تكوين بروليتاريا عالمية.وحركة رأس المال المالي،ليست بمعزل عن الأزمات،فقط تعرض لأزمات خانقة،ففي خريف 1982وحينما توقفت المكسيك وتشيلي عن دفع أعباء ديونها الخارجية في ذاك العام،والتي كان الشطرالأكبرمنها مستحق للبنوك التجارية الكبرى،الأمرالذي هدد البنوك بإندلاع أزمة هائلة،وكان من الواضح أن رأس المال المالي،قد وصل في امتصاصه للفائض الاقتصادي في هذه البلاد،الى مدى بعيد،بحيث وصل معدل خدمة الدين الخارجي،الى مستويات حرجة جداً،جعلته يمتص كل حصيلة هذه البلاد،من السلع والخدمات مما أدى إلى ارتفاع مستويات المعيشة،وزيادة حجم الطاقات الانتاجية العاطلة،وتردي معدلات النموالاقتصادي و ارتفاع معدلات البطالة وكان استمرار دفع أعباء الديون الخارجية في هذه الحالة يعني المزيد،من استفحال الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتلاحقت الأزمات
فيما بعد،وصولاً الى الأزمة البنوية لرأسمالية اليوم،وما إندلاع الإنتفاضات الشعبية في الأطراف وحركات الإحتجاج العمالية-الشعبية في المراكزسوى ردة فعل على هذه الأزمة،ومن شأن هذه الأخيرة،أن تفاقم الصراع الطبقي في العالم بأسره ضد الرأسمالية الهرمة،والمعروف بأن كعب آخيل الرأسمالية،هومقاومة الشعوب لها والرد على التحالفات بين أصحاب الرساميل يكون بعقد تحالفات طبقية نقيضة بين الطبقة العاملةوالمفقرين على مستوى العالم بأسره وما يرعب قوى الاحتكار العالمي هو تشكيل جبهة اممية للشعوب في الشمال والجنوب ضد رأس المال.
سمير أمين واطروحة المركز والاطراف وقانون القيمة المعولمة:
اعتبرالمنظرالماركسي سمير أمين،ومنذ وقت طويل،أن الريع قد أصبح ميزة دائمة للرأسمالية وأنه بات من المستحيل،إدارة النظام الامبريالي سلمياً،وأصبح اللجوء إلى العنف السياسي ومن ثم التدخل العسكري،ضرورياً لحل الخلافات والصراعات على نهب الموارد وتقاسم مناطق النفوذ والمستعمرات وشفض الفائض الناتج عن استغلال العمل المضاعف في الأطراف.فضلاًعن أن اعادة الانتشارالامبريالي سوف يضاعف من عنف الرأسمال المسيطر.
وحتى تديرالرأسمالية أزماتها،سوف تعمد الى إحتلال مجتمعات التخوم،وسوف تنشىء مجمعات جديدة للإنتاج،ذات طبيعة رأسمالية،وهكذا تقيم الامبريالية جديداً و تهدم قديماً.وبالطبع لم تكن إقامة الرأسمالية، لمجمعات منتجة حديثة في التخوم،من شأنها أن تخلق تجانساً،بل خلقت مجموعة غير متكافئة من المراكز/الأطراف.ولم يوضع رأس المال تحت تصرف المجتمعات المتلقية له،فقد كان رأس المال يحقق أرباحاً بأشكال مختلفة،تستخرج من أنماط الانتاج الخاضعة لرأس المال، فقد كان تحويل فائض القيمة من التخوم الى المراكز،يتم وفق الصيغ الخاصة لكل مرحلة من مراحل الرأسمالية.وهذا ما أطلق عليه سمير أمين “قانون القيمة المعولمة” وهو الفاعل الأساسي،في تكريس اللاتكافؤ،وسوف يتابع رأس المال الامبريالي مسيرته الى الامام،مصدراً رؤوس أموال جديدة يخضعها لتوسعه.والامبرياليات المتنازعة سوف تقودنا الى حرب دائمة،وهو وضع تقضيه بنية الامبريالية في المرحلة الجديدة من طور انتشارها،لأنها تريد أن تلتهم النصيب الأكبرمن الفائض،المحقق على مستوى العالم والصراع على هذا الفائض،سوف يؤدي الى حريق عالمي والسبب هوعدم رغبة الولايات المتحدة،في قبول الصين قوة امبريالية صاعدة ومنافسة لها و كذلك الروسية.لا شك بأن سمير أمين قد أوقع نفسه في تناقض وارتكب خطأ نظرياً ومعرفياً،حين اعتبر روسيا قوة جديدة،تواجه الامبريالية الامريكية،ومن شأن هذه المواجهة أن تؤدي الى تعددية قطبية،وهذا يتناقض مع مجمل ما طرحه في السابق، إذ لم تعد امبريالية الثالوث هي المتحكمة(أمريكا،أوربا،اليابان)وما نشهده اليوم هوصراع بين امبرياليات صاعدة بازغة،تريد أن تنال حصتها من الثروات والفائض والاسواق لتصريف منتوجاتها وخاصة السلاح.
وفي هذا الصدد، يقول ديفيد هارفي:عندما يكون لدينا فائض في رأس المال لا نسطيع استيعابه ماذا نفعل به؟يتجه الى الخارج،وكثيراً ما ارتبط ذلك،بالغزوات الاستعمارية،والهيمنة الامبريالية.وعندما يتدفق فائض رأس المال الى الخارج،هذا يعني وجود امبريالية ضمنية،والصين اليوم،لديها فائض من الرساميل الذي يتم تصديره الى الإكوادور،والى أمريكا اللاتينية.وكما يوجه قسم كبير من رأس المال الصيني الى افريقيا وتايوان،لأن العمالة هناك أرخص من الصين.وبالعودة الى سميرأمين الذي قدم قانون القيمة المعولمة،بوصفه الشكل الجديد لقانون القيمة الماركسي،وهذا التحول في القانون يسمح لنا قياس حجم الريع الامبريالي،الذي يكمن خلف ظاهرة الاستقطاب،الذي يعمقه ويعيد انتاجه،التوسع المعولم للرأسمالية.
