تحضيرات مواصلة الهجوم النيوليبرالي جلية، فما رد المستغلين(بفتح الغين) والمضطهدين(بفتح الغين) ومن يناصر قضاياهم؟
ولى زمن التنازلات
شدد النظام قبضته بعد تراخيها بفعل الاندفاع النضالي فبراير2011، حيت أجبرته تلك الدينامية الجماهيرية على وضع مخططات الإصلاح المضاد جانبا إلي حين هدوء الأوضاع. ليس خافيا أن تأسيس حزب “الأصالة والمعاصرة” كان بهدف توليه مهمة تمرير كل المخططات الرئيسية والخطيرة بوثيرة سريعة إثر انتخابات يحتل صدارتها تتوج بتشكيل حكومة واجهة منفلتة من الضغوط التي ترزح تحتها أحزاب طيعة لكن بطيئة في وثيرة تنفيذ القرارات لأنها مضطرة لتأخذ بالحسبان المعارضة الحزبية الداخلية وتضرر حاضنتها الانتخابية. فحزب “الأصالة والمعاصرة” يتيح تنفيذ المهمة المحددة دون أن يهتم بمصيره، حتى وان اضمحل من الساحة السياسية.
لقد قلبت دينامية 2011 حسابات النظام واضطر لإدخال تعديل جوهري في إستراتيجيته تلك. أجبر على تنازلات لم تكن في جدول أعماله، عدل دستوره الممنوح في وقت لم يكن مدرجا في أية أجندة لأحزابه الرسمية سواء المعارضة أو الحكومية، وزاد في الأجور في وقت ظل يصر أن أية زيادة مستحيل في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وتضخم ميزانية التسيير وأثر دلك على تنافسية المقاولات الخاصة، وتغاضي عن بناء السكن دون إجراءات إدارية معقدة، وكف عن محاربة تجار الشارع، وكبح عادته القمع الشرس أمام تصاعد كل صنوف الاحتجاج.
حكومة “العدالة والتنمية” آن أوان المهام القدرة.
سوق حزب العدالة والتنمية نهجه السياسي بالتركيز على نظافة اليد من الفساد وخدمة مصالح البلد، ومراعاة احتياجات الفئات الهشة، وقدم ما تنازل عنه النظام مجبرا من تحسينات تحت ضغط النضال كثمرة مطابقة لممارسته ما وعد به.
ما أن بدأ أن الضغط الشعبي يتراجع حتى أظهر رئيس حكومة الواجهة شراسة استثنائية في الدفاع عن سياسة دك مكاسب تاريخية رافعا شعار “لست معنيا بنتيجة الانتخابات المهم تنفيذ ما يلزم تنفيذه”. طبعا لا تحضر تلك الشجاعة إلا في الحرب على مصالح العمال والكادحين، أما حين يتعلق الأمر بمصالح كبار اللصوص والمهربين والرأسماليين الكبار فيتحول الخطاب المتوتر والشرس إلى كلام وديع مرهف الأحاسيس اختزلته مقولة “عفا الله عما سلف”” الله يسامح”.
ليست الحكومة مصدر السياسة الاقتصادية والاجتماعية في بلدنا، فحرية تصرف الحكومة في القرارات الاقتصادية والاجتماعية لا تتعدى مساحة بالغة الضيق. المؤسسات الامبريالية الدائنة هي التي تحدد جوهر السياسة المفروض تنفيذها، ودور الحكومة المحلية ترجمة التوصيات من الانجليزية إلى العربية، وتوفير المبررات لتمريرها، وتجنيد القوات القمعية لفرضها.
واصلت التقارير الصادرة عن تلك المؤسسات الإشادة بانجازات الحكومة بخصوص التحكم في السياسة الماكرواقتصادية، وشجاعتها في خفض الدعم العمومي لصندوق المقاصة، وسياسة الانفتاح الاقتصادي، وتحسين مناخ الأعمال… لكن مقابل هدا المدح تأتي دوريا تقارير الأمم المتحدة للتنمية صادمة، فالمغرب يقبع في ذيل الترتيب العالمي، والتقارير الدولية حول الصحة والتعليم والشغل والحريات تصنف البلد خلف بلدان عاشت حروب أهلية دامية، ترى ما سبب تلك المفارقة؟
ليس في دلك أي تناقض بل هناك تكامل بين تنفيذ سياسة طبقية تنشر الإفقار، وتعمق الهشاشة، وتسمح بنقل كثيف للثروات من المنتجين المحلين إلى المراكز الامبريالية، وتتيح لأقلية نهابة استنزاف كادحي البلد واقتصاده.
