كتيب للتحميل/الثورة السورية: وحيدة بوجه العالم برمته
——————-
تقديم: بقلم، مهدي رفيق
04 نونبر 2015
إن الكتيب الذي نتشرف اليوم بتقديمه، هو عبارة، في الأصل، عن مقالات أصدرها الرفيق جوزف ضاهر بشأن الثورة السورية منذ اندلاع الحراك الشعبي السلمي في مارس/آذار 2011 إلى غاية التدخل العسكري الروسي في 30 شتنبر 2015، مرورا بأهم التطورات والانعطافات الكبرى التي شهدتها ثورة الشعب السوري.
وفي هذا الكتيب، لا يخفي جوزف ضاهر انحيازه الكامل لثورة الشعب السوري، والتشبث، في جميع المراحل الصعبة والمأساوية التي طبعت مسارها، في الانطلاق من مطالبها وأهدافها في تحليل تطورات الوضع، مع الاسترشاد بهذه الأهداف والمطالب في الكشف عن المصالح الحقيقية التي تحرك تدخل القوى الإمبريالية (أمريكا، روسيا…) والإقليمية ( إيران، الأنظمة الخليجية، والسعودية…).
كل هذا، جعل جوزف ضاهر ينطلق من إيمان راسخ بأن دعم استمرار الثورة السورية “يندرج في إرادة بناء سوريا حرة، وديمقراطية، وعلمانية وثورية تسعى للقضاء على جميع أشكال التفاوت والتمييز الاجتماعية، والاثنية، والدينية، وتهدف إلى دعم حق الشعب الكردي في تقرير مصيره، واحترام الأقليات الدينية والاثنية، وضمان الحريات الديمقراطية والسياسية للجميع إناثا وذكورا”، في حين يفتح التخلي عن دعمها مسارا مظلما ومأساويا.
وكما لا يخفى على جميع المتتبعين والمهتمين بالشأن السوري، فقد شهدت الثورة السورية منذ اندلاعها خلافات حادة وعدائية حول طبيعتها وأسباب انفجارها ودور القوى الطبقية والسياسية والإيديولوجية المختلفة في تحديد مضمونها ورسم مسارات واتجاهات تطورها. هل هي ثورة نابعة من احتياجات الشعب السوري الحقيقية لنظام بديل يرتكز على تلبية مطالبه الملحة في الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، أم انها مؤامرة إمبريالية بدعم من قبل الأنظمة الخليجية لتفكيك آخر “الأنظمة الممانعة” في المنطقة العربية؟. ما مصير المطالب الشعبية التي فجرت الثورة السورية في خضم مسارها الشاق والمرير؟ ما موقع قضية التحرر القومي للأكراد في مسار الثورة السورية؟ ما موقف اليسار العربي من حق الشعب السوري في تقرير مصيره في وجه أبشع الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، في ظل التقاطب الحاد بين أطراف الثورة المضادة: نظام بشار من جهة المدعوم من قبل تحالف روسيا وإيران وحزب الله، وبين التنظيمات الإسلامية الرجعية (داعش وجبهة النصرة، ومنظمات مشابهة)؟ ما الغاية من التدخل العسكري الأجنبي لمختلف القوى الإمبريالية العالمية، وكيف يتم التخطيط لتفكيك سورية؟
وقد حاولت العديد من الكتابات تقديم تفسيرات وتحليلات مختلفة ومتناقضة حول كل هذه القضايا الشائكة، عكست، بطبيعة الحال، مختلف المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لأصحابها. وهذا الكتيب الذي نضعه اليوم، بين أيدي قراء المناضل-ة، يمثل محاولة فهم أولية، من منظور ماركسي ثوري، لفهم تطور الثورة السورية، دون أن يخفي صاحبه اصطفافه التام وانحيازه المبدئي لقضية الشعب السوري في الحرية والانعتاق من قبضة نظام بشار الأسد الدموي الذي عاث، في بلاد الشام، فسادا واستبدادا، وكان له الأثر الحاسم في إجهاض المقاومة الفلسطينية عبر اجتثاثها من مخيمات الصمود بالحديد والنار، وفي شحذ النعرات الطائفية، كل ذلك من أجل تخريب وحدة الشعب السوري وإضعاف مقاومته.
