بناء تضامن عالمي ضد التنافس الإمبريالي

اقتصاد, بلا حدود14 يناير، 2025

مقابلة مع آشلي سميث حول صعود الصين الرأسمالية

بقلم توماس هوميل Thomas Hummel

بات لازما أكثر فأكثر فهم تنافس الولايات المتحدة والصين للإلمام بدينامية النظام الرأسمالي الحديث. بقصد توسيع فهمنا لهذه الدينامية، نشر آشلي سميث ومشاركوه في التأليف، إيلي فريدمان Eli Friedman وكيفن لين Kevin Lin وروزا ليو Rosa Liu كتاب ”الصين في الرأسمالية العالمية: بناء تضامن عالمي ضد التنافس الإمبريالي“، [China in Global Capitalism: Building International Solidarity Against Imperial Rivalry] التقى توماس هوميل مؤخرًا آشلي سميث لمناقشة بعض موضوعات الكتاب، واستكشاف مستتبعات صعود الصين العملية بالنسبة للاشتراكيين والمناضلين من أجل عالم أفضل وأكثر عدلاً اليوم.
توماس هوميل: أولاً، تهانينا على نشر هذا الكتاب. إنه يتطرق لعدة مواضيع رئيسة: صعود الرأسمالية في الصين، والصراع الطبقي، ومكانة الصين في العالم الجديد القائم على التنافس والأزمة بين الإمبرياليات، وإمكانات تضامن الطبقة العاملة العالمي. لماذا ترى أن هذا الكتاب بالغ الأهمية الآن في السياسة العالمية؟
آشلي سميث
أعتقد أن نقطة انطلاق أي نقاش حول السياسة العالمية الراهنة هي حالة الرأسمالية العالمية، التي تجتاز أعظم أزمة منذ سنوات 1970، وربما حتى منذ سنوات 1930. برغم أنها ليست بحجم الكساد العظيم، نجتاز منذ الانحسار الكبير بما أسماه ديفيد ماكنالي David McNally ”أزمة عالمية مديدة“. ويسميها مايكل روبرتس Michael Roberts ”الكساد المديد“. وترتبط هذه الأزمة ارتباطًا وثيقًا بأزمات منظومية أخرى، أشدها وضوحًا أزمة المناخ، وأزمة الهجرة–النابعة من الانحسار الكبير، وتغير المناخ وغيرها من المشاكل بالغة الحجم–وتزايد الصراعات بين الدول وتنافس الإمبرياليات والحروب. وتحدو هذه العوامل بملايين الأشخاص الى التنقل عبر العالم.
ونشهد، فضلا عن هذا، عودة الجائحات. وليس كوفيد-19 سوى واحدة من الجائحات العديدة القادمة، بالنظر إلى تزايد الاندماج العالمي وانتقال الأمراض حيوانية المنشأ إلى البشر. وتجري هذه الأحداث بانتظام متزايد. إننا، والحالة هذه، نواجه أزمات متعددة ومتداخلة للرأسمالية العالمية التي تؤدي إلى نضالات من أسفل غير مسبوقة تكاد تشمل كل بلدان في العالم. فقد شهدنا في السنوات الخمس عشرة الأخيرة انتفاضات شعبية جماهيرية في العالم برمته.
وفي الآن ذاته، شددت هذه الأزمات تنافس الامبرياليات وصراعات الدول، مفضية إلى عدد متنام من الحروب، سواء بين الدول أو داخل الدول في شكل حروب أهلية. ثمة بهذا النحو محوران للصراع في العالم: أحدهما بين الدول الرأسمالية، والآخر بين هذه الدول والشغيلة والشعوب والأمم التي تستغلها وتضطهدها.
يتمثل الصراع المركزي بين الإمبرياليات في عصرنا الحالي في القائم بين الولايات المتحدة والصين. وهو الأولوية القصوى لكلتا الدولتين، ما يدفعهما إلى تبني سياسات متعارضة بتناظر–اقتصادية وسياسية وعسكرية–بقدر احتدام تنافسهما وامتداده على نطاق عالمي.
وفي الوقت نفسه، تشهد الولايات المتحدة والصين نضالات متزايدة من أسفل، حيث لم تعد الشعوب المضطهدة والمستغلة تطيق طبقاتها الحاكمة. ويوجد اليسار، في هذا الظرف، على المحك. ويكمن التحدي في معرفة ما إن كان بوسعنا معارضة هاتين القوتين وتنافس الإمبرياليتين الذي تخوضانه، مع دعم النضالات الشعبية في كلا البلدين وبناء تضامن معها.
لقد كُتب هذا الكتاب بهذه الروح: محاولة لتقديم بديل قائم على الأممية المناهضة للإمبريالية وعلى التضامن من أسفل ضد التنافس الإمبريالي المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين.