ومن المستحيل فهم العالم،كما هو في الواقع،بعيداًعن معالجة هذه التحولات،في مفهوم القيمة وكذلك لا يمكن وضع استراتيجية لتغيير العالم دون الاستناد لهذه الأسس.
ويرى سمير أمين،أن قانون التراكم الرأسمالي،هو المسؤول عن الافقار المطلق للمنتجين المستغلين من قبل الرأسمالية،والرأسماليون يحاولون وباستمرار، رفع معدل فائض القيمة،وعندها تتحسن الأجورفي بلدان المركز،مع تطور قوى الإنتاج ويستمرالإفقار،الوثيق الصلة بالتراكم الرأسمالي وسيطرة رأسمالية عصرالامبريالية على أنظمة الإنتاج الفلاحي في التخوم،ومما يؤدي إلى عدم مساواة في التوزيع الدولي للعمالة،ومن شأن هذا الاختلال،أن يسرع التراكم الذاتي في المراكزويعرقل التراكم التابع،المتجه للخارج في التخوم.وهذا ما دفع سمير أمين الى نقد كل من لينين وبوخارين،اللذان قللا من أهمية التحولات العميقة الملازمة للإستقطاب الامبريالي مراكز/أطراف،والذي يتمظهر من خلال قانون الإفقارفي أبعاده الاقتصادية والاجتماعية ولم يتوقف نقد أمين للينين وبوخارين بل شمل نقده حتى ماركس والذي لم يجد لديه،اجابات مقنعة بشأن عولمة الرأسمالية،وواجه التحدي معترفاً بالحقيقة الغيرعادية،بأن الرأسمالية كما هي في توسعها المعولم خلقت استقطاباً بين المراكز/الاطراف.والبروليتاريا في الأطراف تتعرض للاستغلال المتناهي،بسبب عدم اكتمال الهياكل الرأسمالية،وخضوعها التاريخي للتراكم الموجه للغيرولذلك تشكل هذه الفئة المستغلة،رأس الحربة للقوى الثورية على المستوى العالمي.ويمكن أن يكون الفلاحين،اللذين يتعرضون لاستغلال مضاعف،الحليف الرئيسي للبروليتارياوالطبقات المستغلة في الانظمة الغير رأسمالية.
يمكن أن نخلص الى استنتاج مفاده،بأن الصراع الطبقي على المستوى العالمي،هو بين القوى الامبريالية وشعوب وأمم العالم الثالث وشعوب المراكز حيث يجري إعادة توزيع فائض القيمة،بين رأس المال الامبريالي والبورجوازيات التابعة وكما كانت الطغمة المستفيدة من الريع الامبريالي في النظام الرأسمالي،هي السبب في اندلاع الموجة الاولى من الثورات في القرن العشرين،سوف تكون سبباً رئيسياً في تصاعد حركات الاحتجاج الشعبية-العمالية في العالم بأسره، ضد الرأسمالية المالية الهرمة.
وخضوع كل مجتمعات العالم،لمنطق الربح الاقصى للرأسمال المسيطر، ينتج عنه حصة من العاطلين عن العمل والمفقرين والمهمشين والمبعدين حتى في المراكز نفسها وظنت الطبقات الحاكمة في المراكز،انها تستطيع أن تتجاهل طويلاَ قوة التمرد لدى ضحايا سياساتها المباشرين،وأن خطر النظام لن يمتد الى الطبقات الشعبية،أوالى فئات واسعة من الطبقات الوسطى.ويبقى أن ضحايا هذا المشروع في الأطراف،يحتسبون بصورة مختلفة وأنهم يعدون بمئات الملايين من فقراء الضواحي،ومئات الملايين من الفلاحين المحكومين بالانضمام الى العمال، بسبب السياسات الليبرالية إزاء الزراعة،اذ لم يعد لدى الرأسمالية،التي بلغت شيخوختها ما تقدمه للاكثرية من سكان الأرض،وهكذا تحكم على مليارات البشر بالفناء ولا شك في أن طاقة التمرد،التي يحملها هؤلاء الضحايا،هي طاقة هائلة ويعرف سادة الامبريالية، أن بناء جبهة جديدة،تجمع في آن،عمال الشمال وشعوب الجنوب،ستكون بمثابة الضربة القاضية لهم. وكان قد تنبأ سمير أمين وقبل غيره بأن الرأسمالية سوف تحضر كوكبة من أحزمةالبؤس،وإن إفقارالطبقات الشعبية مرتبط بالتطورات التي تحدث لمجتمعات الفلاحين في العالم الثالث،وخضوع هذه المجمعات لمتطلبات توسع الأسواق الرأسمالية،يعزز اشكالاً من الاستقطاب الاجتماعي ويستبعد أكبر عدد من الفلاحين وهؤلاء الفلاحون المحرومين،سوف يتجهون نحو المدن وسوف يشكلون أحزمة البؤس والعشوائيات التي تزين محيط العاصمة.وهذا ليس بمستبعد عن التراكم الرأسمالي وتاريخه الذي بدأ بعملية نهب الفلاحين،ولم تتوقف المسألة عند البدايات البعيدة للرأسمالية،بل هو مسعى دائم،وحين تنزع ملكية الفلاحين الفقراء،يتم خلق فائضاً من السكان،لا يستطيع التصنيع المحلي استيعابه بالكامل،واليوم،يتعرض الإنتاج الزراعي لهجوم معولم من رأس المال الاحتكاري،تقوده مؤسسات ومنظمات مالية،في إطار الاستراتيجية المسماة،انفتاح اسوق الجنوب من جانب واحد،أمام متطلبات رأس المال الاحتكاري للشمال،أما في التخوم،فالتطورالأكثرمأساوية،تجسد بإدخال احتياطي من الفلاحين في المجالات التي تسير دوماً وفقاً لمبادىء النيوليبرالية،وسوف يؤدي الى نمو خطيرفي القطاع الغير رسمي وما يترتب عن ذلك من نتائج اجتماعية سيئة، كانتشارالعشوائيات لأن انفتاح الزراعة على توسع رأس المال،لا يقابله توسع في فرص توظيف الفلاحين المطرودين من الريف في انشطة حديثة ذات انتاجية عالية.
