شركة مغرب الصلب (ستيل): إجبار العمال على العبودية أو التشريد الجماعي
نشر هذا النص ضمن مواد العدد 63 من جريدة المناضل-ة لشهر فبراير/ مارس 2016.
بقلم: أبناي
المغربية للصلب (ستيل) الحرب المفتوحة على الطبقة العاملة:
يخوض عمال المغربية للصلب (ستيل) بالدار البيضاء معركة مفتوحة منذ 19 أكتوبر 2015، وهو الإضراب الثاني خلال بضعة أشهر حيث سبق أن خاضوا إضرابا تحذيريا خلال شهر شتنبر 2015 قبل تعليقه.
يرزح عمال(ستيل) منذ عقود من الاستغلال في ظروف تتميز بأجور بئيسة وشروط عمل خطيرة وتعسف متواصل. لكن في الآونة الأخيرة تفاقم وضعهم وازداد سوءا وخطورة خصوصا بعد استقدام «عمار ادريسي» مديرا جديدا للشركة، وهو الذي وضع نصب عينيه اجتثاث النقابة بأي ثمن لما تمثله من عقبة في وجه مخطط تسريح جماعي لأزيد من 500 عامل أفنوا زهرة عمرهم في خدمة المقاولات، لتلك الغاية أطلق حربه الضروس عبر:
1)- اللجوء إلى توظيف أشخاص عديمي الكفاءة في التسلسل الإداري لتأمين خضوعهم بشكل كامل للأوامر ووضع بعضهم في خطوط الإنتاج والحرص على استمالة مناديب العمال خاضعين للإدارة للتصديق على القرارات التأديبية الظالمة في حق العمال النقابيين.
2)- إرساء تدبير قائم على التمييز بين العمال على أساس الانتماء النقابي فيما يخص احتساب الأجور والتعويض عن أيام العطل ومنحة الانضباط والتنقل. وشن حرب تضييق على العمال النقابيين لإجبارهم على ترك النقابة، بالامتناع عن صرف منح العطل لجميع المناضلين والتغيير القهقرى لأماكن العمل والتضييق على مناديب العمال أثناء أدائهم مهامهم. مع رفضه التام لإجراء مفاوضات حقيقية والاستجابة للمطالب العمالية وأبرزها الزيادة في الأجور بعد ست سنوات من تجميدها بمبرر أزمة الشركة.
واصل المكتب النقابي دعوة الشركة للدخول في المفاوضات ووضع شكاية لدى مفتش الشغل الذي وجه بدوره دعوة للشركة للحوار لم تعرها أدنى اهتمام.
صعدت الشركة حربها بإرسال بلاغات عقابية للمناضلين مرفقة بمحضر قضائي لإثبات التوصل، تلاها طرد سبعة مناضلين نقابيين. لم يجد عمال الشركة من خيار لوقف الاعتداءات المتتالية للشركة عليهم إلا بخوض معركة نضالية انذارية لرد العدوان وفرض مطالبهم، وبعد شهر من المعركة استؤنف العمل حيث تمت إعادة العمال الموقوفين عن العمل وإسقاط الأحكام بحق 145 عاملا اتهمتهم الشركة بالقيام بالتخريب وقبلت بالجلوس للتفاوض على أرضية المطالب النقابية.
ما قامت به الشركة ليس إلا تراجعا تكتيكيا حيث واصلت تصلبها ومحاربتها للحريات النقابية وعدم أداء الأجور عن أيام العمل الفعلية. ودخل العمال منذ 19 دجنبر 2015 في معركة نضالية مفتوحة على شكل اعتصام تتخلله أشكال نضال بطولية أمام العمالات والولاية بالشارع العام.
ردت الشركة باستقدام 500 عامل حراسة ووضع سياج يفصل الإدارة عن باقي أقسام المركب. وبعد ثلاثة أيام من الإضراب جلبت الشركة عمالا من مدينة «اليوسفية» وأخفت عنهم حقيقة كونهم كاسري إضراب وقد منعهم عمال الشركة من الولوج إلى المعمل وشرحوا لهم حقيقة وضعهم مما أدى بالبعض منهم إلى التضامن. بعد أن تأكد نجاح الإضراب وفشل كل مؤامرات الشركة بفضل التفاف كل العمال، باستثناء 100 اختاروا عدم المشاركة في الإضراب، وبعد أن توقفت الآلات وشل الإنتاج لم يبق إلا تدخل قوات القمع لكسر شوكة وعزيمة المضربين. هكذا تعرض العمال صباح 22 دجنبر 2015 لهجوم شرس خلف إصابات بليغة نقل المصابون على إثرها إلى المستعجلات وجرى اعتقال 19 مناضلا أطلق سراحهم، مع الاحتفاظ ب5 منهم للتحقيق حيث كانوا عرضة لكل صنوف الاهانات والسب والشتم والتهديد. كل ذلك لم ينل من عزيمة المضربين وإصرارهم.