* يعتبر ناس كُثر في اليسار الصين ونظامها ”الاشتراكي“ المزعوم بديلا للنظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. هل يمكنك أن تشرح لماذا ترى أن هذا غير صحيح؟
أ.س: أعتقد أن علينا البدء بفهم سبب بحث الناس عن بديل للولايات المتحدة، لأنها كانت كما نعلم القوة الإمبريالية المهيمنة في القرنين العشرين والحادي والعشرين. ولها أكبر اقتصاد، واعظم قوة عسكرية، ولديها 800 قاعدة في جميع أنحاء العالم، و شبكة التحالف الامبريالي الأكثر تطورا ، وهي العدو الرئيس لنضالات التحرر في كل منطقة من العالم تقريبًا. لذلك من المفهوم تماماً أن يبحث الناس النافرون من الإمبريالية الأمريكية عن بديل ما – عن دولة تقف في وجه الولايات المتحدة وتعطي بديلاً عن سياساتها الرأسمالية والإمبريالية المعيبة.
لكني لا أعتقد أن الصين، أو أي دولة أخرى، تؤتي بديلًا حقيقيًا. يتناول الكتاب هذا الموضوع بتفصيل، على غرار كتب أخرى عديدة. أولاً، الصين دولة رأسمالية تشرف على اقتصاد رأسمالي. ومنشآتها العامة والخاصة مندمجة بالكامل في النظام العالمي. وقد استعملت هذا الاندماج للتحول من اقتصاد معزول وهامشي في سنوات 1970 إلى ثاني أكبر اقتصاد رأسمالي اليوم. وهي أكبر اقتصاد صناعي في العالم، وليس للمنتجات منخفضة الجودة فقط. وقد صُممت خطتها ”الصين 2025“ لانجاز وثبة في صناعات التكنولوجيا الراقية ، متحدية الولايات المتحدة وأوروبا واليابان في البحث والتطوير والإنتاج. وقد باتت الصين تتبوأ الصدارة في الابتكارات الأساسية مثل التكنولوجيا الخضراء والسيارات الكهربائية، مع التقدم في تحقيق استقلال في الصناعات الأساسية مثل إنتاج الرقائق الإلكترونية الدقيقة.
وبفضل هذا التوسع الرأسمالي الكثيف، ركزت الطبقة الحاكمة الصينية قدراً هائلاً من الثروة. إنها تضم ثاني أكبر عدد من المليارديرات بعد الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن معامل جيني، الذي يقيس تفاوت الدخل، يضاهي نظيره في الولايات المتحدة. ويستند كل ما نشهد في الصين، من ثروة وتوسع اقتصادي هائل، إلى استغلال الطبقة العاملة، وبوجه خاص الشغيلة المهجرين من الريف إلى المصانع الضخمة لرأس المال الصيني والشركات متعددة الجنسية. إنهم يصنعون كل شيء، من السيارات الكهربائية للشركات الصينية إلى أجهزة الآيفون لشركة آبل. يعملون فيما لا يمكن وصفه إلا بمعامل بؤس عملاقة تراقبها الدولة الصينية. الاستغلال قائم في صلب نمو اقتصاد الصين الهائل..
ترافق هذا التوسع، كما الأمر في كل قوة رأسمالية، مع كل صنوف الاضطهاد. تُخضع الصين شينجيانغ والتبت وهونغ كونغ لنيرها القومي داخل حدودها المعلنة ذاتيًا. إنها قوة إقليمية تهدد تايوان بالغزو. كما أن الصين عدوانية للغاية في بحر الصين الجنوبي، حيث تطالب بمساحات شاسعة من البحر وتدخل في صراع مع قوى أصغر في المنطقة، مثل الفلبين، وبالطبع مع الولايات المتحدة.
إن تطور الصين كقوة رأسمالية حوّلها إلى قوة إمبريالية صاعدة. إذ أنها، على صعيد اقتصادي، واحدة من أكبر مصدري رأس المال في العالم، لا سيما بفضل مبادرتها ”الحزام والطريق“، وهو مشروع استثمار ضخم بمبلغ تريليون دولار لا يروم مساعدة الدول الأخرى، بل تأمين المواد الخام لتغذية توسع البلد الاقتصادي. كما تبني الصين محورًا منافسًا لشبكة التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة، لا سيما مع روسيا، التي يربطها بها تحالف اقتصادي وجيوسياسي عميق، و أيضًا مع قوى إقليمية مثل إيران. وهي تشارك في منظمات مثل منظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس وغيرها.
و قامت الصين، بقصد تعزيز قوتها الاقتصادية والجيوسياسية، بتحديث جيشها بشكل كبير. وباتت تحوز ثاني أكبر ميزانية عسكرية في العالم، وقوات بحرية وجوية متعاظمة القوة، ومخزون متزايد من الصواريخ بالغة التطور، بما في ذلك ثالث أكبر مخزون من الصواريخ النووية بعد روسيا والولايات المتحدة.
الصين، والحالة هذه، قوة إمبريالية تتنافس مع الولايات المتحدة على جبهات متعددة: اقتصادية وجيوسياسية وعسكرية. وتسعى،إلى جانب روسيا وحلفائها، إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. ومن شأن هذا النظام أن يتيح للصين تأكيد مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية والعسكرية على الصعيد العالمي.