ونجحت الرأسمالية في حل المسألة الزراعية في المراكز،ولكنها خلقت مشكلة زراعية جديدة وضخمة في التخوم،تعجز عن حلها،اللهم إلا إذا أفنت نصف البشرية عن طريق الابادة الجماعية.
مهما يكن من أمر،إذا لم يسقط هذا النظام تحت ضربات الطبقات العاملة والشعوب فإنه سوف يسقط من تلقاء نفسه،لأنه يمر بمرحلة الازمة النظامية تحت تأثير تناقضاته الداخلية،الأمرالذي سوف يؤدي إلى نهاية جناحه المالي،وهو كعب أخيل الليبرالية،لأن هذا النظام قائم على معادلة خصخصة الأرباح وتعميم الخسائر”وفق تعبير سمير أمين” ولا يمكن تصورإشتراك الطبقات العاملة في الشمال في الصراع ضد الامبريالية والسير الطويل نحوالاشتراكية إلا بعد نجاح شعوب الجنوب في انتزاع السيطرة على مواردها الطبيعية،مما يقلل من الريع الامبريالي الذي يستخدم جزئيا،لإعادة انتاج مجتمعات الشمال،وهنا يمكن ان تشعرالطبقات العاملة في الشمال بإنها تتعرض هي أيضاً للاستغلال الامبريالي،وسوف تنضم الى نضال 80% من سكان العالم من اجل التحرر،من هذا الاستغلال وتشارك في السير على طريق الاشتراكية.
مهدي عامل والتحليل الطبقي للبنى المجتمعية الكولونيالية العربية:
يعتبرالمفكر الشهيد مهدي عامل،من أوائل المفكرين العرب،اللذين أنتجوا تمايزهم الفكري– المفاهيمي، بناء على تحليل عيني- واقعي للتركيب الاقتصادي-الاجتماعي وكان منظراً واسع البصيرة،حين أبدع نظرية “نمط الانتاج الكولونيالي”وما تفرع عنها من مقولات ومفاهيم، تصب في نفس الإتجاه.تعتبرهذه الاطروحات،بمثابة بوصلة فكرية ودالة عمل منهجية، لعدد من المثقفين الماركسيين لراهنيتها وواقعيتها ولاسيما مفهوم “العلاقة الكولونيالية” وكيف لا تكون هذه الاخيرة راهنية،والقوى الامبريالية لا تنفك تتآمرعلى أوطاننا وتتدخل عسكرياً حتى تثبت أركان الأنظمة القديمة وتحافظ على جوهرها الكولونيالي،والواقع يثبت كل دقيقة ولحظة بأن لا تحررمن دون قطع العلاقة الكولونيالية،ولا ديمقراطية تنتظرمن أنظمة تابعة تجدد التبعية،وتجدد فيها ذاتها كسلطة تابعة،تؤمن التخلف وإعادة انتاج التخلف وتلغي شروط التقدم الاجتماعي،وتصادرإمكانيات الشعب وتجتهد في توطيد ركود اجتماعي أقرب الى الانسحاب من التاريخ.
كيف نظر مهدي الى العلاقة الكولونيالية وكيف حدد شكلها و تمظهراتها الواقعية؟
هي لا تعدو كونها،علاقة تبعية اقتصادية تربط البلد المستعمر،بالبلد الرأسمالي الاستعماري،في حركة تطور تاريخية واحدة،وكل علاقة تربط بلداً رأسمالياً متطوراً،ببلد غيرمتطورأومتخلف،إن عن طريق التجارة الخارجية أوعن طريق توظيف الرساميل،لا بد أن تتخذ هذه العلاقة شكلاً كولونيالياً،في صالح البلد الرأسمالي،لأن هذا الأخير، يتلقى من البلد المستعمر،كمية من العمل أكثرمن التي يصدرها في منتجاته إليه،فمبادلة البضائع بين البلدين،هي في الحقيقة مبادلة غير متساوية،تكون دائماً في صالح البلد الرأسمالي،لأنها مبادلة بين كميتين من العمل غيرمتساويتين،والفرق بينهما يحدد مقدار فائض الإستغلال،وإن كان يرجع لطبقة معينة في البلد الرأسمالي،أي للطبقة البورجوازية فهي في صالح البلد الرأسمالي بمجمله،الذي ساهم في التطور الرأسمالي لهذا البلد وفي توطيده ولا بد في هذا السياق، من التأكيد على فكرة جد هامة للمفكر مهدي عامل جين قال: “بأن تطور أوربا الغربية داخل العلاقة الكولونيالية،هو نتيجة تاريخية لتخلف البلدان المستعمرة، والعلاقة الكولونيالية تدفع بشكل قوي تطورالقوى المنتجة في البلد الاستعماري، بينما تحد من تطور هذه القوى في البلد المستعمر،والأصح بأنها تشلها،ولا يمكن للبورجوازية الكولونيالية وحسب صيرورتها الطبقية وتكونها إلا أن تكون تجارية، وهذا يرجع الى ان العلاقة الكولونيالية هي الإطار التاريخي،لتطور رسملة الانتاج الكولونيالي وهذا يساعدنا على فهم كيف أن البورجوازية التجارية،يستحيل أن تصير في تطورها الطبيعي بورجوازية صناعية كما في الغرب،لأنها ولدت عجوزاً مشلولة لأنها كولونيالية”.
