حول المؤتمر الوطني 13 للاتحاد المغربي للشغل
بقلم؛ عزيز إسبعين*
تقديم:
فجأة بلا سابق تحضير، حتى على النحو الناقص المعتادِ من قبل كل النقابات، نزل إعلانُ تنظيم المؤتمر الوطني الثالث عشر للاتحاد المغربي للشغل من 21 فبراير 2025 إلى 23 منه. وأعقب هذا الإعلانَ صمتٌ عام، ما خلا أصوات نادرة لمناضلين عبرت عن رفض طريقة التدبير غير الديمقراطي للشأن التنظيمي النقابي. والحق أن بلوغ هذا المستوى من الاستخفاف التحضير الديمقراطي لمؤتمر وطني إنما أمارةٌ على حالة مؤسية، وخطيرة، ليست وليدةَ اليوم، بل ناجمةٌ عن تراكمات طيلة عقود من دوْس كل القواعد والأعراف الديمقراطية. وجليٌّ أن هذا العسف المفرطَ ليس إلا السمة الملازمة لخط التعاون مع الخصم الطبقي، المسمى “شراكة اجتماعية” المضحي بمصلحة الطبقة العاملة على مذبح “استقرار اجتماعي” ما هو إلا تشديد لأوار الحرب الطبقية المتنامية ضراوةً على الشغيلة وعامة المقهورين. ففرْضُ خط “الشراكة الاجتماعية” المناقضِ لعلة وجود التنظيم النقاب العمالي لا يمكن إلا أن يكون ضد إرادة سواد النقابيين/ت الأعظم، وبالتالي بانتهاك أبسط قواعد الديمقراطية الداخلية.
سعيا إلى النهوض بما يستلزمُ الظرف الخطير من تدارس جماعي لوضع المنظمات العمالية، بلا استثناء، نستأذن المناضل عزيز سباعين بنشر رأي عبر عنه بعد الإعلان عن موعد مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل الثالث عشر. ولا حاجة لتأكيد أن صفحات أسبوعية المناضل-ة وموقعها ملكٌ مشترك لكافة مناضلي الطبقة العاملة ومناضلاتها، التزاما باخلاقيات النقاش العمالي.
جريدة المناضل-ة
****************************
قررت قيادة الاتحاد المغربي للشغل عقد المؤتمر الوطني 13 للمركزية أيام 21 و22 و23 فبراير الجاري، أي بعد أقل من أسبوع وذلك بعد حوالي 6 سنوات منذ آخر مؤتمر عوض 4 سنوات التي يفرضها النظام الأساسي للمنظمة.
ما علينا؛ سنتا تأخير عن الموعد المحدد بين مؤتمرين؛ هذا شبه عادي في كل المنظمات السياسية والنقابية والجمعوية في ظل عدم الاحترام لأدنى قواعد الديمقراطية.
لكن الأهم هو الشروط التي ينعقد فيها هذا المؤتمر من ناحية التهيئ ومشاركة القواعد والاتحادات المحلية والجهوية والقطاعات والتنظيمات الموازية…
صحيح أن أغلب القطاعات الوطنية لم تعقد مؤتمراتها الوطنية منذ سنوات ناهيك عن الاتحادات المحلية والجهوية فيما حرصت القيادة البيروقراطية النافذة على عقد مؤتمرات التنظيمين الموازيين الشبيبة العاملة المغربية والاتحاد النسائي التقديمي وحرصت أكثر على تثبيت عناصر قديمة ومعروفة بولائها غير المشروط للأمين العام.