هده السياسة الاقتصادية المرعبة هي ما ستنفذه أي حكومة واجهة بغض النظر عن لونها السياسي وطبيعة التحالفات المشكلة لها، أي عليها تنفيد ما يقرره الدائنون وكبار الملاكين، ودور الملكية الحاكمة حماية تلك المصالح والدود عنها في وجه أي تهديد لها.
القادم أسوء
صادق مجلس الحكومة في اجتماعه يوم الخميس 23 يوليوز 2015 على مشروع مرسوم رقم 2.15.588 في شأن النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية. كما صادق على مشروع مرسوم رقم 2.15.589 في شان إحداث وتنظيم المراكز الجهوية للتربية والتكوين. الأول ينهي مكسب التشغيل المباشر في قطاع التعليم للأساتذة المتدربين ويقتصر الأمر على منحهم شهادة التخرج، أما القرار الثاني فيقضي بتقليص منحة الأساتذة المتدربين من 2454 درهم إلي 1200 درهم شهريا مدة لا تتجاوز 12 شهرا.
لنتذكر أن الموسم الدراسي الحالي شهد احتجاجات واسعة عمت كل مراكز التكوين، وقاطع الأساتذة المتدربون الدراسة بسبب التأخر عن صرف المنح الدراسية، وقبلها لنتذكر احتجاجات طلاب نفس المراكز، في السنوات القليلة الماضية، ضد ما سمي اجتياز امتحان الكفاءة المهنية التي تجبر المتخرج بعد ممارسته لمهمة التدريس ان يجتاز امتحان أخر قبل ترسيمه في الخدمة.
دون سابق إخبار ودون مشاورة للمنظمات العمالية وللطلاب المعنيين اتخذت الحكومة قرارات بالغة الخطورة وأعادت النظر بجرة قلم، وأقفلت ثغرة يتسرب منها أبناء الشعب إلى الوظيفة العمومية ذات مكاسب تاريخية هي بدورها عرضة للإجهاز.
الكيفية التي أتبعث في القرارين السالفين الذكر نفسها ما سيتبع لفرض سلسلة هائلة من الإصلاحات المضادة الأشد عمقا وخطورة .
جاء إصلاح الوظيفة العمومية لغلق أبواب الولوج إليها وضرب مكاسب الاستقرار وحرية التنظيم النقابي وفتح الباب للعمل الهش كالتشغيل بالعقدة المحددة المدة، وتفويت الخدمات للقطاع الخاص… هدا الإصلاح المدمر جاهز وسيدخل حيز التنفيذ بعد الانتخابات القادمة على أبعد تقدير رغم أن عملية تنزيله سارية بغض النظر عن مآل الإطار القانوني.
صناديق التقاعد في فوهة القصف البرجوازي. السيناريوهات جاهزة تقضي بتحميل الأجراء تكاليف أزمة لم يقترفوها، ستزداد أقساط الاقتطاع السنوية، وسيمدد السن القانوني للاستفادة من التقاعد، وستعدل قاعدة احتساب المعاش، وقبل كل دلك فرض إدخال نظام الرسملة بمخاطره وتقليص النظام التوزيعي القائم على التضامن بين الأجيال العاملة.
استكمال الحلقة الأخيرة من إقبار التعليم العمومي من ناحية الجودة والمجانية، فما سينفد جاهز وقد صدر تقرير المجلس الأعلى للتعليم الذي باسمه سيجري داك التخريب.
أما مشروع القانون الجنائي ومسودة تقنين الإضراب وقانون النقابات… فهي ترسانة قانونية لمواكبة الحرب الطبقية القادمة، وأسلحة لتجريم النضال ضد نتائج تنفيذ تلك السياسة.