لا يمكن اعتبارما حصل لبلادنا،رسملة للإنتاج عن طريق الاستعمار،بقدرما كان هذا الأخير،ثورة على تاريخ هذه البلدان وقوة مجابهة له،لم تحركه إلا لتسد فيه امكانيات تطوره الداخلي،وبهذا المعنى،و”ودوماً حسب الرفيق مهدي” كان الاستعماراغتصاباً لتاريخ بلداننا شوه حركته،إذ حرره من أفق التبعية،وسد أفق تطورالقوى المنتجة،وأجهض إمكانية التطور الرأسمالي المستقل ومنع حصول أي صناعة منتجة في هذه البلدان.
ويتساءل مهدي،أين تكمن السيطرة على بلداننا؟؟ويجيب:في البنية الكولونيالية كبنية اجتماعية متميزة لا وجود لها،ولابقاء إلا في وحدتها البنيوية والتطورية مع البنية الرأسمالية،وبتحديد أكثر،إن السيطرة على البلدان المتخلفة،قائمة في علاقات الإنتاج نفسها،كعلاقات كولونيالية،أي في البنية الطبقية الخاصة بالبنية الاجتماعية الكولونيالية.ولذلك يخطىء من يتحدث عن إنهاء الاستعمار،من بلداننا وأننا حصلنا على استقلالنا الحقيقي ذات يوم،إذ كانت بلدانناوطوال المرحلة التي مضت،تعيش حالة استعمارغير مباشر،عبر العلاقة الكولونيالية.واليوم يعود الاستعمار بصيغته التقليدية،أي التدخل العسكري المباشر،كي يحافظ على الأنظمة الكولونيالية التابعة ويعيد إنتاجها وتجددها،حتى لا تسقط بفعل القوى الذاتية الشعبية،وإذا صار وسقطت،عندها يتوقف ضخ الرساميل إلى الحواضر الغربية،لأن هذه الانظمة تلعب دورالوسيط الكومبرادوري- المالي وكانت الانتفاضات فرصة تاريخية لإنجازالاستقلال الحقيقي من خلال القضاء على هذه الانظمة،التي تمثل رأس المال المالي وفرصة للإنتقال الى الإقتصاد المنتج،من بعد كسرالإطارالكولونيالي الذي أعاق التطور الرأسمالي المستقل وتطور القوى المنتجة وهذا الكسرلا يتحقق إلا عندما يحتدم الصراع الطبقي، كما تجسد في واقع الانتفاضات الشعبية.
وضمن هذا السياق،لا بد من التذكير بالتحليل الذي اعتمده المفكر اللبناني جلبير الأشقرلبنية الأنظمة العربية،حيث ميز بين نوعين من الدول،الدول الميراثية وهي كناية عن سلطة مستبدة مطلقة ووراثية،وهي تستملك الدولة والدولة النيوميراثية وهي عبارة عن نظام جمهوري سلطويً مؤسسي أي أن ممارسة السلطة في ظل النيوليبرالية لها بعد بيروقراطي،وعلاقة الحكام بالدولة ليست علاقة ملكية.
والرأسمالية التي تميل الى التطور في ظل هذه البلدان،هي رأسمالية المحاسيب التي تهيمن عليها بورجوازية الدولة،على حساب بورجوازية السوق،وتستفيد الدولة من وضع ريعي،تمنحها إياها السلطة السياسية،وتدفع للحكام ريعاً نقدياً مقابل ذلك.و كلما ازداد اعتماد الدولة على الريع،زاد الميل الى النظام الميراثي وتقلصت بورجوازية السوق،وقل اعتمادها على السوق الداخلية.
وبعدهذا التوصيف المقتضب والسريع لبعضاً من أفكارالمفكر جلبيرالاشقر،كما جاءت في كتابه “الشعب يريد”و سوف يلاحظ القارىء،بأن ثمة تقاطع مع أفكار مهدي عامل،حول بنية الدولة،وعلى الرغم من اختلاف المسميات،لكن يبقى جوهر التحليل هو ذاته،من حيث أن البورجوازية هي تجارية مالية ريعية،لا تساهم في تنمية الانتاج وإنما تسعى الى تنظيم المدخرات في الخارج وتوظيف الرساميل في القطاع المالي العقاري.والبورجوازية التي ولدت من رحم البونابرتية”وفق تعبير الاشقر” تتطابق مع مقولة الاستبدال الطبقي لدى مهدي عامل،بمعنى أن البورجوازية الصغيرة التي وصلت الى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري،عرفت تفارقاً طبقيا تمايزت عنه،فئة مهيمنة وتحولت الى كولونيالية تجارية-مالية وتحكمت بالمقدرات الاقتصادية للدولة العربية،من مصر الى سوريا وتونس وهذا التحول الجديد جعلها تتحالف مع رأس المال الاحتكاري،وبدأت فيما بعد، بانتهاج سياسات اللبرلة الاقتصادية ورفع الدعم والخصخصة وأدت هذه السياسات،الى إفقارالشرائح الدنيا وموظفي الدخل المحدود وصغار المنتجين اللذين تضررت مصالحهم،بفعل مزاحمة البضائع الاجنبية،وتم حصار أصحاب المال الصغيرولجمت استثماراتهم المتواضعة في القطاعات الإنتاجية.ساهمت البيروقراطية المغلقة كما حللها كل من “مهدي والاشقر”،في إغناء فئة محددة استطاعت أن تراكم ثروات طائلة،وجرى استثمار هذه الاموال المنهوبة في القطاعات الخدمية –العقارية وجرى مصادرة الاراضي الزراعية من قبل البورجوازية الجديدة،لتقيم عليها مشاريعها العقارية-السياحية ووجد الفلاح نفسه محاصراً،وشعر بصعوبة بالغة في الحصول على وسائل الانتاج،بعد رفع الدعم و تراجعت الظروف المعاشية للأغلبية الشعبية،مما أدى إلى ازدياد الهجرة من الأرياف الى المدن والتحقت هذه الجموع المهمشة بالإقتصاد الغيرنظامي والأعمال الهامشية،ونتج عن هذا التوسع الرأسمالي كوكبة من العشوائيات ومن أحزمة البؤس وتعميم للعمل الرخيص.