يجب على الطبقة العاملة أن تناضل من أجل أن تستفيد من الذكاء الاصطناعي

بقلم؛ هاميلتون نولان

لا يمكن للعمال الحؤول دون اعتماد تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي. ولكن بوسعهم، ومن واجبهم، الكفاح لضمان أن تعود مكاسب الإنتاجية بالنفع عليهم، وليس على مدراء الشركات ومالكي الأسهم.

الذكاء الاصطناعي (AI) هو مشكلة عمل. ربما يحالفنا الحظ، ويتضح أنها مشكلة عمل هامشية. أو ربما يتضح انها وجودية ومتعالية، يمكن مقارنتها بالتصنيع أو العولمة، وهي ظواهر أحدثت ثورة في عالم الشغل في عصرها. لكن قبل أن نغوص بشكل كامل في المعركة حول كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على الشغيلة، من المهم أن نحدد ساحة الوغى بشكل صحيح. فهذه ليست صراعاً بين حركة عمالية نكوصية من جهة والتقدم التكنولوجي من جهة أخرى. بل يتعلق الأمر بالأحرى بمسألة أين ستتدفق مكاسب الثروة والفعالية التي سيحققها الذكاء الاصطناعي.
من السهل اعتبار تمرد العمال اليوم على تدخلات الذكاء الاصطناعي على أنه أحدث صيغة من قصة قديمة جدًا. قد يكونون اللوديين الأسطوريين الذين كانوا يخربون أنوال النسيج بدافع الجهل، والحرفيين المتذمرين الذين أزاحتهم إنتاجية المصانع الرائعة، وسائقي العربات الذين قاوموا تفوق السيارات. إنها قصة جذابة من منظور رأس المال لأنه يرى التغير التكنولوجي كعملية شبه بيولوجية، مسيرة نحو التقدم يقودها رواد أعمال مفيدون يعيدون تنظيم المجتمع من أجل كفاءة أكبر ويحصدون المكافآت العادلة لذكائهم.
العمال في هذا الترسيمة هم النواتج الفرعية التي يخلفها التدمير الخلاق الملازم للرأسمالية. من المفهوم بالطبع أنهم يخشون التغيير، ولكن ينبغي ألا تؤخذ مصلحتهم الذاتية البدائية بالحسبان. إن سمة القائد هي زيادة الإنتاجية الإجمالية، حتى لو كان ذلك يعني إنزال قطاعات محددة من القوى العاملة بالأمس إلى الفقر المدقع. هنا يكمن انتصار النيوليبرالية، ونحن نتعرض لكافة عواقبها.
تتضمن هذه القصة، مثل معظم القصص الخرافية، جزءا ضئيلا من الحقيقة وجزء أعظم بكثير من الكذب. صحيح أن العمال في جملة كاملة من الصناعات – الإعلام والتسويق والقانون والهندسة المعمارية والترفيه والفنادق والنقل وغيرها – متخوفون بشأن ما سيعنيه الذكاء الاصطناعي بالنسبة لمهنهم. وهم على حق! فهذه التكنولوجيا تجمع بين درجة عالية من عدم اليقين بشأن إمكانياتها ودرجة عالية من اليقين بأن أرباب العمل سيستخدمون هذه القدرات، أيا تكن، لمحاولة التخلص من المستخدمين البشر. كانت إضرابات كتاب السيناريو والممثلين في هوليوود في العام 2023 مدفوعة إلى حد كبير بهذه الحسابات المنطقية. ما من أحد يعرف بالضبط ما ستتمكن الشركات من فعله بالذكاء الاصطناعي، ولكن جلي أنه إذا أتيح لها المجال الحر، فإنها ستفعل أشياء ستضر بالعمال وتفيد المالكين.
في قطاع عملي، الصحافة، على سبيل المثال، سيُلخص الفرق بين ”الذكاء الاصطناعي كأداة لمساعدة الصحفيين على أداء عملهم بنحو أفضل“ و”الذكاء الاصطناعي كبديل رخيص ورديء وغير أخلاقي للصحفيين البشر“ في ما إذا كانت القوى العاملة قادرة على إجبار الشركات على السير في الطريق الصحيح. في القطاعات حيث لا توجد نقابات قوية، قد يكون الأمل الوحيد هو تشريع حكومي لطرق تطبيق الذكاء الاصطناعي. مهما يكن من أمر، حان وقت العمل. يقول صندوق النقد الدولي أن 40% من العاملين في العالم لديهم وظائف ”ستتأثر بالذكاء الاصطناعي“. وهناك الكثير من الناس الذين لديهم مخاوف مبررة تماماً.
يجب أن تكون للعمال وللحركة النقابية التي تساندهم قصة مغايرة. قصة تتضمن الواقعية القاسية التي يتغنى بها عالم الشركات، إلى جانب ما يفتقر إليه من اهتمام بالإنسانية. من الصعب بنحو لا يصدق وقف انتشار التغيرات التكنولوجية التي تزيد الفعالية. والإنترنت والعولمة وتطبيقات مشاركة الركوبcovoiturage دليل على ذلك.
