تقرير عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنضالي بمدينة وجدة
حوار مع مناضل يساري
فهم الواقع النضالي برؤية دينامية ترصد تطوره، من أجل فعالية الفعل فيه، مهمة اساسية ومن اولويات المناضلي/ات. والواقع النضالي محكوم بخصائص اقتصادية واجتماعية وبثقل التاريخ أيضا، أمور كلها تستدعي انتباها وتتبعا مستمر. من زاوية النظر هذه سعينا إلى الاقتراب من حالة مدينة وجدة بهذا الاستجواب
1* هل يمكنك أن تعطينا صورة عن مدينة وجدة ووضعها الاجتماعي البيئي؟
مدينة وجدة من المدن العريقة، تُعرف بمدينة الألفية، تأسست سنة 994م. هي عاصمة جهة الشرق وأكبر مدنها، تقع في شمال شرق المملكة على الحدود المغربية الجزائرية، إذ لا تبعد عن المركز الحدودي زوج بغال إلا بحوالي 14 كل، وتبعد 60 كلم عن ساحل البحر الأبيض المتوسط.
المنطقة شبه صحراوية، وتتميز بمناخ بارد جدا شتاءا وحار جدا صيفا (متوسط درجات الحرارة السنوية تتراوح بين 15 درجة مئوية و 20 درجة مئوية. قد تتجاوز تلك القصوى 40 °C)، مع قلة التساقطات المطرية طيلة السنة (ما بين 350 و 500 ملم في السنة)، ويمثل نهر ملوية أهم مجرى مائي، إلى جانب وديان أخرى أقل أهمية منه كواد زا ووادي إسلي ويعتمد على مجموعة من السدود لتخزين المياه والعمل على إعادة توزيعها بشكل ملائم. خصائص الطقس هذه تجعل الغطاء النباتي نادرا، اذ يقتصر على الأعشاب وبعض النباتات الصحراوية وقليل من الشجيرات.
وجدة مركزٌ حضري كبير محاطٌ بوسطٍ قروي، تعرف انتشارا كبيرا للأحياء الغير المهيكلة التي تفتقد إلى البنية التحتية والخدمات العمومية (طرق في حالة متردية، ضُعف الربط بشبكات الماء والصرف الصحي، وحتى الكهرباء في بعض الأحياء).
بيئيا: هناك زحف الرمال على المدينة، إضافة إلى جفاف الأودية وتراجع مستوى الفرشة المائية في السنوات الأخيرة. وقد سبق لوالي الجهة سنة 2017 أن تحدث عن بعض الإشكالات البيئية التي تعرفها الجهة، منها: «تدبير النفايات الصلبة وما ينبعث منها من مخلفات تضر بالبيئة وتناقص المجالات الطبيعية والثروة النباتية والحيوانية وتنوعها ومشاكل التعرية والتصحر وتدهور المناطق الساحلية… [https://oujdaregion.com/archives/28953].
بالنسبة للتشغيل تعاني المدينة من بطالة مستشرية، فحسب تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد والمالية في يناير 2023: «ارتفع معدل البطالة في المنطقة إلى18.1% في عام 2021، وهو أعلى بكثير من المعدل الوطني (12.3%)، ويُعتبر إقليم وجدة- أنجاد (23.7% في 2020) الأكثر تضررًا من البطالة». [«PROFILS RÉGIONAU, Janvier 2023»].
حسب نشرة إحصائية صادرة سنة 2016 عن المندوبية السامية للتخطيط- المديرية الجهوية جهة الشرق، هناك «تدني التشغيل مقارنة مع المستوى الوطني، حيث يبلغ معدل البطالة %17.9 بالجهة، مقابل %9.9»، نفس الشيء بالنسبة للفقر: «استمرار تفشي الفقر الذي يمس %10 من مجموع سكان الجهة و%14.5 من سكان القرى».