ولولا الطابع الريعي للدولة، لكان بالإمكان استيعاب هذه الكتلة المهمشة في مجلات حرفية كثيفة العمالة.وهذا ما يفسر اندلاع الانتفاضة في الأرياف والهوامش والأطراف وبعد انتقاله الى المدينة،لم يتحول الفلاح الى عامل مأجور، وفشل في عملية تحوله الاجتماعي الى عامل،وفق تعبير مهدي عامل لأن البنية الاجتماعية كبنية كولونيالية،لا تسمح إطلاقاً بتحقيق هذا التحول الاجتماعي لاستحالة وجود الحلقة الصناعية،وحرية التنقل الطبقية هي ميزة أساسية في علاقات الانتاج الكولونيالية ويتابع مهدي ويقول:ربما وجدنا العامل في نفس الوقت فلاحاً وعاملاً وبائعاً وهذا ينسجم مع طبيعة البنية العربية الكولونيالية،كبنية طبقية لاتفارقية تظهر بشكل عنيف، في استحالة العملية الإنتاجية للتحويل الطبقي للفلاحين الى عمال،على عكس الثورة في الغرب،التي كانت نتيجة صراع طبقي، بين طبقتين متناقضيتين والتفارق الطبقي الذي حصل،جعل من البورجوازية طبقة صاعدة لها الدورالقيادي في حركة الانتاج الاجتماعي.ويخلص مهدي الى استنتاج مفاده:”ان الثورات البورجوازية مستحيلة في بلداننا، بسبب العلاقة الكولونيالية وطبيعة النضال الطبقي،مختلفة تمام الإختلاف عما هي عليه في البلدان الرأسمالية،لأن الصراع لم يأخذ طابع الصراع الكلاسيكي بين طبقيتين متمايزتين،الطبقة العاملة ورجال الصناعة وكانت الانتفاضات العربية شعبية وديمقراطية ووطنية،بسبب البنية اللاتفارقية،ولم تكن منظمة ولا مؤدلجة وعفوية الطابع ككل الثورات التي حصلت في العالم،لجهة محتواها الاجتماعي –الطبقي وغلبة المكون الفلاحي –الشعبي– العمالي إضافة إلى الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى.
المحتوى الاجتماعي-الطبقي لثورات العالم مقاربات ومقارنات:
كان لافتاً عندما اندلعت الثورة الفرنسية،ظهورما سمي بالحشد– الجمهوروهم اولئك الفقراء اللذين كانوا خارج الحيز العام،من المنزوين في منازل الحرمان”اللامتسرولين “وقامت عليها حركات،لها موقف طبقي ضد الاستقراطية و هؤلاء جعلوا،من سعادة الشعب هدفاً للثورة وأنتجوا مفهوم الثورة بالمعنى الحديث للكلمة.وثورة الفقراء هي ثورة من أجل الحرية أيضاً ولكن الربط بين الحرية و الخبزهو ما يتوجب علينا قراءته في تاريخ الثورات،وفي واقع الانتفاضات الشعبية العربية.والثورة السورية كما الفرنسية،لم تحدث على يد حزب أوحركة بالمعنى الحديث للكلمة،ولم تطرح قيادات من النوع الذي عودتنا عليه ثورات القرن العشرين واتسم مسارها، بالحيوية الاجتماعية-الصراعية-التناقضية كأي سيرورة ثورية،نتج عنها، تفارقاً طبقياً وفضلاًعن أن الشعب والفقراء الكادحين،أصبحوا مع تقدم الرأسمال،مرادفين للبروليتاريا الصناعية وللطبقة العاملة ومن هنا برزت الى الوجود بروليتارية اشتراكية ثورية.ويعرض المؤرخ الماركسي اريك هوبسباوم في سفره الهام “عصر الثورة” لأوضاع الكادحين الفقراء والتي كانت مروعة بين عامي”1815-1848 ” ويقول:لا شك ان مستوى الفقر،كان أسوأ في الأرياف ولا سيما في أوساط العمال المأجورين،اللذين لا يمتلكون الارض وعمال الخدمات و بالطبع الفلاحون،اللذين لا أرض لهم وفضلا عن اوضاع الفقراء البائسة،في المدن وغدت الفجوة بين الأغنياء والفقراء،اكثر اتساعاً وبروزاً ولم يتبلور وعي طبقي بروليتاري،الا في أوائل الثلاثينيات وقبل هذا التاريخ، لم تكن الحركات العمالية حركات بروليتارية بمعنى الكلمة من حيث تكونها،أم من حيث تكوينها الإيديولوجي وبرامجها،أي أنها لم تكن تضم عمال المصانع والمعامل، وكان هناك جبهة تضم الفقراء والكادحين في المراكز الحضرية،وراحت هذه الجبهة تتصدى للطبقة الوسطى الليبرالية وللملوك الاستقراطيين،والذي وحد صفوفها،هو برنامج البروليتاريا وايديولوجيتها.
و يتابع إريك هوبسباوم،كما جاء في كتابه “عصر الثورة” بأن ما يخيف ويرعب الأغنياء،هوشبح الشيوعية وتنظيم الكادحين،اللذين كانوا يعبرون عن احتجاجهم في البداية بشكل عفوي،وماكان يجمع هذه التحركات ويلم شملها،هو الجوع والبؤس و الكراهية والأمل وكان الفقراء قبل عام 1848يتضورون جوعاً وبلغوا من ضخامة العدد وعمق اليأس،حداً دفعهم الى الثورة بيد أنهم،كانوا يفتقرون الى التنظيم و النضج،لتحويل تمردهم الى ما هو أكثرمن خطر عابر،على النظام الاجتماعي. هي ولم تكن الثورة الفرنسية ثورة بورجوازية فقط ،أحلت النظام الرأسمالي،محل النظام القديم وسلطة البورجوازية محل الاستقراطية وبل هي ثورة شعبية-ديمقراطية-فلاحية تحوي بذور الثورة الاشتراكية، ولكن لم تتوفر شروطها وفق تحليل لسمير أمين.