جوزف ضاهر، هو أحد الاشتراكيين الثوريين الذين يؤمنون بأن الثورة الشعبية في سورية هي جزأ لا يتجزأ من السيرورات الثورية التي شهدتها منطقتنا العربية والمغاربية، وأن أسبابها كامنة في طبيعة النظام السوري وفي طبيعة التناقضات التي تخترق الشعب السوري، وقد اندلعت هذه الثورة “نتيجة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970. وهذه التغيرات تندرج في سياق السيرورة الإقليمية والعالمية لتطبيق السياسات النيوليبرالية منذ ذلك العقد”، بحيث، كما يؤكد جوزف ضاهر، أن “غياب الديمقراطية وإفقار قطاعات واسعة من المجتمع السوري، وفي ظل مناخ من الفساد وزيادة الفروقات الطبقية، كل ذلك مهد الطريق أمام الثورة الشعبية، التي كانت تنتظر مجرد شرارة”. حملتها رياح الثورة التونسية إلى بلاد الشام.
ورغم تعقد الوضع السوري المحكوم بتداخل مصالح العديد من القوى الإمبريالة والإقليمية، غير أن جوزف ضاهر لم يفقد ثقته في إرادة الشعب السوري المستغل والمضطهد في تقرير مصيره وفي فرض اختياراته الديمقراطية الحرة، ولم يفقد البوصلة، كما حصل لقطاعات واسعة من اليساريين والليبراليين، الذين اصطفوا إلى جانب ماكينة القتل الوحشية لنظام بشار بدعوى مواجهة المد الداعشي والإرهابي والوقوف بوجه المؤامرة العالمية ضد “سوريا الممانعة”، في تنكر تام طبعا لأشكال التنظيم الذاتي الذي أبدعها الثوار للوقوف في وجه القمع العنيف لأجهزة النظام؟ وإنما ظل منطلقه الأول والأخير في رسم وتوقع اتجاهات الصراع في سورية هو مصلحة الطبقات الشعبية وحقها العادل في الحرية والعدالة الاجتماعية، وفي هذا الصدد يقول ضاهر:” ان نضال الملايين من المظلومين السوريين هو الذي يسمح باسقاط النظام وليست العمليات الانتحارية أو الأيديولوجية الرجعية والطائفية لجبهة النصرة أو المجموعات الشبيهة بها ، فهذه الاخيرة تعمل على تقسيم الحركة الشعبية وتمزيقها ويضعف كفاحنا. لا شك بان تنسيق قسمي المقاومة الشعبية السلمية و المسلحة، أمر أساسي على طريق النصر”.
يعود بنا جوزف أيضا، للبدايات الأولى لانطلاق الحراك الشعبي في سوريا، ولحقيقة من أغرق ثورة السوريين في العنف والإرهاب، وفي هذا الإطار يؤكد الحقيقة الملموسة التي يرتعد من ذكرها والإقرار بها أعداء الشعب السوري، والتي تتجلى في كون ” الحركة الشعبية السورية بدأت بشكل سلمي مطالبة بإصلاحات، لكن النظام رد بالعنف والقمع في كل الاتجاهات. فنظمت بعض أقسام الشعب السوري مقاومة مسلحة لرد هجمات أجهزة الأمن والبلطجية، المعروفين باسم الشبيحة، والتابعين للنظام. و كانت تدافع أيضا عن التظاهرات والتنظيم الجيد للتنسيقات المحلية الشعبية “. وفي هذا إقرار بوقائع تاريخية ملموسة غير قابلة للتزوير والمحو من ذاكرة التاريخ، وهي أن طغمة نظام الأسد هي من جرت الثورة إلى مستنقع العنف، بل وسعت إلى تفكيك المقاومة الشعبية الموحدة باستعمال نار الطائفية من جديد، لمواجهة “حركة شعبية قام نضالها الموحد، على تطوير حس تضامني وطني واجتماعي يتجاوز الانقسامات الاثنية والطائفية. هكذا، كان السكان الأكراد والأشوريون بمناطقهم سنان رمح المعارضة ضد نظام الأسد منذ بداية الثورة. وعلاوة على ذلك شارك اللاجئون الفلسطينيون بسوريا في التظاهرات وفي النضال ضد النظام واستقبلوا في معسكراتهم عائلات سورية عديدة فارة من القمع “بحيث أنه في تظاهرات عديدة، بوسعنا مشاهدة لافتات كتب عليها «الطائفية مقبرة الثورة أو الأوطان» أو «لا للطائفية!». وعقب كل مذبحة يقترفها النظام أو اعتداءات غير متبناة، يرى كثيرون أنها منظمة من قبل النظام، كانت لجان التنسيق المحلية تعمل على إدانتها وتدعو إلى وحدة الشعب”.