2* ما هي سمات الوضع الاقتصادي بالمدينة: القطاعات الاقتصادية الأساسية؟ صناعة؟ خدمات؟ فلاحة؟ … إلخ… الوضع الاقتصادي للمدينة بعد منع التهريب عبر الحدود الشرقية؟
لم تستطع المدينة أن تتطور كمدينة عصرية وحديثة، فهي تفتقر إلى نواة صناعية تساعد على بروز طبقة عاملة صناعية. تحتل جهة الشرق مرتبة متدنية جدا حسب رقم المعاملات الصناعي: المرتبة السابعة برقم 18 مليون درهم، مقارنة بجهة طنجة- تطوان- الحسيمة برقم معاملات 145 مليون درهم [وزارة الصناعة والتجارة، «بارومتر الصناعة المغربية، أبرز نتائج نسخة 2023 للبحث الصناعي»].
كما سبقت الإشارة إلى ذلك تفتقد المدينة إلى منطقة صناعية، ما عدا تواجد بعض مقاولات الصناعة الغذائية والتي يقتصر وجودها على مخازن ومستودعات كبيرة، عوض وحدات إنتاجية. وهذا لا يوفر إلا النزر اليسير من مناصب الشغل، إضافة إلى تواجد بعض الأوراش الصغيرة المنتجة لمواد البناء والتي أُغلق أغلبها إبان جائحة كوفيد- 19.
يغيب نشاط زراعي كثيف، بسبب ضعف التربة وقساوة المناخ، مما يجعل النشاط الفلاحي يتركز على تربية المواشي، خاصة قطيع الأغنام مع ما يصاحبه من تنقل للبحث عن المراعي والماء ببعض المناطق. فحسب وثيقة المديرية الجهوية للمندوبية السامية للتخطيط [مارس 2016]: «لا يكتسي القطاع الزراعي [بجهة الشرق التي تنتمي إليها وجدة. ج. م] أهمية كبرى إلا في المناطق السقوية حيث تتطور الزراعات التسويقية والصناعية بصورة واضحة. أما زراعة الحبوب وأشجال الزيتون فإنها تنتنشر في الأراضي البورية»، لهذا لا يساهم القطاع إلا بنسبة %15.2 سنة 2018 حسب نشرة نفس المديرية- يناير 2021.
يظل النشاط التجاري هو الرئيسي بالمدينة، بسبب ظروف تاريخية. لكن هذا تراجع كثيرا، وارتبط بمدينة وجدة صورة المدينة المتعيشة على التهريب المعيشي التي كانت تنتشر بالمدينة سابقا، حيث تُعرف بتواجد العديد من الأسواق، منها المهيكَلة وكذلك الشعبية التي تقام بشكل أسبوعي، وقد تعرضت للهدم والترحيل مؤخرا.
تعرف المدينة حاليا موجة من الركود بفعل إغلاق الحدود مع الجزائر ومنع التهريب المعيشي من مدينة مليلية المحتلة، مما جعل البطالة منتشرة بقوة في صفوف الشباب، وحسب إبراهيم عزيزي، عضو غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة الشرق، فـ»معظم النشاط التجاري في وجدة وباقي المناطق على الحدود كان يعتمد على التهريب المعيشي وبتوقفه توقفت الآلاف عن العمل». [https://banassa.info/بعد-منعه-كيف-تعيش-المناطق-الحدودية-الم/].
أثر إغلاق الحدود بين الجارين بشكل عميق على النسيج الاجتماعي، للوجديين- ات، فبالإضافة إلى القضاء على ظاهرة التهريب المعيشي وما كانت توفره من فرص عمل ولو بشكل مؤقت أو عرَضي، تضررت العائلات الممتدة عبر الحدود أو العابرة لها، أي التي يتوزع أفرادها بين المغرب والجزائر، حيث تربط بينها القرابة أو المصاهرة، وأصبح تبادل الزيارات العائلية صعبا.