فشلت المناورات كما القمع في كسر الإضراب، كما آل تواطؤ بعض الأطر المتآمرة الخائنة إلى الفشل في هزم العمال في معركتهم.
التضامن المطلوب:
معركة عمال مغرب»ستيل» على مشارف إتمامها الشهر الثالث في مواجهة شركة رأسمالية مدعمة بنقابة أرباب العمل وتواطؤ الدولة بالقمع السافر والتغاضي عن خرق الشركة لقانون الشغل.
العمال بدون أجرة منذ شهور والشركة تراهن على هزمهم ودفعهم إلى الاستسلام عبر الإكراه المادي، فكيف للعامل المضرب أن يواجه مصاريف عائلية يومية في مدينة ضخمة بحجم الدار البيضاء؟
لا منقذ لمعركة العمال المضربين غير تضامن رفاقهم النقابيين. ومن المهام الأولية العاجلة للاتحاد النقابي وكل أنصار النضال العمالي إطلاق حملة تضامن مادية ونضالية لفائدة عمال شركة «ستيل» وكسر الطوق المضروب عليهم وتقديم الدعم المالي العاجل وتنظيم الزيارات العمالية إلى معتصمهم والحضور في ما يقررونه من خطوات نضالية.
ليس خافيا أن ما تريد الشركة الوصول إليه هو طرد تعسفي ل500 عامل مع التهرب من أداء مستحقاتهم وإجبار القليل ممن ستحتفظ بهم من العمال لشروط عمل بالغة القسوة وبأجور بئيسة. إن الشركة تريد تحميل العمال تكاليف أزمتها المستفحلة، ونجاحها في ذلك سيشكل لا محالة كارثة حقيقية تعصف بمئات العمال وأسرهم. لمنع حدوث ذلك، فالتضامن العمالي مطلوب وعلى وجه السرعة.
المغربية للصلب (ستيل) من الريادة الإنتاجية إلى حافة الإفلاس.
المغربية للصلب، شركة تعود ملكيتها لعائلة السقاط. منذ نشأتها سنة 1979 لم تتوقف عن التطور. بدأت بصناعة أنابيب الصلب المجلفن حيت كان العمل يدويا بالكامل، ويفتقر إلى كل شروط السلامة. تبلغ الطاقة الإنتاجية الحالية حوالي 2.9 مليون طن. جزء موجه للسوق الداخلية والآخر للتصدير، تحتكر الشركة 85/ من إنتاج صفائح الحديد بالمغرب.
خصصت الشركة مبلغا استثماريا عبر مراحل، بلغ 5.7 مليار درهم، حيث أنشأت مركبا ضخما على مساحة 80 هكتارا بالمحمدية باسم بلاد الصلب BLED SOLB الذي يستهلك من الكهرباء ما تستهلكه مدينة متوسطة الحجم.
بدأت الشركة بمعمل صغير وبرأسمال محدود وبعمال أقل ليصل رقم معاملاتها 25 مليار درهم وتشغل حوالي 2000 عامل وتشيد مركبا ضخما. كل ذلك بعرق وعناء عمال الشركة الذين ظلت أحوالهم وظروف عملهم وعيشهم تتدهور وتصبح كارثية.
تواجه الشركة خطر الإفلاس منذ 2012. فهي مطالبة بأداء مستحقات مالية حل أجلها لأبناك ولشركات التامين وحقوق الجمارك. لكن صناديقها فارغة. تفاقمت الأزمة وانهارت أسهم المغربية للصلب(ستيل) وارتفعت مديونيتها لتبلغ 5.8 مليار درهم، وبلغت خسائر الشركة حوالي 745 مليون درهم سنة 2014 ويتوقع أن تصل خسائرها 539 مليون درهم سنة 2015.
ترزح الشركة تحت نير ديون طائلة ومجموعة أحكام أولية بالحجز التحفظي على الممتلكات لتضطر إلى عقد اتفاق مع الممولين البنكيين تحت إشراف وزير المالية «نزار البركة» من أجل برنامج إنقاذ مالي التزمت الدولة بموجبه بحماية السوق المغربية تفاديا لإغراقها بالصلب المستورد. قبلت البنوك الدائنة بجدولة الديون وتوفير السيولة مقابل ضمانات نذكر منها رهونا عقارية ومنقولات مختلفة تشمل الأصل التجاري والمعدات، وأسهم من حصص الشركاء في رأسمال الشركة.
