المواجهة اليونانية والحاجة الملحة للنقاش الاستراتيجي اليساري
“الحل” المؤقت للأزمة اليونانية (في الواقع، أزمة الاتحاد الأوروبي) من خلال هجوم شرس غير مسبوق ضد العمال والعاملات، ونهب بلادهم وفرض الوصاية على مؤسساتهم، يمثل حدثا كبيرا. حقيقة أن هذا “الحل” قد تم قبوله من طرف الفريق القائد لسيريزا الملتف حول الكسيس تسيبراس، على الرغم من التصويت الجماهيري ضد التقشف عبر استفتاء جرى منذ أسبوع، والمقرر من طرف الحكومة نفسها في وقت سابق، يطرح بشدة السؤال على كل القوى اليسارية المناضلة من أجل بديل للتقشف الليبرالي الجديد. من خلال تسارع تاريخي هائل، فإن كل هذا اليسار – بما في ذلك داخل اليونان: يسار سيريزا مصر على موقفه! – ويواجه فجأة نقاشا استراتيجيا ذا أهمية حيوية: كيفية الربط بين الصراع الاجتماعي والسياسي؟ على المستوى الوطني وعلى المستوى الأوروبي؟ ما الموقف الواجب حيال اليورو والاتحاد الأوروبي؟ ما المنظور السياسي / المؤسساتي؟ في هذا النقاش الحيوي لبقاء اليسار، تضع العصبة الشيوعية الثورية للنقاش الأطروحات أدناه.
- تلزم التجربة اليونانية – انتصار حزب مناهض للتقشف بديل عن الاشتراكية الديمقراطية، والذي يواجه بعد ستة أشهر وصفة تقشف جديد أكثر وحشية من سابقاتها!- كل اليسار والحركة العمالية على إدراك العقبة الهائلة التي يمثلها ليس فقط اليورو بل أيضا الاتحاد الأوروبي. الاتحاد الأوروبي ليس قوة من أجل السلام والتقدم والديمقراطية: هو مجموعة مؤسسات استبدادية وقواعد تخدم بالكامل المشروع الرأسمالي للمجموعات الصناعية والمالية الكبرى. تريد هذه الأخيرة تدمير المكتسبات الاجتماعية والديمقراطية لمواجهة المنافسة بين الرأسماليين في الساحة العالمية.
- إذا مرت هذه المذكرة الثالثة فإن هزيمة المستغلين/آت والمضطهدين/آت اليونانيين ستكون في المقام الأول نتيجة لجبن القيادات التقليدية للحركة العمالية واليسار (السياسي والنقابي) في بقية أوروبا، ولتقاعسها وحتى تواطئها المخجل مع الترويكا. هذا نتيجة لعقود من التعاون في إطار”المشروع الأوروبي” من طرف الاشتراكية الديمقراطية والديمقراطية المسيحية والكونفدرالية الأوروبية للنقابات. ولكن هذه الهزيمة هي أيضا ستكون نتاج الإستراتيجية السياسية لقيادة سيريزا، المستندة إلى وهم قاتل باحتمال التوصل إلى تسوية في إطار الاتحاد الأوروبي واليورو. في الواقع، هذا هو الوهم الذي قاد تسيبراس للتضحية بإرادة الشعب اليوناني، التي أعرب عنها بوضوح في الاستفتاء (تسيبراس نفسه من دعا له!)، على مذبح “احترام” هذه المؤسسات و” روح المسؤولية ” بخصوص “استقرارها”.
- قسوة التقشف المفروض من جديد على الشعب اليوناني مقياس لخوف الطبقات الحاكمة في أوروبا. الخوف من انتصار سيريزا واضمحلال الاشتراكية الديمقراطية اليونانية، وبالتالي انتفاء بديل سياسي للبرجوازية.. خوف من مواجهة خطر العدوى في أوروبا، في المقام الأول اسبانيا مع حزب بوديموس PODEMOS. الخوف، وخاصة أمام التعبئة الشعبية الخيالية التي أدت إلى انتصار “لا” في الاستفتاء، والتي قد تعطي لتك العدوى دينامية لا يمكن السيطرة عليها.
- لقد أقيم الدليل على أن سياسة اجتماعية وديمقراطية وبيئية غير ممكنة دون هدم الاتحاد الأوروبي. البديل ليس هو الانكفاء إلى دول وطنية – طريق لا مخرج منها سوى عودة الحرب بين القوى الأوروبية – بل نضال طويل يهدف إلى شل الاتحاد الأوروبي وتم تحطيمه من أجل خلق إمكانية إرساء بنية مختلفة بواسطة الشعوب: الولايات المتحدة الاشتراكية الأوروبية.
