كريان سنطرال: هجوم الدولة على سكن الفقراء
يوم 3 يونيو و بموجب حكم قضائي تحركت ألة القمع بمدينة الدار البيضاء مصحوبة بأليات ضخمة ( جرافات وشاحنات ) لهدم 42 براكة بالحي الشعبي كاريان سنطرال، حي هامشي لا يتوفر على أدنى مقومات الحياة الإنسانية البسيطة، تقطنه الشرائح الاجتماعية الهشة الأكثر فقرا وتضررا من النظام الرأسمالي التابع الذي يسطو على أجود العقارات بالمدينة ويحقق إنطلاقا منها أرباح خيالية في ظرف قياسي، نظام يحمي مافيا العقار بترسانته القانونية ويوفر لها كل الأجواء للترامي على أملاك الأشخاص والملك الغابوي وأراضي الجموع .فكيف يمكن تفسير عدم تنفيذ عدة أحكام قضائية لصالح الفقراء ضد مايسمى شركات السكن الإقتصادي غير تحيز تام لصالح البرجوازية.
الدولة تهجم على الفقراء بعد تراجع زخم حركة 20 فبراير
عمدت الدولة في عز الحراك الإجتماعي يوم 20 فبراير 2011 وما تلاه بعدة شهور الي غض الطرف عن مايقوم به الكادحون من بناء مساكنهم بدون ترخيص قانوني، بحيث عمت هذه الحالة كل المغرب تقريبا، لم يكن ذلك إلا تكتيك من طرف الدولة لثني الفقراء عن الإحتجاج و الإنخراط في الدينامية النضالية ، فتكاليف السكن ترهق كاهل الكادحين، وحتى لا يصبح مطلب السكن للجميع على قائمة مطالب الحركة ، وقد نجحت فعلا إلي حد ما في تحييد هذا القسم من الكادحين عن حلبة الصراع بالخصوص في مدن عمالية مثل أكادير والدار البيضاء وطنجة التي تشهد لهيب أسعار في ثمن العقار بفعل تدخل الشركات العملاقة ( الشعبي للإسكان ، مجموعة الضحى… ) وإستيلائها على الوعاء العقاري بأثمان بخسة وتستثمر هذه الشركات ملايير الدراهم في قطاع العقار لما يذره من ربح سريع ومضمون وحتى بدون تكاليف كبيرة لهذه الشركات حيث تعتمد على مستشاريها وخبرائها في التحايل على القانون والتهرب من الضرائب تحت يافطة ما يسمى “السكن الاجتماعي”، بالإضافة لكونها مملوكة أصلا للحاكمين بزمام الأمور.
لم تدم حالة غض الطرف هاته مدة طويلة ، فبمجرد تراجع الدينامية النضالية إلي الوراء وخفوت حناجر الاف المحتجين في شوارع و ساحات المغرب أخرجت الدولة ألتها الإعلامية لمهاجمة السكن الشعبي الذي تم بنائه بدون رخصة ، لتنطلق بذلك حملة منظمة في مدينة أكادير وغيره من المدن لهدم ماتسميه السكن العشوائي . واجهة حملة الهدم هاته مقاومة من طرف الفقراء لكنها مقاومة معزولة وغير منظمة ولم تلقى السند الكافي لنصرتها .هل كانت تجرأ الدولة على هدم ما وصفته بالسكن العشوائي أيام المد النضالي لحركة 20 فبراير ؟ أكيد لا، بل سمحت به و ساهمت في تسهيله عن طريق البيع و الشراء بتصحيح الإمضاء ، ألم يكن هذا تكتيك المرعوب من الفقراء ؟
لم يستثنى من الهجوم أي من شرائح المجتمع : باعة الرصيف و المعطلون و العمال وحتى الأجراء تعرضوا لهجوم محكم ومنظم بالتعاون مع البيروقراطية ، معركة الترقية بالشواهد للأساتذة المعتصمين بالرباط لازالت ماتلة أمامنا . كل هذا الهجوم لإسترجاع ماتم التنازل عنه إبان الهبة الإجتماعية في 20 فبراير 2011 .
كريان سنطرال أحد أوجه الهجوم
يقع كريان سنطرال على مساحة 34 هكتار ، يضم أكثر من 6400 براكة المحصي منها هو 4640 تقطن بها 6902 أسرة، هدمت منها إلى غاية 2 يونيو الجاري 3926 براكة ، ويتم تعويض السكان ببقع أرضية أو شقق صغيرة المساحة لا تستجيب لحاجيات الأسر الممتدة التي تتكون من أب وأبناء وأحفاد . تدفع العائلات المستفيدة مبالغ مالية قد تصل إلي 100 ألف درهم . كحل ترقيعي قررت السلطات ترحيل السكان الذين يتوفرون على شهادة الهدم ويشملهم الإحصاء ودفعوا المبلغ المطلوب إلي منطقة الهراويين ، في حين رفضت مجموعة من الأسر هذا الحل لما شابه من تلاعبات ورشوة ومحسوبية كما أقصي مجموعة من السكان من الإحصاء .
كما تستغل الدولة بعض التفاصيل الجزئية ( السكان القدماء ، السكان الجدد ) لتفرقة الكادحين والتمييز بينهم حتى يسهل قمعهم ، في غالب الأحيان لاتستطيع هذه العائلات بناء مساكن فمدخولها ضعيف لايسمح بكل تكاليف البناء ، حيث تقوم بعقد إتفاق مع أحد الميسورين ليتكلف بذلك ويستفيذ هو من المحلات التجارية و الطابق الأول وله نصيب أيضا في السطح كل هذا لايهم مافيا العقار التي تستثمر أموالها في مصائب الفقراء ولايدخل في حسابات الدولة البرجوازية .
تدخلت قوات القمع بكل عنف في كاريان سنطرال لهدم ماتبقى من سكن الفقراء ، خلف هذا التدخل الهمجي 24 معتقل ، ومحاولة أحد المتضررين حرق نفسه إحتجاجا على هذا العنف الهمجي الذي تعاملت به السلطات بالإضافة إلي حالات إغماء نقلت إلي المستشفى .كما إنتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي صور نساء الكاريان وهن يقاومن بصدور عارية رجال القمع ويدافعن عن بيوتهن بكل إستماتة .
. النضال من أجل السكن غالبا ما يكون نضال الكادحين رد فعل متأخر جدا بعد هجوم الدولة ، رد الفعل هذا تطغى عليه العزلة والتشطي إلي حالات نضالية لكل منها ملف مطلبي خاص لكنها لاتخرج عن في عموميتها عن المطالب الإجتماعية البسيطة ( سكن ، شغل ، تزود بالكهرباء ..إلخ ) . تنفد الدولة ضرباتها بشكل منظم وممركز على قوت وحياة الكادحين بالمغرب ، فهذه المركزة في الهجوم لا يمكن التصدي لها والإنتصار عليها إلا بمركزة هجوم مضادة ، فالمقاومة تلزمها منظمات نضال تضع ضمن قائمة أولوياتها مسألة السكن والبيئة الملائمين لحياة البشر مهمة ملقاة في المقام الأول على عاتق النقابات العمالية، وعلى عاتق منظمات المحرومين من سكن يليق بالبشر المكدسين في هوامش المدن .
فودة إمام
اقرأ أيضا