وثورات 1848تتكررمرة ثانية،بحسب ما ذهب اليه كل من المفكرين البارزين “اريك هوبسباوم وديفيد هارفي” من حيث أن ثورات اليوم،هي ثورات للطبقات الدنيا وثورات مضادة ومن ثم مجيء لويس بونابرت،الذي اختطف الثورة. ودروس التاريخ تعلمنا،بأن الثورة الشعبية في جوهرها،هي لحظة تجلي الصراع الطبقي على سطح الأحداث،ولحظة خروج حمم الصراع الطبقي،من باطن المجتمع صوب ظاهره،فالصراع الطبقي،ينخر قلب المجتمع،تحت السطح باستتاروهدوء كالدودة،كما عبرعنه ماركس،إلى أن يتداعى المجتمع وتظهر كوامنه وتناقضاته. وحتى لو كانت الشعارات،التي رفعت من قبل شباب ومثقفي الطبقة الوسطى،في بدايات الثورة لم تتعد السقف البورجوازي الديمقراطي ولكن هؤلاء الشباب لا يعانون فقط من مشكلات الطبقة الوسطى، بقدر ما يعانون من مشكلات الطبقة العاملة الكلاسيكية كالبطالة والاستغلال، كما أنهم بكدحهم الذهني،يساهمون في خلق ثروات هائلة،لشركات تقانة المعلومات والاتصالات، ويمكن القول، بأنهم يمثلون نوعاً جديداً من البروليتاريا الذهنية،التي تكدح بمهاراتها الذهنية وتخلق رأسمال ضخم.ولهذه الطبقة العاملة الجديدة،اشكالها الجديدة في التنظيم. ولا ضير من القول بأن الثورات العربية،هي ثورات البروليتاريا الذهنية الحديثة والبروليتاريا التقليدية التي تباطأت في حراكها الثوري في بادىء الأمر،الا أنها سرعان ما تحركت بزخم ملحوظ ومن خلال اضراباتها واعتصاماتها.
غني عن البيان القول:بأن الثورات العربية الراهنة،هي ثورات بورجوازية في شكلها وسقفها ولكنها بروليتارية في مضمونها الاجتماعي-الطبقي.
وكان قد تنبأ اريك هوبسباوم وقبل غيره، وكما ورد في مقالاته الأخيرة بأن الثورات الجديدة سوف تختمروتنضج وتندلع في الأرياف،لأن الثورة الزراعية أورسملة الزراعة جعلت من ملايين الفلاحين فائضين عن الحاجة،كما سبق وعرضنا في هذه الدراسة والتحقت هذه الكتلة المهمشة بالاقتصاد الموازي والغير نظامي كما حصل مع الانتفاضة الشعبية السورية،حيث استشرى الفقروالبطالة في الأرياف وأصبحت نسبة 30%من السكان تحت خط الفقر،الأمرالذي يفسر تطور الانتفاضة في سوريا من المحيط الريفي نحو المراكز المدينية،ومن أجزمة الفقر المحيطة بهذه المدن،نحو وسطها ولولا انضمام فقراء المدن وفلاحي الأرياف،لما تحولت هذه الانتفاضة الى ثورة،اذاً هي ثورة الارياف والاطراف المفقرة والمهمشة.
ولا تختلف الثورة الصينية عن سابقاتها،من حيث أن الأوضاع الاجتماعية هي التي أشعلت فتيل الثورة،وتتمثل في الفقروالقهرالشديدين واللذان خضع لهما الشعب الصيني،ولا سيما جماهيره العمالية الكادحة،في المدن والأرياف،حيث كان الفلاحون يمثلون نسبة 90% من التعداد الهائل للبلاد، وكان وضع هؤلاء،أشد سوءاً من سكان المدن الصينية،ولقد كان الفقرالمطلق للصين،أمراً يصعب على المراقبين أن يتخيلوه بيد أن مقاومة الغزو الياباني،حولت الشيوعيين الصينين من قوة مهزومة من المحرضين كما كانوا في منتصف الثلاثينات،الى قادة وممثلين للشعب الصيني و جعلت دعوتهم لتحررالصين من الفقر يتلازم مع التحرر الوطني والنهوض من جديد.واضطرالشيوعيون وقتذاك إلى التوجه بأنظارهم الى الريف،وبدأوا بشن حرب العصابات ذات القاعدة الفلاحية.ومن المهم رصد تحولات هذه الفئة،أي الفلاحين إذ لا خيار أمامها،إما أن تكون ثورية أوقاعدة اجتماعية للثورات المضادة و الأنظمة الرجعية البونابرتية وقدرها ان تتحالف مع العمال شرط أن يكون لها قيادة ثورية حقيقية وما كان لحرب العصابات أن تنجح في الصين، لو لم تتوفر لها قيادة مركزية وهرمية ومنظمة ناهيك عن الاندماج المجتمعي وهذا ما افتقدته الثورة السورية بسبب تقدم قوى الثورة المضادة وغلبة العفوية والفوضى والارتجال التي اتسم بها العمل العسكري.
ولاتختلف الثورة الروسية عن بقية ثورات العالم،لجهة انها ثورة فلاحية ضد كل اشكال القنانة،ولكن ما يميزها عن غيرها،انها قامت على يد حزب قوي الارتباط بالطبقة العاملة والمثقفين الراديكاليين،واستطاع لينين أن يحول الانتفاضة الشعبية الغيرمنضبطة الى سلطة بلشفية،وتكمن عظمته بقدرته على معرفة ما تريده الجماهيروكان لها ما تريد،أجور أفضل وساعات عمل أقل، فضلاًعن أن الثورة سمحت للفلاحين بأن يضعوا أيديهم على الارض.