يعتبر البعض هذا تطورا إيجابيًا للأحادية القطبية، التي تهيمن عليها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة، نحو عالم متعدد الأقطاب. قد يبدو هذا للوهلة الأولى مقنعًا، لأن الأحادية القطبية في ظل الولايات المتحدة كانت مروعة، بما شهدت من عدد لا يحصى من الحروب وأعمال إرهاب الدولة ضد الشعوب في جميع أنحاء العالم لتكريس هيمنتها منقطعة النظير حتىئذ على الرأسمالية العالمية. لكن تعدد الأقطاب ليس حلاً. تذكروا آخر عصر كبير لتعددية الأقطاب في أواخر القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين، الذي أدى إلى الاندفاع لتقسيم العالم إلى مستعمرات، وإلى حربين عالميتين وموت مئات ملايين البشر. لذا، إذا كانت الأحادية القطبية سيئة، فالتعددية القطبية ليست حلاً، وقد تكون في الواقع، مع احتمال حقيقي لاندلاع حرب بين الامبرياليات، أسوأ.
* تعرض وسائل الإعلام الغربية شعب الصين على أنه يقبل بسلبية النظام الديكتاتوري. يتتبع كتابك تاريخ الصراعات الاجتماعية والطبقية الغني في الصين منذ إصلاحات دينغ شياو بينغ. هل لك أن تخبرنا المزيد عن هذا الموضوع وأهميته؟
أ.س: أولاً، إنه من باب الاستشراق العميق وصف الصينيين بشعب يقبل بسلبية الاستغلال والاضطهاد. في الواقع، على غرار أي بلد رأسمالي، كلما يوجد استغلال واضطهاد، ستكون ثمة دائمًا مقاومة. وقد شهدنا، مع صعود الصين كقوة رأسمالية وإمبريالية، تكثيفًا كبيرًا للاستغلال الطبقي والاضطهاد القومي وضروب أخرى من القمع مرتبطة بالجندر،و بالجنس وبالعرق وما إلى ذلك، وفي الوقت نفسه، تم طرح أشكال مختلفة من المقاومة للحكومة الصينية. وبموازاة ذلك، ظهرت أشكال مختلفة من المقاومة–الطبقية والاجتماعية–في العقود الأخيرة.
جاءت موج هذه المقاومةة الأولى ردًا على إعادة هيكلة صناعات الدولة الصينية. فعلى غرار عمال حزام الصدأ في الولايات المتحدة في سنوات1970 و1980، حاولت الطبقة العاملة الصناعية القديمة في الصين مقاومة عمليات الإغلاق والتسريح بإضرابات جماعية في سنوات 1990. وبرغم قمع العديد من هذه الإضرابات، لم ينه ذلك الصراع الطبقي في الصين.
في الواقع، مع ظهور صناعات جديدة في المناطق الاقتصادية الخاصة، وتدفق الاستثمارات الرأسمالية متعددة الجنسية –فضلا عن الاستثمارات الصينية العامة والخاصة الجديدة–انخرطت طبقة جديدة من الشغيلة في أشكال نضال طبقي، خاصة من أواخر سنوات 1990 إلى سنوات 2000. وقد تغذت موجة النضالات هذه إلى حد كبير من القوى العاملة المهاجرة الضخمة التي بلغت زهاء 300 مليون شخص غادروا الريف للعمل في الصناعات الجديدة. وكانت هذه النضالات جذرية، حيث جرت خارج النقابات التي تسيطر عليها الدولة وداخلها على حد سواء، حيث ناضل الشغيلة المهاجرون من أجل تحسين الأجور وظروف العمل.
بيد أن هذه النضالات لم تقتصر على أماكن العمل. فقد كانت المقاومة من أجل الأرض مهمة أيضًا، حيث شهدت الصين أحد أسرع معدلات التحضر في تاريخ العالم. صادرت الدولة أراضي المواطنين وباعتها للرأسماليين العقاريين لبناء مدن شاسعة. وقد انتفض المواطنون لمقاومة استيلاء الدولة على الأراضي، ما أثار صراعات مستمرة حول الأرض والحقوق المتعلقة بها.
كما كانت ثمة صنوف مقاومة أخرى، لا سيما النضالات ضد الاضطهاد القومي. شهد التبت مقاومة للاضطهاد القومي للتبتيين، ومقاومة مماثلة من قبل الأويغور ضد الإبادة الثقافية المروعة التي ارتكبتها الدولة الصينية في شينجيانغ. وثمةكانت هناك انتفاضات هائلة في هونغ كونغ، تم قمعها بوحشية من قبل الدولة الصينية. كما كانت هناك مقاومة نسوية لقمع النساء المتزايد في الصين.
يتكثل واقع آخر بارز في عودة التظاهرات والإضرابات في السنوات الأخيرة، اندلعت إلى حد كبير بسبب سياسة ”صفر كوفيد“ التي نهجتها الصين إبان الجائحة. فقد فرضت الصين حجرا صحيا في مدن بأكملها، ما أجبر الناس على البقاء في مبانيهم لأشهر ، وأحيانًا لأكثر من 100 يوم. كما طبّقت الحكومة أيضًا ”تدبيرا في دارة مغلقة“،بحبس الشغيلة في المصانع لإبقائهم في العمل إبان الجائحة. لم يؤدِ الحجر إلى القضاء على فيروس كورونا، لا سيما سلالة أوميكرون التي بدأت تنتشر في جميع أنحاء البلد وفي أماكن العمل. أدت سياسة الدولة إلى ظهور صعوبات هائلة.