- التقدم نحو أوروبا مختلفة (وبالتالي تشكيل جمعية تأسيسية من الشعوب الأوروبية) يستدعي تنسيق النضال فورا ضد التقشف. هذا التنسيق يصطدم ليس فقط مع المنظمات السياسية التقليدية، بل أيضا مع الاختلافات الكبيرة في الإيقاعات والأوضاع بين الدول وانقسامها- لأن الاتحاد الأوروبي يثير، كما تعمق العملة الموحدة أيضا، تحفيز التقسيم الدولي للعمل والتنمية غير المتكافئة داخل أوروبا نفسها. بالتالي على عمل حكومة يسارية في بلد ما أن تسعى إلى تعزيز التضامن العالمي والتعبئة الشعبية على أساس رفض التقشف والاستبداد، وبالتالي تهدف إلى تهيئة الظروف لنضالات تمتد لعدد أكبر من البلدان، وتتلاقى، وتنسق وتجعل الاتحاد الأوروبي واليورو غير قابلة للحكم أكثر فأكثر.
- ليس الخروج من اليورو شرطا كافيا للقطيعة مع التقشف (الدليل هو بريطانيا)، ولكن في الحالة اليونانية، وبلدان المحيط وأولئك الذين ليسوا في قلب منطقة اليورو، من الواضح أنه شرط ضروري.
- لا تستدعي الحاجة إلى القطيعة مع اليورو جعل الخروج من اليورو المحور الرئيسي لبرنامج بديل. حتى في اليونان، حيث السؤال يطرح نفسه بالأحرى بطريقة ملتهبة وفورية، فإن محور برنامج بديل يجب أن يكون رفض أي تقشف وتبني سياسة اجتماعية وبيئية، ومعادية للرأسمالية وديمقراطية، مما يحسن بشكل مباشر مصير العمال/آت والشباب والنساء، وضحايا العنصرية، والفلاحين.
- جعل الخروج من اليورو محور البديل يصطدم عبثا بفكرة شائعة جدا مفادها أن المال مجرد وسيلة فنية(تقنية) “محايدة” للسماح بالتبادل، في حين أنه أيضا بلورة لعلاقة اجتماعية. وجعل الخروج من اليورو (أو الاتحاد الأوروبي) محور المعركة سيكون أيضا لعب لعبة اليمين المتطرف وأقصى اليمين، عبر نشر الوهم بأن تنمية اقتصادية واجتماعية وبيئية متناغمة ستكون ممكنة ضمن إطار وطني. وهذا الوهم يضر بالتضامن الأممي. في حين، أن هذا التضامن من الأهمية بمكان، ليس فقط للنضال في اليونان، بل أيضا لأن تكامل الاقتصادات في القارة يتطلب منظورا أوروبيا مناهضا للرأسمالية لتلبية الاحتياجات الاجتماعية والاستجابة لحالات الطوارئ البيئية.
- في الظرفية الحالية، وخارج فترة (قبل) ثورية، فإن رفضا لا هوادة فيه تماما للتقشف، ومطالبة حازمة بسياسة ديمقراطية واحترام السيادة الشعبية، وإجراءات ملموسة للدفاع عن النفس ضد التخريب الرأسمالي الداخلي والخارجي – مثل تأميم البنوك، وفرض ضوابط على رأس المال، وتسجيل الأراضي وفرض الضرائب على الممتلكات، وتعليق دفع الديون وإلغائها، والرقابة العمالية على المقاولات – يعد شرطا أساسيا لتحقيق هذا الهدف.
- مفتاح الوضع لا يكمن في تطوير “خطة بديلة”، وقائمة تدابير تقنية إلى هذا الحد أو ذاك- التي تعني وفقا لتعريفها وجود “خطة أولى” بالبقاء ضمن اليورو. بل يوجد مفتاحه في إستراتيجية اجتماعية متمحورة حول انتزاع الهيمنة الأيديولوجية من خلال جبهة للمستغلين/آت والمضطهدين/آت(العمال/آت والنساء والشباب وصغار المزارعين، والذين لا يتوفرون على بطائق الإقامة، ومن هم عرضة للعنصرية) في أفق مواجهة جماهيرية مع المنطق الرأسمالي والمؤسسات الأوروبية التي تجسده.
- تفترض هذه الإستراتيجية الاضطلاع بوضوح وبدون ضعف الذهاب حتى القطيعة، بغض النظر عن الأزمة المؤسسية التي من شأن ذلك أن يسببها على مستوى الاتحاد الأوروبي، وبغض النظر عن فقدان المصداقية التي تنتج عنها بخصوص ” المشروع الأوروبي ” المزعوم أو” استقرار اليورو “، وتمح هذه الإستراتيجية بالتحول من الدفاع إلى الهجوم لأنها تشجع على التعبئة الجماهيرية للمستغلين/آت والمضطهدين/آت. لقد أظهر أسبوع التحرك النضالي من أجل “لا” في الاستفتاء في اليونان، الطاقة الاجتماعية الهائلة التي يمكن أن تحرر بهذه الطريقة، وجاذبيتها للعاملات والعمال والنساء والشباب في أوروبا والعالم.