إن الأسباب المؤدية لاندلاع الثورات العربية ، والتي زاد من حجمها وحدتها سياق الأزمة الاقتصادية العالمية، هي على قدر من العمق والاتساع يجعل من الصعب على أعداء الشعوب أن يجدوا لها حلولا على المدى المتوسط، فإن كانت الطبقات السائدة قد تمكنت من خلال استعمال الانفلات الأمني وخطر الإرهاب، وتوظيف الطائفية لترهيب الشعوب المنتفضة، من إعادة التحكم في زمام الأمور، مدعومة في هذا الإطار من طرف القوى الليبرالية واليسارية المتهالكة، والتي ما فتئت تعبر عن انحيازها لأنظمة الثورة المضادة في مصر وسوريا وغيرها، بدعوى الحفاظ على مكتسبات الدولة والمجتمع على صعيد العلمانية والحريات الفردية، في وجه الخطر الإسلامي الذي يتهدد هذه القيم، لكن دون أن تتردد هذه القوى، بحكم طبيعة المصالح الاقتصادية والاجتماعية التي تحركها، في الاصطفاف إلى جانب العسكر والاستبداد ومناصرته، بحجة الدفاع عن العلمانية وحماية البلاد من خطر الظلامية الإسلامية.
مما يجعل من مهمة شق طريق ثالث يقوم على شعار لا دعم أو تحالف مع طرفي الثورة المضادة: الأنظمة الدكتاتورية وتيارات الرجعية الدينية بمختلف اتجاهاتها، مهمة أساسية على جدول أعمال الثوريين قبل غيرهم من اتجاهات المعارضة، طريق ينتصر لحق الشعوب المنتفضة العربية والمغاربية من أجل تقرير مصيرها، ويقوم على هدف توحيد الطبقة العاملة ضد أعدائها وجذب كافة المضطهدين والمطالبين بالحرية وراء راية الطبقة العاملة الثورية، دون أن يعني ذلك، على وجه الإطلاق، السكوت أو تأييد الجرائم ومختلف أشكال البطش التي تقترفها الأنظمة الاستبدادية ضد الإسلاميين، بحجة الدفاع عن “المدنية” و”العلمانية” و”الحريات الفردية” و”حقوق النساء والأقليات”…لأن الدفاع عن هذه القضايا وغيرها يتطلب أولا وقبل كل شيء الوقوف في وجه القمع أيا كان المستهدف منه.
وبشأن الطريق الثالث، يقول جوزف ضاهر، “يتجلى دورنا في معارضة مختلف قوى الثورة المضادة وبناء جبهة مستقلة عن هذين الشكلين من أشكال الرجعية والانخراط في النضال على أسس ديمقراطية واجتماعية ومعادية للامبريالية والتصدي لكل أشكال الميز والعمل من أجل تغيير المجتمع جذريا في إطار دينامية من أسفل تجعل من الفئات الشعبية الفاعل في التغيير، وعلينا بوجه هذه المواجهات أو التعاون بين قوى الرجعية، عدم اختيار شكل من أشكال الرجعية، لكن دعم وبناء وتنظيم بديل شعبي وجذري من أجل تحقيق الأهداف الأولية للثورات المتمثلة في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة”.