لينين الذي بدأ عيانياً من دراسة روسيا،وتشكيلاتها الاجتماعية وطبقاتها ونمو الرأسمالية فيها وبناء على هذا التحليل الواقعي- العيني،قاد ثورته الاشتراكية و تعتبرالثورة الروسية، ثلاث ثورات في ثورة،وفق ما ذهب إليه فالح عبد الجبار في كتابه”ما بعد ماركس”ثورة فلاحية ضد كل أشكال القنانة،وسياسية ضد الشكل الأوتوقراطي للقيصرية،وثورة عمالية في المدن.وقد اكتسبت هذه الثورات طابعاً حاداً ومتوتراً ومتداخلاً بفعل ظروف الحرب العالمية الاولى.وكان لينين يعي شروط التطورالتاريخي للرأسمالية،والسعي للخروج منها وتجاوزها كما وصفها وقد اعترض بليخانوف،الذي رأى ان بلداً متخلفاً متل روسيا،يقوم على الإنتاج السلعي الصغير،وبحر من الفلاحين لا يسمح إلا بنشوء نظام استبداد،وكان لينين يأمل و ينتظرأن تحرك الثورة الروسية فتيل ثورات عمالية في القارة الاوربية،والتكتيك الهام للينين،هودعوته الإطاحة بالسلطة،والخلاص من الحرب الإمبريالية وحل المسألة الزراعية،وتلبية الحاجات الحيوية لعشرات الملايين من البشر.وحققت روسيا،ثورتها الاشتراكية بعدد قليل من العمال،وأكثرية من الفلاحين وبذلك يكون لينين قد جدد وخالف نظرية ماركس وفق ما يتناسب مع الخصوصية الروسية،وقانون تفاوت النمو/التطور اللامتكافىء لأن ماركس، تنبأ بأن انكلترة سوف تكون الرافع لثورة اقتصادية،فهي البلد الوحيد الذي استوفى فيه شروط التطور الرأسمالي،وأن غالبية السكان تتألف من عمال بأجروالبلد الذي بلغ فيه صراع الطبقات،وتنظيم الطبقة العاملة في نقابات درجة من الشمول والنضج و السؤال الذي بات يطرح نفسه، اذا كان العمال أقلية والرأسمالية غير متطورة في روسيا،فما الذي دفع لينين الى تغيير الدفة باتجاه الثورة العمالية، ذات المهام الاشتراكية،في بلد ينتظر انجاز مهام ديمقراطية؟هل كان لينين غير واعي لنظرية ماركس!؟
لقد كان لينين،يعي شروط التطور التاريخي للرأسمالية،وضمن شروط التطور اللامتكافىء وهذا يؤكد فكرة أن الثورة الاشتراكية لن تكون نضال البروليتاريين الثوريين،في كل بلد ضد بورجوازيتهم،بل ستكون نضال جميع المستعمرات و البلدان التي تضطهدها الامبريالية،ونضالات لجميع البلدان التابعة ضد الامبريالية العالمية ومن المستحيل ان نفهم العملية الثورية في روسيا بدون الامبريالية و الحرب.
كان لينين رائد الثورة البروليتارية،والذي يعرف ما هو صراع الطبقات ولم يكتف بتأييد العمال ضد البورجوازية، وحركة التحرر الوطني ضد الامبريالية، بل أيد أسيا ضد أوربا والشرق ضد الغرب وكان مع الفلاح الهندي ولا يكفي ان نقول بأن النظام الاشتراكي ولد من الطبقة العاملة، لقد ولد في روسيا المتخلفة حيث يؤلف الفلاحون ثلاثة ارباع السكان،ثم انتصر في الصين الكولونيالية ونصف الاقطاعية
إنها ديناميكة الثورة الدائمة في البلدان المتخلفة،وفشل بليخانوف وكاوتسكي في فهم هذه الديناميكية الثورية العالمية،في زمن الامبريالية وتناقضاتها التي لا تنبع من نضال العمال،ضد أرباب العمل، بل تستند على تحليل الطبقات،ونظرية تحول الثورة الديمقراطية الى اشتراكية،وعرفت عند ماركس أيضاً باسم الثورة الدائمة،وتحول الثورة الديمقراطية الى اشتراكية،هو بمثابة القانون،إنه قانون رئيسي للثورة باعتبارها سيرورة وتطوروتحول صراعي،لا يحجبه مفهوم الامبريالية، بل يؤكده شرقنا وقال لينين بهذا الخصوص:ليس هناك من جدار بين الثورتين الاولى تنمووتتحول الى الثانية ونضال الشعب الروسي، سيتحقق بالإلتقاءوالاندماج مع الطبقة العاملة الروسية،مع نضال الفلاحين ومعجزة ثورة أكتوبر قامت على هذا الأساس من التراكب.
وفي معرض نقده لماركس،اعتبر سمير أمين أن ماركس وصديقه انجلز،لم يقدرا بأن الأمم الفلاحية ستثبت بأنها الأكثرثورية في الانتقال نحوالاشتراكية،ومن سوف يحقق الثورة ليست البروليتاريا فقط،وإنما كل الطبقات شبه البروليتارية والفلاحون الفقراء والمتوسطين وكل الطبقات المهمشة والمراتب الكادحة والبورجوازية الصغيرة وهذا نابع من خصوصية التركيب الاقتصادي- الاجتماعي للبلدان العربية وهنا تحضرني عبارة هامة،للمفكر السوري الياس مرقص “بأن الثورة الاجتماعية بدون ثورات الأمم الصغيرة في المستعمرات،وفي أوربا بدون الإنفجارات الثورية لقطاع من البورجوازية الصغيرة،بكل أوهامها وبدون حركة تقوم بها الجماهير البروليتارية،ونصف البروليتارية غيرالواعية سياسياً،ضد اضطهاد الأسياد و ملاكي الأراضي والكنيسة.إن من يتخيل ذلك إنما يهجر الثورة الاجتماعية ومن ينتظر ثورة اجتماعية طاهرة،لن يراها في عمره،وذلك ثوري في الكلام ولا يعرف ما هي الثورة الاجتماعية وليست من ثورة اجتماعية خالصة”.