ورغم ما تحاول الحملات الإعلامية الممنهجة من بث الكراهية وزرع التفرقة بين الشعبين، تظل المشاعر الأخوية راسخة، ودليل استمراريتها هو تحدي صعوبة الإجراءات الإدارية وتبادل الزيارات على قلتها، وكذا تَشارُك لحظات الفرح، مثل الاحتفال بإنجازات المنتخب الجزائري لكرة القدم في الأدوار النهائية لكأس أفريقيا للأمم، حيث احتشدت عشرات المواطنبن/ات على جانبي الحدود بمنطقة بين لجراف الحدودية (توجد قرب مدينة السعيدية )، مرددين- ات هتافات وشعارات وحدوية وتبادلت التهاني.
عُرفت المنطقة بهجرة اليد العاملة نحو البلدان الأوروبية منذ الستينيات وازدادت سنوات التسعينات وما تزال مستمرة إلى اليوم، كما تعرف المدينة تنامي الهجرة السرية نحو الأراضي الجزائرية ومن هناك صوب الضفة الأوروبية وما يخلفه ذلك من مآسي.
3* ماذا عن الوضع النقابي بالمدينة؟
سماته لا تخرج عن ما يطبع هذا المجال على الصعيد الوطني، من ضعف الانخراط في المنظمات النقابية التي تتواجد فروع أغلبها بالمدينة، مع تركز التأطير وسط شغيلة الوظيفة العمومية (تعليم، جماعات محلية، صحة…)، ووجود بعض القطاعات الخدماتية، مثل قطاع النقل الذي عرف إضرابا في متم شهر نوفمبر 2024 خاضه أصحاب سيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة وشاحنات نقل الرمال. أما بالنسبة لأجراء قطاع النقل الحضري [شركة «موبيليس»]، المنضوون في الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، فقد خاضوا بدورهم إضرابا شاملا عن العمل في شهر أبريل 2024، بسبب عدم توصلهم بأجورهم. ولم تحقق معركتهم لحدود اليوم أي نتائج ملموسة رغم التضحيات الجسيمة التي قدموها (الطرد، الحرمان من الأجور…).
ينعكس ضعف نسبة الانخراط النقابي على المشاركة في أشكال الاحتجاج المنظمة، على قلتها، حيث تعرف حضورا هزيلا عدديا ومشاركة ضعيفة جدا للنساء والشباب خاصة.
بسبب ضعف النقابة بالمدينة والجهة، تعاني الطبقة العاملة من فرط الاستغلال.فعلى سبيل المثال تعرض للتسريح 30 من حراس الأمن الخاص و03 عاملات وعامل نقل المرضى و05 عاملات النظافة، يوم فاتح يناير 2022 بمستشفى الفارابي بوجدة. وقد أصدر فرع حزب النهج الديمقراطي العملي بيانا تضامنيا معهم- هن.
4* مدينة وجدة محاطة بوسط نضالي (بني تجيت، بوعرفة، فكيك، تالسينت… إلخ)، هل تنعكس هذه الديناميات على الوضع النضالي بالمدينة؟ هل تأثرت المدينة بحراكي الريف وجرادة (2016- 2018)؟
تنعكس الديناميات النضالية وخاصة الحراكات الشعبية على المدينة بشكل أكيد، فعلى غرار باقي المدن والبلدات، يتفاعل السكان معها عبر أشكال تضامنية (مسيرات ووقفات). لكن الملاحَظ أنها سرعان ما تخبو، ويُعزى ذلك إلى غياب رؤية للرقي بهذه الأشكال في الاتجاه الصحيح، إضافة إلى ما يصاحب هذه الفعاليات التضامنية من أعراض الحلقية مثل تسابق القوى السياسية للهيمنة والتفرد بالقرارات الفوقية.
عند اندلاع حراك الريف في أكتوبر 2016، نُظمت مسيرات شعبية حاشدة على مدار عدة أسابيع، وعند اعتقال قيادة الحراك تشكلت لجنة من الإطارات الحقوقية والنقابية وبعض التنظيمات السياسية: «المبادرة المحلية للتضامن مع معتقلي حراك الريف».
