الماركسيون والإنتخابات إلى مـــؤسسات النظام؟
عشية كل جولة انتخابية لتجديد النظام لمؤسساته (البلدية والبرلمانية) يثار النقاش في صفوف اليسار الجدري المغربي. لا يقتصر الإختلاف على الموقف من البرلمانية، بل يطول أوجها أخرى من النضال الطبقي للطبقة العاملة. وإذ سبق للمناضل-ة أن أخضعت للتشريح مواقف اليسار الجذري من الإنتخابات، ونفضت الغبار المغربي عن المنظور الماركسي حول المسألة، واذ تأكد أن ما من وجهة نظر أعلنت حججا مضادة على صعيد السند النظري (بما هو حصيلة تجارب تاريخية للحركة العمالية على الصعيد الأممي)، بات واضحا لكل مناضل أن موقف مقاطعة الانتخابات لمؤسسات النظام الذي أضحى موقفا ثابتا لتيارات اليسار الجذري، لا يمت بصلة لتراث الحركة العمالية المسترشدة بالماركسية.
1- حجج أنصار المقاطعة: عرض ونقد
لتبرير موقفه الخاطئ بمقياس انتسابه إلى لماركسية، يتحجج اليسار الجذري بمبررات كثيرة ومتباينة حسب كل سياق. تارة باسم انعدام شرط نزاهة وشفافية الانتخابات، وطورا بحجة الدستور اللاديمقراطي ونقص صلاحيات البرلمان، وعدم حياد وزارة الداخلية المشرفة على عملية الانتخاب. ويبلغ المنطق المتهافت مداه الأقصى بتبرير غريب قوامه «عدم اضفاء الشرعية على مؤسسات الاستبداد» وكأن الرفض الذاتي لمؤسسة رجعية ما يعني تحطيمها فعلا.
إن كل اطلاع بسيط على الأدب الماركسي، وعلى تجارب الحركة العمالية، سيجعلنا ندرك أن تلك الذرائع والمبررات متهافتة تماما، ولا تصمد أمام أي نقد من زاوية نظر ماركسية (1).
فمتي اشترط الماركسيون أن يكون البرلمان بسلطات كاملة، ومنتخبا في ظروف «النزاهة والشفافة»؟ ومتي كان التطبيق الفعلي للتكتيك الاشتراكي إضفاء للشرعية على المؤسسات الزائفة؟
إن إصرار اليسار الجذري على مواقف خاطئة تماما بالرغم من انكشاف خواء مبرراته من زاوية نظر عمالية ماركسية يدل على أن هناك أسبابا أخرى تمنع تصحيح ما تأكد خطؤه وضرره.
ان مبررات المقاطعة الانتخابية عند هذا القسم من اليسار الديمقراطي لا يربطها أي رابط مع صنف اخر من التيارات الشيوعية اليسراوية له موقف مقاطعة مبدئية للانتخابات البرجوازية. فالشيوعية اليسراوية تعتبر البرلمانية البرجوازية ولى عهدها تاريخيا وسياسيا، ومن ثمة وجوب الاستعاضة عنها بأجهزة طبقية عمالية بغض النظر عن ميزان القوى الطبقي ومستوى كفاحية ووعى الطبقة العاملة. أما اليسار الدمقراطي فيريد إزاحة المعيقات التي تكبل البرلمان من أداء مهمته التاريخية والسياسية. بالتالي فخلافنا هذا اليسار الجدري تكتيكي وتوحدنا معه استراتيجية تغيير ثوري أما اليسار الديمقراطي فحلفاء طريق.
إن حجج اليسار الديمقراطي تلقي به في مآزق عظيمة، فالبعض من تلك الحجج، ستؤدي به إما:
– إلى المقاطعة الدائمة، وهذا ضرب من العبث السياسي، أو إلى المشاركة دون تحقق أي من اشتراطاته
ما دام غير ممكن أن يسير الأمر على هذا النحو، فإما الإقرار بخطأ موقف المقاطعة الدائمة واستخلاص الدروس الضرورية، وهذا نهج منظمة سياسية جدية، أو سلك طريق المناورة اللا مبدئية بتغيير الاتجاه والتزام الصمت مع ما يستتبعه ذلك من خسارة معنوية وتنظيمية. ألم يقاطع حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي عقودا لنفس المبررات وعاد ليشارك في الانتخابات بصمت مخجل دون تقديم تفسير لانقلابه من الشيء إلى ضده.
