حوار مع حسن طاهيري كاتب محلي لفرع الجامعة الوطنية للتعليم- FNE (أولاد تايمة) ومناضل تنسيقية التعاقد المفروض
1* هل لك أن تحدثنا عن تجربتك في التنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم المفروض عليهم التعاقد؟
التحقت بالمكتب الإقليمي للتنسيقية بتارودانت بُعيد تكوينه وانطلقت التجربة بدافع من اقتناعاتي الشخصية حول الهجوم النيوليبرالي المتوحش الذي صادف أن نكون الجيل الذي يشهد وصوله إلى إخراج التعليم من الوظيفة العمومية. لنكون أمام واقع مرير يقتضي منا مواجهة هذه المراجعات بعيدا عن انتماءاتنا أو خلفياتنا الشخصية وبهدف واحد هو الدفاع عن المدرسة والوظيفة العمومية… لتنطلق رحلة الجموع العامة والنقاش والتقرير والمشاركة في هيكلة الإطار وتقوية التنظيم إقليميا وجهويا. ثم بعد ذلك وطنيا حيث تمثلت جهة سوس ماسة في المكتب التنفيذي وعدد من اللجان الوطنية لسنوات، سعت خلالها التنسيقية إلى استرجاع قوتها بعد البرنامج النضالي لسنة 2019 الذي تبعته انشقاقات وخلافات بين أعضاء المجلس الوطني أدت إلى تراجع منسوب الثقة في الإطار، إلا أن التنسيقية بفضل عمل مناضليها وإيمان قواعدها عادت مجددا بقوة خلال السنوات الموالية… أهم ما يمكن استخلاصه من تجربة التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد هو بحثها عن طرق تقرير تُمكِّن من ضمان تحكم القواعد في بناء المواقف والقرارات الناتجة عنها ومتابعة تنزيلها دون أن يؤثر ذلك على سرعة القرار ورجاحة النقاش المؤطر له، ورغم كل الهفوات التي وقعت فيها التنسيقية الوطنية إلا أنها شكلت تجربة متقدمة في هذا الباب حسب رأيي؟؟
2* كيف كان تدخُّل التنسيقية الوطنية في حراك التعليم لسنة 2023؟
أولا لنرجع إلى سياق الحراك التعليمي؛
في خضم الهجوم المتواصل على القطاعات العمومية بشكل عام تنزيلا للإملاءات الخارجية… وفي ظل ميزان قوى مختل، جاء الحراك التعليمي ردا على النظام الأساسي الجديد، وبالتحديد على الجانب المالي منه، حيث أثار جمود أجرة المدرسين خصوصا سخطا واسعا، تطور إلى ظهور تنسيقيات جديدة ترفع مطالب الزيادة في الأجر والتعويضات… فيما بقي نقاش استهداف الوظيفة والمدرسة العمومية هامشيا.
داخليا؛ أتى الحراك التعليمي لسنة 2023 بعد مجموعة من المعارك التصعيدية التي خاضتها التنسيقية عبر ست سنوات من النضال ضد مخطط التعاقد، كانت آخرها معركة الامتناع عن تسليم نقط وفروض المراقبة المستمرة، والتي صاحبها خلاف كبير بين الأساتذة والأطر انعكس على مستوى الهياكل. وأنهكت هذه المعارك التصعيدية والخلافات الأساتذة والأطر المناضلين والمناضلات، وتسببت في تراجع المشاركة في الجموعات العامة التي تشكل العمود الفقري للتنظيم، وكذا على الانخراط في الأشكال الاحتجاجية.
في خضم هذا جاء موقف التنسيقية الوطنية الرافض لدعوة وجهتها لها وزارة التربية والتعليم للمشاركة في جلسات الحوار الخاصة بصياغة النظام الأساسي، بقرار من الجموعات طبعا. قرار بُني على الوثائق المؤطرة لهذا النظام، وكذا ما أبدته الوزارة الوصية في لقاءاتها مع لجنة الحوار من إصرار على جعل هذا النظام يضم فئتين، موحدتين في المسار المهني لكن مختلفتين من حيث المُشغِّل… وقد نبهت التنسيقية إلى خطورة ما تريد الوزارة تمريره ضمن هذا النظام الأساسي الجديد في بياناتها وفي مراسلاتها للنقابات قبل صدوره بسنتين.
وكونها إطارا جماهيريا ومناضلا مبدأ وممارسة، استجابت التنسيقية الوطنية لدعوة الانضمام للتنسيق الوطني بعد مصادقة الجموع العامة على ذلك، والذي كان أولَ مبادرة لتوحيد النضال ضد النظام الأساسي الجديد، لينطلق الحراك وتتأسس تنسيقيات جديدة نجحت في تعبئة عموم الشغيلة التعليمية التي كانت تلتزم الصمت منذ فترة طويلة.
من داخل هذا الحراك كان هدف التنسيقية الوطنية الأساسي هو توجيه البوصلة نحو النقاش الحقيقي والأهم المتعلق بسعي الدولة بافراغ القانون العام للوظيفة العمومية، عن طريق خلق أنظمة أساسية خاصة بكل قطاع وفئة تكون خارج الوظيفة العمومية وميسرة لتغيير وتنويع أشكال التوظيف… لكن مجهودنا لم يكن قادرا على جعل هذا النقاش يطفو على السطح، وواصلت الزيادة في الأجور تَصدُّرَهُ. لتستعمل الدولة ثنائية العصى والجزرة في اإخماد الحراك: جزرة الزيادات وعصى التوقيفات والقمع… ومع تركيز الإعلام والمواقع على الجانب المادي والدعاية الإعلامية التي سبقت الاتفاق النهائي ولحقته نجحت الدولة في تمرير نظام أساسي يحمل أحد مداخل هدم النظام الأساسي للوظيفة العمومية… أخيرا أظن أن التنسيقية الوطنية دخلت الحراك التعليمي مضطرة، وغير مستعدة سواء تنظيميا أو قاعديا لقيادة الحراك أو التأثير في مطالبه المرفوعة.
