عن شعار جماعة العدل والإحسان: «لا يهم شكل النظام بل مضمونه»

سياسة13 فبراير، 2025

بقلم أزنزار

مسألة السلطة معيار رئيس للحكم على القوى السياسية. وفي المغرب تجد هذه القوى نفسها، عند طرح هذه المسألة، في مواجهة السلطة المَلكية. وباستثناء اليسار الشعبوي الثوري والتيارات الماركسية اللينينية التي طرَحت الجمهورية على جدول أعمالها الثوري، تعتبر كل الأحزاب البرجوازية (ليبرالية ورجعية) المَلكية شكلا للحكم لا يمكن لغيره أن يكون صالحا للبلد، مع اختلاف في تصور شكل الحكم هذا، بين يسار ليبرالي يطالب بأن تكون برلمانية، ورجعية دينية (العدل والأحسان) تشترط ألا يكون وراثيا.

ترد في تصريحات عديدة لزعماء جماعة العدل والإحسان عبارة مكرَّرة حدَّ الإملال مفادها بأن ما يهم «ليس شكل النظام السياسي بل مضمونه». فهذا عمر أحرشان يقول: «مطلبنا هو نظام ديمقراطي. ولا يهمنا الشكل». ، و على غراره قال عُمر أمكاسو: «ليس الإشكال إشكالَ توصيف. فليس هناك نظام حاليا اسمه يدل على مواصفاته».
ولتزيين هذا التهرب من شكل النظام السياسي، يتفق العُمران، على أن الأمر متروك لـ»الإرادة الشعبية»، التي يختصرونها في «التوافق بين قوى التغيير»: «نترك مقترحنا بشأن هذا الشكل إلى النقاش والحوار مع الشركاء في كفة المطالبين بالتغيير» [أحرشان]، «نحن مقتنعون بأن ما يصل إليه الشعب عبر الحوار والمقاربة الجماعية يمكن أن يعتبر حلا في انتظار أن تكتمل الصورة ونصل إلى النظام المنشود بالمواصفات التي ذكرتها نظام لا يحتكر السلطة والثروة» [أمكاسو].
وحتى زعيم تنظيم يساري جذري اضطر ، من باب اتقاء القمع، إلى التصريح بنفس المضمون، إذ قال عبد الله الحريف سنة 2008: «أما عن موقفنا من الدعوة لقيام نظام جمهوري، فإن قانون الأحزاب في المغرب يمنع أن تكون الأحزاب ضد الملكية… ولذلك نفضل الصمت فنحن لسنا جمهوريين ولسنا بملكيين ولكننا نناضل من أجل نظام ديمقراطي». وما يُعطي لتنظيم العدل والإحسان تبريرا بأن تهرُّبه أمر مستساغ في وجه مَلكية يجري تصويرها كلية القدرة وعصية على التغيير.
لكن ما يجري التغافل عنه من طرف زعماء العدل والإحسان، هو أن ما يسمونه «مضمونا»، ليس في التحديد الأخير سوى شكلا آخر لنظام الحكم. يعتبر العدليون «الديمقراطية» مضمونا يمكن أن يملأ جميع أشكال الحكم، كما أن الديكتاتورية هي أيضا مضمون يمكن أن يملأ جميع أشكال الحكم. وهو مفادُ تصريح عمر أمكاسو: «هناك ملكيات ديمقراطية وهناك جمهوريات مستبدة، لذلك يصعب أن نعلن بأننا نريد توصيفا معينا: ملكيا أو جمهوريا». لكن الديكتاتورية والديمقراطية ليستا مضمونا، بل هما أيضا شكلان مختلفان لمضمون تتفق عليه المعارضات البرجوازية الدينية (جماعة العدل والإحسان) مع خصومها السياسيين ملكيةَ كانوا أو معارَضة برجوازية ليبرالية. الديكتاتورية والديمقراطية شكلان لنظام سياسي يحكم باسم البرجوازية ويضمن إعادة إنتاج النظام الرأسمالي، ويتيح التحكم في الطبقة العاملة وعامة الشعب المقهور ويمسك بقرونهما بينما يتمكن الرأسماليون من اعتصار الأرباح منهما.
«الملَكية الديمقراطية» (بتعبير أمكاسو) أو «الملَكية البرلمانية» (بتعبير المعارضة الليبرالية) والجمهوريات الديكتاتورية والجمهوريات الديمقراطية، كلها تقف على أرضية المجتمع الرأسمالي. لذلك فالمضمون الديمقراطي لشكل الحكم، كما يصر زعماء العدل والإحسان، ليس بدوره إلا شكلا لديكتاتورية البرجوازية، التي تمثل المَلكية في الوقت الراهن الشكل التاريخي، الذي تقبل به البرجوازية أو تضطر إلى القبول به، كشكل سلطة يؤمن شروط اشتغال الرأسمالية .