وخارج عالم العمل، كان أحد أهم الأحداث حريق مروع في أورومتشي في شينجيانغ، حيث احترق مبنى بأكمله، ما أدى الى موت العديد من الأشخاص–معظمهم من الأويغور–كانوا محبوسين في الداخل. أطلق ذلك احتجاجات على صعيد البلد عُرفت باسم حركة الكتاب الأبيض. وفي الآن نفسه، جرت نضالات كثيفة في أماكن العمل ضد نظام التدبير في دارة مغلقة، وأدت إلى مواجهات جسدية بين العمال وقوات أمن الشركة والشرطة. وكان أحد أكبر الإضرابات في أحد مراكز تصنيع شركة Apple، حيث تمرد الشغيلة على حبسهم داخل المصنع أثناء انتشار الفيروس في الداخل. وفي نهاية المطاف، تخلت الحكومة الصينية عن برنامج القضاء على كوفيد-19، ما سمح للفيروس بالانتشار في المجتمع لبلوغ مناعة القطيع، ما أدى إلى إصابة عدد غير معروف من الأشخاص بالمرض وموتهم.
تُظهر كل هذه النضالات وجود مقاومة هائلة ضد الاستغلال الطبقي والتفاوت الاجتماعي والاضطهاد القومي والسياسات العنيفة للدولة الرأسمالية الصينية.
يبدو أن التزام الصين بالهيمنة على القطاعات الخضراء الناشئة مثل الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية يتماشى مع أهداف الحكومة المعلنة للاستدامة البيئية. لماذا يجب ألا نأخذ هذه الالتزامات بحذافيرها؟

س.أ: أولاً، يجب أن نرفض أكاذيب الولايات المتحدة والدول الأوروبية واليابان وغيرها ونفاقهم جميعا المدعي أنه يأخذ مكافحة تغير المناخ والتحول عن الوقود الأحفوري على محمل الجد. إنهم جميعًا يكذبون. يشرح كتاب آدم هنية الجديد Crude Capitalism ”الرأسمالية الخام“ هذا الأمر بتفصيل. فأوروبا والولايات المتحدة واليابانمتسببون تاريخيون في أزمة المناخ. وقد اتضح خطأ ادعاءاتهم بمكافحة التغير المناخي.
كلهذه القوى الغربية منخرطة حاليًا في توسع هائل في استخدام الوقود الأحفوري. في الواقع، شهدت الولايات المتحدة العام الماضي أكبر عملية استخراج للوقود الأحفوري في التاريخ. يشير هنية إلى أن تطوير التقنيات الخضراء يسير موازيا لتوسع استخراج الوقود الأحفوري. فالاثنان ليسا منفصلين؛ فالاستثمارات الخضراء لا توقف نمو الوقود الأحفوري، بل يحدثان متوازيان. لذا بينما نشهد استثمارات كبيرة في أشياء مثل السيارات الكهربائية، يتواصل ارتفاع معدل استخراج الوقود الأحفوري ، ومعه انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ما يعني تفلاقم تغير المناخ. إننا نبلغ نقاط تحول حرجة نحو كارثة بيئية، ومع ذلك تواصل القوى الغربية الإصرار على أنها تقود جهود مكافحة تغير المناخ. هذا كله أكاذيب.
أما الصين، فأرى أن الأمر لا يختلف عن ذلك. إنها ليست حالة خاصة، و ليست سيئة بشكل خاص مقارنة بهؤلاء الملوثين التاريخيين. إنها ببساطة جزء من نفس النظام–الرأسمالية–السبب الأساسي لتغير المناخ. لقد أصبحت الصين مركزا جديد من مراكز تدمير الرأسمالية العالمية للبيئة. وهذه ليست مشكلة خاصة بالصين، بل مشكلة منظومية.
فالصين، على غرار الدول الأخرى، تكذب بشأن التزامها بالبيئة. فبينما تواصل الاستثمار في التكنولوجيات الخضراء، تقوم بتطوير صناعتها للوقود الأحفوري على نطاق واسع. في عام 2023، أفادت التقارير أن الصين بنت، في السنوات السبع الماضية، محطات طاقة بالفحم أكثر من أي بلد آخر في العالم. في الواقع، تُبنى محطات طاقة بالفحم بمعدل محطتين في اليوم تقريباً. وتواصل الاستثمار في الفحم لحاجتها إلى الطاقة لتغذية نموها الصناعي، وحتى الآن فشل الاستثمار في التقنيات الخضراء مثل الطاقة الشمسية الاستعاضة عن الفحم وسائر الوقود الأحفوري كمصدر رئيس للطاقة في الصين. وفي الواقع، تمثل الصين أيضًا أكبر مستورد للنفط والغاز الطبيعي في العالم، وأكبر مصدر لنفث غازات الاحتباس الحراري. ومن ثم فهي رأسمالية قذرة للوقود الأحفوري مثلها مثل سائر القوى الكبرى.