رغم برنامج الإنقاذ المالي والإجراءات الحكومية بفرض رسوم جمركية على استيراد الحديد، واصلت الأزمة اتساعها بالتوازي مع التراجع المتواصل للقيمة المالية للشركة وتفاقم خسائرها السنوية.
الرد العمالي على أزمة شركة الرأسمال المفلسة:
يتحجج الرأسماليون المسحوقون بالأزمة التي تضرب نظامهم بعمق، بفراغ صناديقهم ومخاطر إفلاس مقاولاتهم، ويسعون لإقناع العمال بأن الشركة «شركتهم» وما يصيبها من سوء هم ضحاياه، أليس مصدر خبزهم وحليب أطفالهم هو الشركة التي يهددها الإفلاس؟ ويقصفون عقول الكادحين لإقناعهم بتحمل كل الصعاب وتقديم كل التضحيات والقبول بالقليل جدا من الخبز والنزر اليسير من حليب أطفالهم إلى حين عبور الأزمة ؟
لكن هؤلاء السادة الرأسماليين عندما تتيسر أعمالهم وتتراكم أرباحهم لا يأبهون لحال العمال، ولا يخاطبونهم ولا يخبروهم عن صفقاتهم المربحة وأسهم أرباحهم الصاعدة، كما لا ينعكس ذلك على أجور العمال التي تبقى جامدة، كما لا تشهد ظروف عملهم تحسنا يذكر.
العمال يؤدون مهمتهم مجبرين، بالكمية والجودة المطلوبة، وإلا فسيف ديموقليتس مسلط على رقابهم في كل حين، ومهددا بالإلقاء بهم فورا خارج المصانع، هم غير مسؤولينن عن الأزمات التي تصيب البرجوازي بسبب سوء تدبيره أو لفساد أطره، أو نتيجة الفوضى والحروب التجارية التي يخوضونها في السباق نحو الأسواق والمواد الأولية وتكسير الأثمان ..الخ
على البرجوازيين ودولتهم التي فرضت اتفاقيات الشراكة ورفعت الحواجز وهللت لذلك بحبور، دون أي استشارة شعبية، أن تتحمل وحدها مسؤولية الإفلاس الذي يصيب الصناعة المحلية.عليهم وحدهم تحمل وزر تحويل البلد إلى سوق مفتوح لبضائع رخيصة تغرق البلد وتقضي عل الإنتاج المحلي.
ليست معركة المغربية للصلب إلا نموذجا لمستقبل عمال الصناعة الإنتاجية المحلية التي ستعصف بها الأزمة الاقتصادية العالمية. هذه الأخيرة التي من أبرز سماتها فيض إنتاج هائل من السلع، مقابل انهيار حاد للأسعار واشتداد المنافسة التي ستقضي على الضعيف في حرب منافسة شرسة. ثانيا فسياسة فتح الأبواب بموجب اتفاقات التبادل الحر تغري باستهداف بلد قريب جغرافيا وبنيته الاقتصادية هشة ويشكل قناة عبور لبلدان إفريقيا القريبة.
معركة المغربية للصلب(ستيل) كما معركة لاسمير للبترول، وما سيأتي من أمثلة شبيهة لن يحسمها ميزان القوى الداخلي للشركة، بل ميزان قوى اشمل وعبر معركة سياسية تخوضها الطبقة العاملة المغربية وفق برنامج نضال عمالي للرد على البرجوازية المفلسة ودولتها، برنامج من خطوطه العريضة:
– مصادرة الشركات المفلسة وإعادة تشغيلها بدون تعويض لمالكيها البورجوازيين، وبرقابة عمالية.
– فرض جدولة الديون البنكية بإلغاء كل الفوائد وأداء الدين الأصلي وفقا لحصص بعيدة المدى
– تأمين فرص العمل وأداء الأجرة كاملة للعمال وتأمين كل مكاسبهم الاجتماعية، والتفاوض للاستجابة لمطالبهم.
– إلزامية الأوراش الممولة من طرف الدولة باستعمال المواد المحلية وتتبع ذلك.
– إلغاء اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي وأمريكا وتوقيف المفاوضات حول ما سمي اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق.
إن فرض تلك المطالب يتطلب ميزان قوى طبقي حقيقي يفضي لحكومة عمالية لا تتردد أمام جبروت الرأسماليين المحليين والامبرياليين وأهوال نظامهم الجالب لخراب اجتماعي خطير. إن ما نراه ليس إلا تباشير للأسوأ الآتي.
اقرأ أيضا