لكن وكما يعرف جميع المناضلين والمناضلات وجميع المنخرطات والمنخرطين فإن التهييء لهذا المؤتمر كان “تهييئا” فوقيا حيث تم في شبه سرية تعيين لجنة تحضيرية وطنية من الأتباع فقط لم يتم التواصل بشأنها ولا بجدولة اجتماعاتها إن كانت هناك اجتماعات ولا ببرنامج عملها إن كانت قد قامت بأعمال ولا بمشاريع أوراق إن كانت قد هيأت أو قد تُهيئُ أوراقا لهذا المؤتمر ولا بسهرها على فرز المؤتمِرات والمؤتمِرين من خلال جموعات عامة بالاتحادات المحلية والجهوية وبالقطاعات الوطنية والتنظبمات الموازية. لا شيء من هذا كما كان دائما لا في عهد المحجوب بن الصديق “الزعيم الأبدي” حتى وفاته في 2010 أو في ما سمي “عهدا جديدا” بعد رحيل “الزعيم الأبدي” رغم بعض التنازلات التي قدمها “وريثا” المحجوب بن الصديق آنذاك ومن يدور في فلكهما لصالح “التوجه الديمقراطي” الذي كان ولمدة طويلة قبل رحيل المحجوب يخترق العديد من الاتحادات المحلية والجهوية والعديد من القطاعات الوطنية الوازنة ناهيك عن تنظيم المرأة العاملة والشبيبة العاملة… وهي التنازلات التي برزت خصوصا في أدبيات المؤتمر العاشر في 2010 وفي تمثيلية غير مسبوقة لرموز هذا التوجه الديمقراطي في القيادة الوطنية آنذاك… وهي التنازلات كذلك التي لم تدم إلا أقل من سنتين حيث تم الهجوم على التوجه الديمقراطي ابتداء من مارس 2012 حيث تم طرد رموز التوجه الديمقراطي من الأمانة الوطنية وتم حل الاتحاد الجهوي بالرباط سلا تمارة الذي كان نموذجا لالتحام هذا التوجه الديمقراطي المتعدد والمتنوع بمجموع الطبقة العاملة بالأحياء الصناعية بالرباط وسلا وتمارة وعين عتيق… وبمجموع الحركة الاحتجاحية بالمنطقة وبالوطن عندما تحج للرباط، تبعتها مجموعة من القرارات والانقلابات في عدد من القطاعات كالتعليم والجماعات المحلية ومحاولات في قطاع الفلاحة وفي العديد من الاتحادات المحلية والجهوية… المهم أن فترة 2012-2015 عرفت هجوما تنظيميا من قبل البيروقراطية المتنفذة رغم مقاومة التوجه الديمقراطي وصموده وإبداعه لأشكال الاستمرار والعيش والوجود دون السقوط في الذهاب لتأسيس مركزية جديدة… ورغم ما سمي إعادة توحيد القطاعات والاتحادات في 2015 باستثناء قطاع التعليم، إلا أن التوجه الديمقراطي خسر خسارة كبيرة في ذلك وتم تقزيمه إلى حجم لم يعد فيه تقريبا موجودا ك”فكرة” وك”نهج” وك”أدوات عمل” تميزه عن البيروقراطية… بل إن العديد ممن كانوا محسوبين على التوجه الديمقراطي ورشحتهم رموز هذا التوجه لـ”مناصب” في الأمانة الوطنية وفي عملية إعادة توحيد هياكل القطاعات والاتحادات التي كان التوجه الديمقراطي فيها وازنا سرعان ما ابتلعتها في غالبيتها ألسن البيروقراطية وأشبعتها من غدقها ومن ريعها حتى انتفخت كروشها هي الأخرى فانفصلت أو فصلت عن التوجه الديمقراطي.
أعرف أن هذا النقاش قد لا يروق بعض الرفاق والرفيقات الذين كنا شركاء معهم في هذه التجربة الغنية ولكن هذا قول ومحاولة تقييم محينة لعمل اعتبره عملا مشتركا ونتحمل فيها جميعا المسؤولية ولكن على قدر التدخل ومستوى التدخل لكل طرف.
المهم لأعود لموضوع المؤتمر الوطني 13 وأقول إن الأمور، وبعد إعادة توحيد الهياكل في 2015 باستثناء قطاع التعليم، أصبحت البيروقراطية المتنفذة وزعيمها الأمين العام تفعل ما تشاء وانقلبت على أدبيات المؤتمر العاشر ورجعنا لما كان في عهد المحجوب أي التدبير البيروقراطي الفج لأمور المركزية بدون اكثرات للهياكل ولا للنظام الأساسي أو المقررات المعتمدة في المؤتمرات… وهذا مؤتمرات بعد مؤتمر خاصة بعدما تخلص الأمين العام من غريمه البيروقراطي الآخر الذي “ورثه” معه المحجوب مقاليد الاتحاد.
وكما يبدو للجميع، فالأمين العام الحالي يروم من خلال هذا المؤتمر حاجة واحدة فقط هو تأمين عهدة رابعة وتثبيت أتباعه في الأمانة الوطنية وربما تقزيم ما تبقى من التوجه الديمقراطي وخاصة رموزه… وذلك تحسبا من تمرير أي قانون للنقابات ربما تكون الدولة ملزمة (لاعتبارات الماركيتينغ السياسي) بمنع المتقاعدين من تولي مناصب المسؤولية في النقابات.
في الأخير، اتساءل بدون استغراب حول صمت المناضلات والمناضلين حول ما بجري من مسرحية بعد كل المسرحيات السابقة وخاصة في مؤتمرات 2015 و2019 علما أن المؤتمر العاشر كما حاولت شرحه أعلاه كانت فيه تنازلات تروم تيسير الانتقال “السلمي” للزعامة من المحجوب الراحل إلى أحد “وريثيه”. ماذا سنخسر بعد كل هذا الذي وقع للمناضلات والمناضلين منذ 2012 على الأقل. بل ماذا ربحناه من السكوت والتوافق مع هذه القيادة ومن المناصب في القيادة التي يبدو أن معظمها التحق بالنهج البيروقراطي؟
* عزيز إسبعين، مناضل اتحادي (من الاتحاد المغربي للشغل) رغم أنف البيروقراطيات
اقرأ أيضا