قانون الإضراب، هزيمة تاريخية… طبقتنا قادرة على النهوض منها
في سنتنا الجارية سيستكمل حصول شغيلة المغرب على الحق في التنظيم النقابي عامه السبعين. ويشاء وضع حركتنا العمالية أن يصادف هذا إفراغا لذلك الحق من معظم مضمونه بتجريد الشغيلة من حق الإضراب بقانون تجري آخر ترتيبات تلفيفه التشريعي في مؤسسات ديمقراطية زائفة.
قضى شغيلة المغرب زهاء 20 سنة إضافية يناضلون من أجل الاعتراف بالحق النقابي منذ أن أقصاهم ظهير ديسمبر 1936، مانحُ الحق النقابي للشغيلة الفرنسيين، إقصاءً تعزز بمنع صريح بظهير يونيو 1938. توج النضال بانتزاع الحق النقابي بظهير سبتمبر 1955. وظل حق الإضراب فارضا نفسه بحكم ميزان القوى المميز للحقبة التالية مباشرة لإعلان الاستقلال الشكلي، ومعه الجملة الشهيرة المتربصة بحق الإضراب (قانون تنظيمي يحدد شروط ممارسته). وبالمثل أمضت الدولة بالأقل عقدين في التهيئء للإجهاز على حق الإضراب، المقيد أصلا بعدد من القوانين، مانعةٍ ومجرمةٍ له، ظلت الحركة النقابية تنادي بإلغائها. وانتقلت الدولة منذ العام 2022 إلى بدء عملية الإجهاز النهائي بعد أن وافقت عليه القيادات النقابية في اتفاق أبريل من ذلك العام. إذ بدأت تروج مشاريع لتقنين الإضراب تلو المشاريع منذ مطلع سنوات 2000، مصرة على عدم إلغاء القوانين المجرمة للإضراب رغم توقيعها على ذلك في اتفاق مع القيادات النقابية منذ العام 2003، بل تجاسرت وبادرت إلى اقتطاع أجور المضربين- ات في الوظيفة العمومية.
طبعا، استغلت الدولة حالة الضعف التي حلت بالحركة النقابية، التي راكمت من الهزائم النوعية الكثير، وانكمشت تنظيميا، وقل إشعاعها شعبيا، وتفاقم تبقرطها، لتشن (أي الدولة) غارتها النهائية على حرية الإضراب، هذه التي ستغدو بالقانون الجديد مقيدة من جميع الجوانب، بنحو يجعل ممارسة الإضراب شبه مستحيلة، وحتى إن أمكنت لن يكون لها مفعول الضغط لانتزاع المطالب. وهذا منتهى منطق «الحوار الاجتماعي» و«الشراكة الاجتماعية» كبديل جرى إحلاله مكان منطق النضال والتضامن العماليين، مبررَي وجود النقابة.
كانت مسيرة الرباط يوم 19 يناير الجاري تسجيلا لهذه الخسارة التاريخية التي حلت بنا، حيث لم تتمكن جبهتان، تضمان قسما كبيرا من الحركة النقابية وعددا من القوى السياسية والمدنية النصيرة، إغراق شوارع العاصمة بكثافة بشرية تضاهي بالأقل ما شهدت ذاتُ الشوارع إبان حراك التعليم في 2023- 2024. لم نكن غير بضعة آلاف بأقصى تقدير، بصفوف تقسمها الألوان، وغياب مقصود لمكون نقابي يعتبر نفسه الأكبر من الجميع. وهذا الاستعراض إنما ينضاف إلى مؤشرات أخرى عديدة تشهد على ضعفنا. وليس امتناع قيادة الاتحاد المغربي للشغل عن الدعوة إلى الانضمام إلى مسيرة 19 يناير، وهي التي سبق أن أكدت الحاجة إلى جبهة نقابية سياسية جامعة ضد قانون الإضراب، غير حجة إضافية، لمحتاج إلى حجة، أن هذه القيادة مصطفة بشكل لا لبس فيه مع الدولة ضد المصلحة العليا للطبقة العاملة.