3* كيف تُقيِّم وضع التنسيقية الوطنية اليوم بعد سبع سنوات من النضال؟
عندما يفقد إطار ما القدرة على التجدد فإما أن يتحول إلى بيروقراطية أو أن يضمحل تدريجيا، حتى الآن مازالت هياكل التنسيقية الوطنية قائمة، لكن عودة الأساتذة والأطر إلى النقاش وبناء تصور جديد لهذا الإطار أمر ضروري حتى تُبعث فيه الروح ويعود للإشتغال. لا أريد أن ألوم بعض الأساتذة والأطر على تخليهم على إطارهم خاصة إبان الحراك، فكلنا نخطئ التقدير. لكن استمرار إهمالهم التنظيم والحضور في الجموع العامة سيجعلهم يخسرون إلى الأبد إطارهم المحصن لهم.
من أسباب هذه الوضعية أيضا التقليل من أهمية التقدم الذي تم تحقيقه في وضعية الأساتذة والأطر الذين فرض عليهم التعاقد منذ 2017، كانت ضمن الملف المطلبي الذي تم رفعه سنة 2019. هذه المطالب التي تم تحقيقها هي بفضل نضالات الأساتذة والأطر ولم تكن لتتحقق لو التزمنا الصمت، بل كانت لتزيد وضعيتنا سوءاً. فكل مطلب يُنتزع هو بمثابة شحن إضافي للعزائم وتجديد اليقين أن النضال ينتزع الحقوق.
لا يمكنك أيضا أن تبقى جامدا في عالم يتحرك بسرعة وتتغير معطياته. لذلك يتطلب الاستمرار فتح آفاق أوسع للنضال والحد من الفئوية والأنانية، لأن جميع المعارك تعنينا وعلينا خوضها بكل ما أوتينا من إصرار وأمل.
4* جرى انتخابك كاتبا محليا لفرع الجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديمقراطي بأولاد تايمة، ما دواعي الالتحاق بالعمل النقابي، بعد سنوات من النضال داخل التنسيقية الوطنية؟
للأسف الشديد يرفض أغلب الأساتذة والأطر من داخل التنسيقية خوض معارك أوسع أفقا. ويرفض قسم كبير لغة البيانات، فقط لأنها كانت تربط وضع الأساتذة والأطر بخلفياته السياسية والاقتصادية… ولأن المرحلة حساسة لا مجال فيها لقص الأظافر، لم يكن لي بد من الإلتحاق بنقابة الجامعة الوطنية للتعليم التوجه من أجل الإسهام في مقاومة هذه التراجعات (قانون حظر الإضراب، تخريب صناديق التقاعد، تفكيك النظام الأساسي للوظيفة العمومية…)، وهي الأقرب للالتزام بالجماهيرية من غيرها حسب تقديري، والأكثر حرصا على الالتصاق بقرار الشغيلة.
5* عرفت فترة ما بعد الحراك التحاقا كثيفا لمناضلين- ات من التنسيقية الوطنية لأساتذة- ات التعاقد المفروض. كيف يمكن أن يساهم هذا الالتحاق في تطوير العمل النقابي بالمغرب؟
كما أكدت سابقا أن أهم ما يمكن استخلاصه من تجربة التنسيقية الوطنية هو التمسك بقرار القواعد وجعلهم يملكون قرارهم دون وصاية… وهنا تأتي الإضافة التي يمكن أن يعطيها مناضلوا التنسيقية الوطنية داخل النقابات، فكما تعلمون البيروقراطية جعلت الشغيلة تتهرب من العمل النقابي وتشكك في كل من يدخله، الحل الوحيد لهذا العزوف هو عودة القرار إلى المعنيين، وألا تعقد الاتفاقات الحزبية على حساب معاناتهم. لكن الأمر يتطلب من مناضلي التنسيقية التمسك بنفس المبدئ والبحث عن إمكانيات تحقيقها..
ما استغربه حقيقة هو هجوم بعض المناضلين الذي اشتركنا معهم سنوات من النضال الميداني قبل التنظيمي على اختيارنا المشاركة في معارك ضد قانون حظر الإضراب وتخريب صناديق التقاعد، في حين أننا نعجز كتنسيقية خوضها!
الواقع أن البعض يقدس التنظيم ولا يتخيل حياته دونه، ويتناسى أنه حلقة من مسلسل تاريخ الشعب المغربي الذي يصنع لنفسه دوما مجالات لمقاومة السياسات اللاشعبية، وتبقى وسيلة لا هدفا في حد ذاتها… مع العلم أنني شخصيا كنت أدافع بشراسة على تعديل الورقة التنظيمية وتضمينها بندا يمنع إزدواجية الانتماء، لكن الأغلبية بمن فيهم من يهاجمنا اليوم كان ضد هذا البند…
أخيرا؛ قرار استمرار التنسيقية من عدمه هو قرار الأساتذة والأطر الذين فرض عليهم التعاقد… لأن استمرارها مشروط بإعادة بناء الملف المطلبي وتغيير التصور المؤطِّر للدفاع عن الوظيفة العمومية، وكذلك الاستعداد للمشاركة في معارك أوسع تعنى بها كل الشغيلة التعليمية وعموم الموظفين والعمال… وهذا لن يتم إلا بعودة الجموع العامة الناجحة التي كانت المحرك الأساسي للإطار وعلامة على إيمان الأساتذة والأطر به وبالمعارك العادلة التي تنتظرهم.
اقرأ أيضا