لماذا ، والحالة هذه، تستثمر الصين بكثافة في التكنولوجيا الخضراء؟ السبب بسيط: إنه قطاع في عز النمو. هذا ما يحدو بجميع القوى الكبرى والرأسماليين الكبار الى الاستثمار فيه، ليس لإبدال الوقود الأحفوري، بل للاستفادة من هذا القطاع الجديد. لقد استثمرت الصين مبالغ هائلة في إنتاج السيارات الكهربائية والألواح الشمسية والبطاريات. كما أنها تسيطر على نسبة كبيرة من المعادن الأرضية النادرة، وهي معادن ضرورية لتصنيع الطاقة الشمسية والبطاريات.
ولكن على غرار الرأسماليين في جميع أنحاء العالم، أفرطت الصين في الاستثمار في الصناعات الخضراء، ما أدى إلى وفرة فائقة في المصانع والمواد الخام. و يمكن بفضل عمالتها الرخيصة البيع بأقل مصنعي السيارات الكهربائية والألواح الشمسية في البلدان الأخرى وتبيع منتجاتها في أسواقهم. نجم عن ذلك رد فعل حمائي كلاسيكي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان ودول أخرى تحاول حماية استثماراتها في هذه الصناعات.
في النهاية، ليست أي من هذه القوى ”خضراء“ حقًا، فكلها ملوِّثة، و تعمل على تطوير صناعات الوقود الأحفوري الخاصة بها بينما تستثمر في التكنولوجيا الخضراء لتحقيق الأرباح، وليس لتخفيف تغير المناخ.
* في كتابك، عرّفت تنافس الولايات المتحدة والصين على أنه أساسي لفهم ديناميات النظام العالمي الحديث. هل تخبرنا بالمزيد عن التوترات الأساسية بين هاتين الدولتين وعواقب صراعهما المحتملة ؟
: أولاً، من المهم فهم الأساسيات. الرأسمالية تنتج الإمبريالية. تنافس الدول وتنافس الإمبرياليين مكتوب في الحمض النووي للرأسمالية. ليست الإمبريالية مجرد قرار سياسي تتخذه حكومة أو أخرى لتأكيد قوتها الاقتصادية أو الجيوسياسية. إنها في الواقع نتيجة هيكلية للتنافس الرأسمالي. تلجأ الرساميل الوطنية إلى دولها لحماية وتعزيز مصالحها على نطاق عالمي. يقود هذا التنافس الدول إلى منافسة بعضها البعض، حتى بالصراع المسلح، من أجل الهيمنة الجيوسياسية وتقسيم السوق العالمية وإعادة توزيعها.
خلق هذا الصراع الإمبريالي من أجل الهيمنة أنظمة إمبريالية غير مستقرة تتطور بمرور الوقت. وهكذا، شهدنا تعاقبًا لأنظمة إمبريالية: من التنافس متعدد الأقطاب في أواخر القرن التاسع عشر، الذي أدى إلى الحربين العالميتين، إلى النظام ثنائي القطب في الحرب الباردة، إلى لحظة القطب الواحد التي أعقبت انهيار الكتلة السوفييتية، إلى النظام العالمي متعدد الأقطاب غير المتناظر اليوم، حيث يقوم التنافس المركزي بين الولايات المتحدة والصين. وكما أوضحت، تسعى الصين إلى تأكيد نفسها كقوة إمبريالية ومنافسة للولايات المتحدة لتقاسم من السوق العالمية.
ردت الولايات المتحدة على صعود الصين بالكيفية ذاتها التي ترد بها عادة قوى مسيطرة أخرى عند تواجه منافسين جدد. فقد حاولت تعزيز سيطرتها واحتواء خصومها ومواجهتهم. قبل صعود الصين، سعت الولايات المتحدة إلى تجنب ظهور منافس رئيسي باعتماد استراتيجية التحكم في الرأسمالية العالمية. لكنها أخفقت. ونتيجة لذلك، تبنت الولايات المتحدة استراتيجية منافسة جديدة بين القوى العظمى، باستخدام تكتيكات تقليدية شوهدت عبر تاريخ الإمبريالية: الحمائية الاقتصادية، وحشد الحلفاء لاحتواء منافسيها الناشئين، وتعزيز قوتها العسكرية. في ظل إدارتي ترامب وبايدن، ركزت الولايات المتحدة في المقام الأول على مواجهة الصين واحتوائها. وهذا يعني تعزيز التحالفات القديمة مثل حلف شمال الأطلسي وتشكيل تحالفات جديدة مثل التحالف الرباعي (مع اليابان والهند وأستراليا) وحلف أوكوس (مع أستراليا والمملكة المتحدة). لذا فإن ما نراه هو تنافس كلاسيكي بين امبرياليات يجري في أبعاده الاقتصادية والجيوسياسية والعسكرية.
بيد أن الأمر لا يعني أننا سائرون حتماً إلى حرب عالمية جديدة. إذ ثمة عدة عوامل مخففة تحول الآن دون انحطاط هذا التنافس إلى صراع عالمي واسع النطاق. أولاً، الولايات المتحدة والصين مندمجتان اقتصادياً بشكل عميق. يصعب تخيل وجود منتج مثل الآيفون دون مصانع صينية، على سبيل المثال. ويقلل هذا التكامل من احتمال نشوب صراع عسكري مفتوح، ستكون له تكاليف باهظة لكلا الاقتصادين. غير أن هذا الترابط آخذ في التلاشي تدريجياً مع سعي الولايات المتحدة وشركاتها إلى قواعد إنتاج بديلة في أجزاء أخرى من العالم.