حفَّز حراك الريف تأسيس «تنسيقية وجدة ضد الحكرة»، التي ضمت تنظيمات سياسية وحقوقية، ضمنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وجماعة العدل والإحسان، وحزب النهج الديمقراطي، نظمت وقفة احتجاجية في بداية شهر يوليوز 2017، عرفت مشاركة عمال مطرودين من إحدى شركات الحليب، ورُفعت فيها شعارات منادية بتحقيق العدالة الاجتماعية، وأخرى تدعو إلى محاربة الفساد والرشوة، وبإحترام قانون الشغل وإرجاع العمال المطرودين إلى عملهم. [https://alyaoum24.com/906079.html].
لكن هذه الفعاليات التضامنية سرعان ما تراجعت، حيث تكلست اللجنة ولم تَجْرِ متابعة توصياتها. نفس الشيء حدث إبان حراك الجرادة، أما بالنسبة للتضامن مع حراك الماء بفكيك فهو يعرف قصورا في الأشكال التضامنية، فلم يجر تنظيم سوى وقفات محدودة، وكانت المشاركة في القافلة التضامنية الى فكيك غير مهمة.
5* ماذا عن نضال الشبيبة الطلابية والمعطلين-ات؟
وجدة مدينة جامعية، ويبلغ عدد الطلبة- ات المسجلين- ات بمختلف المؤسسات أزيد من سبعين ألف، وهي من المواقع التاريخية للحركة الطلابية.
كما هو شأن نضالات الشبيبة الطلابية في العقدين الأخيرين حيث انتقل النضال من المواقع الجامعية إلى معاهد التكوين، يشكل نضال طلبة وطالبات كلية الطب والصيدلة بوجدة استثناء مقارنة بما تشهد الجامعة، حيث كانو في طليعة معركة أطباء الغد طيلة الموسم الجامعي الماضي، هذه المعركة التي تميزت بنفَسها الطويل وكفاحية أشكالها، وأكثر ما ميزها خاصة، هو التدبير الديموقراطي لأطوارها. وقد لعب طالبات وطلبة كلية الطب والصيدلة بوجدة، دور رياديا فيها، وهذا ما يفسر قساوة القرارات الصادرة في حقهم- هن. آنذاك. وسيكون مفيدا للحركة بالجامعة اسلاتفادة من دروس نضال طلبة- ات الطب.
إلا أن ما يميز الوضع العام للحركة المراكز التقليدية للنضال الطلابي (الجامعية) هو التشرذم والاحتراب بين المجموعات الطلابية، خاصة المنتمية منها الى اليسار الطلابي، بناءا على استقطاب قَبَلي. إضافة إلى النضال في عزلة عن الجماهير، حيث تسود الأشكال الكلاسيكية، ويهيمن خطاب يمتح من قاموس العهود الماضية، مما يجعله عاجزا على تأطير الأجيال الجديدة من الطالبات والطلبة رغم العديد من المشاكل التي يواجهونها في مسيرة التحصيل الدراسي منها البيداغوجي والديموقراطي والاجتماعي (مشاكل المنحة و السكن والنقل على سبيل المثال).
في ما يخص الاقتتال الطلابي تعود أسبابه في غالب الأحيان إلى خلافات واهية، فإضافة إلى حرب المواقع والزعامة والاستفراد بالساحة الجامعية، قد يتطور خلاف شخصي بين طالبين أو طالبتين ينتميان لإقليمين مختلفبن، لتنشب مواجهة مسلحة يتواجه فيها العشرات من الطرفين، وتُقتحم المنازل و يُروَّع سكان الأحياء المجاورة للجامعة. ينتج عن هذا إصابات جسدية تصل حد العاهات المستديمة، وكذلك حرمان طلبة- ات الطرف المهزوم من متابعة الدراسة واجتياز الامتحانات، كما أن النتائج الخطيرة هي نفور الطلبة- ات من النضال الطلابي عموما، مادام ان الدفاع عن المطالب يضل مقترنا بالعنف وحمل الأسلحة البيضاء.
