التنظيم لدحر طاحونة الاستغلال والاستبداد
عاد جو الاحتجاج والاندفاع الشعبي الذي ميز مناخ 20 فبراير إلى الظهور من جديد ليعم أغلب مدن المغرب، يوم الأحد 30 أكتوبر 2016 احتجاجا على قتل محسن فكري بمدينة الحسيمة.
خرجت مسيرات جماهيرية حاشدة دون ترخيص، ولم تسجل أية أعمال عنف أو تخريب. خرجت الجماهير بكثافة لتعلن مجددا أنها لا ترضى الذل والمهانة، ولم تعد تقبل الدوس على كرامتها.
أزيد من 40 مدينة شهدت احتجاجا جماهيريا، وجنازة مهيبة حاشدة شهدتها بلدة شهيد “الحكرة” وطغيان المستبدين.
أحزاب الدفاع عن الاستبداد
أمر رئيس حكومة الواجهة، قائد حزب العدالة والتنمية الإسلامي، محازبيه وأنصاره بعدم الخروج في المظاهرات معلنا للمرة الألف وقوفه في صف المستبدين، وهذا نفس الطريق الذي سلكه حزبه إبان حركة 20 فبراير المجيدة.
أصر حزب النظام-الأصالة والمعاصرة-من جهته على تحميل مسؤولية الجريمة للحكومة وحزب العدالة والتنمية، وكأن هذا الأخير هو المتحكم في وزارة الداخلية وأجهزة قمعها وليس الحكومة الفعلية التي لا يمثل بنكيران إلا قناعها البئيس.
أما بقية الأحزاب فقد التزمت الصمت مظهرة حقيقتها كأدوات لتغطية الوجه القمعي لنظام الفرد المستبد، ولسان حالها يقول “لا توقظوا الفتنة”. نفسها الأحزاب التي ساعدت النظام على الخروج من زاوية حشر فيها بفعل سيرورة ثورية انطلقت من تونس لتعم المنطقة، وها هي مرة أخرى تمد له طوق نجاة مسبق لأي امتداد للنضال الشعبي القادم من الأعماق.
سنوات من الكذب تنتهي بجريمة بشعة
مرت السنوات، خمس منها بحكومة واجهة إسلامية، وجرت الانتخابات مؤخرا وتبوأ الحزب نفسه صدارتها. جرى تغيير الشكل للحفاظ على الجوهر: عدل الدستور الممنوح وأبقى على السلطة الفعلية المطلقة بيد المؤسسة الملكية، وأقرت زيادات هامة في الأجور سرعان ما تم استرجاعها عبر الغلاء وتفكيك صندوق دعم أسعار المواد الأساسية، وتخريب نظام تقاعد الموظفين، وإطلاق عنان القطاع الخاص في الاستغلال المفرط بأجور بؤس وفي شروط عمل بالغة الخطورة.
جرى تشغيل معطلين، لكن البطالة ظلت تتفاقم وترمي بالآلاف إلى مصائر مظلمة (الدعارة والمخدرات والهجرة غير الآمنة، والإجرام…)، وهناك سعي حثيث لتمرير تعديات أشد وقعا مثل التشغيل بالعقدة المحددة المدة في الوظيفة العمومية، وقانون منع الإضراب، وقانون النقابات، هذا فضلا عن تقشف شديد بإملاءات مؤسسات الامبريالية الحريصة على استمرار ضمان الرأسمال العالمي والمحلي الكبير لعائداته من مديونية استنزفت مقدرات البلد الاقتصادية والاجتماعية…
التنظيم: الشرط الذي لا غنى عنه للنصر على طاحونة الاستبداد
لم تكن 20 فبراير محض سحابة صيف مرت عبثا، لقد تخلص الشعب الكادح من الخوف، ولا ينقص سخطه الكبير سوى التنظيم سياسيا ونقابيا وجمعويا… تنظيما ديمقراطيا ومستقلا وتقدميا وجماهيريا وقتاليا. وعلاوة على ذلك وعي أصل بلائه: نظام سياسي مستبد ونظام اجتماعي استغلالي ومضطهد: رأسمالية تابعة ومتخلفة، واستبداد سياسي.
اليوم، عبر الشعب المغربي مرة أخرى أنه لم يعد يقبل أن تهدر كرامته، ولن يقبل ذلك غذا، ولا بعد غد.
اليوم، الشعب المغربي منزوع السلاح. منظماته السياسية والنقابية والجمعوية التاريخية معطوبة، وهذا ما يلقي على عاتق المناضلين، الشباب خصوصا، مسؤوليات جسام. أهمها الانتظام في حزب سياسي يعبر فعلا عن تطلعات من هم في قاع مجتمع الاستغلال والاضطهاد القائم، وفي أشكال تنظيم متنوعة للمقاومة العمالية والشعبية: نقابات وجمعيات وتنسيقيات ووداديات…
على اليسار المناضل حقا أن يسعى جاهدا ودون كلل لبعث تقاليد النضال الطبقي الضرورية: التضامن الطبقي للكادحين لمواجهة غطرسة الحاكمين المستبدين، ولإنهاء طغيانهم، وفتح الأبواب مشرعة لبديل تحرري ينتفي فيه استغلال الانسان للإنسان، ويقضي على كل أشكال المهانة والإذلال أيا كانت: دينية أو عرقية، أو لونا، أو جنسية…
سليم نعمان
اقرأ أيضا