ومن العوامل المخففة الأخرى حيازة كلتا القوتين أسلحة نووية تعملان على تطويرها وتحديثها لزيادة فعاليتها وقدرتها على الفتك. لذا قد يفضي أي صراع بينهما إلىى تدمير متبادل مؤكد (MAD)، وهو ما ردع القوتين العظميين عن صراع عسكري مباشر إبان الحرب الباردة. وبالطبع، لم يمنعهما ذلك من إعلان الحرب على بعضهما البعض، كما كادا أن يفعلا خلال أزمة الصواريخ الكوبية.
لا تلغي هذه العوامل تمامًا خطر نشوب صراع. لم نتوقع حربًا واسعة النطاق في أوروبا، ولكن روسيا أشعلتها بغزوها الإمبريالي لأوكرانيا. وبالمثل، يمكن أن يؤدي برميل بارود محتمل مثل تايوان إلى نشوب صراع بين الولايات المتحدة والصين، نظراً للرهانات الاقتصادية والجيوسياسية العالية التي ينطوي عليها الأمر. الخطر حقيقي للغاية.
* ماذا يعني هذا التنافس والديناميات الجديدة للرأسمالية العالمية بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة، مثل الاتحاد الأوروبي والدولة الإسبانية؟
* لقد سبق لي التطرق إلى هذه النقطة في إجابتي السابقة التي تخص طبيعة التنافس. أمر جوهري أن ندرك أن الولايات المتحدة تسعى بالتوجه صوب تنافس بين قوى عظمى إلى جمع كل حلفائها التاريخيين كأتباع في صراعها مع الصين. وتمارس الولايات المتحدة ضغوطًا قوية على أوروبا – سواء بواسطة المؤسسات الاقتصادية مثل الاتحاد الأوروبي أو المؤسسات العسكرية مثل حلف شمال الأطلسي – لتصطف إلى جانبها ضد الصين.
تلجأ الولايات المتحدة إلى الحمائية، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا الفائقة. وهي تصف هذه الظاهرة بأنها ”سياج عالٍ حول ورش صغير“، ولكن الموقع يتوسع باستمرار وتجري حماية المزيد والمزيد من الصناعات من المنافسة الصينية، وخاصة ذات تطبيقات عسكرية. وتُعد الرقائق الإلكترونية خير مثال، فهي مكونات أساسية في كل شيء من السيارات إلى الطائرات العسكرية مثل الطائرة المقاتلةF-35 . فمن يسيطر على مقدرة إنتاج الرقائق الإلكترونية يتحكم في جزء كبير من التقنيات العسكرية وتقنيات المراقبة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
لذلك تقيم الولايات المتحدة حاجزًا حمائيًا حول هذه الصناعات الاستراتيجية، وتدفع الاتحاد الأوروبي إلى الاقتداء بها، بوقف تصدير تقنيات مثل الرقائق الدقيقة والليزر المستخدم في تصنيعها إلى الصين. كما تحاول منع بيع السيارات الكهربائية الصينية تحت ستار الأمن القومي، بدعوى أن الصين قد تستخدمها لمراقبة سلوك الناس. بالإضافة إلى ذلك، تضغط الولايات المتحدة على دول الاتحاد الأوروبي للبقاء خارج مبادرة الحزام والطريق الصينية. وباختصار، تريد الولايات المتحدة من حلفائها اعتماد نفس الحمائية الاقتصادية التي طبقتها ضد الصين. وهذا يضع رأس المال الأوروبي، وخاصة الألماني، في معضلة اقتصادية عميقة. فهو معتمد على التصدير إلى الصين، ولكنه يواجه الآن منافسة من الصين، خاصة في مجال السيارات الكهربائية. بالتالي فإن في اعتماد ألمانيا الحمائية خطر أن ترفض الصين وتغلق سوق التصدير الحيوي.
وعلى صعيد عسكري، تضغط الولايات المتحدة على أوروبا لتتماشى مع استراتيجيتها العسكرية لاحتواء الصعود الصيني. فعلى سبيل المثال، ضغطت على حلف شمال الأطلسي (الناتو) – لمعاملة الصين كمصدر قلق استراتيجي والبدء في التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ. في الجوهر، تستخدم الولايات المتحدة حلف الناتو سلاحا ضد الصين وستواصل الضغط على جميع حلفائها – بما في ذلك إسبانيا – للانحياز إلى استراتيجيتها الاقتصادية والعسكرية والجيوسياسية.
سيكون هذا الضغط مستمراً، وسيتجلى بطرق متنوعة لا يمكن توقع بعضها. لكن إسبانيا لن تكون استثناءً من هذا الاتجاه.