هناك حجج منتشرة بقوة في صفوف اليسار الجذري المغربي، لها وقع تأثير أوسع ولا يعبر عنها بوضوح، مصدرها الاشمئزاز والقرف من الوصولية البرلمانية والفساد والخيانة لمصالح الطبقة العاملة والكادحين، قرف يغذيه الإدراك التام أن النظام له باع طويل وتجربة هائلة في أساليب إفساد الأفراد والمنظمات المحلية والدولية حيث يبتلع كل من يقترب منه. ولتجنب الدنس لا يجب الاقتراب من المستنقع الانتخابي.
إن التكتيك البرلماني الذي مارسته المعارضة الليبرالية المحبط للشباب اليساري وصورة البرلماني الليبرالي الذي ليس غير أداة للكذب والغش ونسج الصداقات المربحة وابرام الصفقات كل دلك جعل من مؤسسات النظام مجزرة للشرف النضالي وسيركا لترويض المعارضة المستقلة (حتى الليبرالية منها). إن الحذر الثوري والتأفف من عفن مؤسسات النظام والغضب من ممارسة المعارضة الليبرالية الجبانة واحتقارها مفيد لكنه لا يجب أن يعمينا عن إمكانية البرلمانية الثورية.
لا يمكن للطبقة العاملة أن تقضي على الرأسمالية التابعة في معركة طبقية حاسمة إن هي عجزت عن خوض مناوشة تكتيكية ومن المستحيل تصور قدرتها عن بناء بديلها المجتمعي وهي الفاقدة للقدرة على إرسال نخبة من المقاتلين إلى قلعة العدو (البرلمان) بمبرر خوفها من تجنيدهم وإفساد قناعتهم الثورية، «أتريدون أن تنشئوا مجتمعا جديدا؟ وأنتم تخشون صعوبات تشكيل كتلة برلمانية جيدة، مؤلفة من شيوعيين أقحاح ومخلصين وبطوليين، في برلمان رجعي» «2».
صحيح أن المجموعة البرلمانية تظهر ميلا إلى الانتهازية اليمينية ونوع من التكيف مع الوسط البرجوازي الذي تشتغل في ظله، الا ان العلاج موجود في الدور المركزي الدي يقوم به الحزب العمالي لإخضاعها للرقابة ومنع كل ميل لديها لخرق قاعدة الامتثال للقرارات الحزبية.
لقد أبانت تجربة الحركة العمالية عن مشاركة برلمانية اشتراكية غنية بالدروس العظيمة وكأمثلة عن دلك :- أ- كارل ليبنكخت في ألمانيا الذي أنقذ شرف الاشتراكية بدفاعه عن المبدأ الأممي في رفض المجزرة الامبريالية خلال الحرب العالمية الاولي مقابل خيانة اشتراكيين خانوا طبقتهم مفضلين الانحياز إلى بورجوازيات بلدانهم باسم الدفاع عن الوطن – ب- البلاشفة في دوما القيصر الذين شرحوا لعمال روسيا حقيقة الملكية المطلقة وبسطوا رايتهم باستغلال اسطبل الرجعية ذاك – ج – العصبة الشيوعية الثورية بفرنسا التي خاضت حملة الرئاسيات بإمكانيات هزيلة تحت شعار الانتخابات لن تأتي بالتغيير الثورة الاشتراكية سبيلنا.