وباعتباره ماركسيا ثوريا، مؤمنا بالدور التاريخي لليسار الثوري في تنظيم معركة العمال وعموم الطبقات الشعبية ضد مركب الاستغلال والاستبداد والتبعية، ومن أجل تحقيق مهام التحرر الوطني والديمقراطي والاشتراكية، لم يفت جوزف ضاهر طرح أسئلة حارقة وحاسمة حول دور هذا اليسار في معمعان السيرورات الثورية الجارية، سيما في مرحلتها الحالية المطبوعة بانتصار الثورات المضادة واستعادة الطبقات السائدة لزمام الأمور في أكثر من بلد.
أي دور لليسار الثوري
في هذا الإطار يتسائل جوزف عن دور اليسار الثوري في هذه الظروف؟ وهل عليه ترك المعركة وانتظار ثورة اجتماعية خالصة، كما يفعل، وفعل، بعض من اليسار التقليدي؟ أو عليه أن يكون جزءا لا يتجزأ من هذه السيرورة الثورية وتوجيه قواه كليا نحو هذا النضال لإطاحة النظام ولأجل تجذر مختلف عناصر هذه الثورة؟
هذه الأسئلة، التي يقفز عليها ويتجاهل التصدي إليها فكريا وبرنامجيا، مع كامل الأسف، جزأ هائل، من المعارضة ومن ضمنهم من يدعون الانتساب للماركسية أيضا، سبق لملهم ثورة أكتوبر أن أبدى رأيه بصددها انطلاقا من الخبرات الثورية للشعوب، مؤكدا «أن الاعتقاد بإمكان تحقيق الثورة (…) بدون تفجير ثوري لقسم من البرجوازية الصغيرة مع كل أحكامها المسبقة، وبدون بروز حركة جماهيرية بروليتارية وشبه بروليتارية غير واعية سياسيا تناضل ضد تسلط وقمع الأسياد الإقطاعيين ورجال الدين والملكية والنزعة القومية، الخ، هو اعتقاد يعني رفض قيام الثورة الاجتماعية. ويعني ذلك تصور أن جيشا سيقف في مكان معين وسيقول “نحن مع الاشتراكية”، وجيش آخر في مكان آخر، سيقول “نحن مع الامبريالية”، وهكذا ستتحقق الثورة الاجتماعية! (…) كل من يتوقع ثورة اجتماعية “طاهرة” لن يتمكن بأي وجه من العيش مدة طويلة ليراها. إنه ثوري قولا ولا يفهم بتاتا معنى ثورة حقيقية» (لينين، الأعمال الكاملة، الطبعة الرابعة باللغة الفرنسية، المجلد 22)
أما بالنسبة للرفيق جوزف ضاهر فإن المسألة واضحة، بحيث “لا يمكن لسيرورة ثورية أن تكتسي لونا واحدا ولن تكون كذلك بأي وجه، وإلا فلن يمثل ذلك ثورة. ومن ناحية أخرى، فإن دور اليسار الثوري واضح: النضال ضد النظام والعمل على تجذر الحركة الشعبية”.
وبخصوص التدخل السياسي والعسكري الذي تقوده أنظمة الخليج الرجعية من خلال دعم أقسام من “المعارضة السورية”، فإن جوزف يرى بأن هذا الدعم يسعى، بالأساس، إلى “حرف مجرى الثورة السورية عن أهدافها الأولية والقائمة دوما، اي ديمقراطية مدنية، والعدالة الاجتماعية والحرية، وبوجه خاص تحويلها إلى حرب طائفية”، وهذا ما يخدم بقاء نظام الأسد ويدعم سياساته وممارساته الطائفية، والذي لا نتصور إسقاطه دون وحدة القوى العاملة والشعبية في سوريا بصرف النظر عن انتماءاتها الدينية أو الإثنية.
ففي الواقع تخشى دول الخليج، كما يقول جوزف ضاهر، امتدادا للثورة بالمنطقة قد يهدد سلطاتها ومصالحها. كما أن تحويل طبيعة الثورة إلى حرب طائفية قد يتيح لها ترويع سكانها (تضمنت خطابات الملك المغربي إشارات واضحة بهذا الشأن)، بعرض الأمور التالية: من المحتمل جدا أن يؤدي كل تغيير بالمنطقة إلى حروب طائفية، ومن ثمة وجوب الدفاع عن الوضع الراهن، وبعبارات أخرى: الحفاظ على القوى الديكتاتورية”.