* تجري أهم الأحداث الجيوسياسية ، في الظرف الراهن في غزة، وثمة احتمال متزايد لاندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقاً. هل يمكنك أن تخبرنا عن عواقب تنافس الولايات المتحدة والصين في هذا السياق؟
باتت غزة بؤرة صراع إقليمي وإمبريالي، ولكنها ليست البؤرة المشتعلة الوحيدة. فتايوان هي نقطة اشتعال أخرى، وكذلك أوكرانيا، وهناك نقاط ساخنة غيرها مثل الفلبين. هذه كلها بلدان تتقاطع فيها قضايا تقرير المصير القومي وصراع بين الإمبرياليات. يتمثل المفتاح بالنسبة لليسار في دعم جميع النضالات من أجل تقرير المصير الوطني دون استثناء، مع معارضة محاولات أي قوة إمبريالية استخدام هذه النضالات سلاحا لتحقيق أهدافها الخاصة، وهو ما ستحاول جميع القوى فعله حتمًا.
هذا هو الإطار العام لفهم ما يحدث في غزة. الولايات المتحدة هي الراعي الرئيسي – عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا – لدولة إسرائيل التي تعمل كضامن لها في الشرق الأوسط. وتستخدم الولايات المتحدة إسرائيل، إلى جانب الدول العربية الرجعية، لضمان عدم قيام أي دولة عربية أو إيران بتحدي سيطرة الولايات المتحدة على نفط المنطقة الذي يدعم الاقتصاد العالمي بأسره. وهذا يعني أن الولايات المتحدة متورطة بعمق في الإبادة الجماعية في غزة. فهي ليست مجرد راعٍ، بل شريك في الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري والاحتلال، والآن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل. لقد دعمت الولايات المتحدة وموّلت وسلّحت إسرائيل في عدوانها على غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران واليمن.
الولايات المتحدة هي الفاعل الإمبريالي المركزي في المنطقة، إلا أنها ليست وحدها. فعلى سبيل المثال، لطالما دعمت روسيا الثورة المضادة والرجعية في المنطقة. فقد كان لها دور رئيس في مساعدة الأسد على سحق الثورة السورية، وحافظت على علاقة وثيقة مع نتنياهو، حيث يحتفل بوتين ونتنياهو علنًا بعلاقاتهما. كما أن دور الصين ليس ضئيلاً. فشغل الصين الشاغل هو تأمين تدفق النفط من الشرق الأوسط لتغذية توسعها الاقتصادي، لذلك أقامت علاقات اقتصادية وجيوسياسية مع كل دولة قادرة على تزويدها بهذا الوقود. وتقيم الصين تحالفًا مع إيران، ولكنها أيضًا دفعت باتجاه تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول أخرى في المنطقة، ليس من حيث المبدأ، ولكن ببساطة لأنها تريد الاستقرار وتدفق النفط. حتى أن الصين تفاوضت على اتفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية، وهي ثاني أكبر مستثمر في إسرائيل. لذا، إذا كنت تدعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، فعليك أن تقدم ذلك كمطلب ضد الصين وشركاتها.
كان رد الصين على الأزمة الحالية رمزيًا بالأساس. ففيما انتقدت دعم الولايات المتحدة للإبادة الجماعية لتسجيل نقاط سياسية، لم تفعل شيئًا لمساعدة النضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير. كان دور الصين، مثل تنظيم محادثات بين الفصائل الفلسطينية المتنافسة، رمزيًا إلى حد كبير. حتى أن الصين تدعم حل الدولتين، وهو الحل الزائف الذي لطالما اقترحته الإمبريالية الأمريكية لفلسطين.
أعظم ما يقلق واشنطن هو أن فقدانها النسبي للقوة في المنطقة في العقدين الماضيين يمهد الطريق أمام أدوار أشد عدوانية للصين وروسيا في الشرق الأوسط. وسيؤدي توسع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل في المنطقة إلى تكثيف هذه الدينامية، ما قد يعرقل اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية الأخرى ويدفع الدول إلى تشكيل كتل متنافسة. ونحن نشهد بالفعل ظهور محور روسي-إيراني-صيني مصطف ضد إسرائيل والولايات المتحدة. والسؤال الآن هو ما الذي ستفعله الأنظمة العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، حيث أصبح من غير المقبول على نحو متزايد أن تدعم الولايات المتحدة علنًا في سياق الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
وبالتالي، يمثل خطر أن تنقسم العداوات بين الدول إلى كتلة مكونة من الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين وإيران وروسيا من جهة أخرى. ولكن في الآن ذاته، جميع هذه القوى ملتزمة بشدة بالحفاظ على تدفق النفط، لذلك قد تتردد في المخاطرة بزعزعة استقرار المنطقة من بانقسامات عميقة بين الدول. لكن العدوان الإسرائيلي فتح حقبة متقلبة وغير متوقعة إلى حد كبير، والدينامية التي في الرهان خطيرة. لقد بتنا شهودا على إبادة جماعية، وقد يؤدي امتداد هذه الإبادة الجماعية إلى لبنان إلى حرب إقليمية مفتوحة بين إسرائيل وإيران، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات دولية.