2- ما الغاية من المشاركة في انتخابات الى المؤسسات البرلمانية وكيف؟
«من السهل جدا على المرء أن يظهر «ثوريته» عن طريق الشتائم وحدها الموجهة الي الانتهازية البرلمانية، أو فقط عن طريق نفي الاشتراك في البرلمانات، ولكن لهذا السبب بالذات، أي لكون هذا سهلا للغاية، ليس هذا حلا للمهمة الصعبة، بل وبالغة الصعوبة».(3)
بالنظر إلى افتقار طبقتنا العاملة لحزبها المستقل ولانعدام تجارب ملموسة للاستعمال الثوري للانتخابات فقد ظل الأمر غريبا عن أذهان الطلائع المناضلة وظل راسخا لديها مثال الليبرالي المنحط واستسلامها المشين للاستبداد. علينا إذن الاجابة على سؤال يفرض نفسه على كل مناضل اشتراكي ثوري: ما مضمون المشاركة في الانتخابات الي المؤسسات البرجوازية في المغرب اليوم وما الاجراءات التي تتطلبها تلك المشاركة؟
إن مشاركة الاشتراكيين في الانتخابات إلى المؤسسات البرجوازية (بلدية– برلمانية) تطرح من زاوية نظر تطور الوعي الطبقي ومن هنا يأتي استخدامها من أجل الدعاوة والتحريض، أي لنقد وتفسير الوضع للجماهير من زاوية المصالح الطبقية المتناقضة، وبالتالي، تطوير عداء الطبقة العاملة وتنظيمها للإجهاز على الطبقات المالكة.
علينا التأكيد بدءا أن الطريقة الرئيسية للنضال العمالي ضد البرجوازية وسلطتها قبل كل شيء تتمثل في النشاطات الميدانية حيث تقوم المنظمات الجماهيرية للبروليتاريا (النقابات والأحزاب السياسية) بتنظيم هذا النشاط وقيادته، أي أن المشاركة الانتخابية جزء ضئيل من جهد التحريض السياسي الذي يضطلع به الاشتراكيون بشكل دائم برايتهم وشعارتهم وأساليب عمل طبقية وباستقلالية تامة.
إن تجربة الحركة العمالية زاخرة بأمثلة عن الاستعمال الاشتراكي للانتخاب للمؤسسات البرجوازية لكن علينا مقاربة واقعنا الخاص باستلهام دروس التجارب العمالية تلك آخذين بالاعتبار الخصائص السياسية لبلدنا (ملكية مستبدة) ومميزات الحركة العمالية (غياب حزب عمالي قائم).
يرزح الشعب المغربي تحت نظام رأسمالي تابع تحكمه ملكية مستبدة، نيابة عن البرجوازية الكبيرة (المالية والتجارية والصناعية والفلاحية)، وهي الحامي لمصالح التاريخية للبرجوازية في وجه الطبقة العاملة وباقي الفئات الكادحة، تحكم نيابة عنها لعجزها الحكم أصالة عن نفسها وقد فوضتها الاستئثار بالقرار في كل قضايا الحكم، الملكية تنظم التنافس بين أقسام البرجوازية الحاكمة وتراعي مصالح الامبريالية فطالما حافظت على مصالح واستقرار الرأسمال فثمة إجماع لا يخرج عنه ألا الأقسام البرجوازية الأقل شأنا، المتضررة والحالمة بتقليص سلطات الملكية دون المس باستقرار النظام الرأسمالي، تلك قاعدة المعارضة الليبرالية التاريخية.
إن صلاحية البرلمان بالمغرب تقف عند صلاحيات الملك الواسعة ودوره التشريعي والرقابي يحد منه الدور التشريعي والتنفيذي والرقابي للملكية الحاكمة.
ان الماركسيين لا ينساقون وراء الأوهام، فحتى البرلمان البرجوازي الكامل الصلاحيات والسلطات ليس الا أداة لحكم البرجوازية. أما عندنا فهو وسيلة لتمويه حكم الملكية المستبدة خلف واجهة برلمانية محدودة الصلاحيات والسلطات وأداة تسجيل لقرارات دوائر الحكم الفعلية.