- الخصم ليس “ألمانيا” بل الرأسمالية ومؤسساتها، وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي. ليس اليورو العملة التي تفرضها ألمانيا على أوروبا بل هو العملة التي يحتاجها الرأسمال الأوروبي لتخفيض تكاليفه، وتعزيز مؤسساته المالية وتوفير سوق كبير لشركاته متعددة الجنسيات. وليست الليبرالية الجديدة عقيدة ألمانية أنتجتها الأيديولوجية اللوثرية أو الماضي النازي لألمانيا، بل هي النموذج الوحيد الموجود واقعيا للرأسمالية العالمية الواقعة في قبضة مأزق ثنائي اجتماعي وإيكولوجي. والهيمنة الألمانية على الاتحاد الأوروبي ليست هيمنة وطنية بل هيمنة رأس المال التي يعد العاملات والعمال الألمان ضحاياها أيضا. دعونا نحذر من العبارات الديماغوجية التي تصرف انتباهنا عن خصمنا الحقيقي. ليس البديل”جبهة ديمقراطيين” ضد ألمانيا، بل جبهة المستغلين/آت والمضطهدين/آت ضد رأس المال ومؤسساته. الباطرونا البلجيكية، والبنوك البلجيكية والحكومة البلجيكية، شأنه في ذلك شأن سابقاتها بمشاركة “الاشتراكية” دعمت بشكل فعال الحرب الاجتماعية ضد الطبقات الشعبية اليونانية والتي كانت في مصلحتها.
- تستدعي الإستراتيجية التي نقترح إعادة تشكيل الحركة العمالية واليسار، سواء على الصعيد السياسي وعلى الصعيد النقابي. البعدين متلازمين. من ناحية، نظرا لواقع البطالة الجماهيرية، وعقبة المؤسسية الأوروبية والتحول الكلي ودون رجعة للاشتراكية الديمقراطية إلى اشتراكية ليبرالية. لذلك، فبناء أحزاب جديدة على يسار الاشتراكية الديموقراطية والخضر ضروري أكثر من أي وقت مضى. ومن جهة أخرى، فإن الشدة المتزايدة للنضال الجاري تقتضي تعبئة اجتماعية في العمق، وبالتالي بناء حركات اجتماعية منظمة ديمقراطيا، بمشاركة نشطة من العمال والعاملات والشباب في أماكن العمل وفي الأحياء. في هذا السياق، تحتل استعادة النقابات من طرف منخرطيها مكانة استراتيجيا، فضلا عن مكافحة المفاهيم الخاطئة التي تخلط بين “استقلال النقابة” و “العزوف عن السياسة”.
- ويستمر النضال، في سياق جديد جزئيا. في وقت كتابة هذا التقرير النتيجة غير مؤكدة. إذا فازت الترويكا في هذه المعركة، سيكون ذلك مقابل فقدان مصداقية عميق جدا للاتحاد الأوروبي بشكل عام وبشكل خاص لقاطرته الألمانية. من دون حل أي شيء بخصوص الأزمة اليونانية على المدى المتوسط والطويل، بخاصة أزمة الديون، وإضعاف اليورو. في اليونان، هناك إعادة تشكيل سياسية جديدة ليسار اليسار على جدول الأعمال لتقديم بديل عن محاولة “الوحدة الوطنية” في البرلمان حول ‘نعم’ للإملاءات. أكثر من أي وقت مضى، يتعلق الأمر بتطوير التضامن الفعال مع العمال والعاملات والشباب اليونانيين. في كل مكان، المطلوب استئناف الكفاح ضد التقشف وتجديره ولأجل معبر سياسي لهذا النضال، مع استخلاص الدروس من اليونان.
- لنستخلصها خاصة في بلجيكا لأن التوازي واضح بين إستراتيجية تسيبراس(“استفتاء من أجل تفاوض أفضل “) وإستراتيجية الأجهزة النقابية عندنا (“خطة عمل لفتح حوار”). ستظهر لنا الهزيمة اليونانية أين تقودنا هذه الإستراتيجية “المسؤولة” إذا لم نبدل جهدا لإجبار منظماتنا على تغيير المسار.
العصبة الشيوعية الثورية -15 يوليوز 2015 . تعريب المناضل-ة
اقرأ أيضا