وفي نهاية المطاف، نقول نحن، أيضا، كاشتراكيين ثوريين في المغرب، ما قاله رفيقنا السوري ضاهر، بكل بساطة ولكن بمنتهى الصراحة والصدق: إن من لا يعترفون بالثورات الشعبية يأبون إذا أن يطرحوا على بساط البحث تحرر الذين هم في أسفل ومن قبل الشعب! ولا يمكن إذن اعتبارهم يساريين”.
ثورة دائمة
وانطلاقا من هذا المبدأ يرى ضاهر بأن دعم اليسار الثوري يتغيى “ظفر الثورة في إطار النضال من أجل تحرر الشعب السوري، وأيضا في إطار دعمنا للثورة الدائمة، التي تعني مواجهة نظام الأسد الديكتاتوري وإطاحته، و معارضة الدول الامبريالية العالمية والإقليمية، التي تسعى لتغيير مجرى السيرورة الثورية السورية لأجل مصالحها الخاصة وضد مصالح الشعب السوري. لذلك نرفض وندين كل التدخلات الأجنبية بسوريا، سواء المحور الغربي والسعودي/القطري، أو المحور الإيراني/الروسي الذي يدعم النظام في قمعه للحركة الشعبية وفي كل قدراته العسكرية والمالية.
كما يندرج استمرار الثورة في إرادة بناء سوريا حرة، وديمقراطية، وعلمانية وثورية تسعى للقضاء على جميع أشكال التفاوت التمييز الاجتماعية، والاثنية، والدينية، وتهدف إلى دعم حق الشعب الكردي في تقرير مصيره، واحترام الأقليات الدينية والاثنية، وضمان الحريات الديمقراطية والسياسية للجميع إناثا وذكورا.
ستكون الثورة دائمة لأنها تلتزم أيضا ببذل كل جهودها لتحرير الجولان المحتل، ولدعم حق الشعب الفلسطيني من أجل عودة اللاجئين وتقرير المصير على أرض فلسطين التاريخية، ولمساعدة الشعوب الأخرى بالمنطقة في نضالها ضد أنظمتها الديكتاتورية وضد الامبريالية”.
وانطلاقا، من هذا التحليل الذي لا يرتهن فقط بالوضع المأساوي الذي تعيشه الثورات العربية ولانسداد آفاقها على المستوى القريب، وإنما ينشد بالأساس مستقبلها، أخذا بعين الاعتبار بأن الأسباب العميقة التي أدت إلى اندلاعها، ما تنفك، تزداد تفاقما وحدة، وأن إرادة الشعوب في التحرر والانعتاق أكبر من كل المؤامرات، فإن هذا الوضع التاريخي المعقد يضع على عاتق الثوريين مهمة استخلاص الدروس الحقيقية من هذه الثورات بإخفاقاتها ونجاحاتها، والاسترشاد بها في وضع خططهم الاستراتيجية والتاكتيكية وفي عقد تحالفاتهم، بما يساهم في تهييئ الشروط الذاتية لانتصار الشعوب القادم دون ريب.
كما لا يجدر بالثوريين، إغفال العمل على واجهة تقوية التضامن الأممي والحرص على تنظيمه، حسب الشروط والإمكانات المتوفرة في كل بلد من البلدان، وعدم الاستكانة، في هذا الجانب، إلى ما تبديه شعوبنا من تضامن عفوي تحركه الجرائم الوحشية التي تقترفها الطبقات الحاكمة. ولنضع نصب أعيننا بأن مرحلة الانفجارات الجماهيرية الكبرى، بقدر ما يتسارع فيها تطور الوعي الطبقي للجماهير المنتفضة فهي مرحلة مواتية، أيضا، لتنظيم التضامن الأممي، ما يضع أمام الثوريين فرص حقيقية لتعميق النقاش فيما بينهم حول القضايا الكبرى والانطلاق منها لتوطيد تعاونهم التنظيمي والسياسي على الصعيد الأممي، بدل الارتهان بخلافات أضحت متجاوزة بحكم التطورات والمستجدات التي تحكم كفاح الطبقة العاملة اليوم.
اقرأ أيضا