بعيدا عن الدعاية الرسمية بخصوص الانتعاش الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي فحقيقة الوضع بالبلد بالغة الهشاشة. اقتصاد تابع يعتمد على تصدير مواد أولية وعائدات سريعة العطب (فوسفات- سياحة- عمال مهاجرين) تجعله متأثرا مباشرة بوضعية السوق العالمية، بالخصوص الأوربية والتي تخيم عليها أزمة اقتصادية ومالية عميقة لا احد يمكنه تقدير مدتها وحجمها.
إن لحظة الانتخابات أزفت وستنفد الحكومة الحالية غارات متتالية وستمرر الإطار القانوني بما يسمح بتمرير حزمة الإصلاحات المضادة الخطيرة السالفة الذكر. وسيكون دور الحكومة القادمة بغض النظر عن لونها السياسي استكمال المهمة القدرة التي باشرتها حكومة الواجهة الحالية: مزيد من الهجوم على قوت الجماهير.
الجبهة العمالية والشعبية لمواجهة الهجوم الطبقي الجاري.
القيادات النقابية مستاءة مما تلاقيه من احتقار من طرف الحكومة وهي التي تقدم نفسها كشريك مسؤول حريص على مصلحة البلد ومناخ الاستثمار… قيادات ما فرطت في خصلة ضبط النفس وواصلت تلبية دعوات جلسات حوار اجتماعي لم تنل منه شيئا. ليس “عبد الإله بن كيران” معاندا أو غير متفهم وما إلى دلك من التفسيرات الخادعة. ليس للحكومة الحالية والقادمة ما تقدمه للعمال والشعب ويديها مقيدتين بالتزامات مع الدائنين وقراراتها خاضعة لرقابة لصيقة ، هنا مرد تفسير امتناع الحكومة عن تنفيذ وعود 2011 ناهيك عن تلبية مطالب عمالية جوهرية من قبيل زيادة في الأجور. ليس في جعبة الحكومة الحالية والقادمة إلا دزينة من الإصلاحات المضادة وهي عازمة على تنفيذها بعجالة تنفيذا لوعودها التي قطعتها مع الدائنين الامبرياليين الشرسين.
طبعا ليس خفيا ضعف المنظمات النقابية وضمور قاعدة المنتسبين وتمزقها التنظيمي لكن الأخطر ضعف منظوراتها وتسلط قيادات بالغة الفساد قامعة للديمقراطية الداخلية. و ليس وضع باقي منظمات الجماهيرية أقل سوءا .
القوة العمالية والشعبية لم تضمحل رغم ضعفها الواضح . معسكر العمال والشعب لم يقل كلمته بعد، قوته لم تمتحن وصوته لم يزمجر ليس لهزيمة لحقت به في معركة طبقية بل للإضعاف الذي نال من قوته نتيجة سيطرة منظور سياسي ليبرالي مساوم على أجهزة منظماته وضعف عددي لليسار العمالي وتيه منظوره.
لقد عشنا مثالا أوليا عن تلك القوة الجبارة الكامنة في شعب العمال والكادحين خلال 2011. شاهدنا كيف كنس داك الاكتساح عقود من سموم الليبرالية المحتقرة للعمال والمتعالية عن الشعب بقرف بمبرر خضوعه وكيف ارتعبت واختبأت في مقراتها الوثيرة تنوح عن مخاطر عدم الاستقرار، وكيف تخندقت وراء المستبدين وعملت جاهدة على وقف التدفق النضالي . داك نهجنا ونبراسنا في مواجهة المسلسل الجهنمي الجاهز للهجوم علي خبز وحرية وكرامة شعبنا. جوابنا على عنجهية النظام وأوامر الدائنين الامبرياليين سيكون ببناء جبهة عمالية وشعبية على قاعدة الدفاع عن مكاسب العمال كمنتجين والشعب كمستهلكين وكمواطنين، جبهة نواتها القسم المنظم نقابيا وشبابيا ومنظمات جماهيرية وأحزاب يسارية فعلا.
علينا جعل مناوشات القيادات وإنذاراتها عملا نضاليا ملموسا وسيلته مبادرات النضال والحشد الشعبي، فانتزاع المكاسب وحده ما يعزز الثقة في النفس ويخلص الجماهير من الرهان على مفاوضات باردة وبراعة ممثلين في التفاوض، ويعزز الإيمان بالعمل الجماعي والمنظم.
أحمد أنور
اقرأ أيضا