لكن هناك تطورٌ إيجابي، على إثر الاقتتال بين فصيلي طلبة الكراس والقاعديين التقدميين بموقع تطوان، إذ أصدر فصيل النهج الديمقراطي القاعدي بموقع وجدة بيانا يرفض فيه هذا الاقتتال، ورد فيه: «نؤكد على أن الصراع المثمر والكفيل وحده لجعل الحركة الطلابية تستفيد سياسيا ونضاليا من خلال معاركها النضالية هو الصراع الديمقراطي السلمي ومواجهة الفكرة بالفكرة وليس العنف الدخيل على منظمتنا الطلابية». [13-01-2024، https://tinyurl.com/2ukb26nz].
ينعكس وضع اليسار الطلابي بشكل سلبي كذلك على أدوات النضال خارج الجامعة، من نقابات وحركة معطلين- ات، فغياب مناصلين- ات مسلحين- ات بالنكوين النظري وفهم دقيق لمجريات الصراع الطبقي، وكذلك تربية تنظيمية تُمكِّن من تحمل مسؤولية قيادة النضالات، يحول دون تغذية هذه الإطارات بطاقة نضال جديدة.
كما أن من سمات الوضع الطلابي الانحسار الملحوظ لتواجد تيارات الإسلام السياسي في السنوات الأخيرة، وقد كانت جامعة وجدة معقلا لها، مع حضور عددي محلوظ للحركة الثقافية الأمازيغية.
بالنسبة لحركة المعطلين، فوضعها لا يشكل استثناءا عن الجزر العام الذي تعرفه الحركة عموما. إذ تقلصت قاعدة الفرع المحلي لجمعية المعطلين بشكل كبير، وهي نتيجة طبيعية لغياب المكتسبات في السنوات الأخيرة، وقد بدأ في التلاشي فلم يعد له ظهور حتى في المناسبات النضالية المعتادة.
ماذا عن الوضع السياسي بالمدينة: القوى السياسية الفاعلة؟
أ-اليسار
* الإصلاحي أو الديموقراطي
بخلاف ما كان منتظرا من نتائج تجميع واندماج في إطار فدرالية اليسار الديموقراطي، من حيث التوسع التنظيمي والحضور النضالي، أصيب الاطار الجديد بالنكوص والتراجع بالمدينة، بسبب انسحاب العديد من مناضلي_ات الأحزاب المشكلة له أو تجميد نشاطهم- هن، احتجاجا على تدبير عملية الاندماج من قبل القيادات. انعكس هذا على الحضور الميداني في المبادرات النضالية، و كذلك في تحقيق الاختراق الانتخابي، فلم تحصل لوائح الفدرالية على نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية سنة 2021، وقد كانت نفس اللائحة احتلت رتبة جد متقدمة في انتخابات سنة 2016، وكذلك بخصوص الانتخابات الجماعية الأخيرة، حيث لم تتجاوز الحصيلة مقعدين، وهو نفس العدد الذي حصل عليه الحزب الاشتراكي الموحد، وما يحد من فعالية هذه المقاعد الأربعة في المجلس غيابُ أي تنسيق أو تقارب بين اللائحتين.
* اليسار الجذري
يتواجد بوجدة فرع لحزب النهج الديموقراطي العمالي، منذ تأسيس الحزب أواسط التسعينات، وهو ما يشكل مكسبا مهما. لكن شأن كل اليسار الجذري بالمغرب، يعاني الحزب من محدودية قاعدته الجماهيرية جدا، إضافة إلى ضعف انخراط النساء وحضور ضعيف للشباب، ففصيل الحزب «طلبة اليسار التقدمي» لم يعد له وجود في الجامعة منذ سنوات.
تعرف المدينة كذلك تواجد العديد من المناضلين خريجي تجربة اليسار الطلابي على مدى السنوات الماضية، وإذا كانت نسبة مهمة منهم فاعلة في منظمات النضال، النقابات خاصة والجمعيات الحقوقية، وتمتاز بالحضور الميداني، فان ما يحد من هذه الفعالية وتطويرها هو التشتت وغياب التنسيق وعمل ممركز يجمع بينهم.