من ناحية أخرى فالطبقة العاملة المغربية بلا تنظيمات جماهيرية قوية (نقابية وسياسية)، مذررة وشديدة التأخر السياسي وبلا تقاليد نضال ثورية، وقسمها المنظم نقابيا تاريخيا تحت هيمنة قوى المعارضة الليبرالية والآخر خاضع لتأثير أحزاب برجوازية رجعية دينية، هناك يسار جذري أغلبه يسار ديمقراطي وقليل منه ذو منظورات اشتراكية.
كل دلك يجعل أي حديث عن المقاطعة في سياق التراجع النضالي البين حاليا بلا معنى، بالإضافة للاعتبارات السالف ذكرها فانه حتى ببروز نضال طبقي ثوري واسع، عام، سريع وقوي، مع بقاء اليسار الاشتراكي في وضعه الحالي فالمقاطعة الثورية ذاتها مهددة بأن تقودها قوى رجعية دينية أقوى من اليسار، كما أن استعمال الانتخابات وهي المهمة الأصعب يفتقد لظروف التنفيذ-آنيا-فهل سينتظر اليسار الاشتراكي بسلبية حتى تنضج الشروط الذاتية؟ هل هناك جواب ملموس للحالة الماثلة أمامنا؟
3- مشاركة اشتراكية ثورية في انتخابات النظام: افتراض من أجل الفهم
لنفترض أنه في وضع مطابق للحالة الراهنة بالمغرب على جميع الأصعدة (نفس الوضع العالمي والوطني سياسيا واقتصاديا، نفس الدستور الممنوح نفس القانون الانتخابي نفس الهيئات السياسية والنقابية) مع افتراض أن اليسار الاشتراكي بالمغرب يضم في صفوفه 3 آلاف مناضل-ة وتنظيم على أرضية سياسية مضادة للرأسمالية التابعة ونظامها السياسي (الملكية المستبدة) وقرر استعمال الانتخابات كمنبر للتحريض الاشتراكي، فكيف سينظم المعركة تلك وما غاياته وسائله لبلوغ أهدافه؟
إن للمشاركة في الحملات الانتخابية والدعاوة الثورية من أعلى المنبر البرلماني دلالة خاصة من أجل الكسب السياسي لأوساط الطبقة العاملة، التي بقيت حتى الآن، كما الجماهير الكادحة الريفية، بعيدة عن الثورة وعن السياسة. لذلك سيركز الاشتراكيون على بلوغ أهداف واضحة تعزز الوعي السياسي الثوري للعمال وتوجه منظور التغير لديهم من المؤسسات البرجوازية إلى الطريق الاشتراكي الثوري المستند على النضال الوحدوي الجماهيري.
مثلا يمكن السعي لتحقيق التواصل المباشر مع 30 ألف عامل-ة في أماكن العمل و30 ألف أخرى من الأجراء والفئات الكادحة بالأحياء السكنية العمالية باستخدام المنشور المكتوب وحلقات النقاش واللقاءات الفردية والمهرجانات الخطابية وتنظيم المسيرات والتظاهرات والحضور في المعارك الجارية. لا يجب تشتيت جهودهم البسيطة في مجموع البلد بل سيتم التركيز على خمس مدن رئيسية تجند لها معظم القوى بحركة تنقيل المناضلين-ات لتلك الغاية ولفترة محددة من منطقة إلى أخرى، وبالنظر إلى فقر الإمكانات المادية واللوجستيكية وتجاهل الإعلام البرجوازي للشيوعيين، سيتم تعبئة الامكانات المتيسرة بتنظيم حملات دعم عمالية وشعبية وأن يضع المناضلين الأفراد ما لديهم رهن اشارة النضال (سيارة-دراجة-أدوات تصوير-مقرات…).
فما مضمون التحريض الثوري الذي سيتم تبليغه والشعارات الرئيسية التي ستكثف ذاك التحريض؟ أولا: التشهير وفضح حكم الملكية المستبدة وكونها عقبة أمام التحرر الاقتصادي والديمقراطية السياسية، وكشف حقيقة البرلمان بما هو واجهة زائفة لحكم لا ديمقراطي. ثانيا: تعرية البرجوازية الكبيرة الناهبة لثروات البلد وباستغلال همجي للعمال أسوة بالإمبريالية الوصية التي تغرف حصتها السمينة عبر آلية النهب الاستعماري والديون الظالمة. ثالثا: أن نشرح ونفسر أن هدف التحرر الشامل والعميق والانعتاق السياسي لا سبيل إليه إلا بنضال عمالي وشعبي جبار يقلب جذريا النظام القائم وبناء بديل يلبي الحاجيات الأساسية اقتصاديا واجتماعيا ويحرر رقبة الجماهير من قبضة الاستبداد والتخلف وبناء الاشتراكية.