* في هذه النقطة، أعتقد أن السؤال التالي يتخذ أهمي أعظم. ما هي برأيك مهام اليسار العالمي وكيف يمكننا إيجاد مخرج من الوضع الراهن؟
إننا نعود، بنحو إلى الأسئلة الكلاسيكية التي واجهت اليسار الثوري في مستهل القرن العشرين. نجد أنفسنا اليوم في وضع من العداوات الهائلة بين الإمبرياليات والثورات واسعة النطاق منبجسة من أسفل في جميع أنحاء العالم. يواجه اليسار سؤالاً استراتيجياً: كيف نواجه كل الدول – ليس فقط الدول الإمبريالية بل كل الدول الرأسمالية – من الأسفل، وكيف نبني التضامن بين الحركات العمالية وحركات المضطهَدين في كل بلد ضد كل القوى الإمبريالية والدول الرأسمالية وحروبها؟
في الولايات المتحدة، أهم شيء بالنسبة لليسار هو تجنب الاصطفاف مع الدولة الأمريكية ومشروعها الإمبريالي. وهو ميل يتجلى غالبًا لدى أصحاب الأفكار الإصلاحية والولاء للحزب الديمقراطي، الذي هو حاليًا شريك في الإبادة الجماعية. إن التزامنا الأول في الولايات المتحدة هو معارضة الإمبريالية الأمريكية، انتهى الكلام.
وفي الوقت نفسه، يجب أن نحذر من الإغراء الثاني، وهو الاعتقاد بأن ”عدو عدوي صديقي“. يقود هذا الموقف بعض اليسار إلى اعتبار خصوم واشنطن أهون الشرور، أو حتى بدائل. ولكن كما سبق أن قلت، فإن هذه البدائل المزعومة، مثل الصين وروسيا، هي أيضًا دول إمبريالية ورأسمالية قائمة على الاستغلال والقمع والسياسات الرجعية. إن دعم قوة إمبريالية أخرى مثل الصين خيانة للنضالات الطبقية والاجتماعية في الصين بالاصطفاف إلى جانب دولتها ضد الشغيلة والشعوب المضطهَدة في البلد. كما أنه ينفّر الأمريكيين الذين يرون الصين بحق نظامًا رأسماليًا ديكتاتوريًا ورأسماليًا يبقي الشغيلة محبوسين في المصانع في وسط جائحة. هذا ليس نوعًا من البديل، وادعاء أنه كذلك لن يؤدي سوى إلى عزل اليسار عن النضالات الطبقية والاجتماعية في الولايات المتحدة، وإضعافه.
البديل الحقيقي هو معارضة جميع القوى الإمبريالية – الولايات المتحدة في المقام الأول، ولكن أيضًا الصين – مع بناء تضامن عابر للحدود. اليوم، النظام العالمي مترابط بعمق، ما يتيح فرصًا حقيقية لهكذا تضامن. لنأخذ الآيفون على سبيل المثال. فهو يربط بين الشغيلة في المصانع الصينية وشركات الشحن الدولية والموزعين مثل أمازون ومنافذ البيع بالتجزئة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى. وينسج هذا الاقتصاد العالمي المتشابك روابط تضامن بين الشغيلة في جميع أنحاء العالم.
فضلا عن ذلك، لدينا أنظمة تعليم دولية يشارك فيها الطلاب الصينيون في النضالات الجامعية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة، حيث يشاركون في كثير من الأحيان في تنظيم طلاب الدراسات العليا والإضرابات. لذلك هناك فرص حقيقية في الولايات المتحدة لبناء التضامن مع الطلاب الصينيين، سواء في النضالات المشتركة في الولايات المتحدة أو مع الطلاب في الصين. وهذا يعني أننا يجب أن نعارض جميع أشكال القومية الأمريكية والعنصرية المعادية للصين، لأن مثل هذا التعصب من شأنه أن يقسم طلاب الدراسات العليا ويقوض التضامن النقابي.
إن الأساس الموضوعي للتضامن العالمي من أسفل أقوى من أي وقت مضى، وضرورته واضحة لكل من يفكر بجدية في هذه القضايا. المشكلة ذاتية وسياسية. نحن بحاجة إلى بناء يسار ملتزم بشكل مناضل بالأممية من أسفل – ليس فقط كمبدأ، بل كاستراتيجية تنظيمية. كيفية القيام بذلك أمر معقد، وعلى كل قسم من اليسار العالمي أن يفكر في كيفية النهوض بالمهمة. ولكن إما أن نجد طريقة لبناء هذا التضامن، أو سنعاني من همجية حكامنا – حروبهم الطبقية في الداخل وحروبهم الإمبريالية في الخارج. لذلك يجب على اليسار أن ينظم جيلاً جديداً من المناضلين الاشتراكيين الذين يدركون مركزية الشعار الاشتراكي القديم: ”يا بروليتاريي العالم، لنتحد، فليس لدينا ما نخسره سوى قيودنا“. هذا ليس شعارًا تاريخيًا مقدسا للتزويق، بل هو المشروع السياسي المركزي لعصرنا. فإما أن ننجح، وإما أن نواجه همجية غزة وقائمة الكوارث المناخية المتزايدة باستمرار.

https://tempestmag.org/2024/11/building-international-solidarity-against-imperial-rivalry/

شارك المقالة

اقرأ أيضا