ستحرص الرأسمالية على انتشار سريع للأشياء التي ترفع الإنتاجية. وسيندرج الذكاء الاصطناعي (أيًا كان المظهر المفيد الذي سيفرض نفسه في النهاية) ضمن هذه الفئة. وعلى غرار جميع التكنولوجيات الجديدة، يمكن للنقابات أن تكون يقظة لضمان ألا يكون تطبيقها سباقًا غير حذر ومتعسفا إلى الهاوية. ولكن هذه ليست سوى معركة ثانوية. إن أهم شيء بالنسبة للشغيلة المنظمين هو ضمان تقاسم الفوائد التي ينتجها الذكاء الاصطناعي – المكاسب الاقتصادية والكفاءة والإنتاجية – مع العمال بدلاً من أن تستأثر بها الإدارة والمستثمرون.
تخيلوا، على سبيل المثال، أن الذكاء الاصطناعي يسمح لشركة ما بالقيام بنفس القدر من العمل بنصف عدد العمال في نصف الوقت – عجائب العلم! والآن تخيلوا مسارين مختلفين لهذا التحول: في أحدهما، تقوم الشركة بتسريح نصف العمال، وتخفض تكاليف اليد العاملة إلى النصف، وتضاعف الإنتاجية في الساعة، وتذهب جميع المنافع الناتجة عن هذا التغيير إلى مستثمري الشركة والمديرين التنفيذيين الذين نفذوا عملية التسريح مبتهجين.
في سيناريو آخر، يتم تدريب كل عامل يُستعاض عن وظيفته بالذكاء الاصطناعي على وظيفة داخلية أخرى، ما يسمح للشركة بالتوسع (أو الحصول على تعويضات تسريح هامة وتدريب على مهنة أخرى)، بينما يمكن للعمال المتبقين العمل لساعات أقل في الأسبوع مقابل نفس الأجر من خلال تحسين الكفاءة، ويتم تقاسم مكاسب الأرباح بين القوى العاملة، إما من خلال تقاسم الأرباح أو ملكية الموظفين للشركة.
في المثال الأول، أدى الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم عدم المساواة وجعل حياة العمال أكثر هشاشة. أما في المثال الثاني، فقد فعل العكس. في هذه المرحلة المبكرة من عمر هذه التكنولوجيا، لا يزال كلا المسارين مفتوحين أمامنا.
هذه هي المعركة الحقيقية التي تنتظرنا. عندما يُضرب كتاب السيناريو في هوليوود عن العمل لتجنب كتابة السيناريوهات بواسطة الذكاء الاصطناعي، أو عندما يحذر عمال فنادق لاس فيغاس من مساوئ النادل الآلي، فهم ليسوا جهلة بدائيين لا يفهمون مكاسب الإنتاجية التي ستحققها هذه التكنولوجيا الجديدة. بل على العكس، فهم يدركون جيدًا أنهم إذا لم يستعملوا قوتهم الخاصة، ستؤول كل تلك الأرباح الوفيرة إلى من هم في فوق، ولن يبقى لهم شيء.
احذروا أي شخص يغتني باستخدام الذكاء الاصطناعي ويصف العمال بأنهم كارهون للتكنولوجيا نكوصيون ومتجاوَزن. هذا يذكرنا بشكل مزعج بالاقتصاديين البارعين الذين أوضحوا أن التجارة الحرة المعولمة ستنتج منافع معولمة، بغض النظر عن حقيقة أن كل تلك المنافع ستذهب إلى 1% من السكان. لا يتعلق الأمر بنقاش حول التكنولوجيا، بل حول السياسة الاقتصادية: هل سينقذنا التقدم في مجال الأتمتة من العمل الشاق وييسر حياتنا؟ أم أنه سيتم ببساطة إلغاء فرص عمل، ما يجعل حياة ملايين الأشخاص أشد مشقة؟
بقدر ما أن الذكاء الاصطناعي حقيقي، يجب اعتباره ملكا عموميا وليس منفعة خاصة. لن تفلح النقابات في إبعاد الذكاء الاصطناعي عن أماكن العمل، لكن بوسعها بالتأكيد النجاح في إجبار الشركات على تشارك فوائد الذكاء الاصطناعي مع الجميع.
وسواء أكان إنتاج الحصى أو أشباه الموصلات، تأخذ كل شركة قدراً معيناً من العمل وتحقق قدراً معيناً من الأرباح، ثم تقسمه على العمال والمديرين والمستثمرين. إذا كانت خطوط الإنتاج أو اتفاقيات التجارة الحرة أو الذكاء الاصطناعي تولد المزيد من المنافع بيد عاملة أقل، فالأمر جيد جدا، ولكن العمال لهم الحق في تلك المنافع أكثر من أي صاحب مصلحة آخر. لن ينزعج سائقو عربات النقل إذا علموا أنهم سيحصلون على وظائف في قيادة الشاحنات الجديدة الفاخرة. فالتكنولوجيا تعمل لصالح الناس، وليس العكس.

مصدر: https://jacobin.com/2024/01/workers-labor-artificial-intelligence-technology

شارك المقالة

اقرأ أيضا