أولئك الآلاف الدين سنصل إليهم، لن يقتنعوا آليا بما نعرض عليها من رأي سياسي فأغلبهم متأخر سياسيا ومحافظ بل ورجعي، لكنهم سيتعودون على سماع منظور سياسي صادق وقد يكون صادما لنزعتهم المحافظة ومنهم من سيلاقينا في نضالات سيجبر على خوضها ويجدنا رفاق نضال يقاتلون بصدق ويقدمون منظورا شاملا لأسباب قهره وبديلا شاملا لمأساة طبقته حينها نكسب مناضلين عماليين صادقين للمشروع الاشتراكي. طبعا سيكون من الغباء المنقطع النظير أن نجعل من هدا الجهد بديلا عن عمل، التحريض والدعاية والتنظيم، الدؤوب الواجب القيام به بشكل دائم قبل الجوقة الانتخابية وبعدها بل إنه استمرار لنفس الجهد مع استثمار الحظة السياسية حيث تكون أدهان الشعب مركزة على الأوهام البرلمانية والتنافس بين الأحزاب السياسية بما هي تعبير عن مصالح طبقية.
لن تسمح أجهزة الدولة للاشتراكيين باستغلال عرسها الانتخابي الزائف لبث «سموم أفكارهم الثورية وتلويث عقول رعاياها الخاضعين» وستلجأ إلى كل أساليب التضييق والتشويه والحصار وإرسال فرق المأجورين للتشويش والاعتداء على المناضلين وإن عجزوا عن المهمة ستتدخل أجهزة الدولة القمعية. حينها سيتاح للاشتراكيين التشهير بحقيقة الدولة أمام الطبقة العاملة وسيشرحون للعمال ما يخيف البرجوازيين وما يريدون إقباره حتى لا يصل اليهم.
ذلك جزء مما يتوجب القيام به لتنظيم حملة انتخابية براية اشتراكية، لكن الأمر يتطلب أكثر من ذلك؛ سلسلة إجراءات ضرورية قبل وأثناء وبعد الحملة الانتخابية سنعرضها- بتصرف- كما جرى تبنيها في المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية المنعقد في يوليو 1920 وسيندهش المرء لراهنية تلك الاجراءات رغم الفترة الزمنية البعيدة التي تفصلنا عن داك التاريخ، لكن الدهشة ستزول حين نعلم أن البرلمانية البرجوازية حافظت على نفس الخصائص والأشكال ماعدا ان العولمة الرأسمالية وجهت لها ضربات قاصمة في القلاع البرجوازية الكلاسيكية ذاتها(4).
4- من اجل التطبيق الفعلي للتكتيك الثوري في البرلمان تفرض الاجراءات التالية نفسها:
أ-يتأكد الحزب بأكمله ولجنته المركزية منذ المرحلة التحضيرية التي تسبق الانتخابات، من إخلاص أعضاء المجموعة البرلمانية الشيوعية، وقيمتهم الشيوعية، وله الحق الذي لا نقاش فيه أن يطعن في أي مرشح بعد تعيينه من إحدى المنظمات. إذا لم يكن لديه الاقتناع بأن هذا المرشح سينفذ سياسة شيوعية فعلا.
ب-على الحزب الامتناع عن ترشيح البرلمانيين المجربين والمحامين بشكل خاص عليه ألا يخشى تعيين أعضاء بسطاء بدون تجربة كبيرة وعليه أن يرفض باحتقار وبلا رحمة الوصوليين القادمين إليه بهدف وحيد هو الدخول إلى البرلمان وعلى اللجان ألا توافق إلا على الأشخاص الذين قدموا طوال سنوات البراهين الثابتة عن إخلاصهم للطبقة العاملة.