تمثل المَلكية القسمَ الحاكم من تلك البرجوازية، القسم الذي يحتكر السلطة ومعها يتمكن من احتكار فرص الاغتناء الاقتصادي، بينما تتحدث المعارضات البرجوازية باسم أقسام متضايقة من الاحتكارين. لذلك عندما يتحدث زعماء العدل والإحسان عن المضمون الفعلي لشكل الحكم، فإنهم يلتقون مع ما كان يقوله الاتحاد الاشتراكي سابقا والحزب الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار الديمقراطي حاليا، وهو مضمون تصريح عمر أمكاسو: «ما نطالب به من حكم ديمقراطي يقوم على توزيع السلط والفصل بينها وعدم احتكار السلطة والثروة». توزيع السلطة والثروة بين من؟ بين القسم الحاكم من البرجوازية، أي المَلَكية ومحيطها القريب، وأقسام البرجوازية الأخرى المقصية من هذا الحكم وما يتيح من مراكمة الثروة، وليست «الإرادة الشعبية» التي يقول عمر أمكاسو بأن المُلك الوراثي يتعارض معها، سوى تَوْرِيَةً لمصالح تلك الأقسام من البرجوازية، وإلباسها ثوب المصلحة العامة، وهي آلية تقليدية للبرجوازية إذ تغلف دوما مصلحتها الطبقية الخاصة بالمصلحة العامة.
هذا ما يجعل من الصراع بين العدل والإحسان والمَلكية صراعا بين إخوة عائلة واحدة، فهي والمَلكية ليسا عدوين طبقيين، بل خصمين سياسيين من طبقة واحدة. وقد سبق وحدث هذا بين الاتحاد الاشتراكي والحسن الثاني، هذا الأخير الذي عبَّر عن ذلك عندما أخبر اليوسفي قبل وفاته بما يلي: «نحن مثل روافد نهر افترقا ثم التقيا من جديد، لنصب في نفس المجرى الأصل». وهو نفس ما يمكن فهمه من قول أحرشان عندما تحدث عن تواضع نصح عبد السلام ياسين (في رسالة «الإسلام أو الطوفان») للحسن الثاني مخاطبا إياه بـ»سيدي حفيد النبي»، وعلق أحرشان على ذلك: «كان حتى وهو ينصح في قمة الأدب وفي قمة الامتثال لآداب النصيحة… لذلك فحتى الحسن الثاني لم يستطع أن يذهب بعيدا مع عبد السلام ياسين، وأظن أنه لو كان ذلك من شخص آخر لكن الأمر مختلفا، لأنه كان يعرف قيمة عبد السلام ياسين». طبعا فنهج الحسن الثاني القمعي تجاه الجناح الثوري الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والحركة الماركسية اللينينة كان مختلفا تماما عن نهجه تجاه العدل والإحسان، وتفسير ذلك الاختلاف ليس في صيغ مخاطبة كلاهما للحسن الثاني، بل في اتفاق العدل والاحسان مع المَلكية على طبيعة النظام الاقتصادي وملائِمه السياسي، بينما كان اليسار الثوري يريد ليس فقط شكلا آخر للحكم بل نظاما اقتصاديا واجتماعيا لذاك الذي كانت المَلكية ترعاه: أي النظام الرأسمالي.
لذلك فالأصح هو: «ما يهم هو المضمون والشكل معا»، أي شكل النظام السياسي الذي يسمح بالقضاء على النظام الاقتصادي والاجتماعي الرأسمالي وبناء مجتمع المنتجين- ات المتشاركين- ات الأحرار، والجمهورية بالنسبة لهذا الهدف وسيلةٌ وليس غايةً في حد ذاتها، كما هو الأمر بالذات بالنسبة للبرجوازية. فسيطرة البرجوازية وديكتاتورية رأس المال تتخفى وراء أهداب السلطة المَلكية، بينما في الجمهورية تظهر سيطرة الرأسماليين هذه بفظاظة أكبر وصراحة أوضح، لذلك فإن النضال العمالي ضد الرأسمال يكون أكثر مباشرة في الجمهورية منه في ظل المَلكية، برلمانية كانت أو مُطلقة، دينية كانت أو حداثية.

شارك المقالة

اقرأ أيضا