إذا كان التعاون مطلوبا بين مختلف هذه التشكيلات اليسارية، إلا أنه يكاد يكون معدوما، حيث يسود التنافر بين المناضلين، واذا تم أي تنسيق بفعل التلاقي الميداني الذي غالبا ما يكون مناسباتيا، فسرعان ما يعتريه الفتور ثم التلاشي بسبب النزعة الحلقية و عدم الانخراط الإيجابي في المبادرات، إضافة الى التسابق على زعامة متوهمة.
ب- قوى الإسلام السياسي
تعتبر المدينة قلعة لهذه القوى، وذلك بالتواجد المكثف لأعضاء جماعة العدل والاحسان وانتشارهم- هن في مختلف أحياء المدينة، وكذلك في صفوف فئة التجار وبعض المهن الحرة (أطباء، محامون، مهندسون) وتعرف بعض الأشكال النضالية خاصة التضامن مع الشعب الفلسطيني، حضورا وازنا لأعضاء الجماعة مع وجود متميز للنساء وبتنظيم محكم لصفوفها.
تقلصت القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، بشكل كبير في السنوات الأخيرة، عرفت هذه القاعدة توسعا كبير منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي وكان الحزب يحقق نتائج انتخابية متقدمة في انتخابات البرلمان ومجلس الجماعة الحضرية، قبل أن تعرف قاعدته انحسارا كبيرا بسبب نتائج الانتخابات الأخيرة.
ج- الفعل النسائي
لا يكاد يسجل في المدينة أي فعل نسائي، حيث يغلب الطابع المحافظ على النسيج المجتمعي، ويقتصر الحضور النسائي على تواجد بعض المناضلات على قلتهن في الإطارات الحقوقية والنقابية، في غياب جمعيات نسائية فاعلة.
هناك مثلا جمعية «حوار النسائية» وتقتصر أنشطتها على تنظيم دورات تكوينية حول مواضيع مثل المناصفة والحماية القانونية للمرأة المعنَّفة وزواج القاصرات، وتقديم دروس دعم… إلخ، وهي من نوع الجمعيات المُلحقة بالأنشطة الرسمية للدولة. ولكن بفعل غياب عمل نسوي يساري تقدمي فإن مثل هذه الجمعيات تستطيع استقطاب نساء المدينة، فضلا عن وزن حركات الإسلام السياسي في صفوفهن.
د- جمعيات المجتمع المدني
تتواجد بالأحياء الشعبية العديد من جمعيات ما يسمى المجتمع المدني، لكن أغلبها تحت هيمنة إما:
– جماعات الإسلام السياسي التي تعمل عبرها على تسييد خطابها وبرامجها السياسية وسط السكان، متخذة من الخدمات الاجتماعية والإحسانية لهذه الجمعيات مطية لذلك.
– أجندات انتخابية للأحزاب المسماة إدارية (أحزاب الدولة)، التي تستعمل هذه الجمعيات لضمان الأصوات الانتخابية من قبل سكان الأحياء الشعبية المهمشة، مستعينة على ذلك بخرطها في مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
– إضافة إلى تواجد جمعيات أخرى، تشتغل على برامج ما يسمى التنمية البشرية والمموَّلة من قبل الهيآت المالية الدولية خاصة البنك العالمي. وهذا النوع من الجمعيات يتمركز في فضاءات خارج الأحياء الشعبية، وتستقطب العديد من الأطر والطاقات النضالية، التي كان من ممكن أن تكون سندا للنضال النقابي والشعبي.
– بالنسبة للجمعيات الثقافية التقدمية فقد شهدت انقراضا يمكن تفسيره بالجزر العام الذي يشهده الفكر التقدمي وكذلك الحركة الجماهيرية عامة، كما أن إنتشار الجمعيات التنموية قد ساهم في ذلك، نظرا لما تُدره المشاريع الممولة من دخل مالي مباشر، وبالتالي انتفت ثقافة التطوع وقيم التضامن.
اقرأ أيضا