مكاسب الشغيلة المهددة، وتكتيك بيروقراطية المنظمات العمالية، والواجب النضالي الآني

الافتتاحية, سياسة15 أبريل، 2025

من نتائج ما يسمى «الحوار الاجتماعي» انتزاع سلاح الإضراب من شغلية المغرب بقانون سيبدأ تنفيذه متم شهر سبتمبر 2025، مصادفا الذكرى السبعين لصدور القانون المعترف للمغاربة بالحق النقابي، ليدخل بذلك النضال العمالي طورا جديدا يفرغ فيه هذا الحق من معظم محتواه. حلت هذه المصيبة بموجب إحدى ثمار «الحوار الاجتماعي» ممثلة في اتفاق 30 أبريل 2022المشؤوم، الذي قضى فضلا عن ذلك بمواصلة تخريب مكاسب التقاعد، والسير نحو إخراج قانون سيُحكم تكييف المنظمات النقابية لخدمة أغراض الدولة، وتعديل مدونة الشغل، هذا المطلب الذي طالما نادت به منظمة أرباب العمل لتسهيل فرط الاستغلال والتخلص من الأجير بأقل كلفة. هذا الدمار الشامل المحدق بما تبقى من مكاسب هو هدف رأس المال ودولته من «الحوار الاجتماعي» الذي يجري الاستعداد في أيامنا هذه، من كلا جانبيه، لمباشرة جولة جديدة منه في أفق فاتح مايو.

يندرج هذا العدوان الكاسح في مسعى رأس المال لمزيد من إمالة الكفة لصالحه في علاقته بالشغيلة، عدوان يشمل مجمل الحياة الاجتماعية، حيث تصب السياسات العامة كلها في إتاحة ظروف مواتية لتراكم رأس المال، بالخوصصة في جميع الاتجاهات، وبالمزايا من كل نوع «للمستثمرين»، وبإلقاء تكاليف إعادة الإنتاج الاجتماعية على النساء، وبإحكام آلية الإكراه الطبقية.
وإذْ اتخذ الشغيلةُ النقابات أداةَ مقاومةٍ لجبروت رأس المال ودولته، فقد سارت هذه الأداة في انزياح متواصل عن علة وجودها نحو أدوار مكملة للدولة ومساعدة لها، عبر آلية «الحوار الاجتماعي» بالذات. تجلى ذلك في قبول الإطار الرأسمالي التابع الذي يجري فيه استغلال الطبقة العاملة، وهجر أي منظور طبقى يروم بديلا حقيقيا لواقع الاستغلال والقهر الرأسماليين، ثم بمسايرة هجمات الدولة المنتظمة على حقوق الشغيلة ومكاسبهم. تجسد ذلك بصدد مسائل جوهرية عديدة، من أمثلتها الأبرز دور القيادات النقابية في تمرير ما سمي «ميثاقا وطنيا للتعليم» قبل ربع قرن، وكان وبالا على التعليم العمومي أحاله إلى خراب لا ينكره حتى مهندسوه. ومن الأمثلة الأحدث ما حل بتقاعد الموظفين (الضربات الثلاث: رفع السن، خفض المعاش، زيادة الاقتطاع)، وتمرير اقتطاع أجر أيام الإضراب في الوظيفة العمومية، وصولا إلى قانون الإضراب.
وعلى امتداد مسلسل الإجهاز على الحقوق والمكاسب هذا، تصرفت قيادات المنظمات النقابية بمزاوجة التظاهر بالاعتراض والمساعدة على تمرير ما تريد الدولة: النقد بالكلام وخدمة هدف الدولة بالأفعال. هذا ما يفرضه على تلك القيادات استحالة التصريح بتلك المساعدة، فتراها ترتجل أشكال «احتجاج» و»نضال» عديمة الجدية في سياقات باردة، تعطي نتائج عكسية تزيد الإحباط واليأس في الصف العمالي. هذا بعد أن تكون قد نسفت إمكانات النضال الفعلية المتيحة ردا جماعيا من الطبقة العاملة، كما كان الحال طيلة أشهر حراك التعليم. تتصرف القيادات على هذا النحو «المناضل» لدفع الاتهام بالتخلي عن مصلحة الشغيلة. وهي ستواصل نفس الدور برغم الويلات التي نتجت عنه.
أكدت عقود من ممارسة «الحوار الاجتماعي» أنه آلية تصفية المكاسب العمالية وهضم الحقوق مقابل فتات، سرعان ما يتلاشى، يتخذ معظمه شكل تحسين للدخل (زيادات في الأجور، خفض ضريبي…) سرعان ما يتبخر فوق نار الغلاء الفاحش.
إنها سيرورة اندماج الأجهزة النقابية في الدولة، سيعززها قانون النقابات المرتقب، نحو إفراغٍ للمنظمات العمالية شبهِ كلي من روحها النضالية. بالمنهجية ذاتها ستباشر دولة رأس المال تنفيذ الأطوار القادمة من هجومها المفصلة في اتفاق 30 أبريل 2022. وبالمنهجية ذاتها ستجاريها القيادات النقابية، ولن يوقف هذا الدكاك غير تدخل الشغيلة الجماعي.
قوى النضال العمالي المنظمة موزعة داخل نقابات متعددة، وخارجها، في تنسيقيات فئوية متعددة ومتفاوتة الوزن، وفي جمعيات مهنية. وثمة كمون نضالي هائل لم يجد سبيلا للتعبير عن نفسه بسبب الطابع المنفر الذي باتت عليه المنظمات النقابية، بفعل سياسة قياداتها المنظمة للهزائم، وبفعل مظاهر البيروقراطية والفساد البشعة. هذا الكمون يبدى أمارات وجود وتعاظم من خلال هزات عفوية كالتي شهدتها بعض مواقع الإنتاج الزراعي في سهل سوس في متم شهر نوفمبر 2024، وفي نضالات غير مؤطرات نقابيا هنا وهناك.
قوى الكفاح المنظمة لكن المشتتة في نقابات وتنسيقيات وجمعيات بحاجة ماسة وملحة إلى توحيد الفعل النضالي شرطا لا بد منه لاكتساب المقدرة على التصدي للقادم من هجمات. ولا شك أن هذا التوحيد عندما سيتجسد ميدانيا في برنامج نضالي سيحفز بقوة الكمون النضالي غير المنظم. وبتضافر قوى الكفاح العمالي بشكليها المنوه بهما ستتمكن طبقتنا من تحسين ميزان القوى لصالحها، مع ما يفتح ذلك من آفاق واعدة بإخراج نضالها من حالة التراجع والتدهور الذي أوصلته إليه سياسة القيادات.
السير نحو توحيد الفعل، وتضافر النضالات، هو مهمة مناضلي طبقتنا ومناضلاتها التي يجب النهوض بها في تجاوز لكل الحواجز المصطنعة بين هيئات النضال بكل أنواعها. وكل مبادرة في هذا الاتجاه مشروعة، وكل تعزيز لأشكال تعاون نضالي قائمة واجب.

شارك المقالة

اقرأ أيضا