المؤتمر الوطني 13 للاتحاد المغربي للشغل: اتحادنا ليس بخير
بقلم؛ م. البحري
فجأة تم الإعلان عن تنظيم المؤتمر الوطني 13 للاتحاد المغربي للشغل يوم 21 فبراير 2025. نزل الخبر وساد الصمت.
من قواعد الديمقراطية العريقة في الحركة العمالية، تاريخيا في بلدان نشوئها، وبدرجة نسبية جدا في الحالة المغربية، الاستعداد للمؤتمر الوطني للمنظمة العمالية طيلة فترة مديدة، أقلها بضعة أشهر. يكون التحضير أساسا بعرض مشاريع أدبيات تحلل الوضع الموضوعي والحالة الذاتية، وتضع حصيلة العمل والتنظيم بمنظار التقييم الموضوعي، وتستشرف آفاقه للقادم القريب من السنوات. ويكون انتخاب المندوبين/ت بناء على نقاش الأدبيات. وإذا برزت خطوط معبرة عن وجهات نظر متباينة، يجري الانتداب بمنهجية تعتمد أرضيات معبرة عن وجهات النظر، ويتم الانتخاب باعتماد قاعدة النسبية لتمثيل جميع وجهات النظر كلا حسب وزنها.
هذه الديمقراطية العمالية الأصيلة لم تطبق يوما في الحالة المغربية. أولا، لأن مؤسسي الحركة النقابية المغربية الأكثر تقدما آنذاك كانوا من الشيوعيين، أجانب ومغاربة، متشبعين بالمنظور الستاليني البيروقراطي الذي نما على أنقاض تلك الديمقراطية العمالية، منكرا حق تنظيم الاختلاف بتشكيل اتجاهات. وثانيا لأن تأسيس الاتحاد المغربي نفسه حمل تلك التقاليد، وزادها بفعل تبقرطه السريع في أحضان الملكية (انظر كتيب عمر بنجلون أمراء النزعة الانحرافية).
بهذا النحو، كانت مؤتمرات النقابات المغربية أبعد ما تكون عن التعبير عن حياة ديمقراطية داخلية، بقدر ما يكون جوهرها تدبيرا تنظيميا لإعادة تشكيل القيادة العليا والوسطى، بطريقة مدبرة مسبقا. هذا لأن نقاشا حقيقيا يفسح في المجال لتعدد الرؤية، وتباين المنظورات النضالية، مستبعد كليا بالقمع المنهجي اليومي للاختلاف، ودفع ذوي الرأي الآخر الى مغادرة المنظمة أو طردهم منها.
لن يشذ «المؤتمر الوطني 13» للاتحاد المغربي للشغل المعلن عن عقده قبيل أقل من أسبوعين من الموعد المحدد له، عن القاعدة الراسخة منذ 70 سنة. لا بل سيشذ عن المألوف حتى من الأجل الخاص بالتحضير. لقد بلغنا ذروة في الاستخفاف بأبسط قواعد التدبير الديمقراطي. وليس هذا غير جانب من لوحة التردي الاجمالي للحركة النقابية المغربية. تردي خطير يستلزم أن نطرح جميعا سؤال المسؤولية عنه. نحن مناضلو الاتحاد المغربي للشغل ومناضلاته، التواقون/ت الى جعله أداة نضال، لا وسيلة انتفاع أقلية لا تغادر كراسي القيادة. وبالأخص يجب ألا نجعل البيروقراطية مجرد شماعة نعلق عليها قصورنا وما يشوب منظوراتنا للنضال النقابي ولتسيير منظماته من نقص. لقد راكم اليسار تجربة عقود في العمل النقابي ضمن الاتحاد المغربي للشغل، واجتاز منعطفات، وها هو اليوم أمام امتحان جديد: إمعان البيروقراطية في إلغاء حتى أبسط شكليات تنظيم مؤتمر وطني. الصمت هو موقف معظم اليسار بعد الإعلان المباغت عن موعد المؤتمر دون تحضير. فهل يُعتقد أن الصمت ومواصلة الخضوع من أجل ضمان البقاء يضمن البقاء؟ وأي بقاء بالنسبة لمن يروم بناء حزب شغيلة؟
وهذا السؤال قائم أيضا في سائر المنظمات النقابية لأنها لا تختلف نوعيا عن الاتحاد المغربي للشغل.
الخط البيروقراطي يعصف بالمكاسب لدرجة الإسهام في تمرير قانون نازع لسلاح الإضراب، ولا يأبه بأبسط قواعد العمل التنظيمي، وهجمات عديدة ستشهد تصعيدا فتح اتفاق ابريل 2022 طريقه (مدونة الشغل، التقاعد) عريضا، فإلى أين تسير الحركة النقابية المغربية؟ سؤال ملح يعيد إلى جدول الأعمال النقاش الذي يتفاداه معظم اليسار بوهم «تفادي الصراع الفوقي مع البيروقراطية».
باتت شروط العمل في منظمات الطبقة العاملة القائمة أصعب وأعقد، ما يستوجب طرح كل شيء للبحث والنقاش، دون تقديس أصنام، وبكل مسؤولية.
سيدخل هذا «المؤتمر» تاريخ الحركة العمالية المغربية كـ «لا حدث». وإن كانت المنظمات كالبشر تولد وتحيا ثم تموت، فالخشية أن يكون اتحادنا سائرا إلى حتفه بما هو منظمة عمالية أداة نضال.
اقرأ أيضا