ت-ما ان تنتهي الانتخابات تقوم اللجنة المركزية بتنظيم المجموعة البرلمانية وتصادق على اختيار رئيسها ومكتبها وأعضائه مع تحديد ممثل دائم يتمتع بحق الفيتو في كل المسائل السياسية الهامة وعلى المجموعة ان تلتزم بطلب التوجيهات المسبقة من اللجنة المركزية. هده الأخيرة من حقها تعيين خطباء للمجموعة المدعوين للمداخلة حول مسائل هامة وأن تفرض إخضاع الموضوعات والنصوص الكاملة لخطبهم…الخ لموافقتها. وأن يوقع كل مرشح مسجل على اللائحة الشيوعية تعهدا رسميا بأن يتخلى عن نيابته عند أول ايعاز من اللجنة المركزية، كي يكون الحزب قادرا دائما على استبداله.
ث-إذا تسلل إصلاحيون أو أنصاف إصلاحيين إلى المجموعة البرلمانية-رغم تلك الاجراءات-على الحزب أن يقوم بحملة تطهير للمجموعة البرلمانية مستوحيا المبدأ القائل إن مجموعة برلمانية قليلة العدد ولكن شيوعية حقا تخدم مصالح الطبقة العاملة بشكل أفضل بكثير من مجموعة كبيرة العدد دون سياسة شيوعية حازمة.
ج-يجب أن تخدم الحصانة البرلمانية التي لا زال يتمتع بها النواب الشيوعيين بموجب القانون البرجوازي، تنظيم الحزب ودعاوته غير الشرعية.
ح-النواب الشيوعيون ملزمون بإخضاع مجال نشاطهم البرلماني لعمل الحزب خارج البرلمان، بالتقدم بمشاريع قوانين ذات هدف برهاني محض ليس بهدف أن تتبناها الأغلبية البرجوازية ولكن من أجل الدعاوى والتحريض والتنظيم.
خ-يجب على النائب الشيوعي في المظاهرات والنشاطات الثورية، أن يقف على رأس الجماهير البروليتارية في مكان ظاهر كليا بالصف الاول.
د-يتوجب على النواب الشيوعيين، أن يلتزموا، باعتماد كل الوسائل، لإقامة علاقات مراسلة وعلاقات أخرى مع العمال والفلاحين والشغيلة الثوريين من جميع الفئات، وأن يكونوا دائما تحت تصرف المنظمات الشيوعية من أجل العمل الدعاوي في البلد.
ذ-ليس النائب الشيوعي مشرعا بل محرض حزبي مرسل إلى العدو من أجل تنفيذ قرارات الحزب وليس مسؤولا أمام جمهور الناخبين المجهول بل أمام الحزب الشيوعي سواء كان شرعيا أو غير شرعي.
ر-على النواب الشيوعيين أن يتحدثوا بلغة يفهمها العامل والفلاح وبشكل يمكن الحزب من نشر خطبهم عبر بيانات يوزعها في أقصى أرجاء البلاد.
ز-على النواب الشيوعيين استخدام المنبر البرلماني ليس من أجل فضح البرجوازية وخدامها الرسميين بل كل أعداء الشيوعية ونشر أفكار الأممية على نطاق واسع.
س-يجب على النواب الشيوعيين حتى لو كانوا نائبا واحدا أو اثنين، أن يتحدوا الرأسمالية بكل مواقفهم.
على الشيوعيين، إذا حازوا الأغلبية في البلديات:
1) -أن يشكلوا معارضة ثورية للسلطة المركزية البرجوازية.
2) -أن يعملوا بمختلف الوسائل لتقديم خدمة للجزء الاكثر فقرا من السكان (إجراءات اقتصادية، إنشاء ميليشيا شعبية مسلحة، الخ…)
3) -أن يكشفوا في كل مناسبة، العوائق التي تضعها الدولة البرجوازية بوجه أي اصلاح جذري.