وثمة فكرة هامة وإشكالية للمفكر الشهيد مهدي عامل و قد تثير شيئاً من الجدل والتي وردت في كتابه نقد الفكر اليومي”إن الثورة تكون فاشلة،إن لم تكن بقيادة طبقة مهيمنة اقتصادياً وسياسياً والفلاحون ليسوا بطبقة مهيمنة،وما كان فيهم نمطاً خاصاً من الإنتاج يحمل طابعهم الطبقي،ولذلك كان الأفق مسدوداً في وجه الثورات الفلاحية ولا ينفتح الا حين تكون الثورة بقيادة طبقة مهيمنة،البورجوازية أوالطبقة العاملة”.وهل يحتاج مفكر بأهمية و عبقرية مهدي عامل حتى نذكره بأن الثورات الفلاحية،قادت الى الشيوعية في الصين وروسيا،وإن جرى التضحية بهذه الأهداف فيما بعد وتحولت إلى دول رأسمالية!.و ينبغي تضافر ثلاث عوامل حتى تنتصر الثورات،التنظيم والقيادة الثورية والتحالف مع العمال كي يتم الإنتقال الى الاشتراكية،لأن شريحة الفلاحين غالباً ما تعبرعن سخطها بأشكال رجعية،وهذا الشكل الرجعي من الوعي يمكن أن تستغله القوى المناهضة للثورة،من أجل أن تدعم سلطتها وهيمنتها،وتبعدها عن حليفها الاساسي وهوالطبقة العاملة..من هنا تنبع أهمية فكرة الهيمنة عند غرامشي،أي الهيمنة على الفلاحين وضرورة التحالف مع الطبقة العاملة ومن سوف يقوم بهذه المهمة هو”الأميرالحديث” أي حزب الفئات الشعبية المفقرة”بذلك يجري إدخالهم كفاعلين أساسيين،في صنع التاريخ،ولم يكن غرامشي ينظر إلى الصراع الاجتماعي على أنه محصور بين البورجوازية والبروليتاريا بل رآه ثلاثي الابعاد،البورجوازية/البروليتاريا/ومعهم الشرائح الدنيا من البورجوازية الصغيرة والفئات الوسيطة.
أدرك غرامشي أهمية المستوى الإيديولوجي،ودوره الأساسي في عملية الصراع الطبقي،حيث يجري الصراع بين البورجوازية والبروليتاريا على استقطاب وتأييد الفلاحين وهناك طبقة سائدة،تحاول أن تفرض هيمنتها وإيديولوجيتها وتحشد كل إمكانياتها،حتى تخضع وعي الجماهير،ومن هنا أتت أهمية تنظيم الفئات الشعبية،و أن يضع الحزب الذي يمثل هذه الفئات،هدفاً اساسياً وهوالإستيلاء على السلطة،من أجل الانتقال إلى أنماط جديدة،من الإنتاج والتوزيع.وإذا فشل في الوصول الى السلطة ونجحت الطبقة المسيطرة البورجوازية،في إيقاف مد البروليتاريا،عندها يتحلل الصراع الطبقي،وتنتشر الفاشية،يؤيدها ملاك الاراضي والفريق الحاكم وقوى النظام القديم،واذا لم تعرف البروليتاريا، كيف تتصرف وتنظم نفسها وهذا لا ينبثق من التطورالعفوي،بل من ضرورة وجود الأحزاب والتنظيم،عندها تصبح الفئات المفقرة مدركة لذاتها ولمصالحها وامكانياتها وتعرف كيف تتقدم وتحدد الأهداف وتميز بين الأعداء والخصوم.ولطالما ارتبط مفهوم الصراع بين الطبقات،بغزو السلطة ويقول أنطونيوغرامشي :(الفهم الغير السليم للدولة يعني وعياً طبقياً غيرسليماً وفهم ما هي الدولة لا يتم بمجرد أن يدافع المرءعنها،إنما حين يهاجمها من أجل إسقاطها)ومن له مصلحة بالتغييرالجذري هي الفئات المفقرة التي تدافع عن الصراع،على عكس الاصلاحيين،اللذين ما فتئوا ينكرون وجود الصراع الطبقي وأقصى طموح لهذه الفئة،أن تجري بعض التعديلات البسيطة،من دون المس بجوهر السلطة الطبقي ومن المفيد أن نذكر القارىء بمفهوم الثورة،كما ورد في كراس لينين الدولة والثورة”الدولة ليست أن تسود طبقة جديدة وتحكم بواسطة القديمة بل في أن تسود وتحكم بواسطة آلة الدولة الجديدة،بعد أن تحطم القديمة” ورأى ماركس،أن التدابيرالعملية التي إتخذتها الكومونة،هوما يخشاه الانتهازيون ولايريدون الاعتراف به،لجبنهم ولعدم رغبتهم في قطع كل صلة بالبورجوازية ويعلمنا ماركس،ضرورة التحلي بالجرأة الثورية،كي نحطم آلةالدولة القديمة واستطاعت الكومونة في غضون أسابيع،أن تشرع في بناء آلةجديدة بروليتارية ولكن مؤامرة الطبقة السائدة ،عن طريق تفجير الحرب الاهلية وتحت رعاية الغازي الاجنبي،استطاعوا أن ينهوا حكم الكومونة،كما جاء في كراس ماركس “الحرب الاهلية في فرنسا” ووجود الكومونة بالذات ونشاطها وبعض الإجراءات التي قامت بها كان دلالة على الاتجاه الذي تتطور فيه ارادة الشعب.
يقول ماركس:إن تحريرالبروليتاريا يقع على عاتق البروليتاريا ذاتها،وبتحررها إنما تحررالمجتمع بأسره،تحررالانسانية جمعاء،وسلاحها هو نضالها،وهذا التحليل يعتمدعلى التحليل العلمي لحركة التاريخ الواقعية،وهذا ما استخلصه ماركس،من درس الكومونة اول تجربة لحكم الطبقة العاملة.
اقرأ أيضا