وتستكمل هذه القيادة أطوار لعبة تظاهرها بالاعتراض على النيل من الحرية النقابية، بضجيج بيانات أجوف وحركات مسرحية في مجلس المستشارين، وغيره من قنوات «الشراكة الاجتماعية».
الطبقة العاملة المغربية لم تقل كلمتها في قانون الإضراب، لأنها بكل بساطة غائبة عن الساحة يشلها الضعف الكمي والنوعي، النقابي والسياسي. وقد لا تتصدى لذلك القانون إلا بعد نزول الفأس بالرأس، يوم يصطدم الشغيلة مباشرة ببنوده وواقع القهر يدفعهم دفعا إلى المقاومة، ويوم يجر ذلك القانون المناضلين- ات إلى السجن على غرار ما يفعل الفصل 288 من القانون الجنائي. ليس ثمة في نهاية المطاف قانون سيمنع الطبقة العاملة من مكافحة الاستغلال والدفاع عن حرياتها، وستجد طاقة النضال معابرا للتدفق، ليس فقط لتحسين وضعها في ظل النظام الرأسمالي بل حتى لإطاحته.
لن نعوض الخسارة التاريخية الحاصلة سوى ببناء منظمات نضال بروح النضال ومبادئه. وعي المصلحة الطبقية والدفاع عنها بوجه جبروت رأس المال، المصاص الذي لا يشبع من دماء الشغيلة. ذلك بالتبديد المتواصل لأوهام وأضاليل مصلحة مشتركة مزعومة بين المستغِل وضحيته (أيديولوجية الشراكة الاجتماعية). مع ما يترتب عن هذا المنطق من استقلال التنظيم العمالي عن الدولة. لا قوة إلا في اتحاد الشغيلة، ما يقتضي إنماء إرادة الوحدة لدى الشغيلة، وتقوية أواصر التضامن، من أصغر معركة من أجل تسحين وضع آني إلى كبريات معارك التحرر من الرأسمالية، الآتية لا محالة.
لن نسير نحو تعويض الخسارة المؤكدة بمسيرة 19 يناير سوى بانكباب طلائع النضال، مناضلي طبقتنا ومناضلاتها المكرسين- ات حياتهم- هن للتنظيم والنضال اليوميين، على النقاش والبحث الجماعيين للإجابة على الأسلة التي تطرحها حالتنا: لماذا وصلنا إلى ما نحن عليه من ضعف سهل على العدو سلبنا حرية الإضراب النسبية التي بُذلت من أجلها تضحيات أجيال متتالية من طبقتنا؟ ما أسباب ابتلاء منظماتنا بقيادات فرطت في كل شيء، ولم يبق غير السلاح نفسه فأعانت على إسقاطه من يد طبقتنا بسياستها المتعاونة مع الدولة؟ لماذا لم يهتز الجسم العمالي بوجه قانون الإضراب كما فعل فرعه في قطاع التعليم ضد نظام المآسي؟ كيف نصون استقلال منظماتنا عن الخصم الطبقي، وكيف نصون استقلال الكفاحيين- ات عن البروقراطيات المسايرة، بل المجارية، للدولة البرجوازية؟
لن نستجلي هذه الأمور سوى بالنقاش الجماعي، المغتني بتنوع المرجعيات الفكرية والتجارب الميدانية. فلنضطلع بهذا الواجب الأولي في هذا الظرف التاريخي، وجريدة المناضل-ة ما فتئت تكد لبلورة أجوبة تراها مطابقة لمصلحة طبقتنا الآنية والإستراتيجية وتعرضها على كافة مناضلي- ات الحركة العمالية ومعها الاستعداد الذي لا يلين للتعاون من أجل تلك المصلحة.
اقرأ أيضا