4) -أن يطوروا دعاوة ثورية حازمة، على هذا الأساس، دون الخوف من النزاع مع السلطة البرجوازية.
5) -أن يستبدلوا البلديات في بعض الظروف، بسوفيتات للنواب العمال وينبغي أن يندرج كل نشاط بقوم به الشيوعيون في البلديات في صلب النشاط العام للتقويض النظام الرأسمالي.
5- فرضية حصول الثوريون على الأغلبية في مجلس ما وتسيير الدولة
إنها فرضية نجد صعوبة جمة في تخيلها، بناء على المعطيات التي أشرنا إليها أعلاه. إضافة إلى أن الآثار الخادعة للمواطنة الشكلية، والحلقة المفرغة للصنمية والتشيء، وسطوة الأيدلوجيا السائدة، تجعل ارتقاء تدريجيا للوعي على صعيد الانتخابي مستبعدا. إن تغيير العالم يمر عبر قلب جذري للعلاقات الاجتماعية، ولا سيما علاقات الملكية. الأمر المتعذر تصوره دون أزمة ثورية، تتغير خلالها الجماهير وتتعلم في بضعة أيام أكثر، مما في سنوات من الرتابة البرلمانية. أما آلة الدولة فالمقصود دوما تحطيمها، وليس تسييرها كما هي، ونزع الطابع الدولاني عن السياسة، والسير على طريق اضمحلال الدولة وتجريب أشكال مؤسسية لهذا الاضمحلال(5).
6- ماذا بعد؟
«لا يمكن أن تكون للمقاطعة معنى إلا إذا كانت نشطة، وهذا لا يعني رفضا سلبيا للمشاركة في الانتخابات بل استهانة بها لفائدة الهجوم المباشر، وبهذا المعني تعادل المقاطعة حتما الدعوة إلى الهجوم الأكثر قوة وحزما، هل نحن حاليا إزاء صعود ثوري واسع وعام، حيث لا معني لدعوة مماثلة من دونه»(6).
إننا على قناعة أن كل ماركسي ذي بصيرة سيدرك خواء حجج أنصار المقاطعة في سياق الوضع السياسي العام الحالي بالمغرب ونعتقد أن مهمة التوضيح الرفاقي استنفذت ما بذل فيها من جهد، وليس لك من وسيلة لمنع من يصر على الارتطام بالحائط الا أن تترك الوقت يفعل فعله. أما ما نراه يستحق النقاش من الآن وصاعدا هو النقاش بين الاشتراكيين الذين تأكد لهم ضرورة الاستعمال الثوري للبرلمانية حول القضايا السياسية والتنظيمية الملموسة للجواب على الصعوبات العظيمة التي يواجهها التطبيق العملي لهذا الخيار، وهي صعوبات مردها إلى العوائق الذاتية لبناء المنظمة الاشتراكية الثورية في مغرب اليوم، فعدم
التقدم في الحل العملي لأزمة العامل الذاتي ستجبر كل النقاشات حول الموقف من الانتخابات للمؤسسات البرجوازية مقتصرة على التوضيح الدعاوي الموجه لطليعة محدودة لا خطة عمل سياسية موجهة لجماهير الطبقة العاملة.
بوعزة الخليل.
——————-
الاحالات:
1-أزنزار، (2016)، ما دلالة الامتناع الشعبي عن التصويت؟ وما البديل؟ الموقع الالكتروني لجريدة المناضل-ة: Almounadila.info.
2-لينين، الفصل السابع من كتيب «اليسارية: مرض الشيوعية الطفولي»، الطبعة الالكترونية، منشورات جريدة المناضل-ة.
3– نفسه.
4-قرارات المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية (يوليو1922). الموقع لجريدة المناضل-ة: Almounadila.info.
5–لينين، (1907) ضد المقاطعة. الطبعة الالكترونية، منشورات جريدة المناضل-ة.
6-دانيال بنسعيد، (2007). هل تجب المشاركة في الانتخابات؟ مقابلة، تعريب جريدة المناضل-ة، العدد